Blogثقافة وفكر

متلازمة هوبريس: التشوه المهني للزعماء السياسيين

كلمة “هوبريس” ليست مصطلحًا طبيًا. في أبسط معانيه، تم استخدامه في اليونان القديمة في وصف الشخص الذي يتمتع بالسلطة ويستمتع بها وينظر إلى الجميع بغطرسة مهينة بل ويعتبر نفسه ندا للآلهة… ويشير أرسطو في كتاب “البلاغة” إلى ذاك الجانب من التوق الذي يسميه أفلاطون بالهوبريس، وينص على أن المتعة المستمدة من ممارسة الهوبريس تتمثل في عرض الإنسان المتفاخر لتفوقه.

لطالما اجتذب السلوك المتغطرس الكتاب المسرحيين لأنه يوفر فرصة لاستكشاف الطبيعة الإنسانية. مسرحية كريولانس لشكسبير هي خير مثال على ذلك. لكن هذا النموذج السلوكي قد يهتم به أولئك الذين يدرسون حياة القادة السياسيين الحقيقيين لا مجرد شخصيات أدبية أسطورية.

إذن هل ترتبط متلازمة هوبريس بنمط معين للشخصية وهل هناك ميول وراثية لهذه المتلازمة؟ والسؤال الأكثر إثارة للاهتمام هو: هل يمكن للقادة السياسيين من أنماط شخصية مختلفة أن يكتسبوا أعراض متلازمة هوبريس لمجرد أنهم وصلوا إلى السلطة؟ بمعنى آخر هل يمكن أن يؤدي وجودك في السلطة بحد ذاته إلى تغيرات ما في نفسك تنتج عنها متلازمة هوبريس؟

تظهر معظم اضطرابات الشخصية في سن الثامنة عشرة ثم تصاحب الشخص طوال حياته. وبينت دراسة أجريت في المملكة المتحدة عام 2006 أن 4.4% من عامة السكان يعانون من اضطرابات الشخصية. على العكس من ذلك، قد تظهر متلازمة هوبريس في مرحلة عمرية متأخرة وبالتالي لا يمكن اعتبارها اضطرابًا في الشخصية.

كما تختلف متلازمة هوبريس في جوانب أخرى أيضا: إذ تلاحَظ في سلوك الزعيم أو القائد فقط أثناء وجوده في السلطة (وبعد مضي مرحلة لا بأس بها)، وتختفي مع فقدان السلطة. لذلك فإن المتلازمة على الأرجح تندرج في إطار ما يسمى في علم النفس بـ “التشوه المهني للشخصية”. ومن الواضح أن احتمالية التشوه النفسي تتحدد من خلال الظروف التي يؤدي فيها السياسي الخدمة العامة. ويبدو أن العوامل الخارجية الرئيسية هنا هي كالتالي:

النجاح الكبير في اكتساب السلطة والاحتفاظ بها؛

الوضع السياسي الملائم لتعزيز السلطة الشخصية؛

طول مدة البقاء في السلطة.

بالتالي فمن العوامل الخارجية الهامة التي تؤدي إلى ظهور هذا النمط من التشوه النفسي هي حصول الشخص على السلطة المطلقة وعدم وجود آليات لتقييدها، وكذلك فترة البقاء في السلطة. فكلما طالت مدة بقاء الشخص في السلطة كلما زادت أعراض متلازمة هوبريس.

ويمكن وضع مثل هذا التشخيص إذا وجدت عند السياسي أكثر من ثلاثة أعراض من القائمة التالية:

الميل النرجسي في النظر إلى العالم على أنه ساحة لممارسة سلطته واكتساب الشهرة الشخصية، وليس على أنه مصدر للمشاكل التي تتطلب نهجًا عمليًا في التعامل معها؛

التركيز على الإجراءات التي تحسن صورة الزعيم السياسية؛

الاهتمام المفرط بالصورة العامة للزعيم والانطباع الذي يخلقه؛

لهجة تباهي وافتخار مفرط عند مناقشة الإنجازات الخاصة، الميل إلى تعظيم الذات؛

تماهي الذات مع الدولة والدمج بين المصالح الشخصية للزعيم ومصالح المجتمع بأكمله؛

التحدث عن النفس بضمير الغائب أو الإكثار من استخدام ضمير “نحن”؛

القناعة التامة بصواب الموقف الشخصي وتجاهل النصائح أو النقد؛

الثقة المفرطة بالنفس، على حدود الشعور بالقدرة المطلقة؛

إحساس الشخص بأنه ليس مسؤولا أمام شعبه والسياسيين الآخرين بل أنه مسؤول فقط أمام سلطة عليا غيبية مثل حكم التاريخ أو الحكم الإلهي وعدم وجود أدنى شك في أن المحكمة العليا ستبرئه؛

الاضطراب والتهور والاندفاع في اتخاذ القرارات.

فقدان الإحساس بالواقع، وغالبًا ما يكون مصحوبًا بعزلة ذاتية متزايدة؛

غالبا ما يكون الشخص واثقا بنظرته “الثاقبة” وفهمه لبواطن الأمور ونقائه الأخلاقي والذي يطغى على جميع الجوانب الأخرى مثل إمكانية التطبيق العملي واحتمال حساب عواقب غير مرغوب فيها؛ وكذلك الرفض العنيد لتغيير المسار السياسي؛

وكنتيجة – انعدام الكفاءة السياسية التي يمكن تسميتها اصطلاحا بالهوبريسية: إذ أن الأمور تسير بشكل سيء تحديدا لأن الثقة المفرطة بالنفس تمنع القائد من الدخول في كل التفاصيل وبالأخص – تلك الخاصة بالمسار السياسي المختار.

وهكذا تتجلى المتلازمة في المقام الأول في فقدان القدرة على التقييم السليم للوضع.

يمكن أن يظهر ويتطور الجو الذي يوحي “بالقدرة الخارقة” حول أي زعيم، ولكن كلما ارتفع مستوى الشخص – زادت المخاطر. ففي نهاية المطاف، حتى الزعماء المنتخبون ديمقراطياً محاطون باحترام خاص وبهالة معينة تختلف باختلاف طبيعة البلد. وغالبًا ما تنعكس وجهات نظرهم وآراؤهم الشخصية على آراء وتوجهات الحزب والمسار السياسي العام، ما قد يؤدي إلى ما يسمى بـ “عقلية الخندق”.

قناة تيليجرام/ علم النفس (مقالات وأبحاث)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى