مقالات
أخر الأخبار

مجزرة المشافي في غزة

د. أحمد موفق زيدان

مشاهد تدمي القلوب، وتتفطر لها الأفئدة، في ظل ما نراه ونشاهده على شاشات التلفزة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي من إجرام ووحشية، أي قلب؟ وأي فؤاد؟ هذا سيتحمل كل ما نراه، إذ نشعر وكأن ما نراه اليوم من مجازر ومذابح ومشاهد تكفي عقوداً للمشاهدين والمتابعين، ولكن أي كارثة حلت على هذا الجيل ليُرغم على مشاهدة كل هذه المشاهد والمجازر في فترة زمنية قصيرة. أي جيل هذا الذي عليه أن يتحمل كل ما تفتقت عنه الذهنية الصهيونية الإجرامية من قتل وتدمير وتهجير، وسط صمت مخيف للعالم كله، ووسط تواطؤ القريب قبل البعيد وهو الأمر الذي يرش مزيداً من الملح على الجروح المتقرحة أصلاً، وعلى الجروح المفتوحة لعقود.

ما يجري أمام العالم العاجز كله، بل قل العالم المشارك بالمجزرة بحق أطفال غزة وشبابها وشاباتها، شيء لا تفسره كل علوم الأرض التي درسناها، هذه المجازر والمذابح التي تمت في غزة ومن قبل في سوريا والعراق واليمن ربما بحاجة إلى علوم جديدة تفسر ما حدث ويحدث، وبحاجة إلى من يستهدي بهذه الأحداث والوقائع المتواصلة، من أجل تعديل العلوم المدروسة لاسيما فيما يتعلق بالجوانب النفسية والاجتماعية للقتلة والمجرمين.

هل وصل العالم إلى درجة أن يسمح لمجرم متوحش بأن يساوم على حياة المرضى والجرحى والراقدين على الأسرّة من نساء وعجزة وأطفال في بورصة قتله وإجرامه، بحيث يمدُّ المشافي بالوقود مقابل التنازل في ساحة المعركة، وهل وصل الأمر إلى درجة أن يقوم المحتل بقصف أماكن يجزم بوجود أسراه ليتخلص منهم؟، ويتخلص كذلك من تبعات التفاوض عليه والمساومة عليهم، فيتحلل من مسألة الإفراج عن أسرى فلسطينيين قضوا سنوات وربما عقوداً في سجون الاحتلال الصهيوني.

هل وصل العالم كله إلى درجة أن يرضى الجميع بتفجير واقع اقليمي وربما دولي ومعه يستنزف العالم الغربي ما تبقى له من قيم أخلاقية وإنسانية لصالح عدوان متوحش إجرامي على غزة، مما يعني تهديد أنظمة سياسية في ظل الاحتقان العربي والإسلامي على أنظمته العاجزة والمتواطئة، بعضها مع الأجنبي على غزة وأهلها، مما يعني بالضرورة سلبيات وتداعيات خطيرة على الأمن الداخلي، مما سينعكس بكل تأكيد على الواقع الاقليمي والدولي، فحالة التعبئة التي حصلت في الجيل الحالي مخيفة، وهذا الجيل ربما مستعد لمن يقوده ليفرغ كل ما عبأه من حقد وثأر على ما جرى ويجري في أقرب محطة ثأر وانتقام.

مجزرة المشافي التي تحصل على الهواء مباشرة لمشافي معدودة في غزة ليس لها مثيل في التاريخ، حيث تبدو الدول الراعية والداعمة لهذه المشافي عاجزة عن التأثير الدولي حتى في حماية منشآتها الطبية، فضلاً عن تأمين وصول الدواء ومستلزمات التشغيل لمشافيها، وهو ما يعكس مدى عجزنا الذي وصل إلى هذا المستوى المخيف والمريع، حيث سلّمنا بأن لا قدرة لنا على مواجهة المحتلين ولا على وقف عدوانهم.

تعرضنا في سوريا لـ 12 عاماً لمجزرة المشافي التي استهدفت مئات المشافي والمستوصفات ومعها الأسواق والمخابز والمدارس، وصمت العالم كله حينها على هذه المجازر، ولم تكن كل هذه المؤسسات بمنأى عن جرائم المعتدين، ونفس الأمر يحدث اليوم في غزة بفلسطين، حيث يمارس الجيش الاسرائيلي سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها الروسي من قبل في حلب، وقبلها في غروزني وبعدها في أوكرانيا، ومارسها الأمريكي في العراق وفي الباغوز في سوريا، فليس هناك أحد أفضل من أحد، فالكل شريك في مجزرة المشافي، يوماً في العراق وآخر في سوريا وثالث في اليمن واليوم في فلسطين، ولا ندري غداً أين ستكون؟

.
الشرق القطرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى