مقالات
أخر الأخبار

مستقبل اللوبي الصهيوني في أمريكا

بقلم: حسن الرشيدي

أشار ترامب مباشرة إلى تراجع نفوذ المنظمات الصهيونية على الكونجرس والنخب السياسية، فهل نشهد بداية عصر جديد يعيد رسم خريطة التأثير السياسي في أمريكا؟ الإجابات تحمل مفاجآت وتحديات غير مسبوقة.


لا يزال غرس طوفان الأقصى يخرج علينا بثماره على المسلمين، ويستمر بفيضانه بالخير على أمة الإسلام. ومن بين نفحاته التي لا تزال تنتشر، ما نراه في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي لازالت تتربع على قمة النظام الدولي، حيث تُجمع مؤشرات القوة على أنها لا تزال تتمتع بالهيمنة، بل وتتفوق على جميع دول العالم في تلك المؤشرات، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو تكنولوجية.

فقد بدأنا نرى ما يمكن تفسيره بأنه تراجع لنفوذ اللوبي الصهيوني على الطبقة السياسة الأمريكية. ففي خلال حفل استقبال بمناسبة عيد الحانوكا اليهودي في البيت الأبيض منذ عدة أيام، وبالتحديد في 16 ديسمبر 2025، قال الرئيس الأمريكي ترامب نصاً في ثنايا خطابه:

“كان والدي يخبرني أن أقوى لوبي في هذا البلد هو اللوبي الصهيوني لكن الأمر لم يعد كذلك الآن”.

وأضاف: “هناك الكثير من الأشخاص في الكونغرس لا يحبون إسرائيل بل ويكرهونها”، مشيراً إلى أن هذا التغيير كان سيبدو مستحيلاً قبل 15 عاماً.

ولم تكن هذه أول مرة يتحدث فيها ترامب عن تراجع قوة النفوذ الصهيوني في الولايات المتحدة، فقبل هذا الحديث ومنذ ثلاثة أشهر، وفي مقابلة مع موقع The Daily Caller نُشرت في سبتمبر 2025، كرر ترامب نفس الفكرة قائلاً: “قبل 20 عاماً، كان لإسرائيل أقوى لوبي في الكونغرس.. اليوم لم يعد الأمر كذلك، وهو أمر مذهل”.

وأشار ترامب صراحة إلى تراجع الدعم داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وذكر أسماء نواب تقدميين مثل “إلهان عمر” و**”ألكساندريا أوكاسيو كورتيز”** كمثال على من يهاجمون الكيان الصهيوني علناً، ولم يكن يحدث ذلك من قبل.

وهنا يثار السؤال:

  1. ما مدى خطورة تراجع النفوذ الصهيوني على الدعم الذي تقدمه أمريكا للكيان الصهيوني؟
  2. وما أثر ذلك على الكيان؟
  3. والأهم ما هي الفترة الزمنية المنتظرة لظهور هذا التأثير كتغير ملموس؟

للإجابة على هذه الأسئلة ينبغي دراسة كيف أثرت الصهيونية على القرار السياسي الأمريكي؟ وما حجم هذا التأثير؟ ثم ننتقل إلى دراسة التغير الحادث ومدى تغلغله في الحياة السياسية الأمريكية لاستشراف المدى الزمني الذي سيكون فيه مؤثراً. ولكن في البداية، يجب أن نفرق بين الصهيونية واليهودية، كمصطلحين قد يختلطان على البعض.

بين الصهيونية واليهودية

  • اليهودية: في أصلها هي دين التوحيد الذي أنزله الله على نبي الله موسى عليه السلام، وأنزل سبحانه التوراة هدى ونوراً لبني إسرائيل، ولكن جرى تحريف التوراة، كما تم نسخ الدين اليهودي بنزول القرآن على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومجيء الإسلام الناسخ لكل دين قبله.
  • الصهيونية: هي حركة تدعو إلى عودة اليهود إلى جبل صهيون في فلسطين.

أظهر العدوان على غزة فجوة هائلة؛ فالأجيال الأكبر التي تدير اللوبي لا تزال تدعم دولة الكيان، بينما الأجيال الشابة ومنها جيل “زد” وبما في ذلك الشباب اليهود، أصبحوا أكثر تعاطفاً مع الرواية الفلسطينية.

والمفارقة فإن أول من نادى بهذه الدعوة هم المسيحيون البروتستانت والذين نادوا بها تنفيذاً لنبوءات الإنجيل، والتي تشترط لنزول المسيح الثاني قيام دولة لليهود على أرض فلسطين، بينما التوراة جاءت نبوءتها بهذا الصدد عكس الإنجيل.

وبعدها أقنع البروتستانت اليهود العلمانيين بتبني الفكرة، ولذلك فإن الصهيونية المسيحية سبقت الصهيونية اليهودية، حتى أن اليهود المتمسكين بتعاليم التوراة ويطلق عليهم اليهود الأرثوذكس، يرفضون الصهيونية وفكرة قيام دولة إسرائيل قبل نزول المسيح، ومن تعاطى مع الفكرة الصهيونية فقد تعاطى معها إما أنه علماني، أو متدين براجماتي، وليس عقائدياً، وهؤلاء ينتمون إلى طائفة الحريديم والذين يحرمون دخول الجيش من هذا المنطلق.

الصهيونية وأمريكا

فر البروتستانت من الاضطهاد في أوروبا إلى الأرض الجديدة في أمريكا، ونقلوا معهم أفكارهم الصهيونية إلى تلك البلاد، ومن ثم بدأت تنتشر وتتأسس وتتلاقى مع الفكرة الصهيونية في بريطانيا، والتي بدورها بدأت في الانتشار هناك في أوساط العلمانيين اليهود مثل هرتزل، بتشجيع من البروتستانت البريطانيين.

ولما أخذت بريطانيا على عاتقها تطبيق أفكار الصهيونية اليهودية في فلسطين وتشجيع الهجرة إليها، كان هناك تجاوب على جانب الشاطئ الآخر من المحيط الأطلنطي في الولايات المتحدة، ولكنه أقل من زخمه البريطاني. ومع بداية أفول الإمبراطورية البريطانية، وصعود الولايات المتحدة، بدأ اللوبي الصهيوني في أمريكا في التشكل والزحف إلى مؤسسات السياسة الأمريكية.

تمدد اللوبي الصهيوني في أمريكا

هناك شبكة واسعة من المنظمات التي تعمل كجزء مما يسمى باللوبي الصهيوني في أمريكا، وتتنوع أساليبها:

  • اللوبي المسيحي الصهيوني: هو الأكبر عدداً بما يتجاوز 10 ملايين عضو، ويطلقون على أنفسهم (مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل) (CUFI). ويعتمد على القاعدة الإنجيلية البروتستانتية التي تكمن قوتها في قدرتها على تحريك ملايين الناخبين.
  • اللوبي الليبرالي: تأسس عام 2008، يصف نفسه بأنه مؤيد لدولة الكيان ومؤيد للسلام، ويدعم حل الدولتين، وله نفوذ متزايد داخل الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي.
  • منظمة إيباك (AIPAC): اللوبي الأكثر تخطيطاً وتنظيماً وفعالية. يعتبر تحالفاً استراتيجياً يهودياً أمريكياً مع اللوبي المسيحي الصهيوني (CUFI) لتوفير القاعدة الشعبية والناخبين.

الطوفان وتراجع اللوبي الصهيوني

جاءت حرب الطوفان وما نتج عنها من ظهور وجه الكيان الصهيوني الحقيقي من خلال حملة الإبادة الوحشية، مما أحدث زلزالاً في المشهد السياسي الأمريكي. صحيح أن حرب غزة لم تنه تأثير اللوبي، لكنها أضعفت الإجماع حوله للأسباب التالية:

  1. الانقسام الجيلي الحاد: فجوة هائلة بين الأجيال الأكبر والأجيال الشابة (جيل زد) التي أصبحت أكثر تعاطفاً مع الرواية الفلسطينية.
  2. ظهور اللوبي المضاد الشعبي: احتجاجات ضخمة داخل الجامعات وضغوط مباشرة على المشرعين، مثل حركة (غير ملتزم).
  3. تآكل سلاح الترهيب: كسر العديد من السياسيين مثل أعضاء “السكواد” والسيناتور “بيرني ساندرز” حاجز اتهام “معاداة السامية”، مما جعل نقد الكيان أمراً مقبولاً سياسياً.
  4. التكلفة المالية الباهظة: اضطرار “إيباك” لإنفاق عشرات الملايين لإسقاط مرشحين تقدميين مثل جمال بومان وكوري بوش، مما يعكس حالة دفاع لا سيطرة مريحة.

الفترة الزمنية للتأثير

لكي نرى تحولاً مؤثراً للسياسة الأمريكية لتكون أكثر توازناً، يجب النظر إلى مدى متوسط (10-15 سنة) أو مدى بعيد (20 سنة أو أكثر) لعدة عوامل:

  • تغير النخب: يحتاج الشباب الغاضبون حالياً إلى 10 سنوات على الأقل ليصبحوا مديري المكاتب في الخارجية والبنتاغون وأعضاء في الكونغرس.
  • التغير الديموغرافي: خلال 20 سنة ستصبح أمريكا دولة أقلية بيضاء، وسيزداد نفوذ الناخبين من أصول عربية وإسلامية ولاتينية، وهؤلاء غالباً لا يشاركون الرؤية الصهيونية التقليدية.

زر الذهاب إلى الأعلى