مقالات
أخر الأخبار

مستقبل النووي الإيراني في ظل تصاعد الصراع مع إسرائيل

أحمد مصطفى الغر

يظل النووي الإيراني هو الهاجس الأكبر لدى إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة والدول الغربية، ومع تصاعد الأحداث بين إسرائيل وإيران، أصبح النووي الإيراني في مرمى الاستهداف فهل يتطور التصعيد المتبادل بين الجانبين إلى استهداف المنشآت النووية بالفعل؟

جاء الرد الإيراني على مقتل زعيم حزب الله حسن نصرالله ومن معه من القادة العسكريين في الحزب بإطلاق نحو 180 صاروخًا نحو دولة الاحتلال، خلال هذا الهجوم الذي وقع في الأول من أكتوبر جرى استهداف ثلاث قواعد جوية ومقرًا للموساد، ، بالرغم من أن الهجوم لم تكن له تأثيرات فادحة على القدرات الإسرائيلية، إلا أنه جعل المنطقة أقرب خطوة من الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران، وهو الصراع الذي ستمتد آثاره في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه، ومن المحتمل أن يخلف مثل هذا الصراع عواقب مدمرة، سواء كانت تقليدية أو نووية.

تصعيد متبادل:

على عكس الهجوم الإيراني السابق على إسرائيل في أبريل، والذي أُطلق عليه “الوعد الصادق 1″، تم تنفيذ هجوم “الوعد الصادق 2” في الأول من أكتوبر بسرعة أكبر، وبمفاجأة نسبية، وشمل ضعف عدد الصواريخ الباليستية، المؤشرات تقول إن هذا التصعيد نشأ كرد فعل على الضرر الكبير الذي ألحقته إسرائيل بصورة ما يُعرف بمحور المقاومة، وخاصة حزب الله، إذ تصاعدت الانتقادات التي وجهت إلى إيران بأنها تخلت عن حلفائها، ومن المرجح أن تكون المخاوف في طهران قد نشأت من الكيفية التي قد يؤثر بها الضعف المتصور على الاستقرار الداخلي، واحتمال تكثيف إسرائيل لهجماتها ضد حزب الله والحوثيين أو استهداف إيران بشكل مباشر.

في 19 إبريل؛ نفذت إسرائيل ضربة في عمق الأراضي الإيرانية، بالقرب من مدينة أصفهان، الهجوم الذي جاء ردًا على عملية “الوعد الصادق 1″، الضربة الإسرائيلية كانت موجهة لموقع عسكري يقع على مقربة من مركز أصفهان للتكنولوجيا النووية، الذي يضم مفاعلات أبحاث نووية ومحطة لتحويل اليورانيوم ومحطة لإنتاج الوقود، ورغم أن الهجوم لم يستهدف المنشآت النووية الإيرانية بشكل مباشر، فقد أشارت تقارير إلى أن إسرائيل كانت لديها رغبة في شن هجمات على المواقع النووية الإيرانية، ويبدو أن الهجوم الإسرائيلي كان محسوبًا على وجه التحديد لإثبات أن إسرائيل لديها القدرة على مهاجمة المواقع النووية المحمية بشكل كبير في عمق إيران، وتكهن بعض الخبراء بأن الضربات اللاحقة على المواقع النووية الإيرانية قد تكون مرغوبة أو ضرورية.

لقد استهدفت إسرائيل تاريخيًا البرنامج النووي الإيراني من خلال التخريب المحدود نسبيًا في شكل هجمات إلكترونية واغتيالات للعلماء وقنابل وضعت في منشآت نووية إيرانية، وقد سمحت هذه الاستراتيجية لإسرائيل بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء مرارًا وتكرارًا

خيارات الرد الإسرائيلي:

خيارات الرد على طاولة إسرائيل عديدة، فقد تستهدف إسرائيل منشآت عسكرية؛ مثل قواعد الصواريخ أرض-أرض أو أنظمة الدفاع الجوي، وربما بعض مواقع الاستخبارات أو القيادة، أو مواقع قطاع الطاقة الإيراني، مع تنفيذ بعض الاغتيالات لرموز النظام السياسي، والخيار الأصعب هو شن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، لكن من غير المرجح أن يتم ذلك في الوقت الحالي، بالرغم من الخطاب العام المتنامي حول هذه القضية في الداخل الإسرائيلي، فالتقدم غير المسبوق للبرنامج النووي الإيراني والثقة المفرطة التي يمنحها ذلك لطهران وغياب آلية دولية للسيطرة على البرنامج ومراقبته، جميعها أسباب تثير حالة من الرعب لدى الإسرائيليين.

لا تزال إسرائيل تحاول استغلال صدمة عملية طوفان الأقصى التي وقعت في السابع من أكتوبر، ودعم الجمهور الإسرائيلي المتزايد لاستجابات أكثر عدوانية ضد الهجمات الخارجية، تنظر إسرائيل إلى البرنامج النووي الإيراني باعتباره تهديدًا وجوديًا وسعت منذ فترة طويلة إلى القضاء عليه، ولهذا السبب لم تعد التقارير التي تفيد بأن إسرائيل ربما كانت تستعد لاستهداف المواقع النووية الإيرانية ردًا على الضربات الإيرانية ضد أراضيها مفاجئة.

مستقبل النووي الإيراني:

تنظر إيران إلى برنامجها النووي باعتباره رادعًا ضد الضربات الأمريكية المباشرة على أراضيها أو غزوها، ويعمل بمثابة بوليصة تأمين من نوع ما ضد الغزو، لا سيما في أعقاب الاتهامات الغربية بشأن برنامجها النووي، كما حدث في العراق في عام 2003، وعلى الرغم من اعتراضات المرشد الأعلى علي خامنئي المعلنة على الأسلحة النووية، إلا أن إيران قد أحرزت تقدمًا مطردًا في قدراتها على إنتاج الأسلحة النووية على مدى العام الماضي، ووفقاً للحكومة الأمريكية فإن الوقت المتاح أمام طهران لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم لصنع قنبلة ذرية واحدة لا يتعدى أسبوعًا إلى أسبوعين، رغم أن إيران قد تحتاج إلى عدة أشهر لإنتاج سلاح نووي، وإذا تمكن النظام الإيراني في المستقبل غير البعيد من اختبار سلاح نووي، فسوف يقلل بين عشية وضحاها من أي قوة تمتلكها إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة، إذ لم تهاجم واشنطن دولة مسلحة نوويًا قط، ومن المرجح بالتبعية أن إسرائيل ـ التي تمتلك أسلحة نووية رغم أنها لم تعلن عنها ـ لن تهاجم هي الأخرى دولة مسلحة نوويًا، ومن المؤكد أن العقيدة النووية القائمة منذ فترة طويلة والتي تقوم على التدمير المتبادل من شأنها أن تقيّد إسرائيل أكثر من إيران.

لقد استهدفت إسرائيل تاريخيًا البرنامج النووي الإيراني من خلال التخريب المحدود نسبيًا في شكل هجمات إلكترونية واغتيالات للعلماء وقنابل وضعت في منشآت نووية إيرانية، وقد سمحت هذه الاستراتيجية لإسرائيل بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء مرارًا وتكرارًا فيما يتصل بالتقدم النووي الإيراني مع الحفاظ على مستوى معين من الإنكار الموثوق وتجنب التصعيد العسكري، وبالتالي تظل إلى حد كبير قادرة على تقليص المخاوف بشأن قدرة إيران على شن هجمات نووية، لكن مع التطورات الحادثة اليوم فإن استهداف إسرائيل للبرنامج النووي الإيراني بشكل مباشر قد باتت أشبه بالضرورة الحتمية بالنسبة للإسرائيليين، رغم أن هذا الاستهداف لن تكون بالخطوة السهلة، ثمة عوامل عديدة يتم النظر فيها، أهمها القدرة العملياتية على تنفيذ مثل هذه الضربة بشكل فعال، والوقت المطلوب لإعادة بناء المنشآت، وردود الفعل الإقليمية المتوقعة والتأثير على قرار إيران المستقبلي بتطوير الأسلحة النووية، بالإضافة إلى ذلك، فإن معارضة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لمهاجمة المواقع النووية تشكل اعتبارًا لا يمكن تجاهله، خاصة في ضوء الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تأتي بعد أسابيع قليلة.

الولايات المتحدة، الحليف الأكثر أهمية والداعم العسكري القوي لإسرائيل، لها محاذيرها حيال أي رد إسرائيلي على إيران، وقد صرح الرئيس بايدن بأنه لن يدعم هجومًا إسرائيليًا على المواقع النووية الإيرانية ومواقع النفط

الوضع فيما يخص البرنامج النووي الإيراني مختلف تمامًا عن حالات أخرى مثل مفاعل أوزيراك في العراق الذي تم استهدافه في عام 1981م، أو المفاعل السوري الذي تم الهجوم عليه في عام 2007م، رغم أن الهجوم الإسرائيلي على مفاعل أوزيراك قد أدى إلى إبطاء البرنامج العراقي بشكل كبير لسنوات عديدة، إلا أن البرنامج الإيراني اليوم يعتمد على أجهزة طرد مركزي، وهي أجهزة صغيرة للغاية ويمكن تصنيعها بسرعة ووضعها في أي مكان، فحتى لو دمر هجوم إسرائيلي منشآت الطرد المركزي الإيرانية الحالية في فوردو ونطنز، فمن المؤكد أن إيران ستعيد بناء تلك المنشآت في مواقع متعددة، وقد يكون بعضها مخفيًا على مرأى من الجميع داخل المباني الصناعية العادية، مع دفنها على عمق أكبر، وربما هي بالأساس تمتلك بالفعل منشآت سرية للطرد المركزي ولا أحد يدري، وكل هذه الاحتمالات تجعل البرنامج النووي خارج نطاق الإسرائيليين.

مخاطرة كبيرة:

ربما تكون إيران أقرب من أي وقت مضى إلى عبور العتبة وبناء سلاح نووي، وهو ما يستفز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمخاطرة بشن ضربة تستهدف منشآتها النووية وحرمان طهران من السلاح الوحيد الذي قد يضمن لها حرية المناورة، لكن ما هي عوامل نجاح أو فشل تلك الضربة الموجهة للبرنامج النووي الإيراني إذا ما قررت إسرائيل تنفيذها بالفعل؟،

يمكننا تلخيص تلك العوامل في النقاط التالية:

  • الولايات المتحدة، الحليف الأكثر أهمية والداعم العسكري القوي لإسرائيل، لها محاذيرها حيال أي رد إسرائيلي على إيران، وقد صرح الرئيس بايدن بأنه لن يدعم هجومًا إسرائيليًا على المواقع النووية الإيرانية ومواقع النفط، في حين أبلغ وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن نظيره الإسرائيلي يوآف جالانت بأن الولايات المتحدة تريد من إسرائيل أن تتجنب الخطوات الانتقامية التي من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد جديد من جانب الإيرانيين، وذلك تماشيًا مع الرغبة الأمريكية لوقف الانجرار إلى حروب أبدية.
  • حتى تتمكن إسرائيل من تنفيذ ضربات على منشآت منتشرة عبر الأراضي الإيرانية، سوف يتطلب ذلك قمع الدفاعات الجوية الإيرانية، وهذه العملية سوف تتطلب أيضا تنفيذ هجمات على الصواريخ الباليستية وغيرها من المواقع العسكرية، لأنها قد تستخدم في أي رد إيراني فوري.
  • الواقع التكتيكي وحجم القوة المطلوبة لشن هجمات على المنشآت النووية الموجودة تحت الأرض في فوردو ونطنز، سوف يتطلب استخدام أسلحة قادرة على اختراق عشرات الأمتار من الصخور والخرسانة المسلحة قبل أن تنفجر داخل المنشآت، والسلاح التقليدي الوحيد الذي قد يحقق هذا الهدف بشكل معقول هو القنبلة الخارقة للدروع الأمريكية “GBU-57A/B”، والتي لا يمكن حملها إلا بواسطة قاذفات أمريكية كبيرة مثل “B-2 Spirit”، وهو ما يعني ضرورة مشاركة واشنطن في تلك الضربة بشكل مباشر.
  • ستحتاج إسرائيل إلى تنسيق عالي المستوى مع جيران إيران، للسماح لطائراتها بالعبور عبر المجالات الجوية لتلك الدول، إن لم تكن هناك ضرورة أيضا لاستعمال مطارات تلك الدول نظرًا لبُعد المساحة التي ستقطعها المقاتلات الإسرائيلية للوصول إلى إيران، وهو ما سيضع تلك الدول في خانة الأعداء بالنسبة لإيران، وسبق وأن حذرت إيران من أنها لن تتردد في مهاجمة أولئك الذين يتعاونون مع أي عمل عسكري إسرائيلي ضدها.
  • حتى إذا ما تم تنفيذ الهجوم الذي من شأنه أن يلحق ضررًا شديدًا عبر الأراضي الإيرانية، فإن هذا لا يضمن التدمير الكامل للبرنامج النووي الإيراني، أحد الخيارات المطروحة هو ما يسمى بـ “قص العشب”، أي تنفيذ ضربات متكررة على إيران، ولكن فكرة أن الهجمات سوف تنجح إلى ما لا نهاية، هي فكرة متفائلة للغاية، وفي هذه الحالة سيظل غزو إيران واحتلال البلاد هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها ضمان عدم حصول الإيرانيين على سلاح نووي أبدًا وإلى أجل غير مسمى، لكن من الواضح أن إسرائيل لا تملك الإرادة أو القدرات اللازمة للقيام بذلك، والولايات المتحدة تعلمت درسًا قاسيًا للغاية فيما يتصل باحتلال بلدان أخرى، ناهيك عن أن مجرد محاولة غزو إيران واحتلالها سوف تكون بمثابة كارثة على المنطقة والعالم.

مواصلة التصعيد:

يبدو أن كلا الجانبين عازمان على الاستمرار في التصعيد، إيران حذرت من أنها ستستهدف البنية التحتية المدنية الإسرائيلية في أي هجمات مستقبلية على إسرائيل، ومن المحتمل أن تحاول دراسة ما إذا كان من الممكن تعزيز قدرات الميليشيات الشيعية في العراق والحوثيين في اليمن، فضلاً عن زيادة عمليات نقل المتفجرات إلى سوريا ولبنان، وستسعى إلى استخدام علاقتها الوثيقة بروسيا لزيادة قدراتها العسكرية بشكل كبير عبر إتمام صفقة طائرات سوخوي “سو-35” والحصول على قدرات دفاع جوي متقدمة مثل “إس-400” لتحسين قدراتها الدفاعية (إذا لم تكن تمتلكها بالفعل)، ومن الواضح أن إيران – التي تعتمد بشكل أساسي على قدراتها الصاروخية والطائرات بدون طيار – ستحاول ترقية هذه القدرات لتحسين دقتها، ورفع كميتها، وتوسيع مداها للسماح بزيادة التهديد المباشر لإسرائيل، وقد يحدث ذلك عبر التعاون مع الروس والكوريين الشماليين.

على الجانب الآخر؛ ستظل إسرائيل متمسكة بالرد على كل هجوم إيراني، وقد تخدمها ديناميكيات السياسة الأمريكية إذا ما أعيد انتخاب دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة في وقت لاحق من هذا العام، فقد يتشدد الموقف الإسرائيلي، حيث من المرجح أن تدعم وتشارك الإدارة الأمريكية الجمهورية في الهجوم الإسرائيلي على البرنامج النووي الإيراني، وقد دعا حلفاء ترامب بالفعل إلى مثل هذه الضربات، وستواصل إسرائيل تعزيز تفوقها العسكري في المنطقة من خلال توسيع التعاون الاستخباراتي مع الولايات المتحدة، إضافة إلى تطوير أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة مثل “القبة الحديدية” و”مقلاع داوود” لمواجهة التهديدات الصاروخية المتزايدة، كما ستواصل إسرائيل استهداف المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا ولبنان لتعطيل محاولات نقل الأسلحة المتطورة إلى حزب الله، وستزيد من عملياتها الاستخباراتية داخل إيران نفسها، لتقويض القدرات الصاروخية والنووية الإيرانية.

بلا شك، ستشهد الأشهر القادمة تصعيدًا أكبر في وتيرة الأحداث، حيث تسعى كل من إيران ووكلائها من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة وحلفاؤهما من جهة أخرى، إلى فرض قواعد اشتباك جديدة تعيد تشكيل التوازنات العسكرية في المنطقة، مع تزايد احتمالية اندلاع حرب شاملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى