اكتشف عامل إسعاف فلسطيني أمراً مروعاً عندما تم رفع الغطاء الملطخ بالدماء عن جثمان كان بصدد نقله، إذ اتضح أن الجثمان هو جثمان والدته، التي أودت غارة جوية إسرائيلية، بحياتها، الأربعاء الماضي، في وسط قطاع غزة، حسبما نقلت وكالة “أسوشيتد برس”.
“يا إلهي، أقسم أنها أمي! لم أكن أعلم أنها هي!” بكى عبد العزيز البرديني، وهو ينحني فوق والدته سميرة، ويحتضن رأسها بين ذراعيه. بينما حاول زملاؤه من المسعفين في الهلال الأحمر مواساته.
جلس البرديني دون علمه في سيارة الإسعاف بجانب جثمانها، الملفوف بغطاء أبيض ملطخ بالدماء، بينما كانت السيارة تهتز عبر الطرق المتضررة لمسافة كيلومترين نحو مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح.
وكان ثلاثة أشخاص قد لقوا حتفهم وجُرح ما لا يقل عن 10 آخرين في غارة إسرائيلية على سيارة في مخيم المغازي للاجئين، وفق مسؤولي الصحة الفلسطينيين وصحفيي وكالة “أسوشيتد برس”.
يحكي البريديني وقائع الصدمة لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، قائلاً: “أمس (الأربعاء) كانت عندي مهمة إنقاذ، وصدف أن كنت على رأس عملي في نقطة تابعة لمخيم البريج، فتلقينا إشارة بأن هناك استهداف لمخيم المغازي للاجئين، وتوجهنا إلى مكان الاستهداف بسرعة فائقة لإنفاذ ما يمكن إنقاذه وهذا ما يتطلبه عملنا في هذه الظروف”.
“أعطيت طفل مصاب أولوية العلاج”
وأضاف: “كانت سيارتي هي أول سيارة، ومجرد أن وصلنا المكان وجدت جثة لشهيدة بالإضافة إلى 3 إصابات بينهم طفل (12 عاماً) وكانت إصابته خطيرة جداً، ما جعلني أتعامل مع حالة الطفل كأولوية، خاصة أن السيدة كانت قد فارقت الحياة، كل هذا وأنا لا أدري أن أمي هي الشهيدة”.
ويكمل “حين وصلت مستشفى (شهداء الأقصى) سلمت الطفل للأطباء في العناية المركزة، وعدت لأخذ الجثة لأضعها في ثلاجات الموتى، وكل هذا وأنا لا أعلم هويتها بعد، عند ثلاجة الموتى كنت أنتظر أن يأتي أحد للتعرف على جثة السيدة”.
وتابع: “حينما لم يأت أحد، كشفت عن وجهها وصرت أقول كم تشبه أمي سأقيدها على أنها مجهولة الهوية، وأنا أكاد لا أصدق أنها أمي، وبعد دقائق تأملت وجهها جيداً، وصرخت بل وانهرت من البكاء حين تيقنت نفسي أنها أمي”.
“لم صدق أنها أمي”، يواصل البرديني الحديث باكياً: “خرجت من مكان الثلاجات وعدت لها فإذا بها هي فعلاً أمي، ورغم هذا كنت لا أزال تحت تأثير الصدمة، كنت أتمنى لو أن أحداً يأتي ليتعرف عليها بحيث لا تكون هي أمي، وكنت لآخر لحظة أتمنى أن يأتي أحد ليتعرف عليها وألا تكون أمي”.
كيف تأخرت في التعرف عليها؟
جذب صراخ البرديني الأطباء وزملائه من المسعفين، قبل أن يسألوه “كيف لم تتعرف عليها؟”، ليرد: “أمي تعيش في مخيم المغازي والاستهداف كان لمخيم البريج لذلك لم يخطر ببالي أن تكون الشهيدة أمي التي جهزت لي صباحاً كأس الشاي قبل أن أذهب للعمل”.
وأوضحت “وفا” أن المتوفية البالغة من العمر 61 عاماً، لقيت حتفها جرّاء إصابتها بشظية في العين ما تسبب في نزيف داخلي بالدماغ قبل أن تفارق الحياة.
وأكمل البرديني: “كانت أمي بعيدة 150 متراً عن الاستهداف، لذلك لم يكن يخطر ببالي ولو للحظة أنها أمي، حتى حين ذهبت إلى المقبرة لدفنها كنت ألتفتت يميناً ويساراً لعل أحد يأتي ليقول هي أمي وليست أمك”.
لم يعلق المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي على الفور على الضربة. وتقول إسرائيل إنها تنفذ ضربات دقيقة في غزة تستهدف المسلحين الفلسطينيين وتحاول تجنب إيذاء المدنيين، لكن الضربات تقتل النساء والأطفال.
وأودت الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، بحياة أكثر من 43 ألف فلسطيني.