Blogثقافة وفكر
أخر الأخبار

مسلسل “الحشاشين” المثير للجدل.. والجماعة الغامضة التي ما زالت جاذبة للأدب والفن

مع بدء عرض المسلسل التلفزيوني المصري “الحشَّاشين”، كتابة عبد الرحيم كمال وإخراج بيتر ميمي، بالتزامن مع حلول شهر رمضان، اشتعل جدلٌ على مواقع التواصل الاجتماعي، ما بين إشادة بالإنتاج الضخم والديكورات المبهرة والإخراج الذي يرقى إلى المستوى العالمي، والهجوم الحاد على العمل نفسه بسبب استخدامه العامية المصرية، ووقوعه في مغالطات تاريخية، فضلاً عن تشابه بعض مشاهده مع مشاهد من أفلام عالمية؛ وأيضاً لتشابه حبكته مع حبكة رواية “سمرقند” لأمين معلوف. وعموماً، فقد ألهمت الجماعة التي يطلق عليها حتى في أدبيات الغرب اسم “الحشّاشين” وزعيمها حسن الصبّاح (1037/ 1124) الكثير من الأعمال الأدبية والدرامية حول العالم. ولعل ذلك يرجع إلى ما يتسم به تاريخ هذه الجماعة من غموض وفراغات تُغري بالكتابة عنها. ويضاف إلى ذلك استخدام الكُتَّاب أنشطة هذه الجماعة كإسقاط على ما يجري في الحاضر من قِبل جماعات متطرفة تتخذ من العنف سبيلاً لتحقيق مآرب سياسية.

ظهر حسن الصبّاح في المسلسل المصري “الإمام الغزالي” الذي أُذيع في رمضان 2012 وجسّد شخصيته الممثل أحمد وفيق. وركز المسلسل على تفنيد الإمام الغزالي لمذهب هذه الفرقة، وندَّد بسياسة الاغتيالات التي كان يتبعها الصبّاح ضد أعدائه وتمركزه في قلعة “آلموت” الحصينة وعمله على تغييب عقول أتباعه. كما ظهر في المسلسل السوري “سمرقند” المأخوذ عن رواية أمين معلوف، وعُرض في رمضان 2016، وجسّده عابد فهد. وظهرت شخصية حسن الصبّاح كذلك في المسلسل التركي “نهضة السلاجقة العظمى”، الذي بدأ عرضه عام 2020، ولعب الممثل غوركان أويغون شخصيته.

في السينما والمسرح

thumbnail_لقطة من مسلسل الحشاشين.jpg
لقطة من مسلسل “الحشاشين” المصري (ملف المسلسل)

لم يكن نصيب السينما؛ سواء العربية أو العالمية كبيراً مع شخصية حسن الصبّاح. فعربيّاً لا يوجد أي فيلم يتناول هذه الشخصية حتى الآن، على رغم أنه أعلن من سنوات عن إعداد الروائي والسيناريست أحمد مراد فيلماً يحمل اسم “الحشاشين”، يتناول حكاية تلك الجماعة المتطرفة وزعيمها، لكن يبدو أن هذا المشروع تعثّر لأسباب إنتاجية. وظهر زعيم الحشاشين في الفيلم الأميركي “أمير الفرس” عام 2010. ومن الأفلام التي تتماس مع شخصيته بشكل غير مباشر “ماركو بولو العظيم” 1965 وجسَّد فيه عمر الشريف شخصية تشبه الصبّاح، لشيخ عربي يلقب برجل الجبال العظيم ويعيش في قصر في الصحراء مملوء بالنساء الحسناوات، ويضع على وجهه قناعاً لا يخلعه إلا عند الضرورة التي تتمثل في أن يكون الوجه الأخير الذي يراه من ينفذ فيه حكم الإعدام.

ويعد المسرح من أكثر الفنون، عربياً، التفاتاً لفرقة الحشاشين. فقد اتكأت العديد من أعماله على شخصية حسن الصباح، ولعل أولها المسرحية الشعرية “محاكمة في نيسابور” للشاعر العراقي عبدالوهاب البياتي التي نشرت عام 1963. وظهرت أيضاً شخصية حسن الصباح في مسرحية “مأساة عمر الخيام” المنشورة عام 1982 للمغربي محمد أزيزبي. ويُجري أزيبي في هذا العمل مقابلة بين الخير وعالم المحبة المتمثل في عمر الخيام، وبين الشر الذي يجسده حسن الصباح. وهناك أيضاً مسرحية “أمير الحشاشين” 1993 للمصري محمد أبو العلا السلاموني. وتعد هذه المسرحية واحدة من أكثر أعمال السلاموني عرضاً على مسارح “الثقافة الجماهيرية” في مصر برؤى إخراجية مختلفة. وتتناول هذه المسرحية سيرة الصباح كزعيم ومنهجه. وعندما ظهر تنظيم “داعش”، قام السلاموني بالربط بينه وبين “الحشاشين”. ففي مقدمة مسرحيته “جهاد الفواحش” يقول: “… ونشأت أثناءها أخطر فرقة إرهابية في التاريخ وهي فرقة الحشاشين والتي أسّسها حسن الصباح على نظرية الاغتيال السياسي والعمليات الانتحارية الإرهابية التي تتبناها الجماعات المتطرفة في وقتنا الحاضر”. وعقد مقارنة بين ما قام به “داعش” وما قامت به “الحشّاشين” لجهة الاستعانة بالجنس في تجنيد الشباب، فيقول: “… هوس الجنس جعل أبو بكر البغدادي يفتي بما أسماه جهاد النكاح، وهو ما يذكرنا بفرقة حسن الصباح التي أباحت لمنتسبيها الاستمتاع بالنساء من دون ضابط شرعي”.

غلاف رواية أمين معلوف.png
“سمرقند” رواية أمين معلوف (أمازون)

وهناك مسرحية “جنة الحشّاشين” للمصري إبراهيم الحسيني الذي قدّم منها نسختين، الأولى بالدارجة المصرية عام 2005، والثانية بالفصحى عام 2007 وفاز عنها بجائزة ساويرس الثقافية عام 2012. تقوم فكرة هذه المسرحية حول اللقاء المزعوم بين نظام المُلْك وحسن الصباح وعمر الخيام، ويرصد فيها عمليات الاغتيال التي كانت موجّهة إلى الخصوم السياسيين، والتي يمكن اعتبارها أساس أساليب الجماعات السياسية ذات الغطاء الديني في وقتنا الحالي. ومن أحدث العروض المسرحية التي تناولت عالم حسن الصباح، مسرحية “الحشاشين” التونسية 2023 إخراج دليلة المفتاحي وتأليف إبراهيم بن عمر. ويجري فيها الإسقاط كما هي الحال في المسرحيات السابقة على ما يجري في الحاضر، كما أنها تربط كذلك بين الشخصيات التاريخية الثلاث: الخيّام والصبّاح ونظام الملك، على ما بينها من تباين في الرؤى، ما بين “رجل دين” يصك قوانينه الخاصة التي يدعى أنها لإعلاء كلمة الحق، والثاني اختار عالم السياسة، والثالث اختار عالم الفن والحرية لتحقيق ما يصبو إليه.

 “الحشاشون” روائياً

thumbnail_غلاف رواية آلموت.png
رواية “آلموت” الشيهرة (أمازون)

في عالم الرواية يمكن اعتبار رواية اللبناني جورجي زيدان “صلاح الدين ومكايد الحشاشين” أول رواية عربية تتناول هذه الفرقة المغالية في تطرفها، وصدرت عام 1913. ويظهر فيها راشد الدين سنان كزعيم لفرقة الحشاشين في هذه الحقبة التاريخية التي تتناولها الرواية التي تعتمد في أحداثها على الوقائع التاريخية المذكورة لدى كل من ابن الأثير والمقريزي. وتعد رواية أمين معلوف “سمرقند” 1988 واحدة من أهم الروايات العربية التي جاءت على ذكر حسن الصباح، ويأتي فيها كصديق لبطلها الأساسي الشاعر والفيلسوف عمر الخيام، ومعه نظام الملك. وأثرت رؤية معلوف تلك في الكثير من الأعمال الإبداعية التي تناولت فرقة الحشاشين من بعده، عطفاً على أنه من أكثر الروائيين الذين انشغلوا بقضية الأصوليات المتطرفة، كما في روايته “حدائق النور”1991، وفي كتبه: “الهويات القاتلة” 1998 و”الحروب الصليبية كما رآها العرب” 1983 و”متاهة الضالين” 2023.

أما رواية “عودة الحشاشين” 2017 للمصري عبدالحميد السنبسي، فتدمج بين الماضي والحاضر عبر رصد التشابه بينهما، وتحكي عن شيخ غامض يدعى مسعود يلجأ إليه الخارجون على القانون لتنفيذ مطالبهم، وتكشف الأحداث أن هذا الشيخ هو حفيد لحسن الصباح.

ورواية “قيامة الحشاشين” 2020 للمؤرخ التونسي الهادي التيمومي (1949) تقوم حبكتها على عثور مؤرخ على مخطوطات تعود إلى “شيخ الجبل” حسن الصباح تتضمن تعاليمه ووصاياه. ويُطارَد هذا المؤرخ من قبل فريقين؛ أحدهما يريد حرق تلك الوصايا والآخر يريد الحصول على إرث “السيد المقدس”. وتربط الرواية بين الماضي والحاضر مفسرة أسباب غياب النهضة عن الدول العربية وبلاد المشرق حتى الآن.

رواية بارتول

وهناك رواية “قلعة آلموت” للسلوفيني فلاديمير بارتول (1903- 1967) المنشورة عام 1938. واكتسبت هذه الرواية أهمية خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، حيث استقى بارتول معلوماته التاريخية حول حسن الصباح وقلعة آلموت مما ذكره المستشرقون والرحّالة الأوروبيون، وبخاصة الإيطالي ماركو بولو. ومفردة آلَموت تعني بالفارسية وكر النسر أو العقاب. وهي كانت حصناً شّيِد وسط جبال البرز، أو جبال الديلم، جنوب بحر قزوين في مدينة رود بار قرب نهر شاه ورد. وموقعها يبعد نحو 100 كلم عن طهران. ولم يكن حسن الصبّاح مشغولاً فقط بكسب الأنصار لقضيته؛ وإنما كان مشغولاً أيضاً بإيجاد قاعدة لنشر العقيدة الإسماعيلية في ذروة هيمنة السلاجقة. وتمثلت هذه القاعدة في تلك القلعة الحصينة والنائية التي كانت تشرف على وادٍ مغلق صالح للزراعة يبلغ طوله ثلاثين ميلاً وأقصى عرضه ثلاثة أميال. وكانت تلك القلعة ترتفع أكثر من 6000 قدم فوق سطح البحر، ولا يمكن الوصول إليها إلا عبر طريق ضيق شديد الانحدار.

وقُدمت أكثر من ترجمة لهذه الرواية إلى العربية، منها ترجمة هالة صلاح الدين لولو، وترجمة فاطمة النظامي، وترجمها بتصرف طلعت الأيوبي باسم “قلعة النسور”، وآخر هذه الترجمات ما قام به الشاعر التونسي أشرف الفرقني بحسب ما أعلنت دار “منشورات ميسكلياني”، عن صدورها في 632 تحت اسم “قلعة الحشّاشين”، وذلك بالتزامن مع عرض المسلسل المصري.

وظهرت قلعة آلموت أيضاً في رواية الأميركي لويس لامور (1908- 1988) المنشورة عام 1984، The Walking Drum التي تتناول رحلة ماثورين كيربوشارد الذي يبحث عن والده. وخلال رحلته يكتشف أن والده محتجز في قلعة آلموت ويحاول أن ينقذه. وهي رواية خيالية، أكثر منها تاريخية.

INDEBENDENT عربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى