الأخبار
أخر الأخبار

مغني راب أوكراني يقود وحدة المسيرات الحربية ويستلهم أغانيه من تجاربه العسكرية

لا يشعر أوليكساندر يارماك بأدنى تعاطف تجاه الروس. في الـ33 من عمره، يترأس وحدة الأبحاث والتطوير في مجال المسيرات الحربية داخل أوكرانيا، إذ استحدث أساليب أكثر ابتكاراً وإبداعاً لتعظيم الاستفادة من هذه التكنولوجيا الفتاكة.

وهو أيضاً فنان تتصدر أغانيه قوائم الأغاني، مستلهماً من الأعوام التي أمضاها في القتال على الجبهة لتحويل تجاربه إلى أغاني راب سرعان ما تحولت إلى أناشيد حربية وطنية.

أما رجاله، فيراقبون الجنود الروس عبر تسجيلان عسكرية أوكرانية وهم ينحنون، ويلوحون بأيديهم، ويلتفون على أنفسهم مذعورين، وفي بعض الأحيان يقفون بلا حراك، في الثواني الأخيرة قبل أن تضربهم طائرة مسيرة.

واليوم، تخوض أوكرانيا أولى حروب العالم الغربي خلال القرن الـ21، وتجد نفسها غارقة في صراع تجوب ميادينه طائرات بالغة الصغر، تلاحق جنوداً أفراداً وتطاردهم بتحكم من موجهين من فرع “أنظمة التحكم من بعد [أو التحكم الذاتي]” Unmanned Systems Forces، يعملون متخفين داخل الخنادق.

وفي هذا السياق، يشرح طيارو مسيرات يعتمرون سماعات رأس بنظام عرض من منظور الشخص الأول FPV قائلين، إن مراقبة مجرى الأحداث من منظور المسيرة تسمح بالكشف عن تعابير وجه الجنود في لحظة موتهم، علماً أن طياري المسيرات يقتلون الجنود عبر صدمهم بمسيرات تفجر أجسادهم إلى أشلاء.

ولا عجب أن أطلق عناصر الجيش الروسي على هذه المسيرات الأوكرانية الليلية اسم “بابا ياغا”، وهي الساحرة الشريرة في الروايات والأساطير، التي بثت الذعر في نفوس أجيال من الأطفال، ومن المعروف عنها أنها تطير داخل سلة تملؤها عصي المكانس وتخبز الأطفال أحياء. واليوم، باتت “بابا ياغا” تجلب الموت عبر إسقاط القنابل من سلة طائرة مصنوعة من ألياف الكربون والبلاستيك الذي يطن في السماء.

في زاوية المكتب حيث التقيت بيارماك، يقبع نموذج أولي لطائرة مسيرة. يمكنها الطيران بصمت تقريباً في الليل، والعثور على أهدافها في ظلام تام باستخدام التصوير الحراري، فضلاً عن قدرتها على حمل أربع قنابل في الأقل.

أما اسمها الأوكراني، فهو “فامباير” Vampire (مصاص الدماء).

بدأ يارماك مسيرته العسكرية عام 2022، إذ انضم إلى صفوف الجيش مع بداية الغزو الروسي الشامل على البلاد. وسرعان ما اكتشف، كما فعل كثر غيره، أنه يمكن تكييف المسيرات التجارية الصغيرة، لتصبح قادرة على إسقاط قنابل يدوية وقنابل هاون على الجنود الروس.

وواصل يارماك التقدم في مسيرته العسكرية، حتى ترأس وحدة المسيرات على الجبهة الأمامية، علماً أن أحدث عمليات الاستهداف بالمسيرات تكون مسجلة على الفيديو.

وفي إحدى أشهر أغانيه، وعنوانها “بابل” Babylon، يغني الكلمات التالية:

“إن الذين يفرحون بإطلاق مسيرات “شاهد” إلى غرف الأطفال

هم غلطة وجودية ورمز غير مكتمل.

لقد ولدوا بجسد في عالم من الموسيقى والمسرح،

ويحيكون بمسلة سوفياتية، على مسافة دنيا كاملة من موطنهم، بعد اختبارهم التعنيف منذ الولادة، وتعطشهم للدماء، ليكونوا بالتالي مجرد تعبير عن الشر المطلق”.

واليوم، تعتمد أوكرانيا بشدة على المسيرات. فذخائرها المدفعية نضبت، شأنها شأن الصواريخ طويلة المدى، بالتالي، اضطرت البلاد إلى التكيف. ويقول يارماك إن نسبة 80 في المئة من الإصابات في صفوف العدو ناجمة عن المسيرات.

لقد طورت القوات المسلحة الأوكرانية مسيرة “بابا ياغا” بالاستناد إلى مسيرة زراعية كانت تستخدم لري الحقول. واليوم، يعمل يارماك على تطوير عربات مسيرة تعمل في البر، ويلمح إلى اقتراب موعد الكشف عن أسلحة متقنة جديدة خلال وقت لاحق من العام الحالي. أما الموازنة السنوية لهذه القوة الجديدة فتناهز 1.3 مليار دولار، بحسب التقارير.

بيد أن معركة المسيرات هي سيف ذو حدين، إذ تسبب دقة الطائرات الروسية دماراً في صفوف القوات الأوكرانية أيضاً.

وفي سياق متصل، يدير فيتالي مركزاً طبياً حربياً متنقلاً لمعالجة الإصابات البالغة في صفوف الجنود على الجبهة الأوكرانية، وتراه يمسك برأسه بين يديه كما لو أصيب بنوبة صداع نصفي.

طبيب التخدير، المسؤول عن “وحدة الاستقرار الطبي” وبالحديث عن المسيرات يقول “المسيرات؟ اسأل جندياً جريحاً عما هي المسيرات. وسترى ذعراً صامتاً في عينيه. إنها بلاء إلى الحد الذي يمنع أحداً من التحرك على الجبهة “.

ووفق تقديرات فيتالي، فإن نسبة 98 في المئة من الجرحى الذين عالجهم أصيبوا بمسيرات روسية. وبالمعدل، تستقبل وحدته نحو 20 جندياً، يصل معظمهم مع حلول الظلام من ميدان القتال على مسافة كيلومترات قليلة.

ولفت قائلاً “مرت أشهر من دون أن أعالج جرح رصاصة”، مشيراً إلى أن معظم الجرحى تمزقت أجسادهم بسبب شظايا المسيرات.

وفي أوكرانيا، يعمل ييفين كاراس قائد كتيبة المسيرات الهجومية الجديدة 414، من كثب مع يارماك على تطوير تقنيات جديدة واختبارها.

ومن المعروف أن أوكرانيا نجحت في ضرب أهداف داخل موسكو ومناطق أخرى في العمق الروسي باستخدام مسيرات بعيدة المدى، تمكنت من التسلل عبر الدفاعات الجوية لمهاجمة القواعد الجوية والمصافي.

ويقول كاراس “لدينا أفضل أنظمة المسيرات الهجومية بعيدة المدى. وبإمكاننا إرسالها على مسافة مئات الكيلومترات وإحداث مشكلات كبيرة للقواعد العسكرية الروسية، والقواعد الجوية و… أعتقد أن 2025 سيكون عاماً من التطورات الكبرى في مجال أنظمة المسيرات الأرضية”.

وفي سياق مواز، يلمح إلى أن عمليات إجلاء ميادين القتال بمساعدة آليات تحميل ذاتية التحكم قد تنقذ الأرواح، مضيفاً أن التطورات “الفتاكة” ستكون “هائلة”.

في الصراع الشرس على الجبهة الشرقية لأوكرانيا، حققت روسيا مكاسب صغيرة بكلفة هائلة. والحال أن عدداً من ضباط الجبهة الأمامية بمن فيهم كاراس، يتحدثون عن تغير تكتيكات روسيا مع تزايد الطائرات المسيرة في السماء.

فعلى ما يبدو، لم يعد الجنود الأوكرانيون يواجهون هجمات حاشدة بالمدرعات، باستخدام الدبابات والمدفعيات، لأن المعدات الثقيلة أصبحت معرضة بشدة لهجمات المسيرات.

وبدلاً من ذلك، تظهر تسجيلات فيديو التقطتها مسيرات استطلاعية أن مجموعات صغيرة من الجنود المشاة الروس تحاول التسلل في محاولة منها لإحراز تقدم.

ويشرح كاراس قائلاً “فلنقل إن ثلاثة من هؤلاء الفاشلين [الروس] بدأوا يتقدمون على إحدى الطرقات، وأن واحداً منهم قتل ونجح اثنان في التقدم، ومن ثم تواريا داخل خندق. وفي اليوم التالي، أتى ثلاثة آخرون، فقتل اثنان منهم ووصل الثالث إلى الخندق. وما إن يصل عدد جنود الخندق إلى خمسة أو ستة، يشنون هجوماً، وبهذه الطريقة يتقدمون”.

ويتابع قائلاً “بصورة عامة، تكون ذروة القتال على الجبهة ضد ثلاثة إلى خمسة من جنود المشاة الروس. والحال أن روسيا تتكبد خسائر بشرية هائلة، فنحن نقتل عدداً متزايداً من الجنود، لكننا ندمر عدداً أقل من الدبابات والمدفعيات. بالتالي، فهي مسألة مشاة، ومشاة، ومن ثم مشاة”.

أما يوجين الذي تولى سابقاً توجيه المسيرات على الجبهة وأصيب خلال المعارك التي خاضها ضد روسيا، فأصبح اليوم مهندساً، وهو ويشارك في برنامج تدريب لقادة مسيرات “بابا ياغا”، قد تصل مدته إلى ثلاثة أشهر.

ويدرك متدربو الفريق، أثناء تخفيهم بين الأشجار وهم يرتدون زياً تمويهياً متقناً، أن المسيرات الاستطلاعية الروسية ربما كانت تراقبهم بصمت.

ويتابع قائلاً “لا مكان للاختباء أبداً”.

وبالنسبة إلى أوكرانيا، يكمن المفتاح في أن تبقى دوماً متقدمة على روسيا في مجال التكنولوجيا، وسط سباق مستمر بين الطرفين على استخدام الذكاء الاصطناعي لتوجيه المسيرات الحربية، وتحويل هذه الآلات الطائرة إلى عناصر منفذة تتمتع باستقلالية.

وتقول كلمات أغنية “البرية” Wilderness التي كتبها وغناها يارماك “أنا بطبعي ومنذ الولادة موسيقي من الكوزاك. واللعنة ستقع على جميع البرابرة في المكان…”.

وصحيح أن أغانيه تبث الذعر في النفوس، لكن ما يريده فعلاً هو أن تصبح المسيرات التي يطورها كابوساً فعلياً في نظر الروس.

زر الذهاب إلى الأعلى