تقارير

مقتل الغماري.. الزلزال الصامت داخل بنية الحوثيين

لم يكن مقتل عبد الكريم الغماري مجرد خسارة عسكرية، بل ضربة في قلب منظومة القيادة داخل الجماعة الحوثية. فالرجل لم يكن فقط رئيس الأركان العامة، بل أحد الثلاثة الذين يديرون فعليًا مفاصل القرار العسكري والسياسي إلى جانب عبد الخالق الحوثي (شقيق زعيم الجماعة) وأبو علي الحاكم.
الغماري كان يُعرف في أوساط الجماعة بلقب “الظلّ”، لأنه كان يتولى تنسيق العمليات الكبرى، والتخطيط لمعارك مأرب والحديدة، وإدارة شبكة الارتباط مع إيران وحزب الله.

ما يعنيه مقتله داخليًا

انهيار منظومة الثقة: الغماري كان يُعد من الحلقة الضيقة جدًا التي يثق بها عبدالملك الحوثي شخصيًا. مقتله فجّر داخل الجماعة أزمة ثقة غير مسبوقة، خاصة أن العملية تمت باختراق استخباراتي كبير يُرجَّح أن مصدره من داخل الصف الحوثي نفسه.

صراع أجنحة مكتوم: بعد موته، بدأ سباق خفي بين جناح “عبد الخالق الحوثي” وجناح “أبو علي الحاكم” للسيطرة على المواقع الحساسة، بما في ذلك الإشراف على الأمن القومي وملف الجبهات. هذا الصراع لا يظهر علنًا لكنه ينعكس في تغييرات داخل الأجهزة العسكرية والأمنية.ارتباك في منظومة القيادة: الغماري كان هو منسق العمليات بين القيادة الميدانية والزعيم عبر شبكة اتصال مغلقة. الآن هناك فراغ حقيقي جعل كثيرًا من الجبهات تعمل بلا تنسيق مباشر، وظهرت أخطاء تكتيكية في بعض التحركات العسكرية.

ما يحدث تحت الطاولة

وفق تسريبات من مصادر أمنية ودبلوماسية يمنية، تشهد صنعاء حاليًا إعادة توزيع للنفوذ بين القيادات بعد مقتل الغماري.إيران سارعت لإرسال مستشارين عسكريين من “الحرس الثوري” لإعادة هيكلة القيادة الحوثية الميدانية وتدريب بدائل.

هناك تصفيات داخلية ناعمة تُنفذ بحق ضباط يُشتبه في أنهم سرّبوا معلومات أدت إلى مقتل الغماري. بعضهم اختفى فجأة أو أُرسل إلى جبهات نائية.عبد الملك الحوثي يعيش حالة توجّس، فالرجل فقد أكثر القادة انضباطًا وولاءً، وأصبح يعتمد أكثر على “المشرفين الأمنيين” لضبط الداخل خوفًا من تمرّد خفي.

في الوقت ذاته، تعمل إيران على تعزيز جناح “أبو علي الحاكم” باعتباره الأكثر قربًا من الحرس الثوري، فيما تحاول قيادات صعدة القديمة إعادة التموضع لتجنب الإقصاء.

انعكاسات على الأرض

مقتل الغماري أضعف فعالية العمليات الميدانية للحوثيين، وظهر ذلك في بطء تحركاتهم في بعض الجبهات الداخلية.

كما تراجع التنسيق الأمني في صنعاء والحديدة، وازدادت حوادث الاغتيالات الغامضة، ما يشير إلى صراع داخل الأجهزة.

في المقابل، تحاول الجماعة التغطية على هذا الانهيار بإطلاق حملات تجنيد واسعة في القرى والمناطق القبلية لتعويض النقص البشري والرفع المعنوي.

الوجه الآخر للحدث

سياسيًا، تسعى الجماعة لاستثمار مقتل الغماري إعلاميًا بتصويره “شهيد مواجهة إسرائيل”، لكنها تخشى من كشف الحقيقة أن الغارات كشفت ثغرات خطيرة في منظومتها الأمنية. لذا تأخرت في إعلان مقتله لأكثر من 50 يومًا حتى رتبت خطوط القيادة ونسّقت روايتها الرسمية.

الخلاصة: مقتل عبد الكريم الغماري ليس حدثًا عابرًا، بل نقطة تحول استراتيجية قد تفتح الباب أمام تفكك داخلي بطيء في جسم الجماعة، تمامًا كما حدث في الحرس الثوري الإيراني بعد مقتل قاسم سليماني.
الاختراق الذي أدى إلى اغتياله خلق “عقدة خوف” داخل القيادة الحوثية من تكرار السيناريو مع رموز أخرى، لذلك نرى اليوم تكتمًا، إقالات صامتة، وعمليات إقصاء داخلية تُدار من وراء الستار.

زر الذهاب إلى الأعلى