قتل نحو 20 عنصراً من وزارتَي الدفاع والداخلية في سورية، جرّاء القصف الإسرائيلي الذي استهدف أرتالاً وآليات لهم في محافظة السويداء جنوبي سورية، منذ يوم أمس، وفق ما أوضحت مصادر عسكرية لـ”العربي الجديد”، مؤكدة أن عمليات القصف استهدفت إلى جانب الآليات العسكرية تجمعات لقوى الأمن والجيش.
وقالت المصادر إنّ العدد الإجمالي حتى الآن لقتلى الوزارتَين منذ بدء العمليات العسكرية في المحافظة، في إطار الحملة الأمنية التي أطلقتها وزارة الدفاع لاحتواء أزمة الاقتتال بين العشائر البدوية والفصائل الدرزية المسلحة، بلغ 158 عنصراً، بالإضافة إلى عدد من الجرحى.
وفي وقت سابق ظهر اليوم، قتل خمسة من عناصر قوى الأمن الداخلي السوري وأصيب آخرون، جرّاء غارة إسرائيلية استهدفت رتلاً، قرب مبنى الأمن الجنائي واستهدف الطيران الحربي الإسرائيلي، عبر سلسلة غارات جوية، مواقع في السويداء ومحيطها.
وكان قد نفذ، أمس، غارات جوية في ريف المحافظة، تسببت بسقوط شهداء وجرحى في صفوف وزارة الدفاع السورية.
ويأتي ذلك بعدما أعلن جيش الاحتلال في بيان أنه “بتوجيهات من المستوى السياسي بدأ الجيش الإسرائيلي بمهاجمة آليات عسكرية تابعة للنظام السوري في منطقة السويداء جنوب سورية”، وأوضح البيان أن ذلك جاء “بعد أن جرى منذ يوم أمس رصد قوافل من ناقلات الجند المدرعة والدبابات تتحرك نحو منطقة السويداء، إذ هاجم جيش الإسرائيلي منذ الأمس آليات مدرعة عدّة منها دبابات وناقلات جند مدرعة وقاذفات صاروخية، إلى جانب طرقات لعرقلة وصولها إلى المنطقة، ويواصل الجيش الإسرائيلي مراقبة ومتابعة التطورات ويبقى في حالة تأهب دفاعية للتعامل مع السيناريوهات المختلفة”.
وفي وقت سابق، أوعز رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يسرائيل كاتس للجيش “بتنفيذ ضربات فورية ضدّ قوات النظام السوري والأسلحة التي جرى إدخالها إلى منطقة السويداء في جبل الدروز بسورية”، وفق ما جاء في بيان مشترك لهما “وذلك في إطار نشاطات النظام ضد أبناء الطائفة الدرزية، وهو ما يتعارض مع سياسة نزع السلاح التي تقضي بالامتناع عن إدخال قوات وأسلحة إلى جنوب سورية، لما يشكّله ذلك من تهديد لإسرائيل”.
وأكد البيان أن “إسرائيل ملتزمة بمنع أي اعتداء على الدروز في سورية نظراً لعمق التحالف الأخوي مع المواطنين الدروز في إسرائيل، والعلاقة العائلية والتاريخية التي تربطهم بالدروز في سورية. نحن نعمل على منع النظام السوري من إيذائهم، وضمان نزع السلاح في المنطقة المحاذية لحدودنا مع سورية”.
وطالب جنود دروز في جيش الاحتلال الإسرائيلي، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالتدخل في سورية، بذريعة حماية الدروز في السويداء، فيما تظاهر عدد من دروز إسرائيل على مفارق طرق عدّة وأحرقوا إطارات، في وقت تتواصل فيه الهجمات الإسرائيلية على مواقع سورية عدة.
توثيق مقتل 72 شخصاً في حصيلة أولية
في غضون ذلك، كشفت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” أن المدينة لا تزال تشهد اشتباكات بين مجموعات تابعة للجيش السوري ووزارة الدفاع، وأخرى مسلحة متمسكة بالسلاح، مشيرة إلى أن أفرادا من عائلة آل رضوان تعرضوا لما وصفها بعمليات “إعدام ميداني” إثر اقتحام مجموعات مسلحة لمنزلهم في المدينة.
في المقابل، أوضح مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، لـ”العربي الجديد”، أن الشبكة وثقت حتى اللحظة مقتل 72 شخصا في حصيلة أولية، مؤكدا أن عمليات التوثيق والتحقق من هويات القتلى تحتاج إلى مزيد من الوقت، لافتا إلى أن الوضع معقد ولا يوجد ضبط دقيق لأعداد الضحايا.
وأضاف عبد الغني أن “ما يجري في المحافظة محزن على جميع الأصعدة”، مشيرا إلى أن هذا الوضع كان متوقعا، وأنه أوضح ذلك منذ الأشهر الأولى عند إصدار رؤية الشبكة حول الانتقال السياسي في سورية، حيث شدد على ضرورة الانتقال “من شرعية ثورية إلى تعددية سياسية”، وأن يكون جوهر العملية الانتقالية تشاركيا.
وتابع عبد الغني: “صحيح أن القوى العسكرية قد تستمر في الحكم عبر القوة والسيطرة، ولكن هذا الأمر لا يصب في مصلحة أي طرف، حتى الجهة المسيطرة ذاتها. وقد قلنا مرارا إن هذا النهج ليس جيدا، وتداعياته السلبية واضحة”.
ويرى عبد الغني أن من الأفضل أن تقوم الجهة المسيطرة بالتنازل لصالح المشاركة الوطنية، بحيث يشعر الجميع بأنهم ممثلون في هذا الحكم الجديد.
فالمراحل الانتقالية بطبيعتها يجب أن تبنى على التعددية والتشاركية. وأردف: “كيف يمكن أن أشارك إن لم تكن هناك أحزاب؟ في هذه الحالة، يمكن
الاستعانة بممثلي التيارات الموجودة حاليا من العشائر، والأعيان، والطوائف. فهذه الطوائف والإثنيات تمثل مكونات مجتمعية، ولا يُقصد بها الأعراق أو الأديان فحسب، بل هي اليوم كيانات سياسية أيضا”.
ويرى مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن “هذه المكونات ليست ممثلة سياسيا، بسبب غياب الانتخابات ومجلس الشعب، وانعدام وجود أحزاب تعبّر عن هذه الفئات وتوصل صوتها. لذلك، من المفترض أن تقوم الجهة المسيطرة بإشراكها في العملية السياسية. لكن هذا لم يحدث، وهنا تكمن جذور المشكلة، التي هي سياسية في جوهرها”.
وأضاف: “لو حصلت اتفاقات وتفاهمات وإدماج حقيقي لهذه المكونات في مؤسسات الدولة، لكان بالإمكان إشراك الجميع في صياغة الإعلان الدستوري، وفي تشكيل الحكومة، وفي مجلس شعب يتم انتخابه بطريقة نظامية وشرعية.
بهذه الطريقة فقط يمكن تخفيف التوتر القائم بين السلطة وبين مكونات المجتمع المختلفة: من دروز، وأكراد، وعلويين، ومسيحيين، وحتى من السنة، الذين شارك عدد كبير منهم في الثورة، ويشعرون اليوم بأن تمثيلهم ناقص، رغم مساهمتهم الأساسية وخبراتهم وانشقاق بعضهم، فضلا عن دورهم في القوى العسكرية”.
وشدد المتحدث ذاته على أن “الدمج القائم على القوة والسيطرة وحدها يؤدي إلى المواجهات العسكرية المؤسفة التي نشهدها اليوم، وهذا هو أصل المشكلة”.