من “تنبيه” نابليون إلى “النفير” الفلسطينية.. السلطة الرابعة العربية في بداياتها
الصّحافة هي المهنة الّتي تقوم على جمع وتحليل المعلومات ، والتحقّق من مصداقيّتها، وتقديمها للرأي العام. وغالباً ما تكون هذه الأخبار متعلّقة بتفاعل الأحداث على السّاحة السّياسيّة، أو المحليّة، أو الثقافيّة، أو الرياضيّة، أو الاجتماعيّة، وذلك على الصعيد المحلي، أو الإقليمي، أو الدولي .
الصّحافة المقروءة أو المكتوبة من أفضل طرق الإعلام تأثيراً في الجمهور، لأنّها متداولة من قبل المجتمع، بغض النظر عن انتمائه لأي طبقة أو شريحة أو معتقد. وحتّى إن كان للإذاعة والتّلفاز تأثير مباشر وقويّ لدى الجمهور، إلّا أنّه يبقى تأثيراً آنيّاً .
تعريف كلمة صحافة مشتق من “الصحف” ، كما أنّ الصّحافة هي فن إنجاز الجرائد والمجلّات وكتابتها، أمّا الصحفيّ أي الورّاق فهو من يعمل في الصّحف، “والجورنال” هي نقلاً عن التّسمية الغريبة للدّلالة على الصّحف التي تصدر بشكل يومي. اعتمد الصحافي اللبناني رشيد الدّحداح تسمية “صحيفة” إلّا أنّ البعض ارتأى كلمة “جريدة” بمعنى الصّحف المكتوبة.
عزّز القرن التاسع عشر نشوء الصحافة العربية وانتشارها بعد حملة نابوليون بونابرت على مصر: كان مولد الفكرة نتيجة الاتصال الغربي بالبلاد العربية، فترعرت الصحافة في أحضان الحضارة الغربية.
حملت الصحافة العربية السّيف ولعبت دور المجاهد وحاربت بقلمها الجهل والفقر والأمية، وعملت لتحرير الأمّة العربية من طغيان وإقطاع السلطنة العثمانية، فثابرت لإيقاظ الوعي عند الرأي العام وأهملت الجانب الفني للصحافة.
أوّل صحيفة ظهرت جريدة التنبيه أصدرها الجنرال بونابرت في مصر عام 1800. عام 1828 صدرت الصحيفة الثانية “الوقائع المصرية” على يد الوالي محمد علي الكبير، ومن ثمّ جريدة “المبشر” الجزائرية، نشرها المستعمرون الفرنسيون في الجزائر عام 1847 بطلب من الملك لويس فيليب.
جريدة فلسطين ، 24 تموز سنة 1936
خاض العرب، بعد حين، ميدان الصحافة وطبعوا الصحف والمجلات دون تقليد الغرب. رزاق حسّون الحلبي كان أوّل عربي أصدر جريدة “مرآة الأحوال” في اسطنبول عام 1855. عام 1857 أصدر اسكندر شلهوب في القاهرة صحيفة “السلطنة” وبقيت لمدة قصيرة الأجل . وعام 1858 أصدر اللبناني خليل الخوري أوّل صحيفة مستقلة، “حديقة الأخبار” في بيروت . وفي العام نفسه، أصدر رشيد الدحداح، وهو لبناني الأصل، جريدة عربية في باريس، تحت عنوان “برنجيس باريس”، اعتُبرت من أهم الصحف العربية تبويباً. إضافة الى جريدة “سوريا”عام 1865، ثمّ تبعها “غدير الفرات” و”الشهباء” و”الإعتدال” في حلب، وجريدة “طرابلس الغرب” في ليبيا عام 1866. عام 1869 صدرت أوّل صحيفة في العراق وتبعها العديد من الصحف كالموصل والبصرة وبغداد والرقيب.
جريدة البحرين، تأسست 1358 – 1939
أصدرت الدول العربية في شتى أقطارها عدداً ضخماً من الصحف، وصلت عام 1870 إلى سبع وعشرين صحيفة ومجلة، في ظل إنتشار الأمية والجهل في البلاد العربية.
عام 1889، صدرت جريدة “المغرب”، وجريدة “النفير” في فلسطين عام 1908، “الحق يعلو” في الأردن عام 1920 ، وصدرت جريدة أم القرى” في السعودية عام 1924، ومن ثمّ “الإيمان” في اليمن عام 1926 ، وصحيفة “الكويت” عام 1928 وجريدة “البحرين” عام 1936 وصحيفة “العرب” في قطر عام 1972 ، وعام 1898 صدرت “الغازيتية” في السودان باللغة الإنكليزية كنشرة قانونية تهتم بالقوانين.
جريدة النفير، تأسست عام 1889 في فلسطين
تطور جمع الأخبار، ونقله يشمل مواكبة نمو التكنولوجيا والتجارة، الذي يتميز بظهور تقنيات متخصصة لجمع المعلومات ونشرها بطريقة منتظمة، ما تسبب، كما أكّد تاريخ الصحافة، في الزيادة المطردة لنطاق المعلومات المتاحة للرأي العام، والسرعة التي تنقل بها الأخبار. ومنذ عام 1700 كانت الصحف دائمًا الوسيلة الأساسية للإعلاميين ، ثم أضيفت في القرن الثامن عشر المجلات، والإذاعة والتلفزيون في القرن العشرين، والإنترنت في القرن الحادي والعشرين.
جريدة العرب ، تأسست عام 1972 في قطر
يماثل ميثاق الصحافة بأخلاقياته ميثاق الطب، وينص على الإلتزام بالأمانة والشفافية والمصداقية والخلق الحسن واحترام الذات والمهنة. قال المفكر السياسي الإيرلندي ادموند بيرك: “ثلاث سلطات تجتمع هنا تحت سقف البرلمان، ولكن هناك في قاعة المراسلين تجلس السلطة الرابعة”.