تواصل مليشيا الحوثي خنق ما تبقى من مساحة العمل الإنساني في العاصمة صنعاء، بشنّ حملات اختطاف واسعة ضد موظفي المنظمات الدولية العاملة في المجال الإغاثي، وسط تصاعد غير مسبوق في خطاب العداء تجاه الأمم المتحدة وبرامجها، في مؤشرٍ على أن الحوثيين يكتبون فعلاً الفصل الأخير من حضور الإغاثة الدولية في مناطق سيطرتهم.
ففي واحدة من أعنف الموجات التي استهدفت العاملين في المجال الإنساني، أفادت مصادر خاصة لـ”يمن شباب نت”، أن مليشيا الحوثي اعتقلت خلال اليومين الماضيين ثمانية موظفين يمنيين يعملون لدى منظمات تابعة للأمم المتحدة، بتهمة “التجسس لإسرائيل”.
وتأتي هذه الاعتقالات في وقتٍ تشهد فيه الأوضاع الإنسانية تدهورًا غير مسبوق، مع ظهور بوادر أزمة في السلع الأساسية، وتراجع أنشطة الإغاثة في مناطق سيطرة الحوثيين.
وداهمت مليشيا الحوثي، السبت 25 أكتوبر، شقة سكنية في حي “فج عطان” تقطنها اليمنية حنان الشيباني، الموظفة في قسم الخدمات والبروتوكول ببرنامج الغذاء العالمي (WFP)، وتم اختطافها واقتيادها إلى جهة مجهولة، رغم معاناتها من وضع صحي حرج بسبب ولادتها المبكرة ووفـاة جنينها قبل أيام.
كما أفادت صحيفة “العربي الجديد” عن مصادر، بأن عناصر من مليشيات، اقتحموا، اليوم السبت، مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ، ومكتب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو” في صنعاء، مشيرة إلى أنهم عبثوا بمحتويات المكتبين وصادروا بعض الأشياء منهما، كما اعتقلوا عدداً من الموظفين.
وفي الأشهر الأخيرة، اعتقلت مليشيا الحوثي، العشرات من موظفي الأمم المتحدة في صنعاء، وتم اقتحام مكاتب الأمم المتحدة في صنعاء في 31 أغسطس، واحتجاز أكثر من 11 موظفا.
وأعلنت الأمم المتحدة الجمعة، أنها تعيد النظر في ظروف عملها في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بعد اقتحام مقراتها واحتلالها، والاستيلاء على أصولها، والاحتجاز التعسفي المتكرر لموظفيها، مؤكدة ارتفاع عدد موظفيها المختطفين إلى 55 موظفًا.
من “شركاء الإغاثة” إلى “جواسيس العدو”
في 16 أكتوبر الجاري، شنّ زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي هجومًا علنيًا على المنظمات الدولية، متهمًا كلاً من برنامج الأغذية العالمي واليونيسف بالضلوع في أنشطة تجسسية وعدوانية، وزاعمًا أن بعض موظفيها شاركوا في تزويد “العدو الإسرائيلي” بمعلومات عن اجتماع حكومته غير المعترف بها دوليًا، الذي استُهدف بغارة نهاية أغسطس.
وقال الحوثي في خطاب متلفز إن “أخطر الخلايا التجسسية هي من المنتسبين لمنظمات تعمل في المجال الإنساني”، مدّعيًا امتلاك جماعته “أدلة قاطعة” على تورط موظفين أمميين في أعمال استخباراتية.
في المقابل، نفت الأمم المتحدة هذه المزاعم جملةً وتفصيلًا، ووصفتها بأنها “اتهامات مغرضة وخطرة”، مؤكدةً أن هذا الخطاب التحريضي يعرّض حياة موظفيها في اليمن وفي مناطق النزاع الأخرى للخطر.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن ما تقوم به جماعة الحوثي “أمر غير مقبول”، مشيرًا إلى أن الاتهامات العشوائية تقوّض الثقة وتعرّض العملية الإنسانية برمتها للخطر.
الفصل الأخير للعمل الإنساني
أوضح الباحث في المركز اليمني للسياسات أحمد الشرجبي أن حملات القمع والانتهاكات التي تمارسها مليشيا الحوثي ضد موظفي المنظمات الدولية في صنعاء تمثل سابقة خطيرة، وتشكل انتهاكًا صارخًا لحرمة البعثات الدولية.
وقال الشرجبي في تصريح خاص، إن المليشيا “تكتب الفصل الأخير في العلاقة مع الأمم المتحدة، وللعمل الإنساني والإغاثي في صنعاء وبقية المناطق الخاضعة لسيطرتها”.
وأشار إلى أن الحوثيين اقتحموا مقارّ سكن بعثات الأمم المتحدة، وصادروا الأجهزة والهواتف وكاميرات المراقبة، وقطعوا الإنترنت، واحتجزوا طواقم الحراسة والخدمات، بل وحققوا مع موظفين أجانب، وطالبوا بعضهم بمغادرة البلاد.
وأكد الشرجبي أن هذا النهج العدائي والضغط المستمر على هيئات الإغاثة، إلى جانب الاعتقالات بتهم التجسس، يضع موظفي الأمم المتحدة في خطر داهم، مضيفًا أن صمت الأمم المتحدة لم يعد خيارًا مقبولًا أمام هذا التصعيد الممنهج.
جزاء سنمار
كافأت مليشيا الحوثي الأمم المتحدة بـ”جزاء سنمار”، بعد أكثر من عقد من الدعم المالي والسياسي، والتغاضي عن جرائمها وانتهاكاتها ضد اليمنيين، وتقويضها المتعمد للعمل الإنساني واستيلائها على المساعدات الإغاثية في مناطق سيطرتها طوال سنوات الحرب.
فعلى مدى الأعوام الماضية، استفادت المليشيا من التمويل الأممي لمئات المشاريع في اليمن، وجنت من ورائها أموالًا طائلة، دون أن يمنعها ذلك من التصعيد ضد المنظمات الدولية واتهامها بالتجسس والتخابر، وشن حملات اختطاف واعتقال طالت موظفين محليين ودوليين في صنعاء.
ويعد هذا التصعيد الحوثي غير المسبوق، الأخطر منذ بدء عمل وكالات الأمم المتحدة في مناطق سيطرتها قبل نحو عقد من الزمن، إذ تهدد هذه الاتهامات الخطيرة بتقويض كامل لعمل المنظمات الإنسانية، في وقت تتزامن فيه مع حملات اعتقالات واختطافات هي الأوسع منذ سنوات.
وتثير هذه التطورات مخاوف واسعة من توقف كلي للأنشطة الإنسانية في مناطق الحوثيين، ما يعني حرمان ملايين اليمنيين من المساعدات التي يعتمدون عليها للبقاء على قيد الحياة، وسط تفاقم الأزمة المعيشية واتساع رقعة الجوع والفقر.
وعلى الرغم من أن المنظمات الدولية موّلت مشاريع في مناطق الحوثيين بمئات الملايين من الدولارات، إلا أن جزءًا كبيرًا من تلك الأموال استحوذت عليه قيادات المليشيا، وراكمت به ثروات هائلة على حساب الجياع والمحتاجين، لتتحول المساعدات الإنسانية إلى مصدر تمويل رئيسي للحرب والفساد.
وتقول مصادر مطلعة لـ”يمن شباب نت”، إن هذا التصعيد الحوثي الأخير يعكس حالة الارتباك التي تعيشها الجماعة مع تصاعد السخط الشعبي في صنعاء ومناطق سيطرتها، جراء سياساتها القائمة على التجويع والإفقار منذ عشر سنوات، إلى جانب أزمات داخلية بنيوية تضرب هرمها القيادي.
وبحسب تلك المصادر، يحاول زعيم الجماعة الهروب إلى الأمام عبر افتعال أزمة مع المنظمات الدولية واتهامها بالتجسس، في محاولة لتشتيت الانتباه عن الأزمات الداخلية والصراعات المتفاقمة داخل المليشيا.
وتضيف المصادر أن هذه الاتهامات، بما تحمله من طابع عدائي وعبثي، تكشف عمق التصدع داخل المكونات الحوثية، وتؤكد أن الجماعة لم تعد تولي معاناة اليمنيين أي اعتبار، بل تسعى عمدًا إلى مفاقمتها، ولو على حساب تعطيل كامل للمساعدات الإغاثية وترك الملايين لمصير مجهول.
يمن شباب نت

الحوثيون يعتقلون الموظفة الأممية حنان الشيباني بعد أيام من فقدان جنينها في ولادة مبكرة
انشقاق قيادي حوثي من جبهة الساحل الغربي ووصوله إلى قوات العمالقة
هروب جماعي من سجن بيحان في شبوة.. والعدد غير معروف حتى الآن
صنعاء.. مليشيا الحوثي تفرج عن الفنانة انتصار الحمادي بعد خمس سنوات من سجنها