تسارعت وتيرة التسريبات الإسرائيلية خلال اليومين الماضيين لقرار محتمل من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لاحتلال قطاع غزة كاملاً، في ظل فشل التوصل لاتفاق هدنة وتبادل أسرى مع حركة حماس.
وبحسب ما أفادت به وسائل إعلام عبرية، أمس الاثنين، فإن نتنياهو قرّر احتلال قطاع غزة بالكامل، حيث نقلت هيئة البث الإسرائيلية (كان) عن وزراء تحدثوا إليها قولهم إنه قرّر “توسيع العملية العسكرية” في غزة، وذلك رغم الخلافات مع المؤسّسة الأمنية.
وفي محادثاته مع عدد من الوزراء، استخدم رئيس الوزراء عبارة “احتلال القطاع”، وزعم بأنه يرغب في احتلال كامل للقطاع “من أجل حسم المعركة ضدّ حماس”، غير أن وسائل عبرية أخرى ذكرت أن القرار لم يُحسم بعد.
وبحسب بيانات فلسطينية، فإنّ أكثر من 80% من مساحة القطاع هي مساحات خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، سواء عبر الوجود الرسمي للجيش، أو أنها مثبتة بالسيطرة النارية عبر القصف المدفعي أو وجود المسيّرات الإسرائيلية.
ووفقاً لشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، فإنّ سكان القطاع يعيشون حالياً على مساحة لا تتجاوز 90 كيلومتراً من إجمالي مساحة غزة البالغة 365 كيلومتراً مربعاً، وهو ما لا يتجاوز في أفضل الأحوال 14% من إجمالي المساحة.
ومنذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عمد الاحتلال إلى اتباع سياسة “الإخلاء القسري” التي طلب من خلالها من سكان مدينة غزة وشمالها التوجه نحو مناطق جنوب وادي غزة، ومواصي خانيونس، ورفح جنوباً.
وفي أعقاب اتفاق الدوحة في يناير/ كانون الثاني 2025، تمكّن أكثر من 1.1 مليون فلسطيني من العودة لتلك المناطق، على الرغم من التدمير الشديد الذي طاول غالبية المنازل، بفعل الخطط الإسرائيلية، وتحديداً “خطة الجنرالات” في مناطق شمالي القطاع.
ونتيجة للعمليات العسكرية الإسرائيلية، بات الوجود السكاني لأهالي القطاع ينحصر في مناطق بعينها، يعيش معها السكان ظروفاً معيشية وصحية صعبة، أدت لانتشار الأمراض، في ظل أزمة التجويع، واستئناف الإبادة منذ مارس/ آذار الماضي.
ويخشى الفلسطينيون من أن ينتقل الجيش الإسرائيلي خلال الفترة المقبلة لخطة احتلال القطاع بالكامل، ما يعني استمرار حالة التهجير والنزوح القسري الذي طاول أكثر من 90% من سكان غزة منذ بداية الإبادة. وسيساهم أي قرار إسرائيلي بالدخول لمناطق عمل لم يدخلها في السابق، في نزوح مئات الآلاف من السكان نحو مناطق أخرى، لا سيما الموجودين في مناطق غربي مدينة غزة، ووسطها، ومناطق وسط القطاع، ومواصي خانيونس.
وبحسب تقديرات فلسطينية رسمية، فإنّ الاحتلال الإسرائيلي دمّر 85% من البنية التحتية المدنية بالكامل، وهو ما يشمل الشقق والمنازل والطرق وشبكات الكهرباء والمياه، بالإضافة إلى المنشآت التجارية والاقتصادية، ومؤسسات أخرى، فيما تُعتبر هذه التقديرات أولية في ظل استمرار حرب الإبادة.
ويرصد “العربي الجديد” التقسيم السكاني للقطاع وفقاً لآخر التطورات الميدانية، في ظل حرب الإبادة واستمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية للشهر الثاني والعشرين على التوالي من عمر الحرب:
مدينة غزة
في مدينة غزة يوجد نحو مليون ومائة ألف ينحصرون في مناطق غربي المدينة والأطراف الشمالية لها، يعيش عدد كبير منهم في مخيمات للنزوح على الشريط الساحلي للمدينة، بالإضافة لبعض الأحياء التي لم يدمّرها الاحتلال الإسرائيلي.
ويشكل الوجود الأكبر لسكان القطاع في هذه المناطق التي سبق أن دخلها الاحتلال في المرة الأولى خلال العملية العسكرية التي طاولت مدينة غزة وأحياءها المختلفة، إلا أنّ العملية اتسمت بكونها خاطفة ولم يمكث فيها مطولاً.
ويعاني السكان في المدينة وأحيائها الغربية، من صعوبة في توفير احتياجاتهم الأساسية، خصوصاً ما يتعلق بالمياه والغذاء، في ظل حرب الإبادة والاكتظاظ السكاني غير المسبوق في تلك المنطقة.
وتبلغ مساحة المدينة وفقاً لبيانات بلدية غزة 56 كيلومتراً مربعاً، إلا أن السكان يتكدسون في الأطراف الشرقية من جهة الوسط، ووسط المدينة وأطرافها الغربية وجنوبها فقط، مع العمليات العسكرية الإسرائيلية في أحياء الشجاعية والتفاح والزيتون، شرقي المدينة.
وسط قطاع غزة
أما في مناطق وسط القطاع، وتحديداً الأطراف الغربية والجنوبية من المخيمات مثل النصيرات، ودير البلح، والبريج، والمغازي، فيُقدَّر عدد السكان حالياً بنحو 550 ألف نسمة يعيشون في ظروف صعبة وقاسية للغاية.
وينحصر وجود السكان على مناطق وأحياء بعينها لم يسبق للاحتلال دخولها، مثل مناطق غربي دير البلح، أو غربي النصيرات، وهي مناطق يلوّح الاحتلال بالعمل فيها، حيث يعتقد أن هناك أسرى إسرائيليين بها.
وشكّلت هذه المناطق أكثر المناطق اكتظاظاً في السابق، قبل عودة النازحين إلى مدينة غزة وأطرافها الشمالية، قبيل استئناف حرب الإبادة في مارس/ آذار الماضي، غير أن دخولها سيجعل من أكثر من نصف مليون نسمة عرضة للنزوح نحو المجهول.
مواصي خانيونس
أما المنطقة الثالثة التي يوجد فيها سكان القطاع فهي مواصي خانيونس، وأطراف بسيطة مما تبقّى من أحياء المدينة التي يعمل بها جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ نحو شهرين ونصف، حيث يوجد نحو 600 ألف نسمة في تلك المنطقة على مساحة لا تتجاوز 3% فقط من إجمالي مساحة القطاع.
وتُعتبر منطقة المواصي من المناطق التي سبق أن طالب جيش الاحتلال الإسرائيلي السكان بالنزوح نحوها، إلا أنه كان يقصفها باستمرار، ويستهدف الفلسطينيين فيها، سواء باستهداف الخيام بشكل منفرد أو بشكل جماعي.
وشهدت هذه المنطقة مجازر عدة ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي عبر غارات جوية عنيفة، على الرغم من إعلانه المزعوم دوماً بأنها مناطق مصنفة “إنسانية” يطلب من السكان باستمرار النزوح نحوها عند عملياته العسكرية في مناطق أخرى.
ويعيش السكان في هذه المناطق أصعب الظروف، حيث لا توجد شبكات مياه أو صرف صحي، بينما يعتمد السكان على سيارات ومركبات في توزيع المياه، ويقومون بإنشاء “مراحيض” بشكل عشوائي لتلبية احتياجاتهم.
وتُقدَّر المساحة الإجمالية لمنطقة المواصي بقرابة 12 ألف دونم فقط، ما يعني 3% من مساحة القطاع الإجمالية، علاوة عن كونها منطقة رملية يطلق السكان عليها اسم “السوافي”، نسبة إلى طبيعتها الصحراوية.