Blogتقارير
أخر الأخبار

هزمته المقاومة في العام 2014 وأنهاه “طوفان الأقصى”.. “غولاني” لواء بلا رجال!

يعدّ لواء «غولاني» ـ وهو أحد ألوية النّخبة في جيش الاحتلال ـ أقدم من “إسرائيل” ذاتها، فقد تأسس في 22 فيفري 1948؛ أي قبل نشأة “الكيان” في أرض فلسطين، ومع ذلك فقد قررت سلطة الاحتلال سحبه بعد نحو شهرين من القتال في غزة بذريعة إعادة تنظيم صفوفه؛ لكن الحقائق على الأرض تشير كلها إلى أن لواء غولاني قد انهزم ولم يعد بإمكانه الصمود تحت وطأة نيران المقاومة! والسؤال المطروح حاليا يمكن اختصاره كالآتي: كيف يمكن قراءة تحولات المشهد الراهن في غزة من خلال هزيمة لواء غولاني في هذه المرحلة الحاسمة من الحرب التي يشهد فيها الكيان ضغوطا دولية متزايدة تصبّ كلها في المطالبة بإنهاء العدوان، فضلا عن التشرذم الداخلي في ما يسمّى المجتمع الصهيوني، بما في ذلك الانشقاقات والخلافات الحادة في أوساط النخب، ناهيك عن الضربات المتواصلة التي يتلقاها جيش الاحتلال من هنا وهناك (المقاومة الفلسطينية في الضفة المحتلة- حزب الله – الجيش اليمني)؟

قرر جيش الاحتلال فجأة سحب لواء غولاني من غزة بعد نحو 70 يوما من القتال تكبد خلالها “خسائر كبيرة”، لكنّ الإعلام الإسرائيلي التابع لسلطة الكيان برّر هذا الانسحاب بطريقة تتضمن استخفافا بالعقول، حين قال إن جنود اللواء غادروا غزة “لإعادة تنظيم صفوفهم والتقاط أنفاسهم، وزيارة أهاليهم لبضعة أيام”، وكأن الأمر يتعلق بمهمة عادية وليس حربا طاحنة، ما يتيح للقادة منحَ الجندي فرصة مغادرة ساحة الحرب للاطمئنان على أولاده على أن يعود خلال أيام لمواصلة القتال!

“قرار” سحب لواء غولاني من غزة تلاه على الفور قرار إخراج قوات المظليين والمدرعات أيضا من القطاع، لتبدأ سلطة الاحتلال بإحصاء خسائرها الفادحة في صفوف الجنود والضباط، فإحصاءات (الجيش) الصهيوني تشير إلى إصابة 784 جنديا، منذ بدء التوغل البري بالقطاع في 27 أكتوبر الماضي، فيما قدرت وسائل إعلام إسرائيلية عدد الجرحى في صفوف (الجيش) بنحو 5 آلاف.

لكن، من الواضح أن استخدام كلمة قرار ـ فيما يخص الانسحاب الإسرائيلي ـ ليس موفّقا، لأن القرار يجب أن ينبع من إرادة، أو في إطار تنفيذ خطة مرسومة مسبقا، وليس من وضع اضطراري، بالنظر إلى أن هذا الانسحاب المذل تم ـ يوم الخميس ـ إثر سلسلة ضربات متتالية وجهتها المقاومة إلى رمز القوة الصهيونية المتمثلة في “غولاني”، الذي لم يعد أمام جنوده وضباطه سوى الاحتماء بالخراب ليبقوا أحياء أطول وقت ممكن.

التقارير تقول إن مقتل عشرة عسكريين صهاينة يوم الثلاثاء الموافق لـ 13 ديسمبر حدث جعل ذاك اليوم يوما أسودَ، فهو اليوم الذي شهد أعلى حصيلة قتلى في صفوف قوات الاحتلال، وذلك منذ بدء الهجوم البري في 27 من أكتوبر. ومن بين هؤلاء القتلى، تسعة اصطادتهم نيران المقاومة وينتمون إلى وحدات شاركت في معركة شرسة في الشجاعية بغزة، واثنان من القتلى التسعة هما من كبار الضباط، وفق ما ذكره متحدث عسكري كان قد قال: “بعد ظهر الثلاثاء دخلت قوة من مقاتلي لواء غولاني مبنى حيث قوبلوا بإطلاق نار كثيف واشتبكوا مع” رجال المقاومة.

كلام هذا المتحدث ـ واسمه دانيال هاغاري ـ يشير في مجمله إلى أن لواء غولاني تلقى ضمن سلسلة عمليات المقاومة ضربة موجعة ما دفع إلى التفكير جديا في إعلان الهروب من المعركة تحت مُسمّى “انسحاب”، جرى الإعلان عنه يوم الخميس الماضي، لتبدأ حملة تبرير الهزيمة ـ عبر الصحافة ـ بالادعاء أن جنود اللواء سالف الذكر تم سحبهم لأخذ قسط من الراحة، أو ما شابه.

ثلاثاء الهزيمة النكراء

عندما تم إبلاغ جنود لواء النخبة “غولاني” بـ (قرار) سحبهم من أرض المعركة بقطاع غزة وإعادتهم إلى الكيان، غمرتهم فرحة عارمة، لمجرد أنهم لا زالوا أحياء، وهو ما أظهره مقطع فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، يوم الجمعة، وقال موقع “واللا” الإخباري والقناة “12”: إنه “بعد نحو شهرين في غزة، وسقوط 44 مقاتلا من اللواء، غادر جنود لواء غولاني قطاع غزة، “لالتقاط أنفاسهم، وزيارة أهاليهم لبضعة أيام”.

وأضافت القناة “12” الإسرائيلية إنه “بعد 9 أيام من المواجهة الصعبة في حي الشجاعية (شرق مدينة غزة)، والتي قتل خلالها قائدهم المقدم “تومر جرينبيرج” و8 ضباط ومقاتلون آخرون، خرج مقاتلو غولاني من غزة”، لكن مصادر أخرى موثوقة ـ غير رسمية ـ تشير إلى سقوط أعداد هائلة من القتلى في صفوف غولاني في كمين ثلاثاء الهزيمة، وقد سمحت قيادة (الجيش) الصهيوني بنشر أسماء 9 ضباط وجنود فقط من اللواء، بالإضافة إلى إصابة 4 آخرين بجروح خطيرة.

وكان العشرات من جنود غولاني قُتلوا في عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها كتائب عز الدين القسام في السابع من أكتوبر 2023، كما سقط آخرون في المعارك البرية في قطاع غزة، مع توقعات بزيادة الخسائر في صفوف اللواء إذا طال أمد المعارك. وفي 13 ديسمبر الجاري، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن كمين نصبه مقاتلو “كتائب القسام” لجنود من لواء “غولاني” في حي الشجاعية، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد كبير من الضباط والجنود.

هذا، ووصفت وسائل إعلام عبرية تلك المعركة في الشجاعية بأنها “حادثة خطيرة استمرت لأكثر من ساعتين”، وفي 17 ديسمبر الجاري، كشف قائد لواء غولاني الأسبق موشيه كابلنسكي أن اللواء خسر منذ السابع من أكتوبر الماضي ربع قواته بين قتيل وجريح، إذ قتل 82 ضابطا وجنديا خلال العدوان على غزة، وهو رقم أقل بكثير جدا مما تعلنه المقاومة، كما أنه رقم من بين الأرقام المختلفة التي تعلنها المصادر الإسرائيلية.

تكبّد خسائر فادحة في معركة الشجاعية سنتي 2014 و2023..

“غولاني” أقدم وجودا من “إسرائيل”.. والمقاومة هزمته مرّتين!

دون تحقيق أي أهداف ملموسة، وبلا تصور لنهاية العدوان، سحب جيش الاحتلال الصهيوني ثلاثة ألوية ووحدتين من قوات النخب من جيشه، بعد خسائر كبيرة تعرض لها خصوصا في حي الشجاعية،

بلغت حصيلة قتلى (الجيش) الصهيوني المعلن عنها ـ رسميا ـ منذ السابع من أكتوبر الماضي وحتى صباح الجمعة 471 قتيلا، بينهم 144 منذ بدء التوغل البري بالقطاع، غالبيتهم العظمى من قوات النخب النظامية والاحتياط، وهي كالتالي:

  • وحدة “دوفدفان” (الوحدة 217): وهي وحدة النخبة التي تتخصص في مكافحة التنظيمات المسلحة.
  • وحدة “شيطت 13”: وهي وحدة خاصة (كوموندوس) تابعة للبحرية الصهيونية.
  • لواء المدرعات: تم تأسيسه بعد النكبة عام 1948، وهو سلاح المناورة الرئيس في الذراع البرية، ويوصف بأنه من بين كبرى القوات المدرعة في العالم، ويعتمد في قوته الرئيسة على الدبابات القتالية، ويعد السلاح الحاسم في مقر قيادة (الجيش) الصهيوني، إذ يتقدم جبهات القتال ويتولى مهمة تدمير قوات الطرف الآخر، وتعزيز سلاح المشاة أثناء قيامه بالمهام الأمنية.
  • لواء “المظليين” (اللواء 35): تم تأسيسه عام 1955، وهو لواء مظلي نظامي في (الجيش) الصهيوني، وجزء من المشاة ومكون من 4 كتائب، ويتحرك باستخدام طائرات مروحية وسفن مرنة ومركبات أخرى خاصة حسب طبيعة النشاط ومسار التضاريس، حيث يتم مراعاة الموقع والطريقة التي سيتم بها نشر قوات اللواء في الحرب أو النشاط العملياتي.
  • لواء “غولاني”: تأُسس قبل النكبة الفلسطينية في فيفري 1948 من قبل العصابات الصهيونية، بإشراف أول رئيس وزراء للكيان، ديفيد بن غوريون، وشارك اللواء في جميع الحروب والاعتداءات العسكرية الصهيوني، وهو أحد ألوية المشاة الخمسة في (الجيش)الصهيوني النظامي (الأخرى هي لواء المظليين ولواء “ناحال” ولواء “غيفعاتي” ولواء كفير)، ويتبع للفرقة 36 المدرعة، ويتكون من خمس كتائب، منها الكتيبتان 12 و13 اللتان احتفظ بهما منذ إنشائه، وكتيبة 51 المنقولة من لواء “غيفاتي”.

تفاصيل حول لواء غولاني

شارك “غولاني” في نكبة 1948، وارتكب فيها مجازر شنيعة، كما شارك في جميع الحروب التي شنها الكيان الصهيوني على الدول العربية وعلى الفلسطينيين، كما شارك أيضا في جميع الحروب التي شنها الاحتلال على غزة، وآخرها حرب “السيوف الحديدية” في 2023، التي انسحب منها اللواء مهزوما بعد 60 يوما من القتال، مُني فيها بخسائر كبيرة، وكان عناصر اللواء ينتمون إلى العصابات الصهيونية التي كانت موجودة قبل نشأة الكيان، وسكان المستوطنات في مناطق القتال ومجندون من مناطق أخرى.

ينظر إلى جنود هذا اللواء على أنهم نخبة (الجيش) الصهيوني، لكون بعض وحداته وخاصة “إيغوز” يخضون لتدريبات قاسية واختبارات صارمة، تتعلق بنصب الكمائن وإستراتيجيات الاستطلاع والتمويه، ويتطلب الأمر قدرات بدنية وقتالية عالية، ويضم اللواء في صفوفه آلاف الجنود، ومن الملاحظة أن عددا كبيرا من القادة السياسيين والعسكريين لدى الكيان خدموا في اللواء.

  • رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق، أرئيل شارون، الذي تم تعيينه بعد حرب عام 1948 قائدا لسرية في اللواء.
  • الوزير السابق جدعون ساعر.
  • رئيس الأركان السائق، غابي أشكنازي، الذي كان في صفوف اللواء في حرب لبنان عام 1982 وخاض معارك منها معركة قلعة شقيف والنبطية وجبل الباروك.
  • ترأس اللواء عربي درزي في وقت سابق، هو العقيد غسان عليان بين عامي 2013 و2014، وأصيب خلال معارك حي الشجاعية شرق مدينة غزة في عام 2014.

يتكون اللواء من عدة كتائب ووحدات بحسب المكتبة الافتراضية اليهودية، وهي:

  • كتيبة باراك.
  • كتيبة جدعون.
  • وحدة إيغوز الخاصة (وحدة حربي العصابات والمدن) وكان الهدف من تأسيسها تنفيذ مهام خلف خطوط العدو.
  • كتيبة الاستطلاع.
  • كتيبة الاتصالات الخاصة.
  • كتيبة الهندسة القتالية.
  • كتيبة أوريف المضادة للدبابات.

معارك اللواء

في حرب عام 2014، خاضت المقاومة الفلسطينية معارك شديدة ضد اللواء حتى أنها أصابت قائد اللواء نفسه – حينها – غسان عليان. وفي وقت لاحق، اعترف عليان بأن معركة الشجاعية هي أقسى معركة خاضها في اللواء، وبعد اندلاع الحرب الحالية في 7 أكتوبر، قال وزير الدفاع الصهيوني، يوآف غالانت، إن جنود اللواء عادوا إلى الشجاعية.

وتوعد قائد في اللواء، وهو المقدم “تومر غرينبيرغ” بما قال إنه “تصفية الحساب مع الشجاعية”، كما ظهر في فيديو متداول له، لكنه قتل مع 7 من جنوده وضباطه في الحي، شرقي مدينة غزة.

لاحقت جنود اللواء اتهامات بارتكاب جرائم ضد الفلسطينيين والعرب على مدار عقود؛ فعلى سبيل المثال، كشفت صحيفة “هآرتس” عن أن جنود اللواء ارتكبوا جرائم ضد فلسطينيين في مخيم للاجئين قرب نابلس شمالي الضفة الغربية عام 2018، لكن قادة الجنود قرروا التغطية على جرائم هؤلاء.

المقاومة حوّلت شعار الصهاينة “ميتوت حماس” إلى “ميتوت إسرائيل”..

نتنياهو أراد بعدوانه “إسقاط” حماس فأسقط الكيان الصهيوني!

“إسرائيل” – فرنسا.. حين يشترك المحتل المتعجرف في الأخطاء نفسها

من جهته، استهل رئيس تحرير موقع “ميدل إيستآي” البريطاني، ديفيد هيرست، مقاله أمس السبت حول حرب غزة بأنها كانت سوء تقدير كبير من الكيان الصهيوني، وبالإضافة إلى كونها كارثة أخلاقية وعسكرية فهي تؤجج المقاومة وتعيد إشعال جمر الغضب في جميع أنحاء العالم العربي.

ولفت هيرست إلى ما فعله الرئيس الأمريكي رونالد ريغان بعد وابل صهيوني كثيف من القصف خلال حصار بيروت في جويلية 1982، حيث اتصل برئيس الوزراء الصهيوني مناحيم بيغن مطالبا إياه بوقف القصف، وقال ريغان وقتها “هنا على التلفزيون ليلة بعد ليلة تظهر لشعبنا رموز هذه الحرب وهي “محرقة”.

وعلق الكاتب على ذلك بأنه خلافا للديمقراطيين في البيت الأبيض، اليوم، كان رئيس الولايات المتحدة الجمهوري ريغان قادرا ومستعدا لدعم أقواله بالأفعال، فأوقفت الولايات المتحدة الذخائر العنقودية وبيع طائرات “أف-16” إلى الكيان.

ووقوفا على حجم الدمار الذي خلّفه الكيان الصهيوني في غزة مقارنة بقصف قوات الحلفاء المدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية، نقل الكاتب عن محللين عسكريين التقتهم صحيفة “فايننشال تايمز” أن 68 % من مباني شمال غزة دمرت بحلول 4 ديسمبر الجاري، وذلك بعد شهرين فقط من القصف، وهو قريب من قصف الحلفاء لهامبورغ (75%)، وكولونيا (61%)، ودريسدن (59%)، لكن ما حدث لهذه المدن كان بعد سنتين من القصف!

نقطة ضعف أساسية

وأضاف هيرست أن ما يقارب 20 ألف فلسطيني – 70% منهم من النساء والأطفال- استشهدوا في نصف الوقت الذي استغرقه إجبار منظمة التحرير الفلسطينية على مغادرة بيروت في عام 1982، ونبه إلى أن الدمار الذي لحق بغزة يضع الأساس لـ50 سنة أخرى من الحرب، ولن تنسى أجيال من الفلسطينيين والعرب والمسلمين أبدا الهمجية التي تفكك بها سلطة الاحتلال القطاع اليوم.

وأشار هيرست إلى أن هذه الرسالة فهمها بعض الإسرائيليين مثل الرئيس السابق لجهاز الأمن العام الشاباك، عامي أيالون، عندما حدد نقطة ضعف أساسية في التفكير التقليدي في الدوائر الأمنية الصهيونية، وهي أنه بينما يرى (الجيش) الصهيوني النصر من خلال منظور القوة الغاشمة – كلما قتل المزيد من الناس ودمر أكثر اعتقد أنه فاز- ترى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) النصر من خلال منظور “القوة الناعمة”، كلما اكتسبت المزيد من القلوب والعقول عظم النصر.

وذكر الكاتب أن الإسرائيليين يرتكبون الخطأ ذاته الذي ارتكبه الفرنسيون في الجزائر عندما قتلوا أكثر من 1.5 مليون جزائري بين عامي 1954 و1962 معتقدين أنهم بذلك سينتصرون في الحرب، ولكن بعد أن وضعت الحرب أوزارها اضطروا إلى الفرار وافتكت الجزائر استقلالها.

وتؤكد سلسلة من التقييمات الاستخباراتية الأمريكية الارتفاع الكبير في شعبية حماس منذ بداية الحرب، ويقول مسؤولون مطلعون إن الحركة نجحت في ترسيخ نفسها في أجزاء من العالم العربي والإسلامي باعتبارها مدافعا عن القضية الفلسطينية ومقاتلا فعالا ضد الكيان، حسبما ذكرت شبكة “سي أن أن” الأمريكية.

فرّق تسد

وهذه أخبار سيئة – كما يقول هيرست – لجميع تلك الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة بطبيعة الحال، التي تظن أن السلطة الفلسطينية يمكن أن تحل محل حماس في غزة، وهذه ليست مجرد أرقام، بل هو الواقع السياسي الجديد بعد 7 أكتوبر الماضي. وتابع الكاتب أن الهجوم الصهيوني على غزة أدى إلى تغيير منطقة الشرق الأوسط بالكامل كما وعد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، ولكن ليس على النحو الذي قد تستفيد منه حكومته أو الحكومات المستقبلية.

وطوال 17 سنة من نسيان بقية العالم غزة أو تجاهلها، بذلت أمريكا والقوى الأوروبية الكبرى قصارى جهدها لتعزيز الحصار الذي فرضته سلطة الاحتلال على القطاع، وطوال 17 سنة من سياسة فرّق تسد الصهيونية بفصل غزة عن الضفة الغربية وإزالة كل إمكانية للمشاركة في حكومة وحدة وطنية يلتئم شمل غزة والضفة الغربية اليوم كما لم يحدث من قبل.

وأضاف هيرست أنه حتى الانتفاضتين الأولى والثانية لم تحققا النجاح نفسه الذي حققته حماس في غزة خلال الشهرين الماضيين، ورأى أنه من الممكن أن تكون نتيجة هذه الحرب حالة مستمرة من الصراع، الأمر الذي سيحرم الكيان من الادعاء بأنها أصبحت دولة عادية على النمط الغربي.

وفي ظل هذه الظروف، فإن توسع الحرب سيكون محتملا دائما كما تظهره هجمات الجيش اليمني على السفن الغربية المتصلة بالكيان الصهيوني، والتي تمر عبر البحر الأحمر. وختم هيرست بأن “ميتوت حماس” (سقوط حماس) هو شعار باللغة العبرية وهو هدف حكومة العدوان الصهيوني، وبعد شهرين من هذا التدمير يمكنهم أيضا تعديله ليصبح “ميتوت (إسرائيل)”، لأن هذا هو التأثير الذي قد يحدثه هذا العدوان.

الكيان لم يحقّق أهدافه والمقاومة ترفض الهدنة..

الحقيقة التي تتهرّب منها “إسرائيل”.. غزة انتصرت

بعد فشله في تحقيق سيطرة حقيقية على المناطق السكنية بقطاع غزة، وتكبده خسائر فادحة، إضافة إلى الضغوط الاقتصادية، فضلا عن تغيّر مزاج الشارع الصهيوني والموقف الدولي، اضطر الاحتلال إلى سحب قواته من بعض الأحياء في القطاع. ولكنه قبل ذلك، قام بإخراج المئات من الجنود من مناطق القتال إلى المناطق الحدودية، حيث خصص لهم وحدات استشارة نفسية للحد من الصدمات التي تعرض لها الجنود أثناء القتال، في محاولة لتعزيز معنوياتهم، بحسب ما أفادت به صحيفة “هآرتس”.

وقدرت الصحيفة أن سحب قوات النخب، وخصوصا قوات لواء “غولاني”، يعكس حجم “الخسائر” البشرية التي تكبدتها القوات، وكذلك عدم جدوى الاستشارة النفسية التي كانت تقدم للجنود خلال المعارك، ولم تتمكن الاستشارة النفسية -وفق ما وثقته الصحيفة- من رفع المعنويات القتالية للجنود وإعادتهم للمعارك البرية، في حين يحاول (الجيش) الصهيوني التمكن من الكشف المبكر عن الحالات التي قد تتطور إلى اضطراب ما بعد الصدمة المزمنة، والتي قد تؤدي إلى الاكتئاب والانتحار.

“لنعترف بالهزيمة”..

وتحت عنوان “لنعترف بالهزيمة”، كتب المحاضر في جامعة “تل أبيب” هيليل شوكين مقالا بصحيفة هآرتس، استعرض فيه سير وتطورات العدوان الصهيوني على قطاع غزة، والخسائر التي تكبدها (الجيش) على مستوى القوات البشرية والمعدات والآليات العسكرية، وكذلك بنك الأهداف “الذي بقي بلا رصيد” – بحسب تعبيره. وفي قراءة لمعاني ودلالات سحب قوات النخب من القطاع، والتطلع الصهيوني لبدء المرحلة الثالثة من الحرب وإعادة نشر القوات، كتب شوكين “لن ننتصر حتى لو كنا معا أيضا، لقد خسرنا بالفعل الحملة العسكرية الحالية على غزة من أجل حقنا في وطن قومي، وتجلت الخسارة في 7 أكتوبر الماضي.

وأضاف المحاضر في جامعة “تل أبيب”: “كل يوم إضافي من المناورة البرية يتفاقم الفشل، وعندما تنتهي هذه الحملة العسكرية، كما هو متوقع في غضون أسابيع قليلة بسبب الضغوط الدولية، ستجد سلطة الكيان نفسها في وضع أصعب من ذلك الذي دخلت فيه”. واستذكر شوكين بنك الأهداف المعلنة من الحرب على غزة، قائلا “في 16 أكتوبر الماضي، أعلن مجلس الوزراء الحربي عن أهداف الحرب، متمثلة في الإطاحة بحكم حماس وتدمير قدراتها العسكرية، وإزالة التهديد الكامن في قطاع غزة، وبذل أقصى جهد لحل قضية الرهائن، وحماية حدود البلاد ومواطنيها، وفي نهاية الحملة لن نحقق أيا من هذه الأهداف”.

“علينا الاعتراف”

القراءة ذاتها تبناها الصحفي الاستقصائي والمختص بالشؤون العسكرية والاستخباراتية رونين بيرغمان، الذي استعرض من خلال تقدير موقف نشره في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الفشل في عدم تحقيق أهداف الحرب، وعدم الاعتراف الرسمي للمؤسستين السياسية والعسكرية باستحالة تحرير الأسرى والقضاء على حماس.

ويضيف بيرغمان: “لا أحد يقول هذا علنا، لكن هذا هو الواقع، في الحقيقة حتى لو لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن صفقة تبادل جديدة، فمن المحتمل أن يضطر (الجيش) الصهيوني إلى الانسحاب بشكل كلي من غزة قبل أن يكمل أهدافه العسكرية المعلنة، والتي لم تتحقق مع قرب انتهاء الشهر الثالث للحرب”.

وخلُض بيرغمان إلى القول: “لقد ألحقت (إسرائيل) الضرر بحماس، لكنها بعيدة كل البعد عن التغلب عليها، فهناك من يعتقد أن (إسرائيل) أصبحت فجأة مهتمة بالصفقة، لأنه بات واضحا للجميع أنها ستضطر خلال أسبوعين إلى التوقف عن المناورة تحت الضغط الأمريكي، فالصفقة ستكون نهاية متفائلة للحرب، وأكثر متعة بكثير مما لو طلب الأمريكيون من الكيان التوقف والانسحاب دون حتى تحرير المحتجزين”.

دعوة إلى فرض حظر نفطي على “إسرائيل”..

المقاومة الإسلامية تستهدف الكيان الصهيوني من كل الجهات

أعلن المتحدث العسكري الصهيوني، قبل أيام، تدمير مسيّرة كانت تستهدف الكيان عبر البحر، فيما قالت المقاومة الإسلامية بالعراق إن الهدف الحيوي الذي استُهدف في البحر المتوسط هو منصة حقل كاريش للغاز، مؤكدة أن الهجوم أصاب الهدف بصورة مباشرة. وأوضحت المقاومة، في بيان أصدرته مساء يوم الجمعة، أنها مستمرة في قصف معاقل ما وصفته بالعدو ردا على المجازر التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في غزة بحق المدنيين الفلسطينيين.

يذكر أن فصائل عراقية – أبرزها ما يطلق عليها اسم “المقاومة الإسلامية في العراق”- شنت عشرات الهجمات على قواعد أمريكية في العراق وسوريا، وذلك بالتزامن مع العدوان الذي يشنه الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة، والذي أدى حتى الآن إلى استشهاد نحو 20 ألفا معظمهم من النساء والأطفال، وإصابة أكثر من 50 ألفا آخرين.

واعترف مسؤولون أمريكيون بوقوع هذه الهجمات، فيما قالت شركة “أمبري” البريطانية للأمن البحري، أمس السبت، إن سفينة تجارية تابعة للكيان صدمتها طائرة مسيّرة في بحر العرب قبالة الساحل الغربي للهند، ما أدى إلى نشوب حريق فيها. وأضافت أنه تم إخماد الحريق الذي اندلع على متن السفينة، وهي ناقلة منتجات كيميائية وترفع العلم الليبيري، وأشارت إلى أن الحادث وقع على بعد 200 كيلومتر جنوب غربي فيرافال بالهند.

وقالت الشركة على موقعها الإلكتروني “تم الإبلاغ أيضا عن بعض الأضرار الهيكلية ووصل بعض الماء إلى متن السفينة”، مؤكدة أن “السفينة تابعة للكيان وتوقفت آخر مرة بالسعودية وكانت متجهة إلى الهند في ذلك الوقت”، وذكرت الشركة أن البحرية الهندية تتعامل مع الموقف، بينما قالت القناة “12” الإسرائيلية إن الهجوم على السفينة المرتبطة بالكيان تم بطائرة مسيّرة أطلقت من إيران.

ويأتي الحادث في أعقاب سلسلة هجمات نفذتها قوات الجيش اليمني على سفن تجارية في البحر الأحمر بطائرات مسيّرة وصواريخ، وهو ما أجبر شركات شحن على تغيير مسار سفنها والإبحار في طرق أطول حول الطرف الجنوبي لقارة أفريقيا، وتأتي هجمات اليمنيين تضامنا مع قطاع غزة الفلسطيني الذي يحاصره الاحتلال ويشن عليه عدوانا همجيا منذ السابع من أكتوبر الماضي.

وتزامنا مع الهجوم الذي استهدف السفينة التجارية الصهيونية، أمس السبت، هدد الحرس الثوري الإيراني بإغلاق ممرات مائية جديدة إذا استمر العدوان على غزة، ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن جنرال “محمد رضا نقدي” مساعد قائد الحرس الثوري للشؤون التنسيقية قوله – مشيرا إلى الولايات المتحدة و(إسرائيل) – “سيتعين عليهم قريبا انتظار إغلاق البحر المتوسط ومضيق جبل طارق وممرات مائية أخرى”، وقال نقدي: “بالأمس صار الخليج الفارسي ومضيق هرمز كابوسا بالنسبة إليهم، واليوم هم محاصرون في البحر الأحمر”، متحدثا عن “ولادة قوى مقاومة جديدة”.

طهران تدعو إلى حظر نفطي على الكيان

من جانبه، دعا المرشد الإيراني علي خامنئي، أمس السبت، الدول الإسلامية إلى فرض حظر نفطي على الكيان، في حين اتهم الرئيس إبراهيم رئيسي الولايات المتحدة بأنها شريكة في المجازر التي تركب ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وقال خامنئي إن من واجب الدول الإسلامية أن تمنع إرسال النفط والوقود والبضائع إلى الكيان، وأضاف المرشد الإيراني أن تقديم الدعم للمقاومة أمر واجب، معتبرا الوقوف إلى جانب الكيان جريمة وخيانة.

وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، من جهته، إن الشعب الفلسطيني سينتصر وإن الهزيمة ستلحق بالكيان، معتبرا أن إنهاء الحرب في غزة وفتح الممرات أمام المساعدات الإنسانية أولوية في الوقت الراهن، وشدد على ضرورة وقف إطلاق النار ورفع الحصار عن القطاع، مؤكدا رفض بلاده تهجير الشعب الفلسطيني.

المحلّل السياسي الفلسطيني عبد الله الأسمر لـ “الأيام نيوز”:

“سحب كتيبة لواء غولاني إقرار بفشل الاحتلال”

أبرز المحلّل السياسي الفلسطيني، عبد الله الأسمر، أن لواء “غولاني” الذي يُعدُّ أقدم لواء في جيش الاحتلال الإسرائيلي، شكّل خلال هذه المعركة وفي غيرها من المعارك رأس الحربة بالنسبة إلى “إسرائيل”، باعتباره ذروة جيش الاحتلال ونخبته الأولى، حيث كان يتقدم القوات الإسرائيلية في عدة محاور من قطاع غزّة، أهمها حي الشجاعية ومخيم خان يونس، إلا أن تلقيه ضربة استباقية مع انطلاق عملية “طوفان الأقصى” بتاريخ السابع من أكتوبر الماضي أثر وبشكلٍ واضح على أدائه في العدوان الذي يشنه الاحتلال على غزة، منذ أزيد من شهرين على التوالي؛ حيث أعلن الاحتلال أن أكثر من 80 جنديا من أفراد “غولاني” قُتلوا يوم السابع أكتوبر سواء أثناء الهجوم أو في محاولتهم التصدي لكتائب القسام في بعض المستوطنات والقواعد العسكرية في غلاف غزة.

وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ الأسمر، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أن هذه الضربة الاستباقية أثرت وبشكلٍ لافت على البعد العملياتي والبعد المعنوي للواء “غولاني”، وظهر ذلك بشكل جليّ في المعركة التي يخوضها على أرض الميدان في قطاع غزة، حيث تكبد خسائر فادحة على مستوى القوات البشرية والمعدات والآليات العسكرية، خاصة بعد المعارك الضارية والاشتباكات العنيفة التي شهدها حي الشجاعية.

وفي 13 ديسمبر الجاري، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن كمين نصبه مقاتلو “كتائب القسام” الجناح العسكري لحركة المقاومة “حماس”، لجنود من لواء “غولاني” في حي الشجاعية، ما أدى إلى مقتل 10 ضباط وإصابة عدد كبير من الجنود.

وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه قُتل في هذه المواجهة قائد لواء “غولاني” العقيد تومر جرينبيرج وقائد “السرية 669” الرائد بن شيلي وقائد “الكتيبة 51” النقيب ليل هايو، وقتل كذلك اللواء روم هيشت والرقيب عيران ألوني والرقيب أهيا داسكال ومقاتلان في الكتيبة 51. إضافة إلى الرائد موشيه بار أون قائد سرية في الكتيبة 51 والرائد روي ملداسي قائد سرية في الكتيبة 13.

وقد علّق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على كمين الشجاعية بالقول إنه “كان يوما صعبا جدا”، فيما قال رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي، هرتسي هليفي: “قد عشنا حدثا صعبا (…) قوة عسكرية وقعت في محنة، وتعرضت قوات أخرى للنار والخطر، لكن القادة كانوا في المقدمة”.

في السياق ذاته، أبرز المحلل السياسي الفلسطيني أن هذه التطورات تُشكّل، وبدون أدنى شك، أحد أهم مظاهر الفشل العسكري الإسرائيلي، بعد تمكن المقاومة الفلسطينية من البقاء والصمود من خلال قدرتها على المناورة العسكرية ومنع الاحتلال الصهيوني من إحكام سيطرته على أي منطقة أو محور من محاور القتال في قطاع غزة. كل هذه المعطيات أجبرت ودفعت بالقيادة الإسرائيلية إلى سحب لواء “غولاني” من القطاع بعد أن فقد 40 بالمائة من قدراته القتالية البشرية ومعداته، على اعتبار أن العرف العسكري يؤكد على أن فقدان اللواء لهذه النسبة من قوته يعني بالضرورة سحبه من أرض المعركة.

في سياق ذي صلة، أشار المتحدث إلى أنه، وبعد الهزيمة التي مُني بها لواء “غولاني” ومن ورائه كافة جيش الاحتلال الإسرائيلي، تأكّد للجميع أن الكيان الصهيوني لن يتمكن من أن يُحكم السيطرة على أي منطقة في القطاع، أو أن يُبقي قواته في غزة، ولا يستطيع الاحتلال الإسرائيلي اليوم أن يعلن أنه حقق أي انتصار أو هدف حاسم يستحق الذكر، سواء تعلق الأمر بالقضاء على حماس أو الإفراج عن أسراه المحتجزين لدى المقاومة بالقوة، كما أعلن قادة الاحتلال مع بداية عدوانه الجائر على غزة.

“الانشقاق داخل المجتمع الصهيوني يتفاقم ويحتدّ”

في هذا الإطار، أبرز الأستاذ الأسمر أن لواء “غولاني” كانت له مهمة تحقيق الجزء الأهم والأساسي فيما يتعلق بالأهداف التي أعلنها الاحتلال الصهيوني مع بداية العدوان على غزة، وبالتالي فإن سحبه من المعركة وفي هذا التوقيت تحديدا هو بمثابة إقرار بالفشل الذريع الذي مُني به الاحتلال الذي لم يتمكن من تحقيق أيّ من أهدافه، فكل ما حققه هذا الاحتلال المستبد هو قتل أسراه في الشجاعية وانسحابه من أرض المعركة بعد أن ُمني بضربات موجعة من طرف المقاومة الفلسطينية الباسلة.

في سياق ذي صلة، أبرز المحلل السياسي الفلسطيني أن هذه المُعطيات فاقمت من حالة الانشقاقداخل المجتمع الصهيوني المنشق بالأساس والمنقسم على نفسه، وزادت من حجم الضغط الدولي على الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء عدوانه بعد فشله الذريع في تحقيق أي هدف من أهدافه المعلنة، واستحالة تحرير رهائنه لدى المقاومة والقضاء على حماس كما كانت “إسرائيل” تُمني النفس مع بداية هذه المعركة.

وفي هذا الشأن، أوضح محدثنا أن سحب لواء “غولاني” من قطاع غزة ستكون له تداعيات على دوره وأدائه في المعارك المُحتملة في الجبهة الشمالية مع حزب الله، أو في مهام قتالية أخرى في الضفة الغربية، بالنظر إلى حجم الخسائر الفادحة التي مُني بها والتي يحتاج ترميمها إلى سنوات، بالإضافة إلى الخسائر التي مست الإستراتيجية العسكرية والأمنية الإسرائيلية، وكذلك الإستراتيجية الاستخباراتية، وهو الأمر الذي يعترف به مسؤولون في الشباك والموصاد واستخبارات الجيش الإسرائيلي، فالكل يعترف بأن هناك فشلا استخباراتيا تكشّف بتاريخ السابع من أكتوبر الماضي، وأن هذا الفشل تراكم بشكل جليّ مع استمرار العدوان التي يشنه الاحتلال على قطاع غزة.

وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أبرز المحلل السياسي الفلسطيني، عبد الله الأسمر، أننا اليوم أمام مشهد جديد في “إسرائيل”، فيما يرتبط بقيمة الجيش والقناعة به والثقة به وحتى بدوره في الحياة السياسية وقناعة المجتمع الصهيوني بقدرة هذا الجيش ودولة الاحتلال على توفير الأمن والحماية اللازمة لشعبها، فلا يخفى على أحد أن جميع المهاجريين الذي هاجروا إلى “إسرائيل” يأتون إليها تحت ذريعة أنها أرض اللبن والعسل وأنها الأرض التي ستحقق لهم الأمان وأن هذه الدولة ملزمة بحمايتهم وتوفير الرفاهية لهم، وكل هذه المُعطيات لم يعد لها وُجود بعد تاريخ السابع من أكتوبر، فالجيش الذي لا يقهر لم يعد له أثر، والوقت لن يكون في صالحه لمعالجة أخطائه وتدارك الفشل الذريع الذي مُني به على أيادي رجالات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وبالتالي سنكون أمام استحقاقات كبيرة ستُفرض على “إسرائيل” في حال اندلعت أي مواجهات أخرى.

الناطق الإعلامي باسم حركة حماس جهاد طه لـ “الأيام نيوز”:

“الجبهة الداخلية للكيان الصهيوني تتخبّط”

يرى الناطق الإعلامي باسم حركة حماس، جهاد طه، أنه ممّا لا شك فيه أن سحب الاحتلال الصهيوني لواءَ “غولاني” في هذا التوقيت تحديدا وبعد أزيد من شهرين من مشاركته في العدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزة هو نتيجة حتمية لصمود وثبات المقاومة الفلسطينية على أرض الميدان، وتمكّنها من إلحاق ضربات موجعة بلواء النخبة الإسرائيلي وتكبيده خسائر فادحة في الجنود والضباط والآليات والمدرعات.

في هذا الصدد، أوضح الأستاذ طه، في تصريح خصّ به “الأيام نيوز”، أن عجز الاحتلال عن تحقيق أيّ إنجازات ميدانية تجاه المقاومة وتجاه قادتها عجّل بانسحاب هذا اللواء من القتال في غزة، وإن كان هذا المشهد يُبرهن أويدلل على شيء ما، فإنه يبرهن اليوم عن عجز المؤسسة العسكرية ونخبة قواتها في تحقيق إنجازات ميدانية، الأمر الذي انعكس بشكلٍ جليّ وواضح على المستوى السياسي الصهيوني تُجاه الحكومة الفاشية المتطرفة وعلى المؤسسة العسكرية الصهيونية التي كانت دائما تطلق التهديدات والوعيد من خلال قوات النخبة، والخطط التي كانت تنتهجها اتجاه المقاومة واتجاه الشعب الفلسطيني بشكلٍ عام.

في السياق ذاته، أكّد المتحدث أن هذا المشهد أسقط، اليوم، كل المشاريع وأفشل كل المخططات التي كانت الحكومة الصهيونية المتطرفة تسعى إلى تحقيقها وتحويلها إلى واقع مُعاش في قطاع غزة، اعتمادا على جيش الاحتلال الإسرائيلي وقوات النخبة، فتمكن المقاومة من كسر شوكة اللواء “غولاني” عززّ من الإرادة القوية والعزيمة الكبيرة التي يتمتع بها الشعب الفلسطيني في مواجهة كل المشاريع والمؤامرات التي تستهدف وجوده وتستهدف مقاومته الباسلة.

وتابع محدّث “الأيام نيوز” قائلا: “نحن اليوم ماضون في مقاومة الاحتلال الصهيوني وفي مواجهة هذا العدوان المستبد بكل ما أوتينا من قوة، فالمقاومة اليوم تفرض نفسها في الميدان وتقول كلمتها، وتؤكد على أنها حاضرة دائما في صدّ العدوان ومواجهة مشاريعه ومخططاته التي يسعى من خلالها هذا الكيان الجائر إلى تصفية القضية الفلسطينية، وتحقيق الأهداف التي أعلن عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مع بداية العدوان الصهيوني الهستيري على غزة، والمتمثلة أساسا في سحق المقاومة وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين الذين لايزالون بحوزة المقاومة في غزة، واحتلال القطاع بشكلٍ كامل وكلي”.

خِتاما، أكّد الناطق الإعلامي باسم حركة حماس، جهاد طه، أن كل هذه المشاريع والمخططات المغرضة كان نصيبها الفشل الذريع في ظل وجود مقاومة تسطر مشاهد أسطورية في الدفاع عن الحق الفلسطيني على أرض الميدان، بعد أن تمكنت من إلحاق أضرار فادحة بلواء النخبة الإسرائيلي “غولاني”، مما جعل الكيان الصهيوني اليوم يعيش حالة من التّخبط والإرباك على المستويين السياسي والعسكري، الأمر الذي ستكون له انعكاسات سلبية على “إسرائيل”، نتحدث هنا عن سقوط وشيك لهذه الحكومة الفاشية المتطرفة وفشل وإحباط كل مشاريع ومخططات الاحتلال الصهيوني التي يُحاول أن يفرضها على قطاع غزة ومن ثم على كل الجغرافيا الفلسطينية.

بعد فشل نتنياهو في إطلاق سراح الرّهائن واجتثاث المقاومة..

الاحتلال لم يعد يثق في الحل العسكري لاستعادة الأسرى

وليد عبد الحي – كاتب وباحث أكاديمي أردني

يميل أغلب الخبراء “الإسرائيليين” في مراكز دراساتهم وجامعاتهم من أكاديميين أو ممّن لديهم خلفيّات عسكريّة إلى مجموعة من الاستنتاجات التي يبدو فيها تقارب كبير، ومع الاختلاف في بعض التّفاصيل فإنّهم يتّفقون بشكل عام على ما يلي:

  1. أوّلا: أنّ وعود نتنياهو بأنّ خطّته العسكرية ستصل إلى غاياتها مشكوك فيها إلى حدّ بعيد، فاقتلاع المقاومة تماما وإطلاق سراح الرّهائن أمر غير مضمون في ظلّ بعض المعطيات:
  • أ‌- رغم مرور حوالي 78 يوما على القتال وتهجير أغلب سكّان شمال القطاع ، فإنّ المقاومة في شمال القطاع ما تزال في هذه المنطقة ، كما أنّ الصّواريخ ما تزال تنطلق أحيانا من المنطقة نفسها.
  • ب‌- إذا افترضنا أنّ عدد الأسرى المتبقّين هو   120 أسيرا، فمن المؤكّد أنّهم لن يكونوا في المكان نفسه ، وعلى الأرجح أنّ   كل 3 إلى 4  منهم  موجود في مكان مختلف، فهذا يعني أنّ على قوات الاحتلال الإسرائيلي أن تكتشف ما بين 25 إلى 30 موقعا متفرّقا، وهو أمر سيستغرق أمدا طويلا، كما أنّ احتمالات قتلهم بسبب القصف “الإسرائيلي” أو بسبب اشتباكات للإفراج عنهم أو بسبب قسوة الظّروف التي يعيشونها يرفع  المخاطر عليهم. وعليه،  فإنّ فكرة “تحريرهم” هي فكرة “دعائية” وفيها قدر من الاستهانة بتعقيدات المشهد.
  1. ثانيا: يبدو أنّ فكرة التّهجير القسري إلى سيناء أو غيرها أصبحت فكرة مهجورة على الأقل في المدى الزّمني المنظور، فلا المجتمع الغزّي تقبّلها ولا مصر قبلتها لكي لا تنخرط ثانية في المشكلة الفلسطينية بملابسات التّهجير ولا الولايات المتّحدة أو أيٍّ من أطراف المجتمع الدّولي قبل بها.
  2. ثالثا: القضاء على المقاومة: وهنا يدور النّقاش حول احتمالين هما:
  • النّجاح في القضاء على المقاومة، وهنا يتمّ طرح عدّة بدائل:
  • أ‌- إقامة سلطة فلسطينية تدعمها الولايات المتّحدة ودول التّطبيع وتعتمد على نشر قوّات أمن (فلسطينية أو دولية أو إقليمية) في القطاع وهذا هو جوهر الموقف الأمريكي.
  • ب‌- احتفاظ “إسرائيل” بالدّور الأمني في غزّة مع مشاركة دولية وعربية في إعادة إعمار غزّة مع إبقاء الحدود المصرية مع قطاع غزّة مقفلة تماما.
  • ت‌- إدارة فلسطينية مؤقّتة في غزّة مع احتفاظ “إسرائيل” بتواجدها في القطاع إلى حين ضمان استقرار تام للوضع الأمني ثمّ إلحاق القطاع بالضّفة الغربية.
  • ث‌- تميل الخطّة إلى أن يكون بناء الإدارة الفلسطينية في الضّفة الغربية وغزّة بعيدا عن عبّاس و”إدارته الفاسدة”، وإنشاء إدارة تكنوقراطية تقوم بإصلاحات تتركز على الجانب الخدماتي مع إعادة النّظر في كلّ مناهج التّعليم وحذف كلّ موضوع مضمونه عداء لـ”إسرائيل”، وأن يتمّ كلّ ذلك بإشراف ومراقبة “إسرائيلية”.

وتفترض هذه الخطّة التّوفيق بين الموقف الأمريكي الرّافض لإعادة احتلال غزّة أو التّهجير القسري وبين المقتضيات الأمنية الإسرائيلية، والتي يمكن تعزيزها بمزيد من التّطبيع العربي مع “إسرائيل”.

  • ج‌- الرّؤية العسكرية لإنجاز ذلك يتمّ من خلال سحب القوّات “الإسرائيلية” من جنوب القطاع والتّمركز على الخطّ بين شمال القطاع ووسطه مع استمرار الغارات على القطاع،  وإقفال ممر فيلادلفيا تماما بين مصر والقطاع، ثمّ التّرتيب لمؤتمر إقليمي أو دولي لإعادة إعمار غزّة، وتبقى القوّات على الخطوط المحدّدة في هذا التّصور إلى حين تسليم المقاومة لسلاحها وخروج قيادة حماس خارج غزّة ثمّ إطلاق جميع الرّهائن “الإسرائيليين”.
  • الفشل في القضاء على المقاومة بالقدر الذي تطمح له “إسرائيل”: ومؤشّرات ذلك:
  • أ‌- لعلّ سحب لواء غولاني من مسرح العمليات  لإعادة تموضعه يشير إلى أنّ الخطّة العسكرية الحالية لا تسير بالسّرعة والكفاءة المطلوبة.
  • ب‌- إنّ الخسائر البشرية الإسرائيلية تفوق في كلّ التقارير الإسرائيلية  ما تعلنه الجهات العسكرية، وهو ما أفقد الإسرائيليين قدرا من الثّقة في صدق الرّوايات  الرسمية الإسرائيلية.
  • ت‌- إنّ استمرار الاشتباكات في شمال القطاع يشير إلى أنّ مستوى التّقدم بطيء، لاسيما أنّ فعاليات المقاومة في هذه المنطقة ما تزال فاعلة بل وتنطلق منها الصّواريخ في كلّ اتجاه قريب وبعيد.
  • ث‌- إنّ بيانات المقاومة حول المسار العسكري أو السّياسي لا تنطوي على إشارات ضعف، وما يعزّز ذلك أنّ الفشل في الوصول لمراكز قيادات عليا أو في أسر أحدهم أو منع إطلاق الصّواريخ (قبل يومين من نشر هذا المقال كان هناك إطلاق صواريخ بمستوى اللّحظات الأولى من المعركة تقريبا) أو الفشل في الوصول إلى الرّهائن، بل وعند الوصول لحالات يتيمة تمّ قتل الأسرى على يد الجيش “الإسرائيلي”.
  • ج‌- إنّ الرّأي العام الدّولي أصبح مؤثّرا بشكل واضح، لاسيما في الدّول الغربيّة بخاصة على هيئات صنع القرار، وأيّ مقارنة بين بيانات المسؤولين الغربيين وبياناتهم الحالية تشير إلى تحوّل ليس جذريا لكنّه لا يستهان به في الحسابات بعيدة الأمد.
  • ح‌- ثمّة بعد سياسي أشار إليه تحليل للمعهد القومي “الإسرائيلي” وتضمّن عرضا لنتائج استطلاع للرّأي العام الفلسطيني والغزّي خلال فترة الهدنة، وتبيّن منه ما يلي:
  • إنّ ما بين 50 و51 بالمائة من سكّان القطاع وما بين 70 إلى 73 بالمائة من سكّان الضفّة الغربيّة يعتقدون أنّ حماس لن تهزم، وأنّها ستعود لإدارة القطاع ثانية بعد الحرب، وهنا نتساءل ألا يشير ذلك إلى أنّ شهود المعارك في القطاع لا يشاطرون نتنياهو درجة تفاؤله في الوصول إلى الهدف؟
  • إنّ نسبة التّأييد لسياسة السّلطة الفلسطينية متدنيّة تماما في الضفّة الغربيّة والقطاع ولم يتجاوز تأييد عبّاس 7 بالمائة من المستطلعة آراؤهم.

كلّ ما سبق يشير إلى أنّ سيناريوهات المستقبل القريب تدور حول:

  • أ‌- إذا اتّسع نطاق المعركة إقليميا ، فمن المؤكّد أنّ ذلك سيخفّف الضّغط الهائل على المقاومة في غزّة ويعزّز موقفها.
  • ب‌- احتمال تفجر خلافات في هيئات صنع القرار الإسرائيلي، وهناك العديد من المؤشّرات التي لا تجعلنا نستبعد ذلك.
  • ت‌- بقاء الموقف المصري على حاله سيشكّل العامل الحاسم في موقف المقاومة، فاستمرار “التّعطيل لعبور المساعدات بحجج قانونية لا صدقيّة فيها لدى أغلب فقهاء القانون الدّولي وعلى رأسهم عبد الله الأشعل (الأشهر بين أساتذة القانون الدّولي المصري وكان مساعدا لوزير الخارجية المصري) يمثّل – كما قلنا سابقا – “كعب أخيل” في إستراتيجية المقاومة.
  • ث‌- تنامي مشروعات التّقارب مع “إسرائيل” في البحر الأحمر أو القبول بممرّات بريّة بديلة عبر الدّول العربيّة سيزيد من الثّغرات في جبهة المقاومة.
  • ج‌- بقاء التّفاوض حول الأسرى والعمليّات الحربية بيد “إسرائيل” ومصر وقطر والولايات المتحدة، وعلى المقاومة أن تصرّ على توسيع أطراف التّفاوض بإدخال الصّين أو روسيا أو ممثّل عن الأمين العام للأمم المتّحدة، لأنّ بقاء التّفاوض ضمن الرّباعي المذكور يعني أنّ هامش المناورة للمقاومة سيكون محدودا جدا.

ومن الواضح أنّ الأهداف المدنية ستبقى هي الهدف المفضّل للضّغط “الإسرائيلي” على أمل أنّ الضّغط على المدنيين سيمثّل رافعة لضغط الشّعب على المقاومة ، أو لتفجير خلافات بين قيادات المقاومة أو لخلق فوضى اجتماعية تربك خطط المقاومة لتنظيم تحرّكاتها، ناهيك عن الضّغط على المقاومة عبر استثمار الموقف المصري بإدخال أقل قدر ممكن من المساعدات الإنسانية إلى حدّ التّجويع والتعطيش والموت لنقص العلاج أو من البرد تحت الخيام وانتشار الأمراض وافتقاد أي مصادر للدّخل.. إلخ.

بعد سحب لواء غولاني..

دلالات الخسارة “الإسرائيلية” بـ”رأس الحربة”

سليمان بشارات – مدير مؤسسة يبوس للدراسات – رام الله

عمدت “إسرائيل” على إنشاء جيشها من وحدات وألوية قتالية تمثّل “رأس حربتها” لضمان تعزيز مشروعها التّهويدي الاحتلالي الصّهيوني على أرض فلسطين. فهي تدرك منذ تلك اللّحظات   أنّها ككيان احتلال لا يمكن القبول به، وبالتّالي طريقها الوحيد لن يمرّ بسهولة، بل على العكس من ذلك سيكون واحدا من أصعب المشاريع، في ظلّ بيئة تحطّمت أمامها الكثير من التّجارب السّابقة ومنها الحملة الفرنسية والانتداب البريطاني وغيرها الكثير من الجيوش التي غزت فلسطين وفشلت في البقاء على أراضيها.

فكانت الفكرة الصّهيونية تقوم على بناء النّواة الأولى عسكريا من خلال تشكيل النّموذج لوحداتها القتالية. ففي فيفري 1948، تشكّل لواء غولاني والذي أطلق عليه إسم “اللّواء الأول” باعتباره يمثّل نخبة النّخبة في جيش الاحتلال، بل إنّ المنخرطين فيه يخضعون لعمليّة تأهيل ضمن مستويات متعدّدة تمكّنهم من الجمع ما بين المهارات الذّاتية والشّخصية والقتالية والقرار في المعركة، الأمر الذي يجعل من قادة اللّواء مؤهّلين في مراحل متقدّمة إلى التّرشح لمناسب متقدّمة في الجيش الإسرائيلي ومنها قيادة الأركان وغيرها من مناصب تعتبر ذات حساسية عالية.

شارك لواء غولاني في كلّ الحروب التي خاضها الاحتلال منذ تاريخ نشأته بما في ذلك العدوان الثّلاثي، وحرب 1967، وحرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر، وعمليّة عنتيبي، وصراع جنوب لبنان في 1978، وحرب عامي 1982 و2006 في لبنان، والحروب السّابقة على قطاع غزّة، وتمكّنت المقاومة من إحداث ضربة قويّة له في حرب عام 2014 في حي الشّجاعية عندما تعرّض قائد اللّواء غسّان عليان إلى الإصابة بإحدى ضربات المقاومة.

في هذه الحرب، وبعد ما يزيد عن 75 يوما، زجّ الاحتلال بلواء غولاني منذ بداية الحرب البرية، وكانت نقطة التّمركز الرّئيسة لمهام اللّواء في شمال غزّة وبالتّحديد في حي الشّجاعية التي يعتقد الاحتلال أنّها تشكّل الذّراع القويّة للمقاومة، لكنّ المفاجأة كانت أنّ مقاتلي الشّجاعية من المقاومة بقوا صامدين طيلة هذه الفترة من الحرب، رغم القصف الجوّي والمدفعي والعمليات العسكرية البريّة لجيش الاحتلال، فيما جاء قرار جيش الاحتلال الإسرائيلي بسحب اللّواء من ساحة القتال، الأمر الذي شغل وسائل الإعلام والخبراء العسكريين حول أسباب هذه الخطوة وطبيعة تأثيراتها على مستقبل الحرب.

حاول جيش الاحتلال الإسرائيلي، في بداية الأمر، إظهار خطوة انسحاب اللّواء من ساحة الحرب على أنّه إجراء اعتيادي ضمن محاولات إعادة ترتيب صفوفه، إلاّ أنّ قراءة أكثر عمقا لهذه الخطوة يمكن أن تفهم ضمن مجموعة من الدّوافع والأسباب تتمثّل في:

  • أولا: اعتاد جيش الاحتلال الإسرائيلي أن يعتمد على إستراتيجية الحرب الخاطفة، وهذه ضمن العقيدة الأمنية للجيش في تحقيق الأهداف السّريعة ضمن مقوماته القائمة على حالة الرّدع والقدرات الاستخباراتية العالية، إلاّ أنّ هذه الحرب التي امتدّت للشّهر الثّالث على التّوالي أحدثت حالة من الإرهاق الشّديد لقوّاته البريّة التي زجّ بها لتحقيق أهداف وضعتها القيادتين السّياسية والعسكرية، لكن من النّاحية الواقعية صعب تحقيقهما، ما يعني أن استمرارية وجود لواء غولاني في الحرب مع عدم قدرة على تحديد سقف زماني  سيحدث حالة استنزاف لنخبة الجيش،  وهو ما قد يمهد لحالة انهيار وعدم قدرة لمواجهة أي أخطار أخرى على الجبهات المشتعلة والتي قد تنزلق في أي لحظة من لحظات الحرب.
  • ثانيا: اضطر الاحتلال، في الأسابيع الأخيرة، إلى الاعتراف بأعداد متزايدة من الخسائر في صفوف جيشه، لاسيما لواء غولاني تحت ضربات المقاومة، هذا الأمر بات يشكّل هاجسا وخوفا من قيادة جيش الاحتلال على قادة الوحدات القتالية والتي في غالبيتها من وحدات النّخبة، وثانيا يمكن أن يضرب حالة التّماسك الشّعبي داخل المجتمع الإسرائيلي، عندما يتمّ قياس حجم الفشل بموازاة حجم الخسائر في صفوف وحدات النّخبة. وفي حال استمرت هذه المعادلة فهذا يعني أنّ ضغوط الشّارع الإسرائيلي على قادته السّياسيين والعسكريين سوف تزداد لوقف الحرب، وهذا لا يرغب به المستوى السّياسي متمثّلا في نتنياهو بشكل خاص، بالتّالي كان قرار سحب اللّواء كاستجابة متقدّمة لموقف قد يطالب به الشّارع الإسرائيلي.
  • ثالثا: يحظى جيش الاحتلال بتقدير واحترام المجتمع الدّاخلي للاحتلال، لكن ما حدث في السّابع من أكتوبر زعزع من حجم هذه الثّقة والاحترام، وكانت هذه الحرب من منظور الجيش إعادة الثّقة للمجتمع به، إلاّ أنّ ما جرى من إخفاق متواصل بالحرب يمكن أن يحدث حالة من الانهيار في هذه الثّقة، إلى درجة أن يكون هناك تشكيك بجدوى المشروع اليهودي في فلسطين، لهذا السّبب نتنياهو كان يركّز في جميع خطاباته أنّها حرب وجودية، هذا الأمر لا يمكن أن يتناغم في بقاء لواء نخبوي يتعرّض لكلّ هذه الخسارة، فأراد المستوى السّياسي والعسكري الإسرائيلي سحب اللّواء للإبقاء على حالة ثقة ولو بمستويات أقل لنخبة الجيش، مقابل الزج بوحدات أقلّ نخبوية وكذلك بالمرتزقة الذين استقطبهم الاحتلال للزج بهم في ساحة الحرب وحماية جنوده ممّا قد يتعرّضون له.

في المحصّلة، هذه الحرب ستترك الكثير من تداعيتها على وحدات جيش الاحتلال بالقدر الذي ستترك به تداعيات على المجتمع الإسرائيلي الدّاخلي والعلاقة التي تربط الجيش بالمجتمع، بمعنى أنّ النّسيج المكوّن للاحتلال سيكون أمام حالة اهتزاز لا يمكن الجزم بمدى تأثيراتها حتّى اللّحظة، بما أنّ الحرب لم تنتهِ ولم يخرج الميدان كلّ ما في جعبته من نتائج.

علّقوا آمالا على جيش هُزمت أفضل ألويته..

متى يستيقظ الصّهاينة من الوهم..؟! 

الدّكتور صالح نصيرات – كاتب وباحث أردني

تتميّز القوى الاستعمارية والمحتلّة بأنّها قادرة على صنع الوهم الذي تضخّمه القوّة العسكرية بشكل أساس مقابل القوّة الأقل عددا وتسليحا. ولأنّ المستعمرين في القرون الماضية جاؤوا من مدرسة واحدة، وهي مدرسة وعقيدة تقوم على الاستعلاء على البشر واحتقارهم ومنح أنفسهم الوصاية عليهم، وهذه الأوصاف تبناها الاحتلال الصّهيوني وزاد عليها عقيدة تقوم على فكرة الشّعب المختار للعودة إلى أرض الميعاد.

وقد استطاعوا تسويقها خصوصا بعد الحرب العالمية الثّانية،  التي كان من  مُرِّ نتائجها منح اليهود شهادة حسن سلوك بسبب ما فعله هتلر بهم، فهم المستضعفون وهم الضّحايا، وبذلك فهم يستحقّون تعاطفا ودعما ماليا ومعنويا، وأكثر من ذلك جعلهم القوّة العسكرية التي لا تدانيها قوّة في المنطقة العربية، وقد خلق هذا الوضع لدى المحتلّين وهما كبيرا، وهو أنّ العالم لا يتغيّر، وأنّ قدرتهم على صياغة العقول واستعطاف القلوب من خلال وسائل خسيسة أهمّها الكذب وتزوير الحقائق ضمّنتها وسائل الإعلام العالمية التي سيطروا عليها حتى أصبح مجرّد التّساؤل أو النّقد جريمة لا تغتفر.

واليوم، حيث يبدأ الأسبوع التّاسع من معركة طوفان الأقصى، يستمرّ الاحتلال في الوهم، فالمحتلّ يوهم مواطنيه بأنّه سيقضي على حماس، وسيضمن عدم تكرار الطّوفان مرّة أخرى، وتنصّب سلطة في غزّة تنسّق معه، وتقف في طريق المجاهدين، بل إنّها مستعدّة لتقتلهم للإبقاء على امتيازات يتمتّع بها هؤلاء القادمون على ظهر دبّابات صهيونية.

ولكن، حساب الحقل لم يلائم حساب البيدر – كما يقولون – فالمقاومة الشّريفة استطاعت على مدى خمسة وسبعين يوما أن تصنع المعجزات، وأن تدمّر كتائب الاحتلال وجيشه، واستطاعت أيضا وضع العدو في موقف المدافع عن نفسه في كلّ محفل، فهو ملاحق في شوارع أوروبا وأمريكا، ومدارسها وجامعاتها، وحتّى المنتديات العامّة رأت حقيقة هذا العدو الذي يصدر عن نفس مريضة بالحقد على البشر أيّا كانوا وأينما كانوا.

فتاريخ دولة الكيان تاريخ إرهابي بامتياز.. فهم أسّسوا المنظمات الإرهابية شتيرن وأرغون وبالماخ، وارتكبوا المجازر وقتلوا جنود بريطانيا والدّبلوماسيين، وهو كيان يحتقر القانون الدّولي ومؤسّساته: ألم يشتموا الأمم المتحدة وأمينها العام؟ ألم يطرد سفيرهم من قاعات الأمم المتحدة بمهانة واحتقار؟

فعلى الصّعيد العسكري، فقد أصبحت أكثر من 720 آلية بين دبّابة وناقلة جند وجرّافة أثرا بعد عين، ولم يعد لواء غولاني الذي أسّسه بن غوريون قبل النّكبة على بقايا منظّمات إرهابية قادها من أصبحوا قادة الكيان الغاصب القوّة الحاسمة في معركة غزّة. لواء النّخبة هذا خسر أكثر من أربعين بالمائة من قوّاته وآلياته، فخرج بكلّ مهانة وذلّة، واصطنع الصّهاينة مصطلحا لهذه الهزيمة أسموه “إعادة التّموضع”، كما يقول اللّواء الدّكتور فايز الدّويري المحلّل العسكري لقناة الجزيرة.

في الدّاخل هاجر مليونا خارج فلسطين ولا أمل بعودتهم، وتدهور الاقتصاد وتعطّل الإنتاج، أمّا قادتهم فقد أصبح همّهم النّيل من بعضهم البعض، فباراك وليبيد وغيرهم يطالبون النتن بالاستقالة، وأهالي الأسرى يرفضون استقبال النتن، ويطردون زوجته، وهم معتصمون أمام وزارة الدّفاع، وهم الآن يعرضون هدنة على المقاومة لالتقاط أنفاسهم، و”تحرير” بعض أسراهم للخروج بما يمكن تسميته “نصرا” لنتن ياهو وحزبه، ولكن الآلاف من القتلى والجرحى والمقعدين والمرضى النّفسيين سيبقون يؤرّقون مضاجع الكيان.

أمّا حلفاؤهم، فقد ضاقوا بهم ذرعا، فهذا الماكر ماكرون يطالب بوقف الحرب، وبايدن يطالب بتجنّب المدنيين، والصّحفيون والسّياسيون الغربيون يطالبون النتن بالاستقالة وترك السّاحة. بل إنّ فريدمان الصّحفي اليهودي الأمريكي يكتب فيقول إنّ “على أمريكا أن تقول لـ”إسرائيل” كلاما واضحا، لا إمكانية للانتصار على حماس دون تكلفة كبيرة جدا لأمريكا ولـ”إسرائيل”، وأضاف “إنّ على أمريكا أن تشدّد من لهجتها تجاه “إسرائيل” ولا تكتفي بهزّة كتف بسيطة لها” و”على أمريكا أن تتوقّف عن البحث عن قرار أممي ملائم لها لوقف الحرب” “إنّ نتنياهو بلا فائدة، فهو يقدّم مصلحته الانتخابية على مصالح “إسرائيل” وحتّى على حساب مصلحة الدّاعم الأكبر له بايدن”.

ويقترح فريدمان انسحابا كاملا من غزّة، ووقف إطلاق النّار، مقابل إطلاق سراح الأسرى دون أن تطلق “إسرائيل” سراح الأسرى الفلسطينيين، ويقول إنّ اقتراحه هذا سيكون مصيدة لحماس التي سيثور عليها شعب غزة الذي فقد الآلاف من النّساء والأطفال ودمّر القطاع بشكل كبير.

من المهمّ فهم تلك المطالبات والضّغوط على نتن ياهو من قبل الغربيين والأمريكان وبعض يهود الدّاخل والخارج، لاعتقادهم بأنّ الحرب وحدها لن تقضي على حماس، بل طرح رؤية للقطاع مشابهة لما حصل في الضّفة الغربية. وهذا لابدّ للمقاومة من فهمه والتّأكيد عليه حتى لا ينال العدو ما أراد – القضاء على المقاومة بأقلّ الخسائر.

-الأيام نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى