
أثار اللقاء الذي جمع رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، في الثالث والعشرين من سبتمبر 2025 بمدينة نيويورك، مع نائب المدير التنفيذي لشركة هنت الأميركية إيغور سالازار، موجة من التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الشركة النفطية العريقة في طريقها لاستئناف نشاطها الاستثماري في اليمن بعد توقف استمر منذ اندلاع الحرب عام 2015 حيث كانت المستكشف الأول الذي أنتج وصدر النفط من قطاع 18 في حوض السبعتين وشارك في قطاع 5 المسمى هنت جنة وفي مشروع الغاز المسال من منشأة بلحاف في شبوة. اللقاء، الذي جرى بحضور عضو المجلس الدكتور عبدالله العليمي، تطرق إلى فرص الشراكة في مجالات الاستكشاف والإنتاج والتصدير، وأعطى انطباعًا أوليًا بأن هناك توجهًا لإعادة فتح ملف الاستثمار النفطي في اليمن بغطاء أميركي مباشر (وكالة سبأ، 23/09/2025).
تاريخيًا، لعبت هنت أويل دورًا محوريًا في تطوير قطاع الطاقة اليمني منذ ثمانينيات القرن الماضي، إذ حصلت على حقوق امتياز القطاع 18 في مأرب، وأسهمت في اكتشاف وتطوير حقول النفط، فضلًا عن مساهمتها في مشروع الغاز الطبيعي المسال في بلحاف بالشراكة مع توتال الفرنسية. غير أن العلاقة مع الحكومة اليمنية لم تكن خالية من التوتر، فقد دخلت الشركة في نزاع قانوني مع صنعاء بعد 2005 حول حقوق الامتياز، وانتهى الأمر بانتقال تلك الحقوق إلى شركة صينية بقرار حكومي، وهو ملف ما يزال يلقي بظلاله على أي محاولة لعودة الشركة.
على المستوى الأمني، يبقى التحدي الأكبر أمام استئناف أعمال هنت أو غيرها من الشركات العالمية، مرتبطًا بالوضع الميداني الهش، خصوصًا مع استمرار استهداف الحوثيين لموانئ ومنشآت تصدير النفط في حضرموت وشبوة(مينائي الضبة و النشيمة) خلال عامي 2022 و2023، ما أدى إلى توقف شبه كلي لتصدير النفط الخام، وهو المصدر الأساسي لموازنة الدولة(حوالي 70%) و المصدر الرئيسي للعملة الصعبة بالنسبة للحكومة اليمنية، فعودة هنت تعني بالضرورة وجود ضمانات دولية وأمنية قوية لحماية البنى التحتية والطرق الملاحية، وهو ما يتطلب توافقًا سياسيًا محليًا وإقليميًا ودوليًا، إضافة إلى غطاء عسكري حقيقي.
أما من الناحية الاقتصادية، فإن الحكومة اليمنية لا تسعى بشكل حثيث إلى إنعاش قطاع الطاقة بعد سنوات من الانكماش الحاد، وتدرك أن الشركات الأميركية مثل هنت (إكسون موبيل) أو غيرها، قادرة على توفير استثمارات ضخمة ونقل التكنولوجيا الحديثة، لكن هذه الشركات لا تقدم على المخاطرة في بيئة مضطربة إلا بضمانات واضحة للتحكيم الدولي والالتزام بالعقود. وبالنظر إلى حاجة الحكومة الماسة للعائدات المالية، قد تلجأ إلى منح تسهيلات استثنائية وإعفاءات ضريبية، بما يشكل جاذبًا للشركات الأجنبية، لكن هذا وحده لا يكفي دون استقرار سياسي وأمني.
من زاوية أخرى، لا يمكن تجاهل البعد الجيوسياسي، فحضور نائب مدير شركة هنت في نيويورك لم يكن مجرد لقاء اقتصادي تقني، بل رسالة أميركية متعددة الأبعاد، تشير إلى رغبة واشنطن في استخدام أدواتها الاقتصادية والنفطية كوسيلة دعم لمجلس القيادة في مواجهة النفوذ الإيراني عبر الحوثيين، كما أن إعادة إحياء الاستثمار الأميركي في اليمن تحمل بعدًا استراتيجيًا يتعلق بأمن الطاقة في البحر الأحمر وخليج عدن بشكل خاص والخليج العربي بشكل عام، وهي منطقة تحرص الولايات المتحدة على بقائها تحت إشرافها المباشر في ظل التنافس الدولي المتصاعد.
في المقابل، ما تزال عودة هنت إلى عمليات الاستكشاف والإنتاج المباشر في مأرب وشبوة كما حدث في قطاع 5 و المسمى “هانت جنه” أمرًا بعيد المدى، فالوضع الراهن لا يسمح بانتشار فرق فنية أجنبية في مناطق محفوفة بالمخاطر، ومن المرجح أن تكون الخطوة الأولى نحو عودتها عبر شراكات استكشافية أو استشارية أو إعادة تفعيل دورها في مشروع الغاز المسال ببلحاف المشاركة فيه مع توتال الفرنسية وتكنواكسبورت الروسية والشركة الكورية، الذي يمثل خيارًا أكثر أمانًا نسبيًا ويحتاج إلى دعم فني وإداري عالمي. وفي هذا السياق، لا يستبعد أن تطرح ملفات جديدة تتعلق بفرص الاستكشاف في شرق اليمن، حيث تشير الدراسات الأولية إلى وجود إمكانات هيدروكربونية واعدة في أحواض سقطرى، جزع-القمر، المكلا-سيحوت وغيرها، وهي مناطق ما تزال بكرًا وتحتاج إلى استثمارات ضخمة وخبرات دولية متقدمة.
وعليه، فإن عودة هنت النفطية “إكسون موبيل الأمريكية” أو غيرها من الشركات النفطية العالمية للاستكشاف في اليمن لا يمكن أن تُقرأ بمعزل عن المشهد الأمني والسياسي في اليمن، فهي ليست مجرد استثمارات نفطية، بل ورقة تفاوضية أميركية ورسالة دعم سياسي، وفي الوقت نفسه اختبار لقدرة الحكومة اليمنية على توفير بيئة آمنة وشفافة للاستثمار، وحتى يتم ذلك، ستظل هذه العودة مؤجلة، أقرب إلى إعلان نوايا ورسائل سياسية منها إلى قرار اقتصادي تنفيذي.