ترجمات
أخر الأخبار

هل تنجو سوريا من فخ الوصاية والمحاور؟

ترجمة موقع تبيان – فورين بوليسي

حسن قطامش
حسن قطامش

ترك حكم آل الأسد سوريا في حالة من الانهيار الكامل في بنيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، عانى الشعب السوري من قمع سياسي غير مسبوق، وعلى الصعيد الاقتصادي، دُمرت البنية التحتية وانهارت الخدمات العامة، وعلى المستوى الإنساني، كانت المأساة أعظم، حيث خَلّفت الحرب مئات الآلاف من القتلى والجرحى وملايين النازحين، بالإضافة إلى تدمير المدن والقرى.

كانت التبعية السياسية لروسيا وإيران عنصرًا محوريًا في بقاء الأسد في السلطة، فقد حوّلت هذه القوى الدولية سوريا إلى ساحة صراع جيوسياسي، حيث لعبت روسيا دور الراعي العسكري والدبلوماسي للنظام، بينما قدمت إيران دعمًا عسكريًا عبر ميليشياتها التابعة، مما زاد من تعقيد الوضع الداخلي وأبقى النظام السوري مستندًا على قوى خارجية تتحكم بمصيره.

مع سقوط الأسد، عادت سوريا إلى الواجهة كدولة محورية في المنطقة، تحظى بأهمية استراتيجية نظرًا لموقعها الجغرافي وتاريخها السياسي، هذا السقوط جذب الأنظار والأطماع من القوى الإقليمية والدولية، التي ترى في سوريا فرصة لتعزيز نفوذها أو سد الفراغ الذي تركه النظام، بعض الدول مثل تركيا، والدول الخليجية، والكيان المحتل، بالإضافة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كلها تسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية من خلال إعادة تشكيل مستقبل سوريا.

هذه التركة الثقيلة والتحديات الكبيرة تتحملها الآن الفصائل الإسلامية التي أسقطت نظام الأسد وتولت قيادة البلاد، هذه الفصائل، التي طالما كانت على هامش العلاقات الدولية بسبب تصنيفها كمنظمات إرهابية، تواجه الآن معضلة التعامل مع مجتمع دولي وإقليمي بين متوجس وطامع ومحارب غير راغب في وجودها كسلطة حكم.

في ظل هذا الواقع المعقد، نبرز محاولات لفرض وصاية على سوريا من قبل بعض القوى الخارجية، مستغلة ضعف الدولة الجديدة لفرض أجندات سياسية واقتصادية قد تؤدي إلى استدامة حالة الفوضى والاعتماد على الخارج، هذه الوصاية تُطرح تحت مسميات مختلفة، من إعادة الإعمار إلى الرغبة في الاستقرار، لكنها في جوهرها تهدف إلى التحكم بمستقبل سوريا وفقًا لمصالح الأطراف الدولية والإقليمية.

في هذ السياق يأتي المقال الذي نستعرضه اليوم من مجلة (فورين بوليسي) الأمريكية بعنوان: (كيف يمكن لسوريا ما بعد الأسد إطلاق العنان لنظام إقليمي جديد) الذي كتبه “جاليب دالاي” زميل في مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية.

وجاء العنوان الفرعي للمقال: (يمكن لتركيا تهدئة الدول العربية التي تخشى استيلاء الإسلاميين على السلطة من خلال دعوة جيران سوريا ودول الخليج للعب دور مركزي في الانتقال السياسي) ليدلل بوضوح على الإرادات والغايات التي يهدف إليها الكاتب.

لمن ستكون سوريا؟

يركز المقال على التغيرات الجيوسياسية المتوقعة في المنطقة بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، ويناقش الكاتب كيفية تأثير هذا التحول على التوازن الإقليمي، مع اقتراح دور محوري لتركيا والدول العربية المجاورة في تشكيل مستقبل سوريا، ويبرز المقال أيضًا التحديات التي قد تواجه المعارضة السورية التي أسقطت حكم الأسد في بناء حكومة جديدة، ويقترح إطارًا إقليميًا ودوليًا لدعم هذا التحول.

ومن أبرز ما تناوله المقال:

  • يمثل سقوط الأسد نهاية لعهد طويل من الحكم السلطوي، ويُنظر إليه كتحول جذري في النظام السياسي والجيوسياسي لسوريا، لم يعد الأسد جزءًا من محور المقاومة الذي تقوده إيران، مما يضعف نفوذ طهران وروسيا في المنطقة.
  • يحدد المقال الفائزين والخاسرين من هذا التحول، فعلى الرغم من أن تركيا تبدو كأحد الفائزين بسبب دعمها للمعارضة، إلا أن هيئة تحرير الشام، القوة الرئيسية التي أطاحت بالأسد، ليست وكيلًا مباشرًا لأنقرة، كما يظن البعض.
  • يواجه الإسلاميون الذين أسقطوا الأسد، وعلى رأسهم هيئة تحرير الشام، تحديات كبيرة في إعادة بناء الدولة السورية، فبينما تمثل إزالة الأسد نجاحًا، فإن بناء دولة جديدة يتطلب جهودًا متكاملة ومنظمة لتجنب الفوضى والانهيار الذي شهده العراق وليبيا بعد الإطاحة بنظمهم.
  • في نوع من الوصاية يقترح المقال تشكيل حكومة انتقالية “غير طائفية” في دمشق، بمساعدة كتلة جديدة تشمل تركيا والدول العربية المجاورة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ويؤكد المقال على ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية لتجنب انهيار الدولة.
  • وفي سياق الوصاية أيضًا، يُحذر المقال من تهميش الأقليات العلوية والشيعية، مشيرًا إلى أن تجنب الاستياء المجتمعي ضروري لانتقال سياسي سلس وللحد من نفوذ إيران في سوريا.
  • يشدد المقال على الحاجة إلى تعاون بين القوى الإقليمية والدولية لدعم انتقال سياسي منظم، مع التركيز على ضرورة انخراط الاتحاد الأوروبي بشكل أكثر فعالية في إعادة إعمار سوريا.
  • يخلص المقال إلى أن سوريا قد تصبح نموذجًا لعملية توافق إقليمي جديدة، مع فرصة لتشكيل نظام إقليمي جديد يعيد توزيع النفوذ بين القوى العربية والإقليمية.

المقال، رغم تقديمه مجموعة من النصائح والإرشادات، يحمل في طياته دعوة ضمنية للوصاية على سوريا الجديدة، فالمقال يقترح تدخلات خارجية واسعة من قبل تركيا، الدول العربية المجاورة، والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ما يشير إلى أن سوريا بحاجة إلى دعم وإرشاد خارجي لتجنب الفوضى وبناء مستقبلها.

هذا الطرح لا يُفهم إلا كنوع من الوصاية، حيث يفترض أن الأطراف الخارجية ستكون أكثر قدرة على إدارة الانتقال السياسي وضمان الاستقرار من الداخل السوري نفسه، كما أنه يقترح استبعاد بعض اللاعبين التقليديين مثل إيران وروسيا، ما يعكس توجهًا نحو تشكيل نظام إقليمي جديد يُحدَّد من قبل هذه القوى الخارجية.

الموازنات الصعبة:

التكالب الدولي والإقليمي على سوريا ليس جديداً، كما أن تكرار سيناريوهات مثل 2013 وارد، فقد تلعب القوى المختلفة أدوارًا تخريبية إذا لم تحقق مصالحها، وهذا يجعل من الضروري للإدارة السورية الجديدة أن تعمل على تحقيق توازن دقيق بين قبول الدعم الخارجي والحفاظ على سيادتها واستقلالية قرارها.

لكن الدول الغربية والإقليمية ستتحفظ على تقديم دعم غير مشروط، خوفًا من تعزيز قوة حركات إسلامية تعتبرها تهديدًا لأمنها، ومن ناحية أخرى، هذه الجماعات قد تكون غير راغبة أو قادرة على تقديم تنازلات تتماشى مع المعايير الدولية للحكم وحقوق الإنسان والحريات، مما يعقد فرص الحصول على مساعدات وإعادة الإعمار.

مستقبل سوريا في ظل هذه التحديات يعتمد بشكل كبير على قدرة الإدارة الجديدة على المناورة السياسية واتخاذ قرارات استراتيجية توازن بين المصالح الوطنية والضغوط الخارجية، لتحقيق ذلك، يمكن للإدارة الجديدة اتباع عدة استراتيجيات:

  1. تعدد الشركاء الدوليين: بدلًا من الاعتماد على جهة واحدة، يمكن لسوريا تنويع مصادر الدعم من خلال الانفتاح على عدة أطراف دولية وإقليمية، هذا التنويع قد يخفف من الضغوط ويمنح سوريا مجالًا أوسع للمناورة.
  2. التفاوض بحنكة: التفاوض على شروط المساعدات بحيث تضمن أكبر قدر من السيادة الوطنية، مع تقديم تنازلات محسوبة في المجالات الأقل حرجًا لمصالح البلاد.
  3. تعزيز التماسك الداخلي: بالعمل على بناء مؤسسات قوية ومستقلة قادرة على إدارة شؤون البلاد بكفاءة، مما يقلل الحاجة إلى الاعتماد المفرط على الدعم الخارجي.
  4. تحقيق المصالح المشتركة: بالتركيز على مشاريع تعود بالنفع المشترك مع الدول الداعمة، مثل إعادة الإعمار والاستثمار في البنية التحتية، بحيث تكون هناك فائدة متبادلة تقلل من الضغوط السياسية.

بالتأكيد، هذه الاستراتيجيات ليست سهلة التنفيذ، لكنها يمكن أن تساهم في تجنب الوقوع في فخ التبعية المطلقة، مع تعزيز مكانة سوريا كدولة ذات سيادة في النظام الدولي الجديد.

ترجمة المقال:

في الساعات الأولى من يوم 8 ديسمبر 2024، انتهى أكثر من نصف قرن من الحكم الوحشي لسلالة الأسد في سوريا، ومع هروب بشار الأسد من البلاد، لم يتغير النظام السياسي الداخلي لسوريا بين عشية وضحاها فحسب، بل تغيرت أيضًا هويتها الجيوسياسية، لم تعد جزءًا من “محور المقاومة” الإيراني أو واحدة من أقدم حلفاء روسيا في العالم العربي، حيث كان لموسكو أكبر حضور استراتيجي على شكل قواعد جوية وبحرية.

الكثيرون مشغولون بإعلان الفائزين والخاسرين في هذه اللحظة المحورية، إعداد قائمة بالخاسرين في هذه المرحلة أمر سهل نسبيًا، النظام نفسه، إيران، روسيا، وحزب الله من بين هؤلاء، ومع ذلك، فإن إعداد قائمة بالفائزين ليس بهذه السهولة، فعلى الرغم من أن سقوط الأسد عزز بشكل كبير نفوذ تركيا ومكانتها في سوريا وفي الجغرافيا السياسية الإقليمية الأوسع، إلا أن هيئة تحرير الشام، الفصيل المتمرد الذي قاد الهجوم الذي أطاح بالأسد، ليست وكيلًا لتركيا، ومع ذلك، ظلت أنقرة ملتزمة بدعم مجموعات المعارضة السورية خلال الأوقات الصعبة، وأصبح الآن لديها تأثير كبير على هيئة تحرير الشام، والقدرة على التأثير في أفعالها وقراراتها.

ذلك الالتزام أثمر في النهاية إزالة الأسد، مما يمثل تحولًا محوريًا في المشهد الإقليمي، ففي شمال سوريا، ظهرت قوى المعارضة -مدعومة بسنوات من الخبرة العسكرية والإدارية والمساعدة من تركيا- بقدرات جيدة على إدارة الدولة.

هذا التحول أصبح واضحًا ليس فقط في التنفيذ المتماسك للعملية التي أدت إلى سقوط الأسد، ولكن أيضًا في النهج المنظم والمنهجي الذي اعتمدته بعد ذلك، تشير هذه الأحداث إلى تطور جوهري في قدرة المعارضة السورية على الحكم، مما يعكس العوائد الناتجة عن الدعم الخارجي المستمر وقابلية التكيف الجوهرية لهذه الجهات الفاعلة في التنقل عبر المشهد السياسي المضطرب والمتغير باستمرار في سوريا.

لكن قد تكتشف هيئة تحرير الشام والجماعات المتمردة الأخرى أن بناء سوريا جديدة قد يكون أكثر صعوبة وتعقيدًا من إسقاطها، نحن نعرف ما الذي انهار في سوريا، لكننا لا نعرف ما الذي ينتظرها، هناك حاجة إلى جهد مشترك من الفاعلين السوريين والإقليميين والدوليين لمنع المزيد من إراقة الدماء والتفكك والحروب بالوكالة في البلاد.

يجب أن يبدأ هذا الجهد بحكومة انتقالية غير طائفية في دمشق وكتلة إقليمية ودولية جديدة للمساعدة في العملية السياسية وإعادة الإعمار والبناء -كتلة تحل محل الوسطاء القدامى المؤيدين للأسد في موسكو وطهران بمجموعة تشمل تركيا، وجيران سوريا العرب، وقطر، والسعودية، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

داخل سوريا، ستكون واحدة من أكبر المخاطر إذا تحول انهيار النظام إلى انهيار الدولة، كما كان الحال في ليبيا، هذا الانهيار سيؤدي إلى مزيد من الفوضى ومستقبل مظلم للبلاد، لذلك، يجب الحفاظ على مؤسسات وآليات الدولة السورية.

الانتقال السياسي وتشكيل الحكومة مترابطان، لكن يمكن فصلهما، الانتقال السياسي هو عملية شاقة وتستغرق وقتًا طويلًا، ومع ذلك، هناك حاجة إلى حكومة انتقالية جديدة على الفور لتقديم الخدمات الأساسية، والحفاظ على مؤسسات ووظائف الدولة، ومنع ظهور فراغ في السلطة والفوضى.

في هذا الصدد، فإن قرار هيئة تحرير الشام لعقد أول اجتماع لمجلس الوزراء المشترك مع وزراء من عهد الأسد يشير إلى التزام بعملية الانتقال ويمكن تفسيره كعلامة إيجابية، إن تحقيق الاستقرار في سوريا ليس مجرد ضرورة محلية بل هو ضرورة إقليمية أيضًا.

تعيين رئيس وزراء مؤقت مكلف بتشكيل حكومة انتقالية بعد يوم واحد فقط من سقوط دمشق كان خطوة في الاتجاه الصحيح، باعتبارها المجموعة التي قادت المسيرة نحو العاصمة، سيكون لهيئة تحرير الشام دور كبير في الانتقال السياسي وتشكيل الحكومة، ومع ذلك، للحصول على الشرعية المجتمعية والقبول الدولي، يجب أن تكون هذه الحكومة الجديدة شاملة وتعكس تنوع البلاد، لا يمكن أن تكون نسخة مكبرة من “حكومة الإنقاذ” السابقة لهيئة تحرير الشام في إدلب.

وبالمثل، في سياق النزاع، غالبًا ما تنتج الشكاوى مليشيات وعنفًا وتطرفًا، خاصة إذا كانت هذه الشكاوى قائمة على الهوية، فالعراق على سبيل المثال، الجار المحاذي لسوريا، هو حالة دراسية لهذا، فقد أدى الإطاحة بنظام صدام حسين السني في عام 2003 إلى ظهور تكوين جديد للسلطة في بغداد يقوده الشيعة والأكراد، أثارت مثل هذه الإقصاءات والأحقاد تجاه المجتمع السني الأوسع موجات من التطرف في العراق وخارجه، من ظهور القاعدة في العراق إلى تنظيم الدولة الإسلامية.

لتجنب مثل هذا الاحتمال في سوريا، يجب ألا يكون هناك تهميش أو تجريم للمجتمعات العلوية أو الشيعية؛ فمنع الأحقاد المجتمعية أمر ضروري ليس فقط لانتقال سياسي منظم وحكومة أكثر شرعية في دمشق، ولكن أيضًا للحد من نفوذ إيران والشبكات المجتمعية في سوريا.

على المستويين الإقليمي والدولي، بدلًا من عملية (جنيف) التي قادتها الأمم المتحدة ودعمها الغرب، أصبحت عملية (أستانا) التي أطلقت في أواخر عام 2016 وقادتها تركيا وروسيا وإيران هي التي تحدد مسار النزاع في سوريا، كان تنسيق (أستانا) في الواقع يتعلق بتجميد النزاع وليس تسهيل الانتقال السياسي، بينما يساعد أنقرة وموسكو وطهران في إدارة مصالحهم في سوريا.

ومع ذلك، فإن عملية (أستانا) قد انتهت الآن ، خاصة لأن اثنين من أعضائها الرئيسيين دعما نظامًا لم يعد لهما وجودًا، ووجودهم في البلاد أصبح الآن ضعيفًا بشكل كبير، بعبارة أخرى، لم تعد موسكو وطهران لديهما القوة أو الشرعية للعب دور رئيسي في مستقبل سوريا، روسيا قد تحافظ، على المدى القصير، على درجة من التأثير في سوريا، لكن هذا التأثير سيكون على أرضية هشة، أما موقف إيران فسيكون أكثر هشاشة.

سيتطلب الانتقال السياسي مجموعة مختلفة من الفاعلين حول الطاولة، تحتاج المنصة الجديدة إلى تضمين جيران سوريا الرئيسيين وأن يكون العرب هم اللاعبين الرئيسيين، العراق، الأردن، قطر، والسعودية.

هذه الخطوة مهمة لأسباب وجيهة: أولًا، كان ثلاثي (أستانا) يتكون من دول غير عربية (روسيا، إيران، تركيا)، ونظرًا لأن سوريا دولة ذات أغلبية عربية، يجب أن تكون الترتيبات الجديدة بيد العرب.

ثانيًا، مع مراقبة ما يحدث في سوريا، ربما تشعر بعض الأنظمة العربية بالخوف والتوجس، على الرغم من الاختلافات السياقية، فإنهم يرون ميزتين رئيسيتين من الانتفاضات العربية موجودتين في سوريا: النظام الذي تم الإطاحة به، والأبطال الرئيسيون هم الإسلاميون، وهذا سيثير جنون العظمة والخوف في هذه الدول بشأن أمن أنظمتهم.

يجب أن تهدف تركيا ومجموعات المعارضة السورية إلى تهدئة مخاوف هؤلاء القادة ودفعهم للتعاون بشكل أكبر من أجل انتقال سياسي منظم في دمشق من خلال جعلهم جزءًا من مثل هذه المنصة الإقليمية الشاملة، وبالمثل، يجب على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة دفع الدول العربية إلى التعاون بدلًا من عرقلة الانتقال السياسي.

بدون توافق إقليمي، من المحتمل أن نرى ظهور تحالف واسع من الدول العربية الذي يحاول تقويض أي نوع من الانتقال السياسي الديمقراطي، كما كان الحال بعد انتفاضات الربيع العربي في أوائل عام 2010، ولن يكون مفاجئًا أن نرى إيران والعديد من الدول العربية يعارضون النظام الجديد في دمشق.

يمكن أن تصبح سوريا اختبارًا لعملية التوافق الإقليمي التي تطورت في السنوات الأخيرة، بما في ذلك بين تركيا والدول العربية وكذلك إيران ودول الخليج، يجب أن يدعم الانتقال السوري بدلًا من تقويض عملية التوافق الإقليمية الجارية.

أخيرًا، لا ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يظل متفرجًا -كما كان- أو غير مبال بتحول سوريا، الانخراط المبكر مع هيئة تحرير الشام، والجماعات المتمردة، والفاعلين الإقليميين الرئيسيين، بدءًا من تركيا، أمر ضروري للمساعدة في عملية الانتقال، يجب أن يحفز انتقالًا منظمًا من خلال حزم مختلفة من المساعدات وإعادة الإعمار، ولتحقيق ذلك يجب على تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والدول العربية الرئيسية إجراء حوار منتظم ومنظم حول الانتقال السياسي وإعادة الإعمار والبناء في سوريا.

غالبًا ما يكون ما يسميه الكثيرون “الواقع الجديد” مجرد لقطة للحظة في الزمن، ويمكن أن تؤدي المشاهد الدراماتيكية في دمشق إلى وضع أكثر فوضوية، أو يمكن أن تخلق حكومة جديدة تتمتع بشرعية حقيقية في دمشق، والتعاون الوثيق بين سوريا والدول العربية والقوى الدولية ضروري لمنع نتيجة فوضوية والسماح ببناء حكومة جديدة شرعية في دمشق.

هذه لحظة فارقة، غزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003 كسر الشرق الأوسط القديم، وبعدها كانت إيران ومحورها الإقليمي في صعود، والقوى العربية في تراجع، أدت الانتفاضات العربية في عام 2011 إلى القضاء على هذا النظام الإقليمي السابق بشكل أكبر، على النقيض من ذلك، بعد بدء الحرب بين إسرائيل وحماس وسقوط الأسد،  تراجعت إيران وشبكتها الإقليمية ، والتحول في توازن القوى ملحوظ، ويمكن أن يكون بناء التوافق حول سوريا بمثابة الأساس لنظام إقليمي جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى