مقالات
أخر الأخبار

هل سيتقدم إبليس باستقالته؟!

بقلم: كريم الشاذلي

كان عبقرياً حذيفة بن اليمان عندما صرح بأن الناس كانوا يسألون رسول الله عن الخير بينما يسأله هو عن الشر!. كان واعياً (رضي الله عنه) بما يحتاجه الإنسان منا كي يستطيع العيش صامداً في هذه الدنيا، أن يعرف وجه الشر، يعرف الفكرة، وفلسفتها، ثم طرقها وأساليبها.

حذيفة أدرك الحقيقة التي ما زال أهل زماننا ممن تربوا في محاضن تؤمن بصفرية حلول الحياة، وحدية الآراء، وثنائية المعركة، لا يعرفونها! الذين لا يزالون يتعجبون من الشر، وشراسته واستبداده، ويسألون عن حكمة الله في إطلاق أيادي الجبارين تبطش بعباده بلا ضمير ولا خجل!

حذيفة قرأ قرآن ربه وأدرك أنه- ومنذ اللحظة التي بدأ فيها إبليس تحديه للمولى، وسماح ربنا له بذلك- قد كُتب للمعركة الاستمرار حتى اليوم الأخير.. حذيفة سمع بأذنه تقريع ربنا لأهل أحد حينما تلفتوا في حيرة بحثاً عن جواب لسؤال: أنى هذا؟.. كيف حدث هذا؟ كيف ينتصر الشر وفي المعسكر الآخر رسول الله، وحوله الثلة المؤمنة الوحيدة في الكون؟!. وكان جواب ربنا {هو من عند أنفسكم}.. جواب واضح وحاسم، مفاده ببساطة أن السماء لا تقبل الأسئلة الاستنكارية لمن لم يأخذوا بأسباب الأرض ..

حذيفة (رضي الله عنه) كان يدرك جيداً أن الشيطان لم يقدم استقالته، وأن للشر وجوداً يكبر ويصغر حسب ممانعة أهل الخير له، وأن الله لن يحابي أحداً، وأن معارك الحياة يربحها الأذكى لا الأكثر إيماناً، مع يقيني أن للنبل الحقيقي والإيمان الراسخ دورهما النفسي والمعنوي، غير أن الفوز يحتاج لأكثر منهما.

من أجل كل هذا وأكثر، كان حذيفة يسأل عن الشر، دون أن يستنكر وجوده!

فهل نحن بحاجة لحذيفة (رضي الله عنه) كي يوقظنا من سبات الذهول، ويخبرنا أن الشر أمر واقع، ورفضه لا يغني، وإنهاءه مستحيل، والاستهتار به خطر، والدهشة من خسته مراهقة وسذاجة؟!

هل نحن بحاجة له ومن معه كي يخبرونا أن رسول الله (صلى الله عليه وسلّم)- عكس ما أخبرونا في الدروس- لم يكن في يوم من الأيام قليل الحيلة، رغم كونه كان مضطهدا؟!

نعم، سنوات مكة كانت تضييقاً واضطهاداً لنبينا المصطفى ومن معه، غير أنها لم تكن أبداً سنوات بكاء وعويل، لقد أجبر النبي المُضطهد أعداءه على السهر، أجبرهم على عقد اجتماع طارئ في دار الندوة دام لعقد كامل، وخلال هذا العقد تقدم نبينا (صلى الله عليه وسلم) تقدماً على الأرض، سمح له أن يؤسس وطناً في اليوم التالي لخروجه من موطنه!

النبي وعى أن الشيطان يدير أعماله بكل جد، فقابل خططه بأحكم منها، وأدرك أن الشر مكتوب فتعامل معه بواقعية، فهل كان يعلم (صلى الله عليه وسلم) أنه سيخلف أناساً سيقفون في حيرة ليسألوا الله: “لماذا تترك عبادك المساكين في مواجهة كل هذا الشر؟”.. أناساً تتلخص كل حلولهم في أمنية أن يضرب الله الظالمين بالظالمين، أو يخرج المهدي لينشر العدل دون جهد منهم؟.. وفي ظني أن غير قليل من هؤلاء الناس يعيش على أمل أن يستيقظ على خبر تنحي إبليس عن منصبه، وتقديم أشرار العالم اعتذاراً جماعياً!

لقد علّمنا النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أن الشر أمر واقع ومستمر حتى آخر يوم، وأن معركتنا معه ليست صفرية، لن يستطيع أي منا أن يقضي على الآخر، لكننا نستطيع أن نفعل الكثير..

نستطع أن نقوم بدورنا في نصرة الحق دون الانشغال بالنصر نفسه، إذ النصر ليس هدفاَ! قد يكون الهدف ازعاج الباطل، ودفع الشر لأن يتلفت مربَكاً بدلاً من زهوه واستعلائه، ربما كان دورنا بدء مشوار للخير يكمله من بعدنا.

مصطفى صادق الرافعي في “وحي القلم” يطلق تصريحاً خطيراً وواقعياً، إذ يؤكد أنه “وكما يضر أهلُ الشر غيرَهم عندما يفعلون الشر، يضر أهل الخير غيرهم عندما يتوقفون عن فعل الخير”.. سواء توقفوا يأساً، أو غضباً، أو حنقا!

ولطالما انتصر الشر لأن أهل الخير لم يكونوا حاضرين في الوقت المناسب، كانوا بطهرهم ونبلهم ومثاليتهم الساذجة منشغلين بالاعتراض على قوانين اللعبة، فربحها إبليس ومن معه، قبل أن يسألوا في دهشة تبدو حقيقية: “أنى هذا؟!”

يا صاحبي، ليس مطلوب منك أن تهزم الشر، وإنما المطلوب أن تؤمن بالخير، وألا تفقد إيمانك به.. ليس دورك أن تشيع العدل في الدنيا، وليس من حقك أن تحلم بحياة لا ظلم فيها، وإنما دورك أن تقيم العدل في ضميرك، وتفرض واقعاً مناهضاً للظلم لا أكثر.

وإن ديناً يبدأ منهجه في رفض الظلم وتغيير المنكر بالقلب، لهو دين لا يعترف بقلة الحيلة، إذ حتى لقليل الحيلة دوره في الاشمئزاز من الشر ولعنه واستحضار عداوته.. ولو بالقلب!

إنها معركة العمر، والحياة، والدنيا.. خضها مكافحاً في موقعك، سيهزمك الشر وتهزمه، ألزمه أضيق الطرق، ولا تهتم بإردائه قتيلاً؛ فالشر مثل الخير.. كلاهما لا يموت، ولن يتقدم أي منهما باستقالته.

.

المصدر: مدونة العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى