وقف حرب السودان… مطلب المدنيين دونه عقبات

أيمن إبراهيم

دخلت حرب السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع شهرها السادس عشر، فيما لم يعد لدى السودانيين داخل وخارج البلاد، حيث تفرقوا، طلب غير وقف الصراع المدمر واستعادة حياتهم الطبيعية التي انقلبت رأساً على عقب. يأتي هذا وسط تزايد رفع الشعار الأبرز في السودان “لا للحرب” على وسائل التواصل الاجتماعي، والذي أصبح بدوره ساحة لمعركة جديدة بين المطالبين بإنهاء حرب السودان والداعين لاستمرارها، في وقت تحذر فيه منظمات الأمم المتحدة من أنه بدون جهود السلام المتضافرة، سوف يفر مزيد من الناس من الحرب “الوحشية” في السودان إلى البلدان المجاورة.

ومنذ 15 إبريل/نيسان 2023 يخوض الجيش و”الدعم السريع” صراعاً عسكرياً خلّف أكثر من 13000 قتيل، وفقاً لـ”مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها” (أكليد) أخيراً، بينما قالت لجنة خبراء مكلّفة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مهمتها مراقبة تطبيق العقوبات المفروضة على السودان، في تقرير خلال يناير/ كانون الثاني الماضي إنه “بحسب مصادر استخباراتية، فقد قُتل ما بين 10 آلاف و15 ألف شخص في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور وحدها، بأيدي قوات الدعم السريع”.

وتتوالى التحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية، بما في ذلك قول رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في السودان محمد رفعت، في مؤتمر صحافي في السابع من يونيو/حزيران الماضي، إن عدد النازحين داخلياً منذ بدء حرب السودان وصل إلى ما يقرب من 10 ملايين شخص، مشيراً إلى أن انعدام الأمن الغذائي بات عاملاً متزايداً في قرار الناس بالفرار.

عاطف الريح: العسكريون لا يكترثون لحال الناس أبداً ويسعون للانتقام من بعضهم فوق رؤوسنا

ووفقاً لرفعت يعاني نحو 18 مليون شخص في البلاد من الجوع الشديد، بينما يعاني 3.6 ملايين طفل من سوء التغذية الحاد. وأضاف أن أكثر من مليوني شخص فروا عبر حدود السودان إلى البلدان المجاورة، وخاصة تشاد وجنوب السودان ومصر، “وغالباً ما يصلون في ظروف بالغة الضعف ومصابين بصدمات نفسية بالغة”. يضاف إلى ذلك قول مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، إن السودان “يتم تدميره أمام أعيننا”. كما سبق لفوكر أن تساءل، في بيان أصدره في السابع من يونيو الماضي: “كم مدني سوداني إضافي يجب أن يموت قبل أن توقف أطراف النزاع القتال؟”.

وأعلنت منظمة الهجرة الدولية، في 16 يوليو/تموز الحالي، أن 20 في المائة من سكان السودان نزحوا جراء القتال إلى داخل وخارج البلاد منذ 15 إبريل 2023. وأفادت المنظمة في بيان، بأن مصفوفة تتبع النزوح في السودان تشير إلى أن 10 ملايين و594 ألف و576 شخصاً نزحوا داخلياً وخارجياً حتى 3 يوليو/تموز الحالي. وأضافت أن “2 مليون و238 ألفاً و671 شخصاً عبروا إلى البلدان المجاورة منذ 15 إبريل 2023”.

سعي لوقف حرب السودان
وتسعى أطراف دولية، بينها الولايات المتحدة والسعودية ومنظمة “إيغاد”، لإعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات. وعُقدت مفاوضات غير مباشرة الأسبوع الماضي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في جنيف بوساطة من مبعوث الأمم المتحدة للسودان رمطان لعمامرة، بهدف التوقيع على هدنة لوقف إطلاق النار بما يسمح بإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين، لكنها انتهت من دون أي نتائج تذكر. وكان تم في 11 مايو/أيار 2023، استضافة محادثات برعاية سعودية أميركية بمدينة جدة، أسفرت عن أول اتفاق نص على حماية المدنيين. ونجحت المحادثات في تنفيذ أكثر من هدنة، لكنها ظلت في مهب ريح الخروقات العديدة والاتهامات المتبادلة، قبل أن يتم تعليق المحادثات في ديسمبر/كانون الأول 2023. وجرت محادثات أخرى سرية في المنامة خلال الأشهر الماضية بين نائب قائد الجيش شمس الدين كباشي، والقيادي في “الدعم” عبد الرحيم دقلو، لكنها لم تخرج بنتيجة.

لكن الجيش السوداني صعّد من لهجته في الفترة، ملوّحاً بعدم التفاوض أو التوصل لهدنة مع قوات الدعم السريع إلا على بنود استسلامها. وقال مساعد قائد الجيش الفريق ياسر العطا، لدى مخاطبته يوم الاثنين 15 يوليو الحالي ضباط وجنود منطقة أم درمان العسكرية، إنه “في ظل الانتصارات العسكرية للجيش، لن يكون هناك تفاوض ولن تكون هناك هدنة، إلا على استسلام مليشيا الدعم السريع وتسليم أسلحتها”، مؤكداً استعداد الجيش السوداني “للقتال مائة عام” من أجل تحقيق هدفه في القضاء على قوات الدعم السريع “تنفيذاً لإرادة الشعب السوداني الذي أذاقته المليشيا القتل والنهب والإذلال وغيرها من انتهاكات”، على حد قوله. وزعم العطا أن “التوصل إلى اتفاق مع الدعم السريع، لن يفعل شيء سوى تأجيل المعركة والدخول في مشاكل سياسية وعسكرية وأمنية وعرقلة لمسار ونماء الدولة السودانية”.

في المقابل، كرر قائد “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو (حميدتي) اتهاماته للجيش، إذ حمّله في تسجيل صوتي على منصة إكس في 16 يونيو الماضي مسؤولية الانسحاب من المفاوضات وإفشالها، مدعياً أنهم توصلوا، خلال محادثات جرت في المنامة، إلى اتفاق، لكن الجيش انسحب بسبب ما قال إنه ضغوط من الحركة الإسلامية. وأشار إلى أن المحادثات كانت بحضور دولي كبير للتوصل إلى اتفاق سلام يوقف حرب السودان ويُخرج العسكريين من السلطة، لكن ممثل الجيش تغيب قبل يوم من مناقشة مسودة الاتفاق بحسب ادعاءاته.

ولم يتردد حميدتي في تبرير المجزرة التي ارتكبتها قواته في قرية ود النورة بولاية الجزيرة في الخامس من يونيو الماضي، والتي تسببت بمقتل أكثر من 100 شخص وإصابة عشرات المواطنين، بأنها كانت معركة عسكرية بين قواته والجيش وجهاز الأمن وعناصر الحركة الإسلامية والمستنفرين، حسب تعبيره. ويتقاسم الجيش وقوات الدعم السريع الآن السيطرة على ولايات البلاد الثماني عشرة. كما يتقاسمان العاصمة الخرطوم، بمدنها الثلاث الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، فيما تستمر المعارك بينهما في عدة جبهات.

العسكريون يسعون للانتقام
ورأى المواطن عاطف الريح، أن قوات الدعم السريع أصبحت موجودة في الكثير من المدن، وأن الجيش لا يتقدم بالمستوى المطلوب رغم ما يتعرض له المواطنون من قتل وتشريد، وفي ذات الوقت لا يريدون التفاوض لإيقاف حرب السودان وإنهاء المعاناة. وأضاف الريح، في حديث لـ”العربي الجديد”: “الناس يريدون حلاً للعودة إلى بيوتهم وختام رحلة التشرد والنزوح واللجوء، لكن هؤلاء العسكريين لا يكترثون لحال الناس أبداً ويسعون للانتقام من بعضهم فوق رؤوسنا”. وأشار إلى أنه لا يعتقد أن هناك أملا في أن يتمكن الجيش من حسم المعركة بسرعة، ولا “الدعم السريع” سينتصر على الجيش، مبدياً تخوفه من أن تستمر حرب السودان لفترة طويلة.

من جهته، أكد المواطن أبو القاسم الضو، لـ”العربي الجديد” من مدينة كسلا شرقي السودان، أنه يعمل للخروج إلى دولة ليبيا بأسرته ومغادرة السودان نهائياً. وأضاف: “لم أعد أرى مستقبلاً هنا، لقد تعبنا من هذا الصراع الغريب والذي وصفه قائد الجيش (عبد الفتاح) البرهان نفسه بأنه حرب عبثية… لماذا يصرون على الاستمرار في حرب كهذه؟”. وأشار إلى أنه لو تمكن من الخروج فلن يعود، حتى لو توقفت حرب السودان لأنها ربما تشتعل مجدداً ما دام العسكر يمارسون العمل السياسي، وما دامت هناك تشكيلات عسكرية خارج الجيش الواحد. وتابع:” أتمنى أن ينتهي هذا الوضع”.

الجيش يقاتل لهزم المشروع الدولي
ورأى المحلل السياسي مجدي عبد القيوم، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “الجيش يقاتل لأجل هزيمة المشروع الدولي للسيطرة والاستحواذ على موارد البلاد الذي يجري تنفيذه بواسطة دولة الإمارات وكيلاً عن الغرب عموماً، وبرعاية أميركا، وتحارب مليشيا الدعم السريع كذراع عسكرية مسنودة بغطاء سياسي هو تحالف “تقدم” (تحالف سياسي مدني) لإنفاذ هذا المشروع”. واعتبر “بالتالي أن إصرار الجيش على مواصلة القتال والتصعيد في كل الجبهات، بما في ذلك الخطاب الإعلامي، أمر مفهوم، لأن هذه هي مهام الجيوش أصلاً، وهي الحفاظ على الدولة كيانا وأرضا وشعبا وموارد”. وأضاف: “صحيح أن لذلك كلفة عالية وثمنا باهظا، سواء الخسائر في الأرواح أو تدمير البنية التحتية، وما ينجم عن ذلك من آثار، ومع أنه أمر مؤسف، لكنه أمر حتمي في مقابل الخضوع لابتزاز رعاة المشروع الدولي أو وكلائهم أو كفلائهم”. وتابع: “نعم أنا مع إيقاف حرب السودان فما من إنسان سوي لا يناهض الحرب، ولكن كيف يمكن التوصل لإيقافها فهذا مربط الفرس، وكلٌ يغرس الوتد في فضاءات مرجعيته النظرية”.

لا منطقة وسطى
بدوره رأى الكاتب والمحلل السياسي معتصم أقرع، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الوضع بين الطرفين وصل إلى مرحلة يصعب فيها التوصل لمنطقة وسطى، لأن هذه المنطقة الوسطى لم تعد موجودة. والاحتمال الوحيد هو أن يحدث تدخل دولي قوي لفرض حل على الطرفين، وهو ممكن، ولكن لا يبدو في الأفق في المدى المتوسط، رغم العقوبات الاقتصادية للولايات المتحدة التي طاولت الطرفين.

معتصم أقرع: الوضع بين الطرفين وصل إلى مرحلة يصعب فيها التوصل لمنطقة وسطى

وأضاف أنه عندما بدأت حرب السودان كان هناك منبر جدة وحدثت مفاوضات، ووصلوا لاتفاقيات محددة، وهذه الاتفاقيات لم تنفذها قوات الدعم السريع، من ضمنها الانسحاب من المنازل والأعيان المدنية، وهذا أعطى الجيش سبباً ليقول إنه لن يدخل في مفاوضات ما لم يتم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، و”الدعم” ترفض التنفيذ لخوفها من أن تكون مكشوفة لطيران الجيش. وأشار إلى أن السبب الآخر أنه لا يوجد ضغط عالمي كاف لإيقاف حرب السودان والدول القوية في الإقليم والعالم لا تولي الموضوع أهمية كبيرة، بل تجنح لترى طبيعة الصراع حسب الدعاية، غير الصحيحة، بأن الصراع بين الإسلاميين و”الدعم السريع”.

ولفت أقرع إلى أن ما يجري “هو صراع بين مليشيا مسلحة ضد مؤسسات الدولة. ولو حدث أي اتفاق لوقف إطلاق النار سيعود كل اللاعبين إلى مربع يوم 14 إبريل، أي قبل يوم من اندلاع حرب السودان لأن كل الأسباب التي أدت لاندلاعها لم يتم التطرق لها أو الاتفاق حولها، إذ كان هناك اتفاق إطاري بين الجيش والدعم السريع ومجموعة قوى الحرية والتغيير، وكانت الأخيرة والدعم السريع أقرب لبعضهم من الجيش، وكانت نقاط الخلاف الأساسية حول وجود جيشين في البلاد”.

وذكّر المحلل السياسي بأن هذه الأحداث فجّرت حرب السودان وإذا توقف إطلاق النار باتفاق ستعود نفس هذه المشاكل، ويعودون معها إلى مربع ما قبل الحرب القابل للانفجار في أي لحظة. وتابع: “هذا ما يُصعب الاتفاق بينهم، وما هي المكاسب من الرجوع لما قبل الحرب وأهم القضايا الخلافية لم يحدث بها اختراق أو مناقشة. يجعل هذا الأمر جلوسهم مع بعضهم لا معنى له، خصوصاً بعد اجتياح “الدعم” للمدن وترويع الناس والاعتداءات والاغتصابات وزيادة الكراهية مع الجيش، وقد صار من الصعب أيضاً دمجها في القوات المسلحة”.

المصدر: العربي الجديد

Exit mobile version