“يوم حقوق الإنسان” واليمنيون تحت مليشيات القمع وقتل الإنسانية

خاص


في يوم يحتفل فيه العالم بالكرامة والحرية، يعيش اليمنيون في مناطق الحوثي واقعًا لا يشبه أي كيان إنساني. الجهاز الأمني هناك تحوّل إلى دولة ظلّ تحكمها الخشية، تديرها السجون السرية والاختفاءات، ولا مكان فيه للصوت أو التنفس. منذ 2014 حتى اليوم وثقت تقارير الأمم المتحدة أكثر من أربعة عشر ألف معتقل وستمائة مفقود لا يعرف ذويهم مصيرهم بينما تنتشر شهادات مرعبة من داخل “الثقب الأسود” كما يسميه الناجون.

سامر، مهندس من صنعاء، خرج بعد أربعة أشهر من الاحتجاز في غرفة ضيقة بلا نافذة يقول: “لم أسمع اسمي طوال فترة اعتقالي، كنت رقمًا يجرونه لإسكاتي. كانوا يكسروننا من الداخل قبل الجسد”. هذه القصص لم تعد استثناء، بل أصبحت جزءًا من المشهد اليومي في مدن يسيطر عليها الخوف أكثر مما يسيطر عليها القانون.

اقتصاد التجويع
الحياة في مناطق الحوثي ليست حربًا فقط، بل حصارًا داخليًا من نوع آخر. الأمم المتحدة تؤكد أن أغلب المساعدات الغذائية لا تصل لمستحقيها، وأن قادة الجماعة حوّلوها إلى سوق يديرونه كغنيمة حرب. أم وضاح، أرملة من الحديدة، تقول إنها لم تستلم حصتها منذ عام رغم اعتمادها الرسمي: “رأيت المواد تُباع في السوق. شعار المنظمة فوق الأرز والسكر. نحن نموت من الجوع وهم يبيعون حقنا أمام أعيننا”.

أما الجبايات فقد أصبحت نظامًا مطبقًا على كل شيء: المتاجر، الشاحنات، حتى المدارس. تضاعفت أسعار السلع ثلاث مرات، واختفى الدخل، وأصبحت الرواتب لا تكفي ثمن الخبز. لم يعد الجوع نتيجة للحرب، بل سياسة واضحة تشبه الخنق البطيء.

قمع النساء
النساء في مناطق الحوثي يتحركن تحت طبقة سميكة من المراقبة والتهديد. جهاز “الزينبيات” أصبح ذراعًا نسائية للقمع، يداهم ويعتقل ويحقق ويبتز. ريم، طالبة جامعية في صنعاء، تعرضت للاعتقال ثلاثة أيام لأنها كتبت منشورًا تنتقد فيه الوضع. تقول لموقع الوعل اليمني: ” أطفأوا هاتفي، أخذوني من الجامعة، أهانوني، قالوا لي إن صوت المرأة يجب أن يُدفن لا أن يُكتب.

تقارير المنظمات الحقوقية توثق أكثر من ألفي حالة اعتقال لنساء وتعنيف داخل مراكز مغلقة، في وقت تتوسع فيه القيود على حركة النساء وسفرهن وعملهن ولباسهن، حتى صارت الحياة اليومية سجنًا مفتوحًا بلا قضبان.

إعدام الإعلام
في مناطق الحوثي الإعلام ليس مهنة، بل تهمة. منذ سيطرة الجماعة تم إغلاق أغلب المؤسسات، واعتقال العشرات من الصحفيين، بعضهم حُكم عليه بالإعدام لمجرد أنه كتب أو حقق أو وثق.

صحفي من صنعاء يردد: الكلمة في صنعاء رصاصة ترتد على صاحبها. لم نعد نكتب، نحن نتمتم الإنترنت مراقب، والهواتف مخترقة، والمنظمات تعمل خلف الأبواب المغلقة. كل مساحة للرأي أصبحت خطًا أحمر، وكل صوت خارج السرب يعامل كعدو.

الطفولة المكسورة
الأطفال هم الضحية الأكثر صمتًا. آلاف الصغار تم تجنيدهم حسب تقارير يونيسف، بعضهم لم يتجاوز الثانية عشرة. المدارس تحولت إلى منصات تعبئة، والمناهج أعيدت صياغتها، والدورات الطائفية أصبحت واقعًا يوميًا.

أم إبراهيم من عمران تصف لموقع الوعل اليمني “كيف تغيّر ابنها بعد “دورة ثقافية” عاد بعيون لا أعرفها. لا يلعب، لا يضحك، يردد كلمات غريبة. أخذوا طفلي وأعادوه شخصًا آخر” كثير من الأطفال لا يعودون أبدًا، وتستلم أسرهم خبر “استشهادهم”، رغم أنهم ذهبوا إلى التجنيد وهم لا يعرفون حتى جغرافيا الجبهة.

حياة بلا زمن
في صنعاء وذمار والحديدة وصعدة يعيش الناس تحت طبقة كثيفة من البؤس الدائم. لا كهرباء منذ سنوات، مياه ملوثة، مستشفيات بلا دواء، أمراض تنتشر، واكتئاب جماعي يتوسع بصمت.

طبيب نفسي في صنعاء يقول إن حالات الانهيار والقلق تضاعفت ثلاث مرات، وإن الناس يأتون إليه وهم عاجزون عن الشكوى أصلاً. كل بيت لديه قصة، فقد قريب مختفٍ، طفل مجنّد، أم محرومة من العلاج، أسرة بلا دخل. المشهد العام يشبه بلدًا يسير ببطء نحو الانطفاء.

اليوم، في يوم حقوق الإنسان، لا يحتاج اليمنيون إلى خطب جديدة ولا بيانات تضامن، بل اعتراف صريح بأن ما يجري في مناطق الحوثي ليس مجرد حرب أو أزمة إنسانية، بل عملية سحق مبرمج للإنسان نفسه. قمع، تجويع، إذلال، تغييب، وتدمير للمستقبل قبل الحاضر.

العالم يحتفل، والحوثيون يدفنون أصوات اليمنيين، والناس هناك لا يعيشون بل ينجون، ولا يتحركون بل يقاومون الانهيار، ولا ينتظرون الإنصاف بل ينتظرون اليوم الذي يعترف فيه العالم أنهم… بشر.

Exit mobile version