مياه البحر في غزة تهاجم خيام النزوح مع اقتراب المنخفضات.. مأساة جديدة تنتظر النازحين عنوانها فصل الشتاء
أشرف الهور
تخشى العوائل النازحة التي تقيم خيام سكنها مباشرة على شاطئ بحر منطقة وسط القطاع ومواصي خان يونس، من مخاطر سكن كثيرة، خاصة مع اقتراب انتهاء موسم الصيف، واقتراب موسم الخريف والشتاء، الذي ترتفع فيه الأمواج، وتبدأ فيه مواسم المنخفضات الجوية العميقة.
من أفران إلى ثلاجات
فرغم معاناتهم في موسم الصيف، من عدم القدرة على الجلوس داخل الخيام كغيرهم من النازحين، لارتفاع درجات الحرارة بشكل يفوق خارج الخيام، وتحولها كما يشبهها النازحون بـ”الأفران”، كون سواتر هذه الخيام مصنوعة غالبيتها من البلاستيك، فإن الجميع يتخوف من واقع أكثر مرارة وألم مع اقتراب موسم المنخفضات الجوية، التي ستحول الخيام إلى ثلاجات باردة، يصعب السكن فيها، خاصة وأن جدرانها لا تقي برودة الشتاء.
وطوال فترة الحرب السابقة، لم يكن هناك نازحون يقيمون خياما لهم مباشرة على رمال شاطي البحر، غير أن ظروف النزوح الأخيرة مع بدء جيش الاحتلال الهجوم البري الكبير على مدينة رفح جنوب القطاع، حيث كان يقطن المدينة أكثر من 1.2 مليون نسمة من سكانها ومن النازحين الذين قدموا إليها من كافة مناطق القطاع، وما تلاه من ترحيل سكان مناطق أخرى تقع شرق خان يونس ووسط القطاع، ولعدم وجود أماكن كافية للنازحين لإقامة خيامهم في الساحات العامة وفي الشوارع الكبيرة، وبعد أن امتلأت مراكز الإيواء بأعداد تفوق قدرتها بأضعاف عدة، اضطرت العائلات النازحة، وبعضها عايش عملية النزوح أكثر من 10 مرات، للنزوح إلى منطقة الشاطئ الملاصقة لمياه البحر، وأقاموا خيامهم هناك.
وفي تلك المناطق وتحديدا على بحر مخيم النصيرات والزوايدة ومدينة دير البلح وسط القطاع، وعلى طول منطقة بحر خان يونس (المواصي)، حتى حدود مدينة رفح، تتواجد آلاف الخيام لإقامة النازحين، في مشهد يفوق “خيام المصطافين” التي كانت تقام في موسم الصيف من كل عام، ويقطنها الأهالي لساعات قليلة، في سياق رحلات عائلية بغرض الترفيه والاستجمام.
وقد حولت الحرب تلك الخيام من استخدامها للاستجمام إلى السكن الدائم، ومعايشة معاناة هذا النوع من السكن، والذي بدأته بعض الأسر منذ أكثر من أربعة أشهر، وتحديدا منذ خروجها مجبرة من مدينة رفح، بناء على تهديدات جيش الاحتلال، ورغم تلك المعاناة، إلا أن القادم الذي ينتظر هذه العوائل أصعب بكثير، ففي أول ارتفاع بسيط لأمواج بحر غزة، غمرت المياه تلك الخيام المقامة مباشرة أمام البحر، وتسللت إلى أمتعة النازحين وطعامهم وأفسدت أغراضهم الخاصة.
وهذه الأمواج تهيج بشكل أكبر وأعنف مع الاقتراب أكثر من موسم الخريف ومنخفضات الشتاء، وتصل نهايات الأمواج لتغطي رقعة كبيرة من رمال البحر القريبة من الشاطئ، ما يعني أن سكان تلك الخيام كثيرة العدد، سيكونوا مضطرين للبحث عن أماكن نزوح جديدة، رغم ندرتها، بسبب أعداد النازحين المتزايد.
ويقول أحمد مقداد الذي نصب خيمة قبالة ساحل المنطقة الجنوبية لوسط قطاع غزة، وهي منطقة شاطئية صغيرة، إن مياه البحر وصلت إلى خيمة أسرته مساء السبت، بعد ارتفاع الموج، لافتا إلى أنه وأسرته لم يكونوا قد اتخذوا أي تدابير لهذا الأمر المفاجئ.
المياه والأمراض تغزو الخيام
وأوضح وهو يتحدث لـ”القدس العربي”، أنه أجبر على السكن في تلك المنطقة وعدد من جيرانه في النزوح ومعارفه السابقين، لعدم إيجاد أي مكان مناسب للسكن في وسط القطاع، بعد رحلة نزوحهم في رفح، ويضيف “مياه البحر التي كانت تشكل لنا نعمة ستصبح نقمة”. وكان يتحدث عن استخدام مياه البحر في غسل الأواني والملابس والاستحمام، في الوقت الذي يشتكي فيه النازحون الذين يقيمون في مناطق بعيدة عن الشاطئ، من ندرة امدادات المياه.
وقد كانت المياه التي تسللت لخيام النازحين قد تركت رغم تراجعها لعدة أمتار أثرا على رمال البحر، لتظهر أنها تجاوزت مكانها المعتاد بنحو عشرة أمتار وأكثر.
وفي فصل الشتاء ومع ارتفاع الموج تزداد عملية المد خاصة في فترات الليل، وتتقلص “الجزر” في ساعات النهار في الأيام العادية، غير أن عملية المد تكون على مدار ساعات اليوم فترة المنخفضات الجوية العميقة.
وفي الفترات ما قبل الحرب، كانت الجهات المختصة توقف العمل في المؤسسات الحكومية والخاصة وتعطل العملية التعليمية ليومين أو ثلاثة، مع حلول المنخفضات الجوية العميقة التي يصاحبها هطول كبير للأمطار.
وفي منطقة النزوح على شاطئ البحر، تطرق أحد جيران الرجل السابق للمشكلة، وقال ذلك الرجل ويدعى أبو إبراهيم وهو في الخمسينات من العمر، وقد وضع خيمته على مرتفع رملي بعيدا نسبيا عن مياه البحر وارتفاعات الموج، إن بقائهم في هذا المكان حتى حلول الشتاء سيتسبب لهم في معاناة كبيرة، وسيصيب الكبار والصغار بأمراض عدة، خاصة الأمراض الصدرية والرئوية.
وأضاف هذا الرجل والذي عانى في خيمة النزوح السابقة في غرب مدينة رفح، من برد الشتاء القارس، ومن تسلل المياه إلى خيام النازحين، لـ”القدس العربي”، “إلي جاي صعب أكثر، رياح الشتاء القوية التي لا تصدها أي حواجز ستقلع خيامنا، وحتى لو بقيت صامدة وهذا أمر صعب، ستدخل إليها مياه المطر بشكل كبير”.
وفي محاولة لصد مياه البحر ومنعها من الوصول للخيام، عمل النازحون هناك على إقامة سواتر ترابية على بعد أمتار من خيامهم، إلا أن تدافع المياه أدى إلى انهيار تلك السواتر، وواصلت الدخول إلى الخيام.
وحتى اللحظة ورغم العلم بمخاطر الأيام والأسابيع القادمة، لم يبحث سكان تلك المناطق عن أماكن أخرى لنصب خيامهم، فالجميع يؤكد أنه لم يبقى مكانا وسط القطاع إلا وسكنه النازحون.
وبما يدلل على ذلك فقد اضطرت عائلات لوضع خياما لها في مقابر الأموات، بعد أن نصبت عوائل أخرى خيامها على أسوار تلك المقابر، وذلك بعد غزو النازحين كل الأماكن والساحات والأراضي الفارغة، حيث بات مشهد الخيام هو المشهد الأكثر تواجدا في مناطق وسط القطاع وفي مدينة خان يونس.
وسابقا قدرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، أن سكان غزة مجبرين حاليا على السكن في مساحة تقدر نسبتها 11% من مساحة القطاع، بسبب أوامر الإخلاء القسري.
هذا وقد جرى تداول مقطع فيديو قصير، يظهر تسلل مياه البحر إلى خيام النازحين في أحد مناطق “مواصي” خان يونس.
ولاقى المقطع المصور تفاعلات كبيرة من المواطنين وكتب عبد الرحمن الحلبي معلقا “حطو (ضعوا) كياس من الرمل أمام الخيام أو انتقلوا إلى مكان أعلى”.
نداء استغاثة
وفي هذا السياق، أطلق المكتب الإعلامي الحكومي “نداء استغاثة إنساني عاجل “لإنقاذ مليوني نازح في قطاع غزة قبل فوات الأوان، بالتزامن مع قدوم المُنخفضات الجوية القاسية ودخول فصل الشتاء واهتراء خيام النازحين.
وأشار إلى مشكلة النزوح، وإلى استمرار تدفق أعداد النازحين وازديادها يوماً بعد يوم، حيث بلغ عدد النازحين بشكل عام من 1,9 مليون نازح إلى 2 مليون نازح في محافظات قطاع غزة.
وأوضح أنه يتواجد في قطاع غزة 543 مركزاً للإيواء والنُّزوح نتيجة ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي “جريمة التهجير القسري” والتي تعتبر أحد الجرائم ضد الإنسانية، من خلال إجبار المواطنين على النزوح الإجباري من منازلهم وأحيائهم السكنية الآمنة وهي جريمة مخالفة للقانون الدولي.
وحسب أرقام المكتب، فإن ما نسبته 74% من خيام النازحين أصبحت غير صالحة للاستخدام، وذلك وفقاً لفرق التقييم الميداني الحكومية والتي أفادت بوجود 100 ألف خيمة من أصل 135 ألف خيمة بحاجة إلى تغيير واستبدال فوري عاجل، نتيجة اهتراء هذه الخيام تماماً، كونها مصنوعة من الخشب والنايلون والقماش، ويشير المكتب إلى أن هذه الخيام اهترأت مع حرارة الشمس ومع ظروف المناخ في قطاع غزة، وخرجت عن الخدمة بشكل كامل، خاصة بعد مرور 11 شهراً متواصلاً من النزوح وهذه الظروف غير الإنسانية.
ويؤكد المكتب أن قطاع غزة مُقبل على “كارثة إنسانية حقيقية” بفعل دخول فصل الشتاء وظروف المناخ الصعبة، وقال “بالتالي سوف يصبح 2 مليون إنسان بلا أي مأوى في فصل الشتاء وسيفترش هؤلاء الأرض وسيلتحفون السماء، وذلك بسبب اهتراء خيام النازحين وخروجها عن الخدمة تماماً، وكذلك بسبب إغلاق المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، وبسبب منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال قرابة ربع مليون خيمة وكرفان إلى قطاع غزة في ظل هذا الواقع المرير”.
وأدان المكتب جرائم الاحتلال، والمتمثلة في التهجير القسري والنزوح الإجباري وإرغام مليوني نازح على الخروج من منازلهم واللجوء إلى مناطق غير مهيئة لاستقبال مئات الآلاف من النازحين في خيام غير مناسبة، وفي مناطق غير إنسانية وغير آمنة.
وحمل الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية كامل المسؤولية، عن هذه الظروف الكارثية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ودعا كل العالم إلى إدانة هذه الجرائم، كما طالب بالاصطفاف مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وإنقاذ قطاع غزة قبل فوات الأوان.
كما ناشد في ذات الوقت مصر وكل الدولة العربية والإسلامية ومجلس التعاون الخليجي، لإدخال المساعدات والخيام لمليوني نازح، وقال “إن هؤلاء الآن يتهيّؤون للعيش في الشوارع بدون مساعدات وبدون مأوى بسبب الظروف القاسية التي يعيشونها وسيعيشونها خلال الشهور القادمة، وسيكون لها انعكاس خطير على حياتهم وظروفهم”.
وقد شدد المكتب الإعلامي على ضرورة خروج المجتمع الدولي وكل المنظمات الدولية والأممية والمؤسسات العالمية ذات العلاقة عن صمتها وتقديم الإغاثة الفورية والعاجلة للنازحين، الذين أكد أنهم “بأمس الحاجة إلى مأوى مناسب يقيهم من برد الشتاء وحرارة الصيف، وقبل ذلك الضغط على الاحتلال وعلى الأمريكان لوقف جريمة الإبادة الجماعية ضد شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة”.