3 خيارات حكومية لصرف المرتبات يرفضها البنك المركزي تكشف عن “حرب باردة” بين بن بريك والمعبقي

كشف الصحفي والخبير الاقتصادي ماجد الداعري، عن أزمة متفاقمة تتعلق بتعثر صرف المرتبات للموظفين والعسكريين للشهر الرابع على التوالي، مشيرًا إلى أن الأزمة تجاوزت حدود التعثر المالي أو التقني، لتتحول إلى صراع نفوذ بين الحكومة ومحافظ البنك المركزي، وصفه بـ”الحرب الباردة” حول الصلاحيات، واستقلالية المؤسسة النقدية، وأولويات الإنفاق.
وبحسب التقرير، فإن جوهر الأزمة يتمثل في رفض المحافظ لثلاثة خيارات رئيسية طرحتها الحكومة لتمويل المرتبات، واعتبرها “كارثية تضخمية” تهدد الاستقرار النقدي وتنسف جهود تحسين سعر الصرف. الخيار الأول يتمثل في العودة إلى سياسة “السحب المكشوف” من حساب حكومي يعاني من عجز ضخم، وهو ما يرفضه المحافظ باعتباره تهديدًا مباشرًا للعملة الوطنية، ويشترط لتفعيله وجود مصادر دخل ثابتة أو تغطية جزئية للعجز.
الخيار الثاني يتعلق باستخدام الاحتياطيات الإلزامية للبنوك التجارية، وهو ما يصفه البنك المركزي بأنه انتهاك للملكية الخاصة وتعدٍ على استقلاليته، خاصة في ظل عدم قدرة الحكومة على إلزام الجهات التابعة لها بتحويل الإيرادات إلى الخزينة العامة. أما الخيار الثالث فيتمثل في استخدام العملة المطبوعة والمحتجزة في الموانئ، وهو ما يراه البنك “نقطة اللا عودة”، نظرًا لما قد يسببه من تضخم وانهيار في الثقة بالعملة.
التقرير يسلط الضوء أيضًا على خلافات أعمق حول أولويات الصرف، حيث تتهم الحكومة المحافظ بتخصيص تعزيزات مالية لجهات لا تعتبرها ضمن أولوياتها، في حين يرد المحافظ بأن الحكومة عاجزة عن تقديم الإيرادات، ولا تملك الحق في فرض أولوياتها على مؤسسة مستقلة.
ويحذر التقرير من أن الأزمة وصلت إلى طريق مسدود، وأن الحل لا يكمن في التفاوض بين الطرفين، بل يتطلب تدخلًا مباشرًا من الجهة العليا في الدولة لضبط الإيرادات، وتقديم ضمانات للمحافظ لممارسة مهامه دون ضغوط سياسية. كما يشير إلى أن أي محاولة لإقالة المحافظ قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة، نظرًا للدعم الدولي الذي يحظى به من مؤسسات مالية إقليمية ودولية.
في ختام التقرير، وجّه الداعري رسالة حادة إلى المواطنين، مؤكدًا أن الأزمة تعكس خللًا عميقًا في إدارة الموارد، وأن الموظف والجندي والمواطن يدفعون ثمن صراعات النخبة، في حين يبقى البنك المركزي محاصرًا بين واجب الاستقرار النقدي وعجز الدولة عن الوفاء بالتزاماتها.
ويحذر مراقبون من أن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى انهيار في المعنويات، وتوسع في الاقتصاد الموازي، وتفاقم الأوضاع الإنسانية، ما يستدعي إرادة سياسية عليا لإعادة ضبط المسار المالي والإداري، بعيدًا عن المحاصصة والولاءات.