كان يوم كيبور (يوم الغفران) من عام 1973 مثل غيره من أيام كيبور في إسرائيل في كل سنة، إذ تتوقف الحياة تماماً ويصوم فيه اليهود ويُؤدون الصلوات.
وكما كتب كيفين كونللي مراسل بي بي سي لشؤون الشرق الأوسط قبل عدة سنوات، فإنه أكثر الأيام قداسة عند اليهود وأكثر الأيام التي تصبح فيها إسرائيل في أشد حالات الضعف.
وهو اليوم نفسه من عام 1973 الذي اختاره المصريون والسوريون لشن حرب خاطفة على إسرائيل قبل 51 عاماً، وهي الحرب التي لازلنا نعيش تداعياتها حتى الآن.
كانت هذه الحرب محاولة من العرب للرد على الهزيمة التي ألحقتها بهم إسرائيل عام 1967 حين أعادت رسم خريطة المنطقة، وضمت مساحات واسعة من الأراضي إليها، وهزمت جيوش 3 دول عربية هي مصر وسوريا والأردن.
استولت إسرائيل في ذلك اليوم على شبه جزيرة سيناء المترامية الأطراف، واحتلت هضبة الجولان كما انتزعت الضفة الغربية من الأردنيين، وبعدها صار من الواضح أن كُلاً من المصريين والسوريين مصممون على استرجاع ما خسروه تلك السنة.
وهكذا بدأ المصريون والسوريون الحرب بالتزامن على الجبهتين. ففي الوقت الذي بدأ فيه المصريون عبور قناة السويس واجتياح حصون خط بارليف كان السوريون يتقدمون سريعاً في الجولان.
وبدأ الإسرائيليون تجميع جهدهم الحربي لصد الهجومين، حيث عادت الإذاعة الإسرائيلية التي كانت متوقفة بمناسبة يوم كيبور للعمل، وبثت نشرات خاصة تحوي رموزاً لاستدعاء جنود الاحتياط وتوجيههم إلى وحدات عسكرية معينة.
“وجوه شاحبة”
في ذلك الوقت كان إيهود باراك، الرجل الذي أصبح فيما بعد رئيساً لوزراء إسرائيل، قد تخرج للتو من جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه كان قد أدى خدمته العسكرية في القوات الخاصة الإسرائيلية، لذلك جمع أغراضه وعاد إلى تل أبيب فورَ سماعه الأخبار.
وأوّل وصوله إسرائيل، توجه باراك مباشرة إلى مركز قيادة القوات الإسرائيلية المعروف باسم “الحفرة”.
يقول باراك “كانت الوجوه شاحبة كأنما يعلوها الغبار، فقد كانت تلك اللحظة هي الأشد قسوة خلال الحرب. وبعد ذلك بدأت القوات الإسرائيلية دخول المعارك والسيطرة على مساحات من الأراضي، لكن في ذلك اليوم ضاع أثر نصر 67 النفسي وضاع شعور أن الجيش الإسرائيلي لا يُهزم”.
كانت الحرب الباردة في أوجها مطلع سبعينيات القرن الماضي، إذ دعمت الولايات المتحدة الامريكية إسرائيل حينها، ودعم الاتحاد السوفيتي السابق مصر وسوريا، وبالتالي أصبحت الحرب تجري بين الطرفين بالوكالة عن القوتين الأعظم في العالم.
أنتجت الولايات المتحدة وقتها أفضل الأسلحة ولم تتردد في منح إسرائيل أحدثها، لذلك نجحت إسرائيل في وقف تقدم القوات المصرية والسورية سريعاً، وانتقلت فيما بعد إلى الهجوم، فنجحت في استرداد أغلب الأراضي التي خسرتها. ونشطت بعد ذلك الجهود الدولية لوقف القتال، وتقبل الطرفان فكرة وقف إطلاق النار.
وقررت دول الخليج الغنية بالبترول معاقبة الغرب على موقفه الداعم لإسرائيل باستخدام ما أطلقت عليه اسم “سلاح النفط”.
النفط
وبانقطاع إمدادات النفط العربية ارتفعت أسعار الوقود سريعاً في العواصم الغربية، وتهاوت أسهم البورصات وتراجعت معدلات الأداء في الاقتصاد العالمي، وأثرت هذه الخطوة على الاقتصاد العالمي لعدة سنوات.
وفي تلك اللحظة بدأت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا التفكير في تنويع مصادر النفط، والبحث عن مصدر بديل للطاقة غير البترول وهى اللحظة التي بدأ فيها العمل على ابتكار سيارة تعمل بالغاز.
وكان من أهم آثار تلك الحرب أن مصر خرجت من نطاق النفوذ السوفيتي لتدخل في تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة.
ووقعت مصر اتفاقية سلام مع إسرائيل بعد ذلك بعدة أعوام، ليتوقف صوت الرصاص وتصبح معاهدة كامب ديفيد واحدة من أكثر المعاهدات أهمية في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ورغم أن هذه الحرب شهدت أعنف معارك الدبابات في التاريخ، إلا أنها أثبتت أن الدبابات والمدرعات شديدة الضعف أمام الصواريخ. كما أدركت إسرائيل أنها لن تتمكن بعد ذلك من تحقيق انتصارات سهلة.
BBC