ثقافة وفكر
أخر الأخبار

7 جنيه ونص

د. محمد السيد قياسة

من الأشياء الجميلة التي يمكن أن تحدث لطفل أن يجد مبلغًا من المال، بخاصة حين يكون مبلغًا صغيرًا، يمكنه أخذه بضمير مستريح دون أن يبحث عن صاحبه، فيشتري من الحلوى ما يريد.

ما أنفع المال!

تخيل لو وجدت ٥٠ ج مثلًا، لو رأيت رجلًا واقفًا في الشارع ومعه ٢٠ أو ٣٠ أو ٥٠ ج مثلًا ويسأل عن صاحبها الذي لا يعرفه أحد، سيقول أي عابر له: “يا عم خذها وخلاص”.

من مدة طويلة لا أذكر متى بدأت، أصبحت إن رأيت مالًا على الأرض لا آخذه ولا أحمله ولا أكلف نفسي عناء فكريًا عقليًا ونفسيًا وشرعيًا عن هذا المال (طبعا نتكلم عن مبالغ صغيرة، المبالغ الكبيرة لا تقع وعمرك ما تلاقيها).

أتعرف لو وجدت ٢٠ ج كم سأفكر في أمر الـ٢٠ ج هذه؟! هل وقعت من طفل ذاهب ليحضر فطور فول وطعمية لأسرته وهو الآن خائف من العودة إلى المنزل؟!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هل وقعت من سيدة أو فتاة ذاهبة إلى الدرس وليس معها إلا هي، وهي الآن تشعر بأن السماء انطبقت على الأرض وتفكر كيف ستعود إلى منزلها البعيد نسبيا؟

هل كانت صدقة في يد أحد الفقراء ثم وقعت منه؟

هل هي مصروف طفل أصبح حزينًا لأنه الآن سيمكث في مدرسته دون مصروف؟ ربما كانت مصروفه هو وأخيه معًا.

هل وقعت من رجل عمل طيلة النهار ثم تقاضى أجره “فكة” ووقعت منه وهو حزين على ضياع جزء من عرق يوم كامل؟ ويفكر رغم أنه مبلغ قليل لكنه يمكن أن يشتري عشاء (فول وطعمية) أو أعطيه مصروفًا للأولاد، إلخ.

لذلك أتركها، لا أنحني وآخذ من الأرض تلك الـ”٢٠” ج التي قد تكون قطرات عرق أحدهم أو سعادة مصروف يوم، إلخ، إنها عميقة فيما تشكله، أتركها حتى يعود صاحب القلب المضطرب بحثًا عنها فهو أولى بها.

كم هي صغيرة في عين أحدهم، وكبيرة في نفس آخر وعينه، إنها تشبه كثيرًا وكثيرًا من حياتنا ومواقفها وأحلامها.

حسنًا ما علاقة هذا بالـ٧ ج ونصف؟ يومًا ما وأنا طفل حلمت أنني وجدت ٧ ج ونصف، يومها وفي الحلم كنت كلما سرت خطوة وجدت جنيهين أو أقل، حتى جمعت سبعة جنيهات ونصف، كان مبلغًا ضخمًا، فأنا اشتريت آيس كريم (جيلاتي) بـ١٠ قروش، وكان يمكن لجنيه أن يشتري تسالي (لب أبيض وخلافه) لأسرة كاملة!

اليوم سافرت من مدينة المنصورة إلى قريتي ب ٧ جنيهات كاملة.

يا ألله هذا الحلم الجميل الذي تركني تائهًا ماذا أشتري وأنا طفل أصبح الآن توصيلة بسيارة أجرة عامة، توصيلة واحدة فقط.

ما أصغر أحلامنا مهما كبرنا!

المصدر: أكاديمية بالعقل نبدأ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى