قتل 75 شخصاً على الأقل اليوم الجمعة في قصف بطائرة مسيرة استهدف مخيم أبو شوك للنازحين قرب الفاشر في شمال دارفور، وفق غرفة طوارئ المخيم.
ونفّذت قوات “الدعم السريع” هجومها أثناء تقدمها في محاولة للسيطرة على آخر مدينة تحت سيطرة الجيش في دارفور.
وقالت المجموعة الإغاثية إن “مسيرة انتحارية” استهدفت مسجداً أثناء تجمع للنازحين في المخيم و”تم انتشال جثثهم من حطام المسجد”.
ولم يصدر أي تعليق فوري من “الدعم السريع” على الحادث.
والفاشر هي عاصمة ولاية شمال دارفور وآخر مدينة كبيرة في الإقليم الشاسع لا تزال تحت سيطرة الجيش وحلفائه، بعد أكثر من عامين من بدء الحرب مع قوات “الدعم السريع”.
وتحاصر “الدعم السريع” منذ أكثر من 500 يوم الفاشر التي يقطنها نحو 260 ألف مدني، نصفهم من الأطفال، في ظل انعدام شبه كامل للمساعدات الإنسانية، وفق الأمم المتحدة.
معارك شرسة
شهدت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، أمس الخميس معارك شرسة بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، تعد الأعنف من نوعها منذ بدء القتال قبل أكثر من عامين، إذ تمكنت الأخيرة من السيطرة على مقر القوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة المساندة للجيش (مقر بعثة يوناميد سابقاً)، فضلاً عن مخيم أبو شوك للنازحين، لكن مصادر عسكرية أكدت أن طيران الجيش المسير قصف بصورة مكثفة حشود “الدعم السريع” المنتشرة في الجزء الشمالي من المدينة، وأجبرها على التراجع من المواقع التي سيطرت عليها.
ونشر عناصر من “الدعم السريع” مقاطع فيديو من داخل مقر بعثة حفظ السلام سابقاً، مؤكدين سيطرتهم عليه، إضافة إلى عرضهم مركبات قتالية محترقة في محيطه.
وبحسب المصادر، فإن “الدعم السريع” أطلقت سرباً من مسيراتها الانتحارية، فضلاً عن استخدامها المدفعية الثقيلة باتجاه مناطق وسط المدينة، أبرزها مخيم أبو شوك وحي الدرجة الأولى، مما أحدث دوي انفجارات قوية ومتتالية، وأشارت إلى أن الجيش وحلفاءه تمكنوا أيضاً من صد قوات “الدعم السريع” وإبعادها من قشلاق الجيش وحي أولاد الريف من الجهة الجنوبية حتى حدود سوق المواشي.
واعتبر مراقبون عسكريون وصول قوات “الدعم السريع” إلى مقر قيادة القوات المشتركة القريب من وسط المدينة تطوراً نوعياً في العمليات العسكرية المستمرة هناك، منذ بدء المعارك بين الطرفين.
وخلال الأسابيع الماضية، تمكنت قوات “الدعم السريع” من تحقيق تقدم سريع داخل الفاشر، بسيطرتها على عدد من الأحياء، مما زاد من الضغط على قيادة الفرقة السادسة مشاة، وهي القاعدة الرئيسة للجيش في المدينة.
أوضاع مأسوية
أدى احتدام المواجهات خلال هذه الأيام إلى نزوح أعداد كبيرة من سكان الأحياء الشمالية الشرقية للفاشر ومخيم أبو شوك باتجاه أحياء الدرجة الأولى وأبو شوك الحلة ومقر جامعة الفاشر، وفقاً لمصادر ميدانية.
في حين وصفت مصادر طبية الأوضاع في مدينة الفاشر بأنها بالغة التعقيد، خصوصاً بعد خروج المستشفى العسكري ومستشفى الشرطة عن الخدمة، إلى جانب تعثر المستشفى السعودي في العمل بطاقته الكاملة نتيجة نقص الكوادر الطبية، لافتة إلى أن الكوادر الطبية تواصل أداء مهماتها على رغم الأخطار الكبيرة والقصف المدفعي الكثيف الذي تعرضت له منشآت صحية من قوات “الدعم السريع”.
كما أشارت تلك المصادر إلى انعدام كامل للأكفان، وهو ما قاد الأهالي للاعتماد على أكياس البلاستيك لستر الموتى الذين تتزايد أعدادهم بصورة كبيرة هذه الأيام التي تشهد تصاعد حدة المعارك بصورة لا توصف، فضلاً عن توغل قوات “الدعم السريع” داخل الأحياء ومراكز الإيواء المكتظة بالمدنيين، وقيامها بتصفية عشرات منهم على أساس عرقي.
وخلال الأسبوع الجاري، أجبرت “الدعم السريع” كل سكان مخيم أبو شوك على النزوح من المعسكر الذي كان يأوي ما يزيد على 190 ألف نازح. ودمرت القوات المهاجمة مصادر المياه، كما أحرقت سوق “نيفاشا” بعد نهب المتاجر، وهي خطوة وصفها نازحون بـ”التهجير القسري”.
وتفرض قوات “الدعم السريع” حصاراً مشدداً على مدينة الفاشر منذ أبريل (نيسان) 2024، في مسعى إلى السيطرة عليها باعتبارها آخر فرقة عسكرية للجيش السوداني في إقليم دارفور، بعد أن أحكمت سيطرتها خلال عام 2023 على فرق الجيش في مدن نيالا وزالنجي والجنينة والضعين.
كر وفر
في محور كردفان، قالت قوات “الدعم السريع” أمس إنها حققت نصراً جديداً بسيطرتها على منطقة رهيد النوبة في ولاية شمال كردفان، وأوضحت في بيان لها أن “الانتصار العسكري جاء في إطار الخطط المحكمة التي تنفذها، والرامية إلى توسيع نطاق الانفتاح العملياتي، تمهيداً للزحف نحو معاقل الجيش”.
وأكد البيان أن قوات “الدعم السريع” دخلت “مرحلة متقدمة من الإصرار، نحو استكمال تحرير الوطن وبناء السودان على أسس جديدة عادلة”.
وتعد بلدة رهيد النوبة نقطة استراتيجية مهمة، إذ تقع على طريق الصادرات الحيوي الذي يربط مدينة بارا، التي استعادها الجيش أخيراً، بمدينة أم درمان، مما يمنحها أهمية عسكرية ولوجستية في سياق العمليات الجارية بين الطرفين.
وتشهد مناطق واسعة من إقليم كردفان معارك كر وفر عنيفة بين الطرفين، تتركز في مناطق خلوية مكشوفة، إذ تعتمد العمليات العسكرية على عنصر المباغتة، واستخدام مكثف للأسلحة النارية، إلى جانب تنفيذ التفافات ميدانية تهدف إلى إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالقوات المعادية.
ويسعى الجيش إلى تأمين إقليم كردفان ومنع قوات “الدعم السريع” من استخدامه كقاعدة انطلاق نحو مناطق أخرى، خصوصاً في دارفور.
ترحيب بإيقاف الحرب
في الأثناء، رحب قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان بالجهود التي تسعى إلى إيقاف الحرب، شريطة الحفاظ على سيادة ووحدة البلاد وصون مؤسساتها الوطنية.
وقال البرهان خلال لقائه عدداً من المفكرين والإعلاميين والمثقفين السودانيين في الدوحة “لا يمكن أن نرهن سيادتنا لأية دولة مهما كانت علاقتنا معها”، وأردف “لن نضع السلاح قبل فك الحصار عن الفاشر وبابنوسة وزالنجي وكل شبر من الوطن”، معلناً تعهده برعاية الدولة لأي شخص يتخلى عن السلاح وينحاز للصف الوطني.
وأشار البرهان إلى أن أي سياسي يعود لرشده سيجد الساحة السياسية مرحبة به، مؤكداً أن الشعب السوداني سينتصر في الحرب الوجودية ضد قوات “الدعم السريع”.
وأشاد قائد الجيش بالانتصارات التي تحققت أخيراً، مبيناً أن ذلك لم يكن ليحدث لولا التفاف الشعب حول القوات المسلحة وإيمانه العميق بقدرة الجيش على حسم ميليشيات “الدعم السريع”.
وطبقاً لإعلام مجلس السيادة، فإن اللقاء تطرق لمجمل الأوضاع في البلاد، بخاصة تطورات الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين، موضحاً أن السودان يخوض حرباً مصيرية من أجل عزة وكرامة الشعب السوداني.
عودة وصمود
من جهتها، قالت المنظمة الدولية للهجرة إن نحو مليوني شخص عادوا لمنازلهم في السودان منذ مطلع عام 2025، على رغم استمرار الحرب والدمار الواسع الذي خلفته، في وقت تمر فيه البلاد بمرحلة إنسانية حرجة وتتطلب دعماً عاجلاً.
وأشارت إلى أن آلاف العائلات عادت لمنازل مدمرة أو بلا أسقف أو تفتقر إلى مياه الشرب، فيما تتقاسم المجتمعات المحلية القليلة التي لم تغادر البلاد ما تبقى لديها من موارد شحيحة، مما يعتبر صموداً لا حدود له.
ورحبت المنظمة بالجهود التي تبذلها مصر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة للتوصل إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، مؤكدة استعدادها لتقديم المساعدات الإنسانية فور ضمان وصول آمن ومن دون عوائق إلى المتضررين.
وأكدت أن الوصول الآمن ومن دون قيود للمساعدات يمثل أولوية قصوى لإنقاذ الأرواح، داعية المجتمع الدولي إلى تكثيف دعمه للسودان.
وتشهد البلاد عودة واسعة للنازحين جراء انحسار العمليات العسكرية في وسط البلاد وشمالها، في ظل استعادة الجيش للعاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة، وتراجع قوات “الدعم السريع” نحو غرب البلاد وجنوبها.
انعدام الدواء
صحياً، تعاني ولاية الخرطوم نقصاً حاداً في المحاليل الوريدية المستخدمة في علاج حمى الضنك، في وقت تشهد الولاية زيادة ملاحظة في معدلات الإصابة بهذا المرض.
وبحسب مصادر طبية، فإن هذا النقص يعقد علاج المرضى ويزيد من المخاوف الصحية، خصوصاً مع تزايد الإصابات.
وناشدت المصادر الجهات الصحية بالتحرك العاجل لتوفير الدواء، وتجنب المضاعفات الصحية الخطرة التي قد تنتج من هذا النقص.
وعلى رغم الجهود التي بذلتها وزارة الصحة الاتحادية أخيراً عبر إطلاق حملات رش شاملة في ولاية الخرطوم بمحلياتها السبع بهدف القضاء على نواقل الأمراض، إلا أن حمى الضنك والملاريا لا تزالان تنتشران بصورة واسعة، إذ أصبح من النادر أن تخلو أسرة من إصابة أحد أفرادها بهذه الأمراض التي تفتك بسكان الولاية.