خلفاء بنوْا كنائس وفقهاء حموْها والصليبيون يدشنون عهد تنصير المساجد.. الصراع على دُور العبادة في التاريخ الإسلامي
يرسم الفقيه المؤرخ المقريزي (ت 845هـ/1441م) -في ‘المواعظ والاعتبار‘- صورة مشرقة للعلاقة بين أصحاب الديانات على أرض الإسلام؛ فيقول إن “كنيسة مريم.. هدمها عليّ بن سليمان ابن عباس (ت 178هـ/794م) أميرُ مصر.. وهدم كنائس محرس قسطنطين..، فلما عُزل بموسى بن عيسى ابن عباس (ت 183هـ/799م).. أذِن.. للنصارى في بنيان الكنائس التي هدمها عليّ..، فبُنيت كلها بمشورة [الإمامين] الليث بن سعد (ت 175هـ/791م) وعبد الله بن لهيعة (ت 174هـ/790م)، وقالا: هو من عمارة البلاد، واحتجّا بأن الكنائس التي بمصر لم تُبْنَ إلّا في الإسلام في زمن الصحابة والتابعين”!!
إن تعبير “عمارة الأرض” الوارد في كلام الإمامين يلخص لنا الرؤية الراقية التي اتسمت بها حضارة الإسلام تجاه التعدد الديني والسماح بحرية الاعتقاد وبناء دور العبادة بل وحمايتهما، وهي رؤية أيضا سباقة حتى بمعايير زمننا المؤطَّر نظريا بالمبادئ الأممية والمواثيق الدولية. وتلك الروح كانت امتدادا لفكرة دستورية أعمق وضعها كبار الصحابة رسما لخطوط العلاقة بين أهل الأديان، حين عاهد الفاروقُ عمرُ بن الخطاب (ت 23هـ/644م) أهلَ القدس مقدِّما خطابا حضاريا عُمْرانيا، فـ”أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم”.
لا يعني هذا أن العلاقة سارت دائما بوتيرة هادئة بين الإسلام والمسيحية اللذيْن تصادما مبكرا على مساحة مترامية الجغرافيا، وفي سياقات مريرة وشرسة ألقت بظلالها على دُور العبادة الإسلامية والمسيحية. والحق -كما يقول مؤرخون منصفون- أنه لا يمكن أن تقاس الممارسة الإسلامية المتحضرة بغيرها من الممارسات، وتكفي مراجعة ما تضمنه ‘تاريخ الحملة إلى القدس‘ للقسيس فوشيه الشارتري (ت 521هـ/1127م) -الذي واكب الحملة الصليبية الأولى- عن الخطاب التحريضي للبابا أوربان الثاني (ت 492هـ/1099م) الداعي إلى شن الحرب الصليبية لـ”تحرير” المشرق.
فقد جاء في هذا الكتاب أن البابا قال في خطبته التي دشنت عصر الحروب الصليبية مخاطبا أتباعه: “وبما أنكم يا أبناء الله قد وعدتموه بأن تحفظوا السلام بينكم، وأن تُخْلصوا أكثر مما مضى بالمحافظة على حقوق الكنيسة؛ فإن عليكم.. أن تؤدوا مهمة ملحَّة لكم ولله..: عليكم أن تسارعوا لمد يد العون لإخوانكم القاطنين في المشرق..، يا خزينا ويا عارنا إذا ما انتصر من يتسم بهذه الحقارة.. على شعب أنعم الله القدير عليه بالإيمان”!
وبين العهدة العُمَرية لأهل القدس -التي التزم بها وبنظائرها الفاتحون المسلمون- والنفَس التحريضي والانتقامي الذي قامت عليه الحروب الصليبية؛ تأسست علاقات السلم والحرب بين أمّتين متجاورتين، لكن ظل الفارق الرئيسي بين نموذجيْ ممارساتهما هو المبادئ والقواعد المجرَّدة -أو العمرانية إذا التزمنا بمصطلح الإمامين الليث وابن لَهيعة- الحاكمة والضابطة للتعايش المشترك.
ومع إدراك أن ثمار السلام مخالفة لأوزار الحرب؛ فإن احترام المواثيق والنظام العام كان ينعكس بالإيجاب على مناخ الحياة العامة، وفوق كل ذلك التوجهات الطيبة التي اتسم بها عموما التعامل الاجتماعي -بتشجيع من تعاليم الإسلام- من مخالطة ومصاهرة ومبايعة ومجاورة، فكلها كانت كفيلة برفع سقف الحد الأدنى من التعايش.
أما لدى قادة الحملات الصليبية الممتدة من الأندلس إلى الشام؛ فقد قامت النظرة إلى المسلمين على عُقدة انتقامية كثيرا ما جَعلت المساجد إصطبلات، اقتداءً بما فعل ملك البيزنطيين سنة 354هـ/966م حين “جعل جامع طَرَسوس (تقع اليوم جنوبي تركيا) إصطبلاً وأحرق المنبر”؛ كما في ’صلة تاريخ الطبري’ لعريب بن سعد القرطبي (ت 369هـ/980م).
واليوم في ظل العدوان الإسرائيلي المدمر على قطاع غزة بشرا وحجرا، بما في ذلك دُور العبادة الإسلامية والمسيحية التي راح -وفقا لآخر إحصائية فلسطينية رسمية (1/1/2024)- 335 من مقراتها ضحية للتدمير الكلي أو الجزئي؛ يرى هذا المقال أننا في لحظة مواتية للتوقف عند هذه الظاهرة في سياقاتها التاريخية والحضارية.
وبالتالي يسعى لرصد ظاهرة الصراع على دُور العبادة في كتب التاريخ والتراث مستحضرا طبيعة عصر “الفتوح والسِّيَر” (= المكافئ الدلالي تراثيًّا لمفهوم “العلاقات الدولية” اليوم)، والجدلِ الدائر بشأنها منذ العصور الأولى، مع إشارة إلى ضوابط ذلك في الفقه، وإلماعات عن العدل الإسلامي والتعايش الديني الذي ميز المنطقة الأهم في بلاد المسلمين، من غير إغفال للأبعاد السياسية والرمزية للموضوع.
سابقة تأسيسية
كان موقف الإسلام الحاسم من مظاهر الانحراف العقدي حاجزا نفسيا لدى المسلمين يمنعهم من إقامة شعائر دينهم في دُور عبادة الغير، لما يكون في تلك الدُّور من مظاهر تخالف عقائد الإسلام؛ لكن هذا الموقف حسمه الحديث النبوي الذي رواه الصحابي طَلْقٌ بن علي الحنفي اليمامي فقال: “خرجنا وفدا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فبايعناه وصلينا معه، وأخبرناه أن بأرضنا بِيعة (= كنيسة) لنا..، فقال: «اخرجوا فإذا أتيتم أرضكم فاكسروا بِيعتكم.. واتخذوها مسجدا»..، فخرجنا حتى قدمنا بلدنا فكسرنا بيعتنا.. واتخذناها مسجدا فنادينا فيه بالأذان”؛ (سُنن النَّسائي ت 303هـ/915م).
وهكذا كانت واقعة كنيسة بني حنيفة في اليمامة (= منطقة الرياض بالسعودية) أول نموذج تاريخي مقارب للظاهرة التي نتحدث عنها في هذا المقال، ولما كان تحويلها إلى مسجد جاء بأمر نبوي فقد رأى علماء الإسلام أن الحديث “يدل على جواز اتخاذ البِيَعِ مساجدَ، وغيرُها من الكنائس ونحوِها مُلحَقٌ بها بالقياس”؛ حسبما أورده الإمام الشوكاني (ت 1250هـ/1834م) في ’نيل الأطوار’.
لكن هؤلاء العلماء فرقوا في جواز تحويل الكنائس وغيرها إلى مساجد -أو لأيّ مرافق عامة أخرى- بين حالتيْ “فتح العَنْوَةً” (السيطرة على البلاد بالقهر) و”فتح الصُّلْح” (السيطرة على البلاد بالتفاوض)؛ فالأولى أمرها إلى المسلمين إن شاؤوا غيروا وظيفتها أو تركوها على حالها، وأما الثانية فيلتزمون فيها بما وقعوا عليه من شروط تصالح مع أهل الأرض من غير المسلمين. لكن مهما كان نوع الفتح فقد ظل مكفولا -بل ومَحْمِيًا- حقُّ العبادة لغير المسلمين وتحاكمهم إلى شريعتهم، ولم تنل منهما غالبا ظروف الحرب والصراع.
ومبدأ التفريق -في الحكم الشرعي/القانوني- بين أرض العَنْوَة والصلح متفق عليه بين العلماء، لكن اختلافهم يكثر في طبيعة فتح بعض الأقاليم والمدن: هل فُتحت صلحا أم عَنوة؟ وعلى تحديد ذلك ينبني الخلاف الفقهي الواقع مثلا في أرض مصر بين من يرى أنها فتحت صلحا بناءً على صلح عُبادة بن الصامت (ت 34هـ/654م) مع حاكمها المُقَوْقِس (ت 41هـ/642م) الذي يعمّمونه على مصر؛ ومَن يقول إنها فتحت عنوة استنادا إلى اقتحام المسلمين لبعض حصونها الممتنعة، وفريق ثالث يرى أن بعضها فُتح عَنوة وبعضها فُتح صلحا؛ وفقا لشيخ الأزهر أحمد الدَّمَنْهوري (ت 1192هـ/1778م) في ’إقامة الحجة الباهرة‘.
كما ظلت مقتضيات هذا التفريق محكومة بالقواعد التي أسَّس الإسلام بها نظريا لحماية المعابد بقول الله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا}؛ فقد نقل الفخر الرازي (ت 606هــ-) -في تفسيره ’مفاتيح الغيب’- عن إمام المفسرين ابن عباس (ت 68هـ/688م) أن من معاني الدفع المذكور في الآية أن الله “يدفع بدين الإسلام وبأهله عن أهل الذمة”!!
وفي هذا التفسير نفسه لمحة مهمة تجعل أهل الأديان السماوية “جبهة دينية” موَّحدة لمواجهة غيرهم من اللادينيين، وإلا -كما يقول الرازي- “لاستولى أهلُ الشرك على أهل الأديان وعطّلوا ما يبنونه من مواضع العبادة، ولكنه دفع عن هؤلاء بأن أمر بقتال أعداء الدين ليتفرغ أهلُ الدين للعبادة وبناء البيوت لها، ولهذا المعنى ذكَرَ الصوامعَ والبِـيَعَ والصلواتِ وإن كانت لغير أهل الإسلام”!! ولذلك رأى العلامة رشيد رضا (ت 1353هـ/1935م) -في ’تفسير المنار’- أن ما تضمنته هذه الآية “سبب ديني عام صريح في حرية الدين في الإسلام وحماية المسلمين لها ولمعابد أهلها؛ وكذلك كان” الأمر عبر التاريخ الإسلامي.
مواقف تطبيقية
وفي الواقع التطبيقي؛ يلخص صورةَ الوفاء والعدل الإسلامييْن -بمقتضيات الصلح مع غير المسلمين- كتابا عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد (ت 21هـ/642م) لأهل الشام؛ فقد روى الطبري (ت 310هـ/923م) -في تاريخه- أنه لمّا عاهد الفاروقُ عمرُ أهلَ القدس “أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمهم وبريئهم وسائر ملتهم، أنه لا تُسكَن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرَهون على دينهم، ولا يُضارّ أحد منهم، ولا يَسكُن بإيلياء معهم أحد من اليهود”. وفي ’تاريخ دمشق’ لابن عساكر (ت 571هـ/1175م) أن “خالد بن الوليد كتب لأهل دمشق: هذا كتاب من خالد بن الوليد لأهل دمشق، أني آمنتهم على دمائهم وأموالهم وكنائسهم”.
وقد نهج هذا الطريق بعدهما الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز (ت 101هـ/720م) الذي كتب إلى أحد وُلاته -وفقا لابن أبي شيبة (ت 235هـ/849م) في ‘المُصنَّف‘- قائلا: “لا تهدم بِيعة ولا كنيسة ولا بيتَ نارِ صولحوا عليه”! والحق أن عمر كان في رأيه هذا ممتثلا لقيَم واقعية ومُثُلٍ طبقها هو بنفسه عندما كان يحمي الكنائس وينتصر للحق إن كان مع أهلها.
ففي كتاب ’الأموال’ للإمام القاسم بن سلّام (ت 224هـ/838م) عدة وقائع تؤكد ذلك، ومنها ما رواه عن علي بن أبي حملة (ت 156هـ/773م) أنه قال: “خاصمَنا عجمُ أهلِ دمشق إلى عمر بن عبد العزيز في كنيسة كان فلان قطعها (= منحها) لبني نصر بدمشق؛ فأخرجَنا.. منها وردها إلى النصارى، فلما ولِي يزيد بن عبد الملك (ت 105هـ/724م) ردها على بني نصر وأخرج منها النصارى”.
ويعلق ابن سلام على تلك الوقائع بقوله: “إنما حكم عمر بن عبد العزيز بكنائسهم ومنازلهم لهم لأنها من حقوقهم ودينهم مع الصلح، ولو كان شيء [منها] للمسلمين فيه [حقٌّ] ما دخل في الصلح وكان المسلمون أولى به، مثل الذي فعل عمر بن الخطاب بمسجد بيت المقدس، وإنما افتتح البلاد صلحا ثم حال بين أهل الذمة وبين المسجد، ولم يَرَ لهم فيه حقا”.
ومن نماذج التعايش الديني في تجاور المعابد الإسلامية والمسيحية ما حكى لنا المؤرخ الدمشقي ابن كثير (ت 774هـ/1373م) تفاصيله عبر سرده المطول للمراحل التي مَرَّ بها الجامع الأموي؛ وخلاصتها أن المسلمين لما فتحوا الشام ودمشق 14هـ/636م “أقرّوا أيدي النصارى على أربع عشرة كنيسة، وأخذوا منهم نصف هذه الكنيسة التي كانوا يسمونها كنيسة مَرْيُحَنّا (= القديس مارْ يوحنّا المَعْمَدَان)، بحكم أن البلد فتحه خالد [بن الوليد] من الباب الشرقي بالسيف، وأخذت النصارى الأمان من أبي عبيدة (بن الجراح ت 18هـ/639م)، وكان على ‘باب الجابية‘ (= اليوم ‘سوق الذراع‘ جنوب الجامع الأموي) الصلحُ؛ فاختلفوا ثم اتفقوا على أن جعلوا نصف البلد صلحا ونصفه عَنوة، فأخذوا نصف هذه الكنيسة الشرقي فجعله أبو عبيدة مسجدا يصلي فيه المسلمون”.
ويضيف ابن كثيرا مبينا عمق التعايش والاحترام المتبادل بين الفئتين: “كان المسلمون والنصارى يدخلون هذا المعبد من باب واحد، وهو باب المعبد الأعلى من جهة القِبلة مكان المحراب الكبير..؛ فينصرف النصارى إلى جهة الغرب إلى كنيستهم، ويأخذ المسلمون يَمْنَةً إلى مسجدهم”. ولم يكن انتقال هذا المعبد إلى مسجد بالكامل بالأمر الهين؛ يقول ابن كثير: “ثم لم يزل الأمر على ما ذكرنا من أمر هذه الكنيسة شطرين بين المسلمين والنصارى، من سنة أربع عشرة إلى سنة ست وثمانين..، وقد صارت الخلافة إلى الوليد بن عبد الملك (ت 96هـ/715م) في شوال منها، فعزم الوليد على أخذ بقية هذه الكنيسة وإضافتها إلى ما بأيدي المسلمين منها، وجعْلِ الجميعِ مسجدا واحدا”.
لكن الوليد حين عزم على جعل المعبد الدمشقي مسجدا خالصا للمسلمين لم يطرد المسيحيين من كنيستهم، وإنما خاض وإياهم مفاوضات ومعاوضات واحتكم إلى القوانين والعهود الموقَّعة معهم قبله بثمانية عقود حتى تم له ما أراد؛ فقد طلب الخليفة الأموي “النصارى وسأل منهم أن يخرجوا له عن هذا المكان، ويعوضهم إقطاعات كثيرة وعرضها عليهم، وأن يبقى بأيديهم أربع كنائس لم تدخل في العهد (= اتفاق صلح الفتح)..، فأبوا ذلك أشدَّ الإباء”.
ولما لم تُجْدِ معهم هذه العروض، قال لهم الخليفة: “ائتوني بعهودكم التي بأيديكم من زمن الصحابة، فأتوا بها فقُرئت بحضرة الوليد؛ فإذا كنيسة توما.. لم تدخل في العهد، وكانت -فيما يقال- أكبر من كنيسة مَرْيُحَنّا؛ فقال الوليد: أنا أهدمها وأجعلها مسجدا، فقالوا: بل يتركها أمير المؤمنين وما ذكر من الكنائس، ونحن نرضى ونطيب له نفسا ببقية هذه الكنيسة (= كنيسة مَرْيُحَنّا)، فأقرّهم على تلك الكنائس، وأخذ منهم بقية هذه الكنيسة” فجعلها كلها مسجدا، وهو الذي اشتهر حتى الآن بـ”الجامع الأموي” في دمشق.
اقتداء أندلسي
وعلى غرار التعايش الديني في دمشق؛ سارت الأندلس التي ورثت كثيرا من التقاليد الشامية في الثقافة والسياسة والاجتماع الديني؛ فابن عذاري المراكشي (ت بعد 712هـ/1312م) يقول -في ’البيان المُغْرِب’- إنه “لما افتتح المسلمون الأندلس استدلوا بما فعل أبو عبيدة وخالد.. عن رأي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.. من مشاطرة الروم في كنائسهم، مثل كنيسة دمشق وغيرها مما أخذوه صلحا؛ فشاطر المسلمون أعاجمَ قرطبة في كنيستهم العظمى التي كانت بداخلها، وابتنى المسلمون في ذلك الشطر مسجدا جامعا، وبقي الشطر الثاني بأيدي الروم”.
وكما صيّر خليفة أموي معبد دمشق خالصا للمسلمين بمراضاة مسيحيّيها؛ سعى أمير أموي آخر لجعل جامع قرطبة خالصا للمسلمين عبر مفاوضات ومعاوضات مع المسيحيين فيها سنة 169هـ/786م. ويضيف ابن عذاري: “فلما كثر المسلمون بالأندلس، وعمرت قرطبة ونزلها أمراء العرب بجيوشهم؛ ضاق عنهم ذلك المسجد.. فنالـ[ـت] الناسَ من الضيق مشقةٌ عظيمة، فلما دخل عبد الرحمن بن معاوية (= عبد الرحمن الداخل ت 172هـ/788م) الأندلس وسكن قرطبة، نظر في أمر الجامع وتوسيعه وإتقان بنائه؛ فأحضر أعاجمَ قرطبة وسألهم بيع ما بقي بأيديهم من الكنيسة المذكورة، وأوسع لهم البذل فيه وفاءً بالعهد الذي صولحوا عليه؛ وأباح لهم بناء كنائسهم التي كانت هُدمت عليهم في وقتَ الفتح بخارج قرطبة. وخرجوا عن الشطر؛ فاتخذه وأدخله في الجامع الأعظم”.
وتعويض الحكام المسلمين للمسيحيين عن كنائسهم أمر ظل شائعا بمختلف الأقطار الإسلامية التي يقطنها مسلمون ومسيحيون؛ ففي ’المواعظ والاعتبار’ للمقريزي (ت 845هـ/1442م) -الذي أرَّخ بالتفصيل لكنائس المسيحيين وكُنُسِ اليهود كما أرخ لمساجد المسلمين- أنه كان من كنائس القاهرة “كنيستا الخندق [في] ظاهر القاهرة..، وعُمِّرت هاتان الكنيستان عوضاً عن كنائس المَقُسّ (= المقابر) في الأيام الإسلامية”!!
ولا يعدم المطالع لكتب التاريخ وجود كنائس تركها المسلمون لأهلها كلها أو بعضها؛ كما جاء في ’فتوح البلدان’ للبُلاذري (ت 279هـ/892م) في شأن فتح اللاذقية أن قوما من سكانها المسيحيين هربوا منها “ثم طلبوا الأمان.. وتُركت لهم كنيستهم، وبنى المسلمون باللاذقية مسجدا جامعا بأمر [قائدهم الصحابي] عُبادة بن الصامت”. وروى أيضا أنه لما كان “عمّار بن ياسر (ت 37هـ/657م).. عامِلَ عمر بن الخطاب على الكوفة.. أتاه أهل هذه الحصون (= حصون بغربي العراق) فطلبوا الأمان، فأمنهم واستثنى على أهل هِيتْ نصفَ كنيستهم”.
نموذج عثماني
كان من أشهر الكنائس التي حولها المسلمون إلى مسجد كنيسة آيا صوفيا التي تختص برمزية دينية وحضارية وسياسية لدى المسلمين والمسيحيين؛ فأما رمزيتها لدى المسيحيين فقد عبر عنها قديما أبو الحسن الهروي السائح (ت 611هـ/1214م) -في ‘الإشارات إلى معرفة الزيارات’- حين وصفها بأنها “الكنيسة العظمى عندهم، ويقولون: بها مَلَك من الملائكة مقيم بها”!! كما أجاد التعبير عنها حديثا مؤرخُ الحضارات ول ديورانت بقوله إن آيا صوفيا “أشهر مزار في العالم المسيحي”!! علاوة على أنها تقع في قلب عاصمة الإمبراطورية البيزنطية التي اعتبرها ديورانت “الحصن الذي طالما حمى أوروبا من آسيا أكثر من ألف سنة”!
وأما أهميتها عند المسلمين فنابعة من كونها دُرَّة تاج مدينتها القسطنطينية التي بشر النبي (ص) فاتحها بالمغفرة؛ فجاء في الحديث الذي رواه البخاري (ت 256هـ/870م) في صحيحه: «أولُ جيش من أمتي يغزو مدينة قيصر مغفورٌ لها»، و‘مدينة قيصر‘ هنا تعني القسطنطينية؛ كما في ’فتح الباري‘ لابن حجر (ت 852هـ/1449م). وجاء في الحديث الذي رواه أحمد (ت 241هـ/855م) -في ‘المسند‘- والحاكم (ت 405هـ/1015م) في ‘المستدرك‘: «لتُفتحَنَّ القسطنطينيةُ؛ فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش».
وهذه البشائر النبوية ربما تفسر لنا كثرة محاولات فتح هذه المدينة عبر العصور الإسلامية، حتى إن “المسلمين حاصروا القسطنطينية إحدى عشرة مرة.. منها سبع في القرنين الأولين للإسلام”؛ حسب محمد فريد باشا (ت 1338هـ/1919م) في ’تاريخ الدولة العَلِيَّة العثمانية’. واستمرت تلك المحاولات إلى عهد السلطان العثماني محمد الثاني (ت 886هـ/1481م) الذي استطاع جيشه فتح المدينة يوم 21 جمادى الأولى 857هـ/29 مايو-أيار 1453م، وبسببه نال لقب “الفاتح” الذي صار وصفا ملازما لاسمه في الأدبيات العثمانية.
ورغم أن القسطنطينية فُتحت عَنْوَةً بقوة السلاح؛ فإن محمد الفاتح لم يَسِرْ مع مقدسات المدينة سيرة معاصريه من القادة المسيحيين في الأندلس وغيرها بمحو كل الآثار الإسلامية والمعالم الدينية للمسلمين، بل حمى حقوقهم وكنائسهم؛ فإنه لما دخل المدينة “زار كنيسة آيا صوفيا وأمر بأن يؤذَّن فيها بالصلاة إعلانا بجعلها مسجدا جامعا للمسلمين، وبعد تمام الفتح.. أعلن في كافة الجهات بأنه لا يعارِض في إقامة شعائر ديانة المسيحيين، بل إنه يضمن لهم حرية دينهم وحفظ أملاكهم؛ فرجع من هاجر من المسيحيين وأعطاهم نصف الكنائس وجعل النصف الآخر جوامع للمسلمين”؛ وفقا لرواية فريد باشا.
ولم يكتف محمد الفاتح بذلك بل أشرف بنفسه على انتخابات ديمقراطية لاختيار زعيم ديني للمسيحيين يتمتع بكامل الحقوق الدينية والمدنية؛ فقد جمع الفاتحُ “أئمةَ دينهم لينتخبوا بطريقاً لهم فاختاروا جورج سكولاريوس، واعتمد السلطان هذا الانتخاب وجعله رئيسا لطائفة الأروام، واحتفل بتثبيته بنفس الأبهة والنظام الذي كان يُعمل للبطارقة في أيام ملوك الروم المسيحيين، وأعطاه حرسا من عساكر الإنكشارية (= الجيش العثماني)، ومنحه حق الحكم في القضايا المدنية والجنائية” الخاصة بهم. وتقديرا لصنيع الفاتح هذا؛ بإمكان المرء مقارنته بما فعله الصليبيون من تدنيس لكنيسة آيا صوفيا في الحملة الصليبية الرابعة (600هـ/1202م-604هـ/1204م).
دوافع الأضغان
كانت الحروب الصليبية حروبا دينية مدفوعة بالتعصب والحنق على الإسلام بوصفه دينا، فسعى محاربوها -بتوجيه من البابوات والقساوسة- إلى محو معالمه ورموزه الدينية وفي مقدمتها المساجد؛ ولذلك كان أول عملهم عند استيلائهم على القدس 492هـ/1099م هو تحويل قبة الصخرة إلى كنيسة، حسبما يحدثنا به أبو شامة المقدسي (ت 665هـ/1267م) -في ‘كتاب الروضتين‘- حيث يقول: “قال العماد [الأصفهاني]: وأما الصخرة المقدسة فإن الفرنج كانوا بنوا عليها كنيسة.. وقد زينوها بالصور والتماثيل..، فأمر السلطان [صلاح الدين الأيوبي] بكشف نقابها.. وقشر رخامها ومحي صورها.. فعادت كما كانت”.
وحين أخذ الصليبيون دمياط بمصر سنة 616هـ/1219م “قتلوا وأسروا مَن بها وجعلوا الجامع كنيسة”؛ كما يقول الملك المؤيد في ’المختصر’. وتلاقينا في رحلة ابن جُبير الأندلسي (ت 588هـ/1192م) زفراتٌ لاذعة عند ذكره لعكَّا التي زارها في جمادى الآخرة 580هـ/1184م؛ فقال عنها: “هي قاعدة مدن الإفرنج بالشام..، والمشبَّهة في عظمها بالقسطنطينية..، انتزعها الإفرنج من أيدي المسلمين في العشر الأُوَّل من المئة السادسة، فبكى لها الإسلام ملء جفونه..، فعادت مساجدُها كنائسَ وصوامعُها (= مآذنها) مضاربَ للنواقيس”.
ثم تغيرت حال عكا بعد زيارة ابن جبير لها بثلاث سنوات فقط، فتحقق حلمه بعودتها إلى حوزة الإسلام بجهود صلاح الدين الأيوبي؛ فابن الأثير يروي -في ’الكامل’- أن المسلمين دخلوا عكا “يوم الجمعة مستهل جمادى الأولى (583هـ/1187)، [فـ]ـصلوا بها الجمعة في جامع كان للمسلمين قديما ثم جعله الفرنج بِيعة، ثم جعله صلاح [الدين] جامعا؛ وهذه الجمعة أولُ جمعة أقيمت بالساحل الشامي بعد أن ملكه الفرنج” سنة 492هـ/1099م!!
ويبدو أن وقائع تحويل المساجد بمصر والشام إلى كنائس يمكن إحصاؤها لأن أغلبها عاد إلى وضعه الطبيعي؛ أما المساجد التي تم “تنصيرها” في الأندلس وصقلية فلا يمكن حصرها لأنه شملها جميعا وكانت بالآلاف. وقد حدثنا الرحالة الجغرافي ابن حوقل الموصلي (ت بعد 367هـ/977م) ضمن مشاهداته في صقلية -حين زارها وهي تحت سلطان المسلمين سنة 362هـ/973م- عن عظمة المسجد الجامع بالعاصمة ‘بَلَرْم‘ (= باليرمو)، وقدم لنا إحصاء بعدد المساجد فيها فيقول “ويدلّ على قدرهم وعددهم صفة مسجد جامعهم ببَلَرْم، وذلك أنّي حزرت المجتمِع فيه -إذا غصّ بأهله- [فـ]ـبلغ سبعة آلف رجل ونيّفا”.
ولكن هذه المساجد الوفيرة في صقلية أعقبها من طمس المعالم ما أخبرنا عنه ابن جبير حين زارها بعد ابن حوقل بقرنين؛ فقال: “وفي مدة مقامنا بهذه البلدة (= إحدى جزر صقلية) تعرَّفنا ما يؤلم النفوسَ تعرُّفه من سوء حال أهل هذه الجزيرة [من المسلمين]..، وما هم عليه معهم من الذل والمسكنة”. وكان من صور الإكراه الديني والقهر الحضاري في صقلية والأندلس ما حكاه في “قصة اتفقت في هذه السنين القريبة لبعض فقهاء مدينتهم.. ويُعرف بابن زرعة.. [فقد] أظهر فراق دين الإسلام والانغماس في دين النصرانية..، وكان له مسجد بإزاء داره أعاده كنيسة..، ومع ذلك فأعلمنا أنه يكتم إيمانه فلعله داخل تحت الاستثناء في قوله [تعالى]: ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾”.
تنصير مطرد
ويُبدي ابن حوقل انبهاره بالعدد الكبير من المساجد التي رآها في صقلية على صغر مساحتها، مقارنا إياها بكبرى حواضر الأندلس قرطبة؛ فيقول إن مساجد صقلية “نيّف وثلاثمئة مسجد يتواطأ أهل الخبرة منهم في علمها..، ولم أرَ لهذه العدّة من المساجد بمكان ولا بلد.. شَبَهاً، ولا سمعتُ من يدّعيه إلّا ما يتذاكره أهلُ قرطبة من أنّ بها خمسمئة مسجد، ولم أقف على حقيقة ذلك من قرطبة.. وأنا محقّقُه بصقلّية لأنّي شاهدت أكثره”.
وهذا الأمر الذي لم يتحقق منه ابن حوقل نجد تحقيقه في المصادر الأندلسية التي اهتمت بتسجيل إحصاءات دقيقة للمساجد في كبريات مدن الأندلس؛ فقد نقل المقّري (ت 1041هـ/1632م) -في ’نفْح الطيب‘- عن “بعض مَن أرّخ الأندلس قال: انتهت مساجد قرطبة أيّام عبد الرحمن الداخل (= 138هـ/755م-172هـ/788م) إلى أربعمئة وتسعين مسجداً، ثم زادت بعد ذلك كثيراً”، ثم تصاعدت أيام دولتيْ المرابطين والموحدين -وقد جاءت أولاهما بعد ابن حوقل بقرن- حتى قيل إن عددها “ثلاثة آلاف وثمانمئة وسبعة وثلاثون مسجداً”!!
وهذه المساجد الكثيرة في قرطبة وسائر حواضر الأندلس تحولت إلى كنائس أو إصطبلات للخيول؛ فقد كان “تنصير المساجد” من الأولويات الملحّة عند المسيحيين الإسبان فيما سمَّوْه “حرب استرداد” الأندلس من المسلمين، بدءا من مدينة “طليطلة أعادها الله تعالى [التي كانت] من أول ما أخذ الكفارُ من المدن العظام بالأندلس”؛ بتعبير المقري. وذكر الوزير الغرناطي ابن الخطيب (ت 776هـ/1374م) أنه لما استولى ألفونسو السادس (ت 502هـ/1108م) على طليطلة سنة 478هـ/ 1085م “حبّب التنصر إلى عامة طَغامها (= عوامّها)..، وشرع في تغيير الجامع [إلى] كنيسة” سنة 496هـ/1102م.
ويسجل عميدُ الدراسات الأندلسية بمصر محمد عبد الله عنان -في كتابه ’دولة الإسلام في الأندلس’ نقلا عن المصادر الغربية- حقيقةَ مسارعة المسيحيين لتحويل الكنائس إلى مساجد بالأندلس؛ فيقرر أنه صار “شعارهم كلما دخلوا قاعدة أندلسية، وذلك إيذاناً بظفر النصرانية على الإسلام”. فعندما استولى المسيحيون البرتغال على لشبونة 542هـ/1147م “حُوِّل مسجدها الجامع إلى كنيسة”. وكذلك حصل حين أسقط نظراؤهم الإسبان -سنة 573هـ/1177م- مدينة قونقة التي “اضطرت.. إلى التسليم إلى ملك قشتالة..، وفي الحال حُوّل مسجدها الجامع إلى كنيسة”. ثم تكرر الأمر 623هـ/1226م لما دخلوا ‘حصن قبالة‘ شمال قرطبة بعد اتفاق وصلح، لكن المسيحيين حولوا “مسجده إلى كنيسة ووضعـ[ـوا] به حامية نصرانية”.
أما مسجد قرطبة فيفيدنا عنان بالمراسم الدينية التي اتُّخذت سريعا -بإشراف من رأس الدولة- لتحويله إلى كاتدرائية كبرى 633هـ/1236م؛ فيقول إنه بمجرد أن “دخل الجندُ القشتاليون مدينة قرطبة.. رُفع الصليب على قمة صومعة (= مئذنة) جامعها الأعظم، ودخل أُسقفٌ.. إلى الجامع وحُوِّل في الحال إلى كنيسة. وفي اليوم التالي.. دخل فرناندو الثالث (= ملك قشتالة ت 650هـ/1252م).. قرطبة ثم دخل الجامع، وهنالك استقبله.. رجال الدين وأقيم في الحال قُدّاس شُكْر بورِك فيه المَلِك”! وفي 643هـ/1265م “دخل القشتاليون مدينة جيّان العظيمة، وحُوِّل مسجدها الجامع في الحال إلى كنيسة..؛ [ثم] دخلها ملك قشتالة في موكب فخم وشهد القداس الذي أقيم في جامعها ابتهاجاً بالنصر”.
ولم تُهمل المراجع الغربية تفاصيل أخبار المساجد الكبرى المحوَّلة إلى كنائس في الأندلس؛ ففي ’قصة الحضارة’ للمؤرخ الأميركي وِل ديورانت أنه كانت للمسيحيين فيها “كنيسة كبرى؛ فلما تولى الخلافةَ (= الإمارة) عبد الرحمن الأول (= عبد الرحمن الداخل) ابتاعَ من المسيحيين أرض الكنيسة، وهدمها وشاد في مكانها المسجد الأزرق. ولما عادت إسبانيا إلى حكم المسيحيين حولوا المسجد إلى كنيسة في عام 1238م؛ وهكذا تتغير مقاييس التقى والصدق والجمال تبعاً لتقلبات الحظ في الحروب”!!
ويقول ديورانت إن مسجد إشبيلية العظيم المشيد 567هـ/1171م “لم يبقَ منه شيء في هذه الأيام..، [وقد] حوّل المسيحيون الفاتحون هذا المسجد إلى كنيسة (سنة 632هـ/1235م)؛ ثم هُدمت هذه الكنيسة في عام 1401م (= 804هـ)، وأقيمت مكانها كنيسة إشبيلية الكبرى، وكان مما استُخدم في بنائها مواد المسجد نفسه”!
شواهد المراثي
يخبرنا المقري -في ’نفح الطيب’- أن أهل الأندلس لم يزالوا “بعد ظهور النصارى.. على كثير منها يستنهضون عزائم الملوك والسوقة -لأخذ الثأر- بالنظم والنثر؛ فلم ينفعهم ذلك”. وإلقاء نظرة على المدونة الشعرية الأندلسية في “رثاء المدن” -وهو غرَض شعري استحدثه الأندلسيون مدفوعين بفجائع ظاهرة “تنصير المساجد”- نلاحظ حزنا عميقا على هذا التنصير الشامل. ومن ذلك قصيدة أوردها المقري ويبدو أنها كانت فاتحة مسلسل قصائد رثاء المدن الأندلسية؛ إذ يبكي بها قائلُها -وهو مجهول الاسم- سقوط مدينة طليلطة فيقول منها:
لِثُكْلِكِ كيف تبتــــــسم الثُّغـورُ ** سرورًا بعدما سُبِيَتْ ثُغـورُ؟!
لقد قُصِمتْ ظُهورٌ حِينَ قالوا: ** أميـرُ الكافــــرين له ظُهـورُ
طُليـــــطلةٌ أبـاحَ الكفــرُ منهـا ** حِمــــاهـا؟ إنّ ذا نبـأٌ كبـــيرُ
مساجـــــدُها كنائسُ! أيُّ قلبٍ ** على هـذا يَــقِــرُّ ولا يطــيرُ؟
فيا أسفـــاهُ يا أسفــــاهُ حُزنــاً ** يُكَرَّرُ ما تَكَــــرَّرتِ الدُّهـورُ!
ومثله قول ابن الأبَّار (ت 658هـ/1260م):
مدائنٌ حلَّها الإشـــــــراكُ مُبْتسِماً ** جذلانَ، وارتحـل الإيمانُ مُبْتئسا
يا للمساجد عادتْ لِلْـــــــعِدا بِـيَعاً ** وللنــــداءِ غدا أثنـــــاءَها جَـرَسا
لهْفي عليها إلى استرجاع فائتِـها ** مَدارساً للمـــثاني أصبحتْ دُرُسا
وكذلك قول أبي البقاء الرُّنْدي (ت 684هـ/1285م) في قصيدته المشهورة:
تبكي الحنيــفيةُ البيـــضاءُ من أسَفٍ ** كما بكى لفـراق الإلف هَيْــــــمَانُ
على ديار من الإســـــلام خالــــــيةٍ ** قد أقفرتْ ولها بالـــــكفر عُـمرانُ
حيث المساجدُ قد صارتْ كنائسَ ما ** فيــــهنَّ إلا نواقــــــيسٌ وصلـبانُ
حتى المحاريبُ تبكي وهي جــامدة ** حتى المنــابرُ تـَرثي وهي عيدانُ!
وتنتقل مراثي المدن من الأندلس إلى الشرق الإسلامي خلال حقبة الحملات الصليبية؛ إذ نجد لدى ابن واصل الحموي -في ‘مفرِّج الكروب‘- قطعة شعرية لابن الساعاتي الخراساني (ت 604هـ/1207م) قالها بمناسبة عقد “هدنة الرملة” سنة 588هـ/1192م بين الناصر صلاح الدين وقادة الصليبيين؛ ومنها مشيدا بحماية الناصر لمقدسات المسلمين:
سَلْ عنه “قلبَ الإنكتير” (= مَلِك الإنكليز) فإنّ في ** خفَــــقانه ما شئتَ من أنبائه
لولاك أَمَّ البــــيتَ غيــــرَ مُـــــــــــــــــــــــــــدافَعٍ ** وأسال سيلَ نداه في بطحائه
وبكـــــتْ جفــــــــونُ القـــــــدس ثانـــــــــــيةً دماً ** لِـترنُّم النـــــاقوسِ في أفنائه
وبعده بقليل يلاقينا معاصره الشاعر شرف الدين ابن عُنَيْن الحراني (ت 630هـ/1232م) وهو يبكي سقوط دمياط المصرية 616هـ/1219م في أيدي الصليبيين وتحويلهم جامعها إلى كنيسة:
وبِثَــغْــــرِ دمياطٍ فكمْ من بـِيعَةٍ ** عُبِدَ الصليبُ بها وكانت مسجدا!حسم للجدل
لاحظ المؤرخ الشامي العلامة محمد كرد علي (ت 1372هـ/1953م) -في ’خطط الشام’- أن التسامح الإسلامي مع معابد أهل الكتاب لم يقتصر على زمن الراشدين، وأنه لم “تزل سيرة خلفاء بني أمية وبعض بني العباس مع النصارى وكنائسهم سيرة الخليفة الثاني والفاتحين من الصحابة الكرام”. وينقل عن ابن عساكر قوله إن الخليفة أبا جعفر المنصور (ت 158هـ/775م) “بنى.. كنيسة في دمشق لبني لبني قطيطا [في] الفورنق (= موضع يمثله اليوم ‘حي الجورة‘ بدمشق)”.
وعلى خطى جده المنصور سار الخليفة المأمون (ت 218هـ/833م)؛ إذ يروي عماد الدين الأصبهاني (ت 597هـ/1200م) -في ‘البستان الجامع‘- أنه سمح لبعض موظفيه من النصارى ببناء كنيسة في مصر حين زارها سنة 216هـ/831م؛ يقول العماد: “وكان في خدمته نصارى بعُدت عنهم الكنائس بقصر الشمع فاستأذنوه في بناء كنيسة، فأذِن لهم فبنوا كنيسة القنطرة المعروفة”. ومما أورده كرد علي في هذا الصدد أنه “لما وقع حريق في كنيسة مريم بدمشق أيام أحمد بن طولون (270هـ/884م) أمر أن تُفرَّق على أهل الحريق سبعون ألف دينار (= اليوم 12 مليون دولار أميركي تقريبا)” لتعويض خسائرهم.
ويذكر ابن كثير -في ‘البداية والنهاية‘- اسم كنيستين أحدِثتا بعد فتح دمشق معيِّنا موقعهما ومحددا مصير كل منهما قائلا إنها “جُعلت مسجدا”. ويذكر الأصبهاني -في ’البستان الجامع‘- أن المسلمين في الرملة بفلسطين عمدوا سنة 309هـ/922م “إلى كنيسة يماري فهدموها، وهدموا كنيسة قيساريّة وكنيسة خارج حمص، فشكا النصارى إلى [الخليفة] المقتدر (320هـ/932م) فأمرهم ببُنيانها”.
وقد رأينا ما نقله المقريزي -في ’المواعظ والاعتبار’ أثناء تعريفه بكنائس مصر- بشأن الجدل الإسلامي الدائر بين علماء التابعين حول بناء كنائسها، وكيف أن الإمامين الليث بن سعد وابن لَهيعة عدوه من “من عمارة البلاد، واحتجّا بأن الكنائس التي بمصر لم تُبْنَ إلّا في الإسلام في زمن الصحابة والتابعين”!! فأي منقبة في التسامح الديني أعظم من أن تكون كنائس المسيحيين لم تبن إلا في العصر الإسلامي؟!ٍ ومثلها في ذلك كنائس اليهود في مصر فهي حسب المقريزي نفسه “وجميع كنائس القاهرة المذكورة محدثة في الإسلام بلا خلاف”!!
ومن طرائف ما وقع من صور التعايش الديني ما ذكره العليمي -في ’الأنس الجليل’- بشأن “واقعة كنيسة اليهود”؛ وذلك أن ‘حارة اليهود‘ بالقدس كانت تضمّ “مسجدا للمسلمين عليه منارة، وهو بِلِصْق (= ملاصق) كنيسة اليهود من جهة القِبلة..، وبجوار المسجد.. دار من جملة أوقاف اليهود، فوقع المطر.. فهُدمت الدار المذكورة فكُشف بابُ المسجد من جهة الشارع المسلوك، فقصد المسلمون الاستيلاء على الدار المنهدمة، وأن يكون الاستطراق (= الوصول) إلى المسجد منها لكونها على الشارع المسلوك، فيكون أقرب للمصلين”.
كانت تلك رغبة المسلمين في حيازة مكان هم الأغلبية فيه خلال القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي؛ “فامتنع اليهود من ذلك، ورفعوا أمرهم للقضاة وأظهروا من أيديهم المستند الشاهد لهم باستحقاقهم للدار المذكورة، واتصل ثبوته بحكام (= قضاة) الشريعة؛ فنازعهم المسلمون في ذلك وزعموا أن الدار المذكورة من حقوق المسجد، وانتهى الحال إلى أن القضاة توجهوا بأنفسهم لكشف ذلك وتحريره فجلسوا بالمسجد المذكور”.
وكان صاحب العليمي حاضرا لذلك المجلس الذي ارتأى فيه القضاة المسلمون أن يُحرِّرَ “أمرَ الدارِ المذكورة المهندسون، وقُرئ المكتوب المُحضَر من أيدي اليهود فتبين أن الدار من جملة أوقاف اليهود وأن الحق لهم فيها، وانفصل المجلس على ذلك”. وقد استمرت المداولات بين فقهاء الإسلام في أمر هذا الكنيس اليهودي زمنا حتى توصلوا إلى موقف وسط، مثـّله حُكم أصدره قاضي الشافعية حينها وقال فيه: “أنا ما رفعت أيديهم عنها وإنما منعتهم من اتخاذها كنيسة، وهي مستمرة في أيديهم وأذنت لهم أن يتصرفوا فيها حانوتا”.
تحويل عكسي
عقد ولْ ديورانت في ’قصة الحضارة’ فصلا لتحليل نتائج الحروب الصليبية، ورأى أن من نتائجها “أن الحكومات الإسلامية -التي كانت من قبلُ تمتاز بالتسامح مع أصحاب الأديان الأخرى- قد ذهب عنها تسامحها بسبب الهجمات المتكررة على بلادها، ولم يبق في أيدي المسيحيين ثغر واحد من ثغور فلسطين والشام التي انتزعوها من قبل لتستقبل التجارة الإيطالية، وأثبتت الحضارة الإسلامية أنها أرقى من الحضارة المسيحية في رقتها، وأسباب راحتها، وتعليمها وأساليبها الحربية”.
وهذا كلام يصيب صميم الحقيقة؛ فكثيرا ما يُغفل السياق الصراعي والعنف المتوحش الممارس بحق المسلمين في لحظات الحرب، ونحن حين نتأمل وقائع التعايش الديني بين الشرقيين -مسلمين ومسيحيين- نرى أن الحروب الصليبية وآلامها ألقت بظلالها على ذلك التعايش الجميل، وخصوصا حين يتلقى عوام الناس الأخبار المتناقلة عن أوضاع الحواضر الإسلامية الواقعة في قبضة الصليبيين.
ولعل من أكثر المشاهد تعبيرا عن ذلك العنف الاجتماعي تلك الفتن الطائفية التي عانت منها بلدان إسلامية جراء هذا التوحش الصليبي الغربي؛ حيث ذكر المقريزي (ت 845هـ/1442م) -“في واقعة هدم الكنائس وحريق القاهرة ومصر” سنة 721هـ/1321م الذي شمل عدة كنائس وكثيرا من المساجد- أنه كان وراء هدم الكنائس “غوغاء العامّة بغير مرسوم [من] السلطان”. وقد ردّ المسيحيون على هدم كنائسهم بعد ذلك؛ إذ “لم يمض سوى شهر من يوم هدم الكنائس حتى وقع الحريق بالقاهرة ومصر في عدّة مواضع، وحصل فيه من الشناعة أضعاف ما كان من هدم الكنائس”.
وكما أسلفنا؛ لم تكن كل الأحوال ماضية على سنة التعايش الهادئ، فقد تخلل الوضع الذي يقدم التسامح والاستيعاب على المصادمة فترات -وإن كانت قليلة مقارنة بالمدى الزمني للتاريخ الإسلامي وبما فعله الآخرون- جرى فيها تحويل بعض المباني الدينية إما إلى مرفق عام أو إلى مسجد، ولم يكن ذلك وفق مخطط تطهيري أو إبادي كما حدث في الخبرات التاريخية الأخرى بحق المسمين، بل كان الدافع الأغلب فيها هو الضرورة الملحَّة التي تفرض الاحتكام إلى قواعد الصراع الديني السياسي أيامها، وفي كل الأحوال لم يؤثر هذا التحول غالبا على الوجود الديني للأقليات ولا على حرية العبادة وإقامة الشعائر التي كانت مصونة في زمن الحرب والسلم.
ومن تلك الكنائس التي صُيِّرت مساجد: كنيسة حماة؛ ففي ’المختصر في أخبار البشر’ لأبي الفداء (ت 732هـ/1331م) أنه “لما وصل أبو عُبيدة (بن الجراح) إِلى حماة خرجت الروم التي بها إِليه يطلبون الصلحَ، فصالحهم.. وجعل كنيستهم العظمى جامعاً”. ومنها كنيسة دارا (= بلدة بين نصيبين وماردين جنوبي تركيا اليوم) التي ارتحل إليها جيش الصحابة بقيادة عياض بن غَنْمٍ الفهري (ت 20هـ/641م) “فنزل عليها، وخرج إليه أهلها واعتقبوا (= نالوا) لهم منه صلحا..، وبنى كنيستهم جامعا”؛ كما في ’فتوح الشام’ للواقدي (ت 207هـ/823م). وفيه أيضا أن الفتح الإسلامي وصل سنة 22هـ/643م إلى قرقيسياء (= اليوم البصيرة شرقي سوريا)، وأن المسلمين حوّلوا فيها “الكنيسة العظمى -وهي بِيعة جرجيس- جامعاً، ولم يبرحوا حتى صلوا فيه”.
استثناء مستمر
وكذلك حُوّلت الكنيسة الكبرى في مَيَّافارِقِين (تقع اليوم بمحافظة ديار بكر التركية) إلى مسجد؛ فأتى السكان “بجميع ما عندهم من السلاح وسلموه للصحابة، فلما رأوا منهم صدق القول أسلموا -إلا قليلا منهم- وعملوا البِيعة الكبيرة جامعا”؛ وفقا لـ’فتوح الشام’. وقريبا من مَيَّافارِقِين؛ يفيدنا الواقدي بأن أهل مدينة آمد لما فتحها المسلمون 18هـ/639م “جمعهم الأمير [عياض بن غَنْم] إليه فاجتمعوا في ميدان المدينة، فقال لهم عياض: أما بعدُ فإن الله تعالى قد نصرنا عليكم..، ولولا أن الله جعل نبينا نبي الرحمة -وأسكنها قلوبَ المؤمنين- لأبَدْناكُم بالسيف..، وبنى البِيعة المعروفة جامعاً”.
ويذكر الواقدي أن المسلمين لم يأخذوا من مدن “ديار بكر بالسيف إلا رأس العين (تقع اليوم بالحسكة السورية)”، وحين فتحها عياض بن غنم “عمل بِيعة نسطوريا جامعاً وصلَّوا فيه، وبنوا الكنائس مساجد”. وفي فلسطين؛ يحدثنا العليمي الحنبلي (ت 928هـ/1522م) -في ’الأنس الجليل’- بأن مدينة “لُدّ” كان “فيها جامع مأنوس وكان كنيسة.. من بناء الروم”.
وأما في مصر التي راجت فيها المسيحية قبل الإسلام؛ فيقول الواقدي -في ’فتوح الشام’- إن قائد المسلمين لما فتحوا الإسكندرية 21هـ/642م “بنى فيها المساجد، وأخذ كنيستهم العظمى فجعلها جامعا وترك لهم أربع كنائس”. ويقول الواقدي أيضا إنه لما فُتحت جزر مصرية شرق دمياط “دخل المسلمون في المراكب إلى تِنِّيس (كانت تبعد 8 كم غرب بور سعيد اليوم) وبنوا موضع الكنيسة جامعا، وبنوا في جميع الجزائر جوامع”.
ولم يكن تحويل الكنائس إلى مساجد مقتصرا على أيام الفتح الأولى الذي تركز أساسا في مناطق “الثغور” على الحدود؛ ومن أقدم ما نلاقيه من ذلك ما أورده ابن حوقل -في ’صورة الأرض’- ضمن مشاهداته بجزيرة صقلية؛ فيذكر منها “المدينة الكبرى المسمّاة بَلَرْم (= باليرمو العاصمة).. وفيها مسجد الجامع الأكبر وكان بِيعة للروم قُبيل فتحها”.
وفي شمال الشام؛ يحدثنا ابن العديم (ت 660هـ/1262م) -في بُغية الطلب‘- أنه كان من نتائج حصار الصليبيين الخانق لحلب 518هـ/1124م تحويل قادتِها المسلمين كنائسَها إلى مساجد؛ فقال إنه “لمّا نزل الفرنج على حلب وحصروها.. كان [القاضي] أبو الفضل ابن الخشاب (ت 570هـ/1175م) حينئذ يتولى تدبير أمر المدينة في الحصار، فغيَّر كنائس النصارى بحلب واتخذ فيها محاريب إلى جهة القبلة وجعلها مساجد”.
وكان من الإجراءات التي اتخذها صلاح الدين الأيوبي (ت 589هـ/1193م) -عند استعادة القدس من الصليبيين سنة 583هـ/1187م- أنه “جعل الكنيسة التي في شارع [كنيسة] قُمامة (= كنيسة القيامة) بيمارستاناً (= مستشفى) للمرضى”؛ وفقا لابن واصل الحموي (ت 697هـ/1298م) في ‘مُفرِّج الكروب‘.
ولعصرنا نصيب
ويذكر اليونيني (ت 726هـ/1326م) -في ’ذيل مرآة الزمان’- أن الظاهِر بِيبَرْس (676هـ/1277م) أصدر سنة 664هـ/1265م قرارا “إلى العسكر بنهب قارا (تقع اليوم بالقَلَمون السورية) فنُهبت” بسبب خطف سكانها للمسلمين وبيعهم إياهم للصليبيين، وجعل “كنيستها جامعاً ورتب بها خطيباً وقاضياً”. ويضيف أن بيبرس لما أخذ حصن الأكراد -الذي هو اليوم “قلعة الحصن” بحمص السورية- “جُعلت كنيسته جامعاً وأقيمت فيه الجمعة”، كما بنى “بأنطاكية جامعاً موضع الكنيسة”.
ويصف الرحالة ابن بطوطة (ت 779هـ/1378م) مدينة أَيَا سُلوق (= اليوم مدينة ‘سلجوق‘ بإزمير التركية) المعظمة عند الروم؛ فيقول إن “المسجد الجامع بهذه المدينة من أبدع مساجد الدنيا..، وكان كنيسة للروم معظّمة عندهم يقصدونها من البلاد، فلمّا فُتحت هذه المدينة جعلها المسلمون مسجدا جامعا”.
والحق أنه مهما كان التقييم الموجَّه لتلك القرارات التحويلية التي تمت لدور العبادة غير الإسلامية فإنه لن ينزل أبدا إلى مستوى انحطاط الممارسات المشابهة في الزمن القديم، بل ولا نظائرها التي سجلها عصرنا الحديث: عصر “القانون الدولي” و”شرعة حقوق الإنسان”، ولخصها عنوان كتاب ’ودخلت الخيل الأزهر’ لمحمد جلال كشك (ت 1414هـ/1993م) الذي أرَّخ لواقعة اقتحام وتدنيس جيش القائد الفرنسي نابليون بونابرت (ت 1235هـ/1821م) لجامع الأزهر بمصر.
وفي “عصر الأنوار” كذلك؛ لم يتخلّ الفرنسيون -الذين قاد أسلافهم الحملات الصليبية القديمة وافتتحوا هم نظيرتها الاستعمارية المعاصرة- عن تحويل المساجد إلى كنائس أثناء احتلالهم الجزائر؛ فقد “وجد الأهالي الجزائريون أنفسهم.. مرغمين على البقاء تحت أشواك المسيحيين واليهود..، وحُوِّلت مساجدهم إلى كنائس”؛ كما يقول بسام العسلي (ت 1439هـ/2018م) في ‘سلسلة جهاد شعب الجزائر‘.
وفي عام 1426هـ/2005م؛ قالت ‘مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية‘ -في تقرير مفصل نشر موقع الجزيرة نت أهم مضامينه- إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي “هدمت منذ [استيلائها على فلسطين] عام 1948 أكثر من 1200 مسجد وحولت الكثير مما تبقى من مساجد إلى خمارات”، وذكر التقرير أسماء 18 مسجدا تم تحويلها إلى كُنُس ومعابد لليهود. كما أفاد الموقع نفسه بأن المهندس المعماري التركي محمد أمين يلماز رصد -في كتابه ‘الأبنية المعمارية التركية المحولة إلى كنائس‘- قيام 18 دولة كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية بتحويل 329 معلما أثريا تركياً -معظمها جوامع ومساجد- إلى كنائس!!
-الجزيرة نت