د. أحمد خالد توفيق
هناك قصة ممتعة عن جحا وابنه عندما أنذره من أن يضيع المال وهو عائد من السوق. أنذره ثم صفعه على وجهه بقوة.. ولما تساءل الناس: لماذا تصفعه وهو لم يضيع المال بعد؟.. قال لهم: لو صفعته بعد ضياع المال فلن أستفيد شيئاً، أما بهذه الطريقة فهو لن يضيع المال أبداً لأنه جرب ألم الصفعة. منطق ممتاز وأنا أجده معقولاً جداً..
عرف الأستاذ عفيفي صحة هذه القصة فيما بعد. كان يحب سمك الثعبان جداً، وبالطبع لا يجده بسهولة في المتاجر. ثم إنه وجده يباع في محل أسماك فابتاع منه كمية.
هكذا جلب السمك لزوجته السيدة “رتيبة”، وطلب منها أن تعده في صينية مع البطاطس. كان كمن يجلب لزوجته صينية من الزمرد والعقيق.. لابد أن ماجلان لم يتعامل مع التوابل والفلفل بهذا الحرص..
منذ هذه اللحظة بدأت معاناته.. معاناة الأستاذ عفيفي وليس ماجلان طبعا. يعرف جيدا أنها ستحرق الصينية.. لا يمكن للمرء أن يكون حذرا أكثر مما يجب وهو يعرف أن الناس جميعا حمقى… ذهب لزوجته وأنذرها من حرق السمك.. قالت له في غيظ إنها لا تحرق الطعام، فقال إن هذا سيحدث اليوم.
عاد يقرأ الجريدة.. ثم وجد أنه متوتر ولا يركز فيما يقرأ، فنزل إلى الشارع… عندما جلس في المقهى خطر له أنها سوف تعد أرزاً أحمر بدلاً من الأبيض.. سوف تقول له إذا اعترض: ألم تشترط أنت أن يكون الأرز أحمر؟.. وسوف يجن وهو يقسم أنه لم يقل هذا.. اتصل بها وقال بصوت سمعه المقهى كله:
“الأرز أبيض يا حمقاء!!.. هل فهمت؟”
وراح يقرأ الجريدة من جديد، ثم تذكر أنها بالتأكيد سوف تتخلص من قطع السمك التي تجدها دهنية أكثر من اللازم.. هذه المجنونة!
جرى إلى البيت يقتحمه وصاح في زوجته:
“لا تلقي بالدهن.. دهن السمك يحوي مادة أوميجا 3 وهو مفيد!”
نظرت له في دهشة وأكدت أنها لم تتخلص من دهن السمك قط من قبل..
كان متوتراً.. سوف تفسد كل شيء ولن يستطيع عمل أي شيء، ولسوف يلتهم نفسه من الغيظ… تلك البلهاء.. تلك البلهاء التي تملك عقل دجاجة..
مع الوقت شعر بأنه يكرهها بجنون وبأنه لا يطيقها، وبدأ يفكر جديا في أن يستل السكين ويقتلها.. لا.. سوف يشنق بلا سبب ولن يقتنع أحد بالمبررات.. فكر في أن يطلقها، لكن هذا يعني أنه لن يتناول وجبته المفضلة..
هكذا جلس في الصالة يتلوى من العذاب والقلق، وراح يدعو عليها ويتلو أدعية الرحمة على أمه التي كانت تؤمن بأن زوجته بلهاء لا خير فيها.
عندما جاء الطعام أخيرا نسي كل هذا.. لقد كانت طبخة موفقة فعلاً، وهكذا ظل يلتهم السمك حتى شعر بأنه موشك على الاختناق..
في اليوم الثاني ذهب للعمل. اتصل به عميل الشركة من اليابان يطلب صورة من أحد العقود، فقام يرسله له على الفاكس..
خطر له أن ذلك الأحمق سوف يصله الفاكس، وسوف يزعم أنه لم يستطع قراءته لأنه غير واضح.. شعر بدمه يغلي من الغيظ..
في النهاية اتصل بالعميل في اليابان، وعندما رفع سماعة الهاتف صاح فيه:
ـ”الفاكس واضح أيها الكذاب فلا تزعم العكس!”
ثم وضع السماعة راضياً..
ترى لماذا يتصرف الناس بحماقة؟.. لماذا يخذلونه؟.. لكنه لهم بالمرصاد..