يصادف هذا العام الذكرى الـ108 لاتفاقية سايكس بيكو، وهو تفاهم سري بين فرنسا وبريطانيا بموافقة الإمبراطورية الروسية على اقتسام الدول العربية الواقعة شرقي المتوسط، التي كانت تُعرف بمناطق الهلال الخصيب آنذاك، وتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تراجع دور الإمبراطورية العثمانية التي كانت تسيطر على هذه المنطقة، ووفقاً لموقع history extra بدأ التفاهم على هذه الاتفاقية في نوفمبر/تشرين الثاني 1915 وانتهى في 19 مايو/أيار 1916، ولم يكن العرب على علم بهذه الاتفاقية حتى نشرت الحكومة البلشفية في روسيا نصوصها أواخر عام 1917.
فما هي اتفاقية سايكس بيكو؟ وما هو مضمونها؟ وكيف تسبّب هذا الإرث الذي رسمته القوى الاستعمارية في إضاعة فلسطين والخلافات الحدودية والنزاعات العرقية والصراعات على السلطة في الدول العربية حتى اليوم؟
سايكس بيكو وتقسيم “الهلال الخصيب”
سرية المفاوضات
بحسب موسوعة britannica اكتسبت هذه الاتفاقية اسمها من الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، وتمت المفاوضات بشأن هذه الاتفاقية في جو من السرية والتكتم الشديد، حيث وقع تبادل وثائق التفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية في نوفمبر/تشرين الثاني 1915 وانتهى في 19 مايو/أيار 1916، ولم يُكشف عن الاتفاقية سوى بعد وصول الشيوعيين إلى الحكم في روسيا عام 1917.
تقسيم الكعكة
تم تعيين جورج بيكو، القنصل العام السابق لفرنسا في بيروت، كمندوب سامي لمتابعة شؤون الشرق الأدنى، ومفاوضة الحكومة البريطانية لتحديد مستقبل البلدان العربية.
سافر بيكو إلى القاهرة حيث التقى بمندوب بريطانيا لشؤون الشرق الأدنى، مارك سايكس، بإشراف مندوب روسيا.
وخلال الاجتماع، اقترح سايكس رسم خط يمتد من عكا في فلسطين إلى كركوك في العراق، وفقاً لما رواه الكاتب البريطاني جيمس بار في كتابه “خط في الرمال”، وهو الخطّ الذي شكّل أساساً لتقسيم الشرق الأوسط والنسيج القبلي والعشائري والانتماءات الدينية.
ونتج عن هذه المفاوضات والمراسلات اتفاقية سرية تعرف باسم “اتفاقية القاهرة”، ثم انتقل المجتمعون إلى بطرسبورغ الروسية حيث تم التوصل إلى اتفاقية ثلاثية تُعرف بـ”اتفاقية سايكس بيكو”، واتفقوا فيها على مناطق النفوذ لكل دولة.
التقسيم الذى نصت عليه الاتفاقية
وفقاً للاتفاق، حصلت فرنسا على الجزء الأكبر من بلاد الشام، وجزء كبير من جنوب الأناضول ومنطقة الموصل في العراق، بينما امتدت مناطق سيطرة بريطانيا من جنوب بلاد الشام شرقاً لتشمل بغداد والبصرة وجميع المناطق بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية.
تم تحديد المنطقة التي اقتطعت لاحقاً من جنوب سوريا “فلسطين”، لتكون تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بين بريطانيا وفرنسا لتمنح لاحقاً وبموجب وعد بلفور للصهاينة.
الاتفاق شمل أيضاً منح حيفا وعكا لبريطانيا، مع حرية استخدام ميناء حيفا لفرنسا، بينما منحت فرنسا لبريطانيا حق استخدام ميناء إسكندرون، الذي كان تحت سيطرتها.
ما بعد الاتفاقية
بعد تراجع الإمبراطورية العثمانية، واستيلائها على فلسطين والعراق، تخلت بريطانيا عن فكرة تقسيم أملاك السلطنة وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو.
بدلاً من ذلك، اعتمدت نظام الانتداب الذي تم الاتفاق عليه في مؤتمر “سان ريمو” في أبريل/نيسان 1920 بين بريطانيا وفرنسا لتحديد مستقبل ولايات المشرق العربي المحتلة.
بعد الحرب العالمية الأولى، لم يتبقَّ من اتفاقية “سايكس بيكو” سوى الترسيم الأولي لحدود لبنان والعراق والأردن وفلسطين، وقد استمرّ الاستعمار البريطاني والفرنسي حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939، حيث واصلا السيطرة على بلدان المنطقة بسلطة الانتداب، باستثناء اليمن والسعودية والأردن.
في عام 1922، بعد قمع الثورات في فلسطين وسوريا والعراق، أقرت جامعة الأمم وضع هذه المناطق تحت نظام الانتداب الفرنسي والبريطاني. في هذا السياق، بدأت الحركة الصهيونية نشاطها لتنفيذ وعد بلفور وإقامة “الدولة العبرية”.
مع تراجع دور الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية عالمياً لصالح الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، انسحبت بريطانيا من شبه الجزيرة العربية في الستينيات والسبعينيات، حيث انسحبت من الكويت عام 1965 ومن محمية عدن عام 1967، ومن مسقط وعمان عام 1970، ومن قطر والإمارات والبحرين عام 1972.
ومنذ ذلك الحين، لم تشهد دول المنطقة تغييراً كبيراً في حدودها إلا بعد توحيد شطري اليمن في عام 1990 كما أن اتفاق أوسلو عام 1993 بين إسرائيل والفلسطينيين أدى إلى إنشاء سلطة ذات حكم ذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن دون تحقيق اتصال جغرافي متواصل.
سايكس بيكو رمزاً للإمبريالية والتقسيم التعسفي
في الواقع لقد كانت اتفاقية سايكس بيكو سرية للغاية لدرجة أن العرب أنفسهم لم يكونوا على علم بها أبداً حتى اكتشفها البلاشفة بعد سقوط القيصر، ونشروا نص الاتفاقية في عام 1917، فثار العرب بقيادة الشريف الحسين بن علي، ما دفع بريطانيا إلى إجراء تعديلات على وعودها، وهو ما ساهم في نشوء الدول العربية الحالية.
لكن بريطانيا لم تلتزم بوعودها تجاه العرب وشركائها الروس والفرنسيين، بل قدمت وعد بلفور الشهير في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917، الذي أقر بإقامة “وطن قومي لليهود”، ما أسس للصراع العربي الإسرائيلي وخلق توترات دائمة في المنطقة.
ومنذ ذلك الحين أصبحت اتفاقية سايكس بيكو في الشرق الأوسط رمزاً للإمبريالية والتقسيم التعسفي كما ذكر لنا موقع orientxxi، وفي حين أن الاتفاقيات تشكل بالفعل حدثاً كبيراً، فإن تفكيك الاعتقاد بأن سايكس بيكو هي نقطة التحول في تاريخ الشرق الأوسط الحديث؛ هو خطوة ضرورية لكشف النقاب عن عمليات الانفصال والتقسيم وفهمها.
عربي بوست