عقوبة ثقيلة، وقعت على النائب عن حزب فرنسا الأبية، سيباستيان ديلوغو، تمنعه من ممارسة وظيفته نائباً للشعب أسبوعين، وتخفّض مرتّبه إلى النصف شهرين، بسبب رفعه علم فلسطين يوم الثلاثاء الماضي، خلال جلسة برلمانية مخصّصة لمناقشة الحرب على غزّة. وكان هدف النائب توجيه رسالة إلى الحكومة الفرنسية، بالتزامن مع اعتراف كلّ من إسبانيا وأيرلندا والنرويج بالدولة الفلسطينية، تطالبها بأن تخطو الخطوة ذاتها، ونجح فعلاً في إثارة ضجّة إعلامية وسياسية استمرت عدّة أيام، لفتت الانتباه، وحرّكت مظاهراتٍ ضدّ المجازر في غزّة. والأمر الغريب أن تتصدّى له، على نحو فوري، رئيسة البرلمان يائيل برون بيفيه، وتعقد اجتماعاً سريعاً من أجل إدانة العملية، ومعاقبة النائب، الذي “تصرّف على نحو غير لائق”، على حدّ وصفها. وعلى سبيل التنويه، كانت رئيسة البرلمان الفرنسي من أوائل من زاروا مستوطنات غلاف غزّة بعد عملية 7 أكتوبر (2023)، وصدرت عنها تصريحات أثارت ردّات فعل عُدّت غير مُعبّرة عن موقف فرنسا، فصرّح زعيم حزب فرنسا الأبية، جان لوك ميلانشون، في حينه، “بيفيه تخيّم في تل أبيب لتشجيع الإسرائيليين على ارتكاب المجازر. إنّها لا تتكلّم باسم الشعب الفرنسي”، ولم يحاكمها أحد أو يدِنها بصورة رسمية، وكان هذا مُستبعداً، وغير واردٍ، في ظلّ استنفار رسمي إلى جانب إسرائيل، في حينه، قبل أن تعود باريس إلى موقفها المتوازن من الصراع، القائم على أساس حلّ الدولتَين.
في إيطاليا، وقف نوّاب من حركة خمس نجوم المعارضين، ورفعوا خمسة أعلاماً فلسطينية في داخل البرلمان، في أثناء إلقاء زميلهم ريكاردو ريتشياردي، العضو في مجموعتهم، خطاباً طالب فيه بالاعتراف بدولة فلسطينية، واكتفت رئيسة الجلسة بالإشارة إلى أنّه لا يجوز “إظهار أيّ رموزٍ مهما كانت”، وسارع النوّاب إلى تسليم الأعلام من دون التعرّض لأيّ عقوبةٍ فورية، ولم يحتجّ أحد، بما في ذلك أصدقاء إسرائيل، ولم تُثَر حول الأمر زوبعة إعلامية وسياسية كما حصل في فرنسا، وجرى النظر إلى التصرّف أنّه تعبير عن موقف تضامني لا أكثر. قد يكون فيه تجاوز لقانون البرلمان الذي يمنع رفع علم غير علم البلاد، ولكنّه ليس جريمة، لأنّ المقصود به ليس إهانة العلم الرسمي. وعلى هذا، يبقى تصرّف رئيسة البرلمان الفرنسي نشازاً، وهو يُحتسب ضمن التوظيف الخارج عن السياق لمسألة “معادة السامية”، وتحويلها إلى أداة قمع لمنتقدي إسرائيل.
ليس رفع العلم الفلسطيني ممنوعاً في المستوى الرسمي في فرنسا، وهناك مُمثّلية فلسطينية في باريس منذ أواخر السبعينيات، يرفرف فوقها العلم، وتحظى بمعاملة دبلوماسية في مستوى سفارة منذ عام 2010، وتعدّ العلاقات متميزه إلى حد كبير، وكانت باريس سبّاقة للاعتراف بمنظمّة التحرير الفلسطينية، وهي المُحرّك لذلك على المستوى الأوروبي، من خلال “إعلان البندقية” عام 1980، وكان الرئيس فرانسوا ميتران أول زعيم أجنبي يطالب إسرائيل بالاعتراف بحلّ الدولتَين، وقد فعل ذلك من على منبر الكنيست خلال زيارة لإسرائيل في 1982. وعلى هذا الأساس، استقبل الرئيس الراحل ياسر عرفات رسمياً في باريس عام 1988. وإلى حين “7 أكتوبر”، لم يكن هناك أيّ إجراءات فرنسية تمييزية ضدّ الفلسطينيين، وحتَّى قرار وزير الداخلية بمنع المظاهرات المُؤيّدة لفلسطين جرى التراجع عنه. ومن هنا، يبدو مستهجناً تصرّف رئيسة البرلمان، وغير متناسبٍ مع ما قام به النائب البرلماني من التفاتة تضامنية ليس أكثر، ولا يختصّ بوظيفتها، بقدر ما يتعلّق بتأييدها إسرائيل، وهذا أمر له نتائج سلبية في مستوى الرأي العام الفرنسي، الذي تطور، إلى حدّ كبير، لصالح الشعب الفلسطيني، الذي يواجه حرب إبادة في قطاع غزّة.
المصدر: العربي الجديد