تقرير خاص
أنين وأوجاع وكلمات لا يكاد أصحابها يستطيعون نطقها، ودموع لا تفارق أعين الناجين من كارثة السيول العارمة في محافظة الحديدة، وهي تنظر إلى بقايا منازلهم التي كانت عامرة، وأطلال كانت بالأمس دياراً، يقول أحد الناجين (أصعب ما في الكارثة هو فراق الأحبة، والخروج بلا أمل في العودة، سوف تمزقنا الأيام شوقاً، وسنبقى بلا منازل حتى إشعار آخر). بهذه الكلمات لخص “جميل” وهو أحد متضرري كارثة السيول في محافظة الحديدة أنينه وأوجاعه وكلماته التي لا يكاد يستطيع نطقها، ودموعه التي لا تفارق عينه، وهي تنظر إلى بقايا منزله الذي كان عامرا، وأطلال كانت بالأمس دياراً، ( لم يعد لنا مكان نأوي اليه، حتى الصحون والملاعق والأغطية التي كنا ننام عليها وألعاب الأطفال التي صنعتها والدتهم بيدها من أعواد القش، كل شيء اختفى في لمحة عين، ومع هذا لسنا أكبر المتضررين، فهناك عائلات كاملة اختفت من الوجود).
ابتلاء من الله
يتابع النازح الذي يدعى ” جميل ” الوعل اليمني ” قائلا: ” السيول شردتنا وقضت على بيتنا المتواضع والدتي المسنة التي تعاني من أمراض مزمنة انجرفت في اتجاه، وابي المسكين اخذه السيل باتجاه آخر، وبقية أفراد العائلة راحوا، والمشرفين الحوثيين الذين زارونا أخبرونا بان هذا بلاء من الله ولايجوز طلب المساعدة من الكفار وان علينا الصبر ومراجعة ذنوبنا”.
ويضيف ” جاءت السيول من غير سابق إنذار… أفقنا فجأة على صوت الهدير والتحطم، وكان علينا التحرك بسرعة مع تفاقم الخطر، ولم يمض سوى دقائق حتى غمرت المياه منزلنا والمنازل المجاورة وحطمت كل شيء وتحول المكان الى ما يشبه ساحة الحرب”.
في زحمة هذا الألم وكبر المعاناة، لم يجد المنكوبين من سكان تهامة سلطات تجبر بخواطرهم، وتعين المتضررين على اعادة ما دمرته السيول كما تفعل اي حكومة في العالم، ولم تكتف سلطات الامر الواقع الحوثية بذلك، بل انها منعت المساعدات الدولية واغلقت مكاتب الاغاثة التي كان وجودها ضروريا لحدوث استجابة دولية لإنقاذ المنكوبين.
أين الإيرادات
هبّ “عبد الله” لإنقاذ “ساهر” الذي كان عالقاً وسط السيول، لكن موجة السيول القوية جرفتهما معاً بسرعة وضاعا وسط الامواج المتلاطمة، “وسجلت اسمائهما بين شهداء ذلك اليوم الصعب، واحدهم وهو ساهر 22سنة، تزوج قبل خمسة أشهر والاثنان من ابناء تهامة، وكانا يقيمان في منازل مهترئة ومصنوعة من الطين ويعملان معاً في الزراعة.
تحدث شقيق عبد الله لـ (موقع الصحوة نت) أن الاهمال الرسمي هو من جعل مياه الفيضان تتسبب في وفاة شقيقه عبد الله وصديق شقيقه ساهر”، وتساءل شقيق عبد الله عن مصير ” ايرادات ميناء الحديدة” والتي تقدر بالمليارات، ولماذا لم يتم استخدامها في تحسين البنية التحتية ومصارف المياه في محافظة الحديدة.
الحفريات هي السبب
قصتان فقط من عشرات القصص لضحايا كارثة السيول التي غمرت اجزاء واسعة من محافظة الحديدة الاربعاء 6 اغسطس الماضي، والتي أدت إلى مقتل 45 وتشريد الآلاف وسط تجاهل السلطات الانقلابية التي تقع المناطق المنكوبة في نطاق سيطرتها مما أثار غضباً عاماً لدى سكان المحافظة، خاصة بعد ان أكدت التقارير المدنية بأن احد ابرز اسباب تفاقم السيول وازدياد عدد الضحايا هو الحفريات التي استحدثها الحوثيين بالذات في منطقة “كيلو 16” وسد الشوارع التي بحاويات البضائع التي حولوها الى “متارس” وهو ما منع مياه السيول من الذهاب باتجاه البحر بحسب مخطط مدينة الحديدة منذ عقود طويلة ، اضافة الى انها- الحفريات- تسببت في تغيير مسار السيول نحو المساكن والاحياء الشعبية، ماساهم في حدوث كل تلك الخسائر الغير مسبوقة.
سيول وألغام
من جانبها، قالت خبيرة العلاقات الانسانية والاجتماع ” نبيلة البراق” لموقع الوعل اليمني “ان السيول كشفت كماً هائلا من الالغام المموهة كانت الميليشيا قد زرعتها لقتل ابناء الحديدة المدنيين، ومن نجى من السيول تقتله الغام الحوثي المزروعة في الأودية والمزارع والطرقات، مشيرة الى ان جماعة الحوثي هي الكارثة الحقيقية التي اصابت محافظة الحديدة بشكل خاص واليمن عموما، مضيفة ” من الصعب على المجتمع اليمني ومجتمع الحديدة بشكل خاص التعافي من كارثة الحوثي، فهذه الجماعة تتعامل مع الحديدة على انها ميناء وايرادات وجمارك، اما البشر فلاقيمة لهم على الاطلاق، سواء بالنسبة للحديدة او باقي مناطق اليمن”.
سلطات غائبة
في السياق، قال عضو فريق الاستجابة السريعة في الدفاع المدني بمحافظة تعز” أسامة الواثر” ان المياه الملوثة والراكدة الناتجة عن الفيضانات قد تسبب الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه مثل الملاريا والبلهارسيا وحمى الضنك، كون تلك المياه تعتبر بيئة خصبة لتكاثر البعوض ما يشكل تهديداً كبيراً للسكان في المناطق المتضررة، وأضاف الواثر لموقع الوعل اليمني” ان القطاع الصحي في الحديدة تضرر كثيرا بفعل السيول لكن معظم المستشفيات لا تزال تعمل رغم تلف الكثير من المعدات ، وتقدم الطوارئ الصحية للسكان على قدر الإمكان، وانه ورفاقه على تواصل بزملائهم في محافظة الحديدة ويقولون بان الوضع هناك مأساوي، والسلطات شبه غائبة، ومشغولة بالسطو وتجريف الأراضي ، بحسب تعبيرهم.
إلى ذلك، حذرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) من حدوث انهيارات أرضية في مناطق رسلان وزبيد ورماح وسهام على طول السواحل الجنوبية والغربية، نتيجة الامطار الغزيرة وهو ما يمكن ان يؤثر على البنية التحتية ويؤدي إلى انهيار شبكات الاتصالات.
وكانت “منظمة الصحة العالمية” قد نبهت الى أن الأمطار الغزيرة التي هطلت على محافظة الحديدة قد تسببت في أضرار جسيمة للبنية التحتية في المحافظة ونزوح العديد من السكان، وإغلاق الطرق والخدمات العامة واوجدت بيئة خصبة للانتقال الامراض الفتاكة، كما اكدت المنظمة على ان أرقام الضحايا غير نهائية حتى الآن، ومن الوارد جدا ان يزداد عدد القتلى خلال الأيام القادمة.