ما لم يتم الحديث عنه بخصوص الرّبيع العربي!
بقلم “صدام الحريبي
قبل العام ٢٠١١م كانت أوضاع معظم الشعوب العربية سئية، وكان الفقر قد انتشر، بالإضافة إلى البطالة والفساد المالي والإداري والسّياسي وحتى العسكري وغيره، مقارنة بدول عادية قريبة، وبعضها خارج النطاق العربي، ولذلك اندفعت الشعوب للخروج ضد الفساد الذي كان يراه كل فرد، إلى جانب أن هذه البلدان العربية فيها من الثّروات والإمكانات ما تستطيع به النهوض الكبير، إلا أن الأنظمة كانت تمنع ذلك بضغوطات لا تعرف الشعوب جهاتها ولا أسبابها.
في تلكم الفترة قرّرت الشعوب الحرّة أن تثور ضد تلكم الأنظمة، فمثلا في اليمن يوجد ميناء عدن الذي تم تصنيفه في الخمسينات من القرن الماضي كثاني ميناء في العالم بعد نيويورك لتزويد السفن بالوقود، هذا الميناء تم تأجيره قبل ٢٠١١م بسنوات من قبل النظام اليمني آنذاك لدولة الإمارات، ليس من أجل تشغيله، بل من أجل توقيفه وإماتته حتى يتم تشغيل ميناء جبل علي الإماراتي ويتوقّف ميناء عدن، لأنه وبحسب الخبراء فإنه إن اشتغل ميناء عدن فسيفقد ميناء جبل علي في دبي أهميته وستخف الحركة فيه بشكل كبير لصالح ميناء عدن.
كذلك كان النظام قبل ٢٠١١م في اليمن يبيع الغاز لكوريا بما يعادل ٣٥٥ ريال يمني للاسطوانة، بينما يبيعها للشعب اليمني ب ١٥٠٠ ريال بحسب التقارير المنشورة، فضلا عن الثروة النفطية الضخمة والسمكية والحيوانية والسياحة وغيرها.
أليست هذه النماذج كفيلة بالثورة على أي نظام يمارس هذا الفساد والعمل ضد وطنه وشعبه لصالحه الشخصي ولصالح الأجانب على حساب أهل البلد؟
ثورات الربيع العربي كانت لديها أقوى المبرّرات والأسباب للانطلاق، وقد نجحت كل تلكم الثورات بدون استثناء، ففي اليمن نجحت حكومة الثورة التي كان يديرها المناضل محمد سالم باسندوة وقد رفعت سعر الغاز على كوريا من ٣.٢ دولا، إلى ١٤ دولار لصالح الخزينة الوطنية، وكذلك تم توظيف ٦٠ ألف يمني من الشباب الخريجين دفعة واحدة وتم تسليم مرتباتهم دون تأخير إلى قبل الانقلاب، والعديد من الإنجازات، لكن حاليا لا يتم أبدا ذكر سلبيات الأنظمة السابقة وإيجابيات الثورات، بل تتم المغالطة من أجل رمي الثورات بالافتراء والكذب وتحميلها كل شيء، حتى تكفر الشعوب بفكرة قول “لا” للظالم والمطالبة بأبسط الحقوق!
وعندما بدأت حكومات ثورات الربيع العربي بالنجاح وتقديم المنجزات للشعوب في مصر وليبيا وتونس واليمن وغيرها، لم يعجب ذلك من فقدوا مصالحهم، بل من لم يعجبهم انتعاش ونهوض دول لا يحبون أن تنهض لأنهم يحسبوا حسابات حاقدة بسبب عدم ثقتهم بأنفسهم، حيث تخيّم عليهم أفكار أنه إن نجحت تلكم الدول فستسقط دولهم هم بسبب نجاح الآخرين!
ولما جنّ جنون تلكم الأنظمة المريضة التي تخاف أن تتهاوى بسبب الثورات العربية بدأت بالتحريض على إطلاق ثورات مضادة، محاوِلة إعادة الأنظمة البائدة، ولما فشلت دفعت بالانقلابيين بدعم من الغرب، وضخت مليارات الدولارات، مستغِلّة ضعف النخب السياسية وعدم أخذها نفَس ووقت بسيط حتى من أجل الترتيب، حيث تعمّدت تلك الدول أن لا تدع الوقت للحكومات الجديدة فأرهقتها وأضعفتها ثم دعمت من ينقلب عليها ويدمّر تلك الأوطان حتى يردّد الناس فكرة “هذا ما صنعته الثورات” ويسيء البسطاء والمساكين لها.. ثم يأتي من دعم الانقلابات وهدم الأوطان من خلف الستار ويقول للناس: هذا ما صنعته الثورات وهذا ما حصل بالفعل.. هذه القصة باختصار!
فهل عرفنا كيف تم التعامل معنا؟ وهل لدينا القدرة على تجاوز ذلك وقلب الطاولة على الأدوات ورعاة هذه الأدوات ومن يستند عليهم الرعاة؟!
وهل سنستوعب الآن ونتعامل بذكاء وحنكة وقوة مع الانقلابيين الذين مكّنتهم أدوات الأدوات سواء في اليمن أو غيره؟