نهجٌ عسكريّ قديم، الكُتلة العاطفيّة في حَدَّها الأقصى كُرْهًا أو خَلاصًا قد تكون الدّافع، وهي وسيلةٌ حينَ يرى بعضُهم أنّها لا تُجدي وأنّها تخلقُ إرثًا من الحقد والبغضاء، وتُنجِب جيلاً من الثّائرين الثأريّين، وتخلقُ قادةً آتِين يخلفون القادة الذّاهبين، يرى آخرون – في العقليّة العسكريّة السّياسيّة – أنّها مُجدِية، وربّما تخلقُها ضرورةٌ تجعل تأخيرها نوعًا من الانهزِاميّة أو نوعًا من العبث. والتّاريخ شاهِدٌ ولا يغيب لِمَنْ أرادَ أنْ يرى مسيرته في هذا.
قديمًا اغتال أربعون فارِسًا وأميرًا (يوليوس قيصر) على عرشِ عظَمتِه في روما، وكان أبرزهم (بروتس)، وخلّد (شكسبير) في مسرحيّته مقولة القيصر لحبيبه وهو يُجهِزُ عليه: “حتّى أنتَ يا بروتس!!”. واغتال أعضاء في البرلمان وآخرون القيصرَ (كاليغولا) مُتذرّعين بجنونه.
واغتالَ أبو لؤلؤة المجوسيّ بستّ طَعَنات عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، واغتالَ ثلاثةَ عشرَ رجلاً تسلّقوا دار عثمانَ عثمانَ بن عفّان رضي الله عنه، واغتال ابنُ مُلجِم عليًّا كرّم الله وجهه، وأمر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم من قبلُ برأسِ كعب اليهوديّ بقوله: “مَنْ لِكَعب بن الأشرف فإنّه قد آذى الله ورسولَه”.
واغتال قادةُ دولٍ كثيرةٍ في زماننا هذا عددًا لا حصر له من القيادات المُناوِئة لهم، وجرتْ إسرائيل على هذا النّحو، فاغتالتْ أكثرَ من مئة قياديّ في المقاومة الفلسطينيّة على مدى أكثر من خمسةٍ وسبعين عامًا منذُ قيام كيانها، اغتالتْ على سبيل المثال في السّبعينيّات الكاتب غسّان كنفاني بتفجير سيّارته بعبوةٍ ناسفةٍ مزروعةٍ فيها، وكمال عدوان، وعلي حسن سلامة. واغتالت في الثّمانينيّات ماجد أبو شرار وخليل الوزير، وكانتْ تصلُ إلى حيثُ هم في بلادٍ بينها وبين كيانها آلاف الأميال. واغتالتْ في التّسعينيّات صلاح خلف في تونس، وفتحي الشّقاقي الأمين العامّ لحركة الجهاد الإسلاميّ بإطلاق النّار عليه من درّاجة متحرّكة في مالطا، ويحيى عيّاش أحد مؤسّسي كتائب عزّ الدّين القسّام المُسلّحة عن طريق تفجير جهاز هاتفه الخلويّ في غزّة. واغتالتْ قبل أشهر الرّجل الأوّل في حركة حماس إسماعيل هنيّة على أرض طهران، واغتالتْ قبل يوَمين الرّجل الأوّل في حزب الله حسن نصر الله على أرض لبنان… وهكذا.
ولن تتوقّف إسرائيل عن هذه السّياسة إلى أنْ لا يكونَ لها وجود، ترى أنّ كلّ ما يُهدِّدَ وجودَها يجب أنْ يُهدَّدَ وجودُه، سواءً أكان فردًا أم حزِبًا أم جماعةً أم حركةً أم دولةً. إنّها سياسة دأبتْ عليها ثماني عقود، حصدتْ خلالَها ما تراه مكاسبَ كان يجب ألاّ تُؤجّل.
فما الّذي تكسبه إسرائيل من هذه الاغتيالات؟ تجيبُ هي: استعادة القدرة على الردع والثقة بالنفس. ورفع معنويّات الشّعب الإسرائيليّ جرّاء ما حدث في طوفان الأقصى. إخافة الجيران الأقربين والأبعدين أنّ يدَ إسرائيل قادرةٌ على أنْ تجوسَ العالَم شرقَه وغربه، وتصل إلى أدغال أفريقيا ومجاهلها إذا كان الأمر يتطلّب ذلك.
وحينَ شاركَ الإسرائيليّون في استطلاع رأي قام به معهد (لازار) الإسرائيلي في (تلّ أبيب) قبل أقلّ من شهرَين، ونشرته صحيفة (يديعوت أحرنوت) الإسرائيلية، كانتْ نتيجة الاستطلاع أنّ (69%) من الإسرائيليين – أي أكثر من ثُلثَيهم – أعلنوا تأييدهم لسياسة الاغتيالات التي تقوم بها دولتُهم، حتّى ولو أدى ذلك إلى تأخير مفاوضات الهدنة، وإطلاق سراح الرّهائن المُحتجَزين في غزّة.
ما الّذي تخسره؟ تجيبُ هي: لا شيء؛ نحنُ اليدُ الطُّولى. نجيبُ نحن: إنّ نهر الدّماء هو الهادي ليوم الثّأر، وإنّ قتالَنا معهم من أجل استرداد حقوقنا ليس مرهونًا بزمنٍ ولا باغتيالٍ فرديّ أو جماعيّ لنا ولقادتنا، والقادة يتوالَدون، نحنُ ننتظر وعدَ الله بالنّصر، ونحنُ الطّائفة المُبارَكة الّتي بعثَ بها الله إلى أعدائه الصّهاينة لنَسُوءَ وجوههم. وهذا الدّم يُنبِتُ على الثرى أبناءَ للقادة يخلفونهم ويُثخِنون في عدوّهم بأكثرَ مِمّا أثخنَ به آباؤهم.