قبل يومين من اختتام أعمال القمة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 28 سبتمبر، كان الوفد اليمني المشارك برئاسة رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، يغادر نيويورك، غير سعيد على ما يبدو، فالتباينات في أجندة أعضاء الوفد أحالت الرحلة إلى مهرجان من الفوضى، ومن شأنها أن تسبب مزيداً من التصدع للصف الحكومي المبعثر أصلا.
وفيما عاد ضمن الوفد عضو المجلس عثمان مجلي، غاب عن صورة الوداع عضو المجلس الآخر ورئيس المجلس الانتقالي المطالب بانفصال جنوب البلاد، عيدروس الزبيدي، والذي استغل حصوله على التأشيرة ضمن الوفد، ليبقى هناك في مهمة استكمال حملة الدعاية الكبيرة التي دشنها إعلام مجلسه بالتزامن مع الزيارة.
والأحد 6 أكتوبر، وبعد نحو عشرة أيام على مغادرة الوفد الرئاسي نيويورك، أعلن إعلام المجلس الانتقالي إنهاء الزبيدي مشاركته في قمة الأمم المتحدة مع زملائه في مجلس القيادة الرئاسي، وجولته المنفصلة لزيارة “أبناء الجالية الجنوبية” في الولايات المتحدة، زار خلالها ولايتي شيكاغو، وكاليفورنيا.
وللمرة الثانية، يشارك الزبيدي، ضمن الوفد الرسمي، وتأتي مشاركته وفق عديد المصادر، بعد نقاشات وأخذ ورد، يُحسم في العادة بضغط رئيس مجلس القيادة الذي يرى أن من شأن رفض إدراج عيدروس ضمن الوفد أن يسبب صعوبات له ولمجلسه في العودة إلى عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، والواقعة تحت سيطرة مجلس عيدروس المدعوم من الإمارات.
البحث عن دور الشرطي
في هذه الجولة، ركّز الزبيدي بدرجة رئيسية، على تسويق نفسه ومجلسه لدى الأمريكان بهدف الحصول على دعم وتدريب لقواته، ضمن مساعيه لإقناع الأطراف الدولية بدعم مشروعه مقابل العمل كـ”شرطي” لحماية المياه الإقليمية اليمنية، مستغلًا الفشل الذي مني به “تحالف الازدهار” في ردع ميليشيا الحوثي ووقف عملياتها ضد الملاحة البحرية والسفن التجارية. هذا المسعى بدأه الانتقالي منذ انطلاق هجمات الحوثيين قبل أقل من عام.
وفي تصريحات لصحيفة الغارديان البريطانية في 24 سبتمبر، اتهم الزبيدي روسيا بتزويد الحوثيين بالأسلحة المتطورة عبر موانئ محافظة الحديدة غربي اليمن، وقال: “من الواضح أنه في موانئ الحديدة والصليف على البحر الأحمر، وصلت السفن دون تفتيش محملة بأسلحة عالية الجودة من كل من الإيرانيين والروس”، مضيفًا أن “هذه الشحنات منحت الحوثيين القدرة على استهداف إسرائيل”.
وبقدر ما مثلت هذه الاتهامات تعبيراً عن حالة اليأس التي وصل لها الزبيدي من الحصول على دعم ورضا روسي بعد إرساله عدداً من الوفود إلى موسكو خلال السنوات الماضية، فقد بدت تصريحاته محاولة للتقرب للأمريكان من خلال الوشاية بالروس، وكان الهدف إقناع “العم سام” بأن مجلسه الانتقالي جاهز للعمل لصالحهم عبر الممول الإماراتي، وهو ما جاء متوافقًا مع مساعيه في التوجه غربًا.
ولم يقتصر الأمر على التصريحات بل تعداها إلى مناقضة الموقف الرسمي في العلاقات الدولية، ففيما التقى رئيس مجلس القيادة بوزير الخارجية الروسي على هامش القمة، اختار الزبيدي لقاء وزير الخارجية الأوكراني، في خطوة تخالف توجهات الحكومة التي تعمل مؤخراً لتحسين علاقاتها مع الروس، وخلال العام الجاري زار موسكو عدد من الشخصيات البارزة فيها، عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح، ورئيس الوزراء أحمد بن مبارك، ووزير الخارجية شائع الزنداني، وفي نفس التوقيت، كان وزير النفط والمعادن سعيد الشماسي في موسكو للمشاركة في أسبوع الطاقة الروسي.
وفي ظل مساعٍ حكومية لتوسيع الشراكة مع موسكو لاسيما في مجال الطاقة، إذ تهدف حاليًا إلى عقد اتفاقيات مع شركات روسية في قطاع النفط، بناءً على علاقة طويلة من التعاون في المجال بدأت منذ الثمانينيات، لم يستبعد مصدر تحدث لـ”المصدر أونلاين” عن كواليس الوفد، أن تكون تصريحات الزبيدي تهدف إلى إفشال أي اتفاقيات محتملة بين الجانبين، فهو “يريد أن تمر أي اتفاقيات عبره هو شخصيًا، بما يعزز نفوذه في هذا المجال”.
وتحتفظ روسيا بعلاقات جيدة مع مختلف الأطراف اليمنية، فهي تعترف بالحكومة الشرعية، في الوقت الذي ترتبط بعلاقات جيدة أيضًا مع الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي، وهو توازن يعكس حرصها على الحفاظ على نفوذها في اليمن والمنطقة.
عيدروس في مجلس الأمن “كواليس”
في 25 سبتمبر، ألقى الزبيدي كلمة أمام قمة السلام التي عُقدت بمجلس الأمن الدولي ممثلاً للجمهورية اليمنية، قبل أن تدخل تلك الكلمة إلى ماكينة الدعاية التابعة للمجلس فتتحول إلى كلمة “الوفد الجنوبي” التي يلقيها للمرة الأولى منذ إعلان وحدة شطري اليمن عام 1990. في الواقع كانت الكلمة هي كلمة اليمن الاعتيادية، وأضيفت لها فقرة تتحدث عن “شعب الجنوب”، وتطالب بدعم مشروع الانفصال.
ووفقا للمصدر المطلع، فقد كانت هذه القمة مُجدولة مسبقًا وكان من المقرر أن يحضرها وزير الخارجية ويلقي كلمة الجانب اليمني، وهذا هو مستوى التمثيل الاعتيادي لليمن فيها، غير أن “شركة العلاقات واللوبي التابع للإماراتيين في الولايات المتحدة اقترح على الزبيدي المشاركة في هذه القمة، كفرصة لتسجيل حضور لقضيته وشخصه”.
وقال المصدر إن الزبيدي “أبلغ فورًا وزير الخارجية برغبته في حضور القمة شخصيًا، مُطالبًا بإبلاغ المنظمين لتحديث الأجندة، والتأكيد على أن من سيحضر هو نائب الرئيس وليس الوزير”.
وأضاف: “أبلغ الزنداني الرئيس العليمي بالأمر، وطلب منه إقناع الزبيدي بعدم المشاركة، لكن الرئيس تجاهل الأمر ولم يُبدِ أي رد”، مشيراً إلى أنه ومع إصرار فريق الزبيدي، اضطر الوزير إلى إرسال تعديل على اسم الممثل، ثم ذهب إلى الزبيدي وسلمه الكلمة التي كانت مُعدة مسبقًا لإلقائها، وقال له: “هذه كلمة الجمهورية اليمنية، تفضل”.
وتابع المصدر: “عهد الزبيدي إلى عمرو البيض (ممثله للشؤون الخارجية)، بتعديل الكلمة، حيث أضاف فقرات تتعلق بـ”شعب الجنوب” وبعض المحتويات التي كانت خارج سياق الفعالية”.
ووفقًا للمصدر، فإن وزير الخارجية يشعر بـ”امتعاض كبير وإحباط من الوضع”، حيث “يرى أنه بلا سند وأن الأمور تتسم بالفوضى، وأن الرئيس يتجاهل العديد من المهام المطلوبة منه في الشأن الخارجي، فيما يؤثر بعض الأعضاء سلبًا على عمله”.
ويعكس المشهد الفوضوي الذي صاحب رحلة الوفد اليمني الأخيرة صورة مصغرة عن التباينات الداخلية التي تعاني منها الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، هذه التباينات التي قضت على وحدة الصف وأثقلت كاهل الشرعية وأهدرت كثيراً من جهودها في محاولات لم الشمل المبعثر، وللأسف فإن الصراع والخلافات التي كانت سابقًا تظهر في صورة تنافس على المباني واقتحامات للشقق في عدن، تطورت اليوم لتشمل الدبلوماسية اليمنية والعلاقات الدولية، وانتقلت من عدن إلى نيويورك، لترى وتسمع شعوب العالم وقادته، ويكونوا شهوداً على أسوأ نخبة سياسية عرفتها البلاد.