ترجمة موقع تبيان
لا أشعر بالندم، وأتمنى فقط أن أستطيع قتل أكبر عدد ممكن من الغزاة!!
هذا ما قاله الإرهابي الأسترالي “برينتون تارانت” بعدما قتل 51 مسلمًا وأصاب العشرات خلال هجومه على “مسجد النور” و”مسجد لينوود” في مدينة “كرايستشيرش” في نيوزيلندا في التاسع من مارس 2019م.
رغم أن أستراليا قارة مستقلة في أقصى شرق الكرة الأرضية، وأقرب ما تكون لقارة آسيا منها إلى أوروبا وأمريكا، إلا أن جذورها وأصولها وعرقها ودينها مرتبط كله بالعالم الغربي، وكما أباد المهاجرون الغربيون السكانَ الأصليين في الولايات المتحدة، تكررت ذات الإبادة من قبل المهاجرين الغربيين مع السكان الأصليين في أستراليا، ولذلك فقد حملت أستراليا في جيناتها الثقافية والدينية ذات الأمراض التي تحملها الحضارة الغربية المسيحية في أوروبا وأمريكا، خاصة فيما يتعلق بإرث الصراع التاريخي مع العالم الإسلامي والمسلمين، الذي يريدونه مشتعلًا دائمًا.
في هذا السياق نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مؤخرًا مقالًا للأسترالي المسلم (من أصول آسيوية) “أفتاب مالك”1 بعنوان: (الإسلاموفوبيا حقيقة يومية بالنسبة لكثير من الأستراليين).
في هذا المقال، ناقش “أفتاب مالك” المبعوث الخاص لمكافحة الإسلاموفوبيا، انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا في أستراليا وتأثيرها على حياة المسلمين بشكل يومي، وسلط الضوء على تزايد ظاهرة الإسلاموفوبيا في أستراليا، التي تشمل التمييز والمضايقة والكراهية والعنف ضد المسلمين.
يشير الكاتب إلى أن الإسلاموفوبيا ليست مجرد ظاهرة عرضية بل هي حالة شائعة تؤثر على أفراد المجتمع المسلم في أستراليا، وأن النساء المسلمات هن الضحايا الرئيسيات لهذه الظاهرة بسبب تمسكهن بالزي الإسلامي المميز، كما يستعرض المقال الدراسات والإحصائيات التي توثق أحداث الكراهية ضد المسلمين، وأن هذه الكراهية والعنف والتخريب الموجه ضد المساجد والتصرفات العنصرية الأخرى، تزايدت بعد أحداث السابع في أكتوبر 2023م تضامنًا مع الإسرائيليين!!
ويدعو الكاتب السياسيين والمجتمع إلى الاعتراف بوجود الإسلاموفوبيا والعمل على القضاء عليها من خلال التفاهم والعمل المشترك لبناء مجتمع أكثر وحدة، حيث أن هناك تقليلًا أو رفضًا لوجود هذه الظاهرة من قبل بعض الشخصيات السياسية في أستراليا، مثل السناتور “ديف شَرَما” الذي اعتبر أن الإسلاموفوبيا “خرافة”.
تعريف”الإسلاموفوبيا”
“أفتاب مالك” المبعوث الخاص لمكافحة الإسلاموفوبيا
حسب تعريف الأمم المتحدة2 فإن “الإسلاموفوبيا”: هي الخوف من المسلمين والتحيز ضدهم والتحامل عليهم بما يؤدي إلى الاستفزاز والعداء والتعصب بالتهديد وبالمضايقة وبالإساءة وبالتحريض وبالترهيب للمسلمين، سواء في أرض الواقع أو على الإنترنت، وتستهدف تلك الكراهية، بدافع من العداء المؤسسي والأيديولوجي والسياسي والديني الذي يتجاوز تلك الأطر إلى عنصرية بنيوية وثقافية، وهي الرموز والعلامات الدالة على أن الفرد المستهدف مسلمًا، ويفسر هذا النهج أيضًا كراهية الإسلام بوصفها شكلًا من أشكال العنصرية، حيث يُنظر إلى الدين والتقاليد والثقافة الإسلامية على أنها “تهديد” للقيم الغربية.
أشكال الإسلاموفوبيا في أستراليا
التمييز في العمل:
يُذكر أن المسلمين في أستراليا يتعرضون للتمييز في بيئات العمل، سواء في توظيفهم أو في فرص الترقية، ويتم في بعض الأحيان استبعادهم بسبب أسمائهم أو مظهرهم الخارجي (مثل الحجاب).
الاعتداءات اللفظية والجسدية:
على مدار عقود، تم تسجيل العديد من حوادث الاعتداءات اللفظية ضد المسلمين، تشمل السخرية من أسمائهم أو دينهم، علاوة على ذلك، هناك حالات من الاعتداءات الجسدية، حيث يتم استهداف المسلمين في الأماكن العامة مثل وسائل النقل أو الأماكن التجارية.
التخريب والاعتداءات على المساجد:
هناك تقارير متزايدة عن تخريب المساجد في أستراليا، بما في ذلك الكتابات المسيئة أو الحرق المتعمد للمؤسسات الدينية، هذه الأعمال تمثل اعتداءً على أماكن العبادة والمسلمين ككل.
الصور النمطية والتصريحات العنصرية:
في بعض الأحيان، يقوم السياسيون أو الشخصيات العامة بإطلاق تصريحات سلبية ضد المسلمين، وهو ما يعزز التصورات الخاطئة حولهم، على سبيل المثال، بعض الشخصيات السياسية قد تشير إلى أن المسلمين يشكلون تهديدًا ثقافيًا أو أمنيًا للبلاد، مما يزيد من القلق والتوتر بين الجماعات المختلفة.
ومع زيادة عدد المسلمين في أستراليا، الذي يقدر بحوالي 2.6% من إجمالي السكان، يشعر البعض بالتهديد من هذه التغيرات في النسيج الاجتماعي، هذا يؤدي إلى مشاعر عدم الأمان والرفض تجاه المسلمين، ويعتبرهم تهديدًا ديموغرافيًّا، بسبب تصاعد لغة التحريض السياسي والإعلامي تجاههم.
ورغم اتخاذ الحكومة الأسترالية عدة خطوات لمكافحة الإسلاموفوبيا ضمن مجموعة من السياسات والمبادرات التي تهدف إلى الحد من الإسلاموفوبيا وتعزيز التفاهم بين الأديان والثقافات في المجتمع الأسترالي، إلا أن المسلمين ما زالوا يتعرضون في أستراليا للمضايقات والتمييز بشكل متزايد، وهو ما يطرح تساؤلات حول فعالية هذه السياسات.
من جانبها تفاعلت الجالية المسلمة في أستراليا مع الإسلاموفوبيا بشكل إيجابي وبنّاء، حيث استجابت لهذه الظاهرة من خلال تعزيز التضامن الداخلي، وممارسة الضغط السياسي، وتنظيم حملات توعية، والتأكيد على الهوية الإسلامية في مواجهة العنصرية، وعلى الرغم من التحديات المستمرة، أظهر المسلمون في أستراليا صمودًا قويًا في وجه الإسلاموفوبيا، ويسعون جاهدين لبناء مجتمع أكثر تسامحًا وتفاهمًا.
نص المقال
مقال: (الإسلاموفوبيا حقيقة يومية بالنسبة لكثير من الأستراليين)
“منذ خمس سنوات، صرّح رئيس الوزراء الأسترالي السابق “سكوت موريسون” في التلفزيون الوطني: «لا أعرف إذا كان الأستراليون يفهمون الإسلام جيدًا»، ويبدو أن هذه الحالة لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.
بعد قضائي خمسة أسابيع في السفر عبر أستراليا كمبعوث خاص جديد لمكافحة الإسلاموفوبيا، التي تُعرف بشكل واسع بأنها الكراهية أو التحامل ضد المسلمين، استمعت إلى قصص محزنة توضح كيف تظهر الإسلاموفوبيا في الحياة اليومية، وكيف تؤثر سلبًا على حياة الأستراليين العاديين.
في بعض الأحيان تظهر على شكل تمييز أو مضايقة، في أحيان أخرى تكون إساءة، أحيانًا تصبح كراهية صريحة، وأحيانًا تتحول إلى أعمال عنف أو تخريب، وكتابات الشوارع المهينة التي اكتُشفت في ممر تحت الأرض مزدحم في غرب “سيدني” نهاية الأسبوع الماضي، هي تذكير مرئِيّ آخر بتصاعد الإسلاموفوبيا في أستراليا، وهي تكشف مدى خطأ تصريح السناتور “ديف شَرَما” عندما قال: إن الإسلاموفوبيا مجرد “خرافة”.
كل يوم في أستراليا، تؤثر الإسلاموفوبيا على الأطفال والمراهقين المسلمين في أكثر لحظاتهم ضعفًا، وكذلك على البالغين، والحقائق تخبرنا أن هناك زيادة بنسبة 600% في التقارير المتعلقة بالإسلاموفوبيا منذ أحداث طوفان الأقصى التي وقعت في 7 أكتوبر من العام الماضي، وهذا لا يعني أن الإسلاموفوبيا لم تكن موجودة قبل ذلك الحدث.
الأدلة التي توثق كراهية المسلمين كثيرة جدًا وطاغية على مدار العقد الماضي، وقد وثّقَتْ العديد من الدراسات حوادث الجرائم والتمييز ضد المسلمين، ودَرَسَتْ الصور النمطية في وسائل الإعلام التي تعزز الصور السلبية عن الإسلام والمسلمين، وهذه الأعمال العدائية تخلق صورًا مقلقة عن عالم تُعتبر فيه المضايقات والإساءات ضد المسلمين شائعة ومقبولة اجتماعيًا.
تحدثتْ العديد من التقارير عن الإساءة والعنف في الأماكن العامة، التي غالبًا ما تكون ضحاياها من النساء المسلمات اللواتي يسهل التعرف عليهن بسبب زيهن الخاص، ونادرًا ما يتدخل أحد من المتفرجين على هذه الاعتداءات، ورغم أنه يتم الإبلاغ عنها جميعًا وإضافتها إلى “سجل الإسلاموفوبيا في أستراليا” إلا إنها تستحق إدانة عامة من جميع الأستراليين، هذه المظالم أصبحت شائعة، وتُعبر عن تمييز يومي ضد المسلمين في أستراليا.
احتجاجات ضد الإسلاموفوبيا:
إن حقيقة وجود منظمات مجتمع إسلامي توثق حوادث الإسلاموفوبيا في سجل رسمي، وكذلك وجود مبعوث خاص لمكافحتها، لهو دليل على وجود الإسلاموفوبيا وتناميها المتزايد في أستراليا.
إن إهمال الإساءة اليومية للمجتمعات الإسلامية يتناقض بشكل رهيب مع التصريحات الأخيرة من بعض قادة الدولة التي تدين تلك الأفعال، هذا التناقض أمر خطير، لأنه يضر بمجتمعنا المسلم، ويضر أستراليا كلها.
أدرك أن المشاعر مشحونة الآن بسبب هذه الاعتداءات المتكررة، وكل المسلمين يدركون ذلك، ومع ذلك يجب علينا كمسلمين أن نعامل الناس بالطريقة التي نرغب في أن يُعاملوننا بها.
في هذا السياق، أقول: إن الهجمات على أي أماكن عبادة هي أمر مروع، لأنها أماكن عبادة مقدسة عند أصحابها، وهم يعلمون أنهم أحرار وآمنون في القيام بعبادتهم.
بصفتي المبعوث الخاص لمكافحة الإسلاموفوبيا في أستراليا، أدين الهجمات الأخيرة في “ملبورن” و”سيدني”
المعادية للسامية، وأدين أيضًا حوادث الحرق المتعمدة، والكتابات المسيئة على الجدران، وأعمال التخريب التي توجه ضد المساجد في جميع أنحاء أستراليا والتي لم تحظَ بالكثير من الاهتمام أو الاستنكار من قادتنا.
هناك من يعتقد أن الإسلاموفوبيا هي مفهوم مُصمم لإسكات حرية التعبير ومنع النقد الموجه ضد المسلمين أو الإسلام، لكن هذا ليس هو الحال، الناس أحرار في عدم الإعجاب بالإسلام أو أي دين آخر، ولكن أن تتحول هذه الكراهية إلى إسلاموفوبيا، تتحول إلى مضايقة وترهيب وإساءة ضد المسلمين، تتحول إلى تمييز حقيقي ضدهم، هذا أمر يجب أن يكون مصدر قلق لجميع أفراد المجتمع الأسترالي.
وبينما لا يكفي الفهم بمفرده كعلاج للإسلاموفوبيا، فإنه يعد خطوة أولى نحو التغيير، كما أنه من الضروري أن نتوقف عن تسييس المعاناة ونعمل من أجل مجتمع أكثر شمولية، حيث يمكن لكل شخص، بغض النظر عن دينه، أن يشعر بالأمان والاحترام”.
.——————————–
هوامش
أعلنت الحكومة الفيدرالية تعيين (أفتاب مالك – Aftab Malik) كأول مبعوث خاص للحكومة الفيدرالية لمكافحة الإسلاموفوبيا في أستراليا، ويأتي هذا التعيين، بعد شهرين من تعيين “جيليان سيجال” كأول مبعوثة لمكافحة معاداة السامية في أستراليا، وبدأ “أفتاب مالك” عمله في 14 من أكتوبر 2024م في محاولة لتعزيز التفاهم مع المجتمع المسلم في أستراليا، وتمتد ولايته لثلاث سنوات، يذكر أن “أفتاب مالك” عمل سابقًا مع رئيس حكومة ولاية “نيو ساوث ويلز” على تعزيز التماسك الاجتماعي ومكافحة الكراهية والتطرف، ويُعتبر “خبيرًا عالميًا” في الشؤون الإسلامية في تحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة.