شهدت العاصمة الإيرانية، صباح السبت، مراسم تشييع شعبية حاشدة لعدد من أبرز القادة العسكريين والعلماء النوويين، إلى جانب عشرات المدنيين الذين قضوا خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، الذي استمر 12 يوماً واستهدف مواقع استراتيجية في عمق إيران.
وذكرت وكالة “تسنيم” الإيرانية، أن المراسيم بدأت منذ الساعات الأولى من صباح السبت، من “ميدان الثورة”، وسط حضور جماهيري واسع، واتجهت الجموع بعد ذلك نحو “ميدان الحرية”.
وانطلقت مسيرة التشييع من ساحة “انقلاب الثورة” وسط طهران باتجاه ساحة “آزادي” غرب المدينة، وسط مشاركة جماهيرية ضخمة وهتافات مناهضة للولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي، رافقتها مشاهد حرق الأعلام الإسرائيلية والأمريكية، في تعبير عن الغضب الشعبي تجاه العدوان الأخير.
وأعلنت السلطات الإيرانية تعطيل الدوام الرسمي في العاصمة، لإتاحة الفرصة للمشاركة الواسعة في التشييع، الذي حضره عدد من كبار المسؤولين في الدولة، وكان على رأس المشيعين٬ الرئيس الإيراني مسعود بزشکیان٬ ومستشار خامنئي، علي شمخاني، وقائد “فيلق القدس” إسماعيل قاآني، ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، ووزير الخارجية عباس عراقجي، إضافة إلى قادة من القوات المسلحة، والسلطة القضائية، والحكومة.
ويذكر أن الهجوم الإسرائيلي، بدأ فجر الجمعة 13 حزيران/ يونيو الجاري، استُهل بسلسلة ضربات مركزة استهدفت شخصيات عسكرية وعلمية رفيعة، في محاولة لشل البنية القيادية والعلمية للجمهورية الإسلامية.
وأسفرت هذه الضربات عن اغتيال نحو 30 قائداً عسكرياً و15 عالماً نووياً، بينهم رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الجنرال محمد باقري، والقائد العام للحرس الثوري الجنرال حسين سلامي، وقائد مقر “خاتم الأنبياء” الجنرال غلام علي رشيد، إلى جانب قائد سلاح الجو في الحرس اللواء أمير علي حاجي زاده.
كما شملت قائمة المستهدفين رئيس “جامعة آزاد الإسلامية” والعالم النووي البارز محمد مهدي طهرانجي، ونائب البرلمان ورئيس منظمة الطاقة الذرية الأسبق فريدون عباسي.
ونُقلت نعوشهم إلى ساحة آزادي في طهران تحمل صورهم وبتلات الورود والزهور، بينما أخذت الحشود تلوح بالأعلام الإيرانية. وعرضت قناة “برس تي.في” التلفزيونية صورة لصواريخ باليستية يجري استعراضها.
وقال التلفزيون الرسمي، إن مراسم الجنازة أقيمت لتشييع 60 شخصاً سقطوا في الحرب بينهم أربع نساء وأربعة أطفال.
ونقلت وكالة “فارس” عن مستشار المرشد الإيراني، محمد مخبر قوله على هامش مراسم التشييع، إن “الرد الإيراني على أي عدوان مستقبلي سيكون ذكياً وحاسماً”.
وأضاف عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، أنه “لو لم تتدخل أميركا لمساعدة الصهاينة (إسرائيل) لكانوا قد هلكوا”. وأضاف أن “أعداء الثورة يسعون إلى وقف التقدم العلمي وإضعاف القدرة الدفاعية الإيرانية من خلال أدوات الإرهاب والحرب الهجينة والضغط الإعلامي، لكن شعبنا ستقف بثبات وواعية في وجه هذه الجرائم، وسرعان ما سيندهش النظام الغربي المهيمن لرؤية القفزات والابتكارات التي حققتها إيران المتقدمة”.
كما نقلت وكالة “تسنيم” عن رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى، إبراهيم عزيزي، قوله :”لم نرضخ يوماً لأعداء الشعب الإيراني، بل كنّا دوماً من يجعلهم يرضخون لإرادتنا”.
وكتب إسماعيل بقائي، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، على منصة “إكس”: “اليوم، يستقبل الشعب الإيراني الغيور، عدداً من أبنائه الأطهار والوطنيين، من قادة ونخب ورياضيين ونساء وأطفال هذه الأرض، الذين استشهدوا خلال الحرب التي فرضها الكيان الصهيوني المعتدي، بحزن عميق ولكن بثبات وقوة، وبإجلال لا يوصف، ويعيدهم إلى وطنهم كأبطال أسطوريين؛ ليكون كل واحد منهم بذرة لنمو أبطال آخرين”.
ووصف المستشار الأعلى للمرشد الإيراني وأمين مجلس الأمن القومي السابق، علي شمخاني، الذي نجا من محاولة اغتيال خلال اليوم الأول للهجوم٬ تشييع الجنائز بأنها “ليست فقط مراسم وداع، بل تجديد عهد مع المستقبل”.
وكتب شمخاني على منصة “إكس”: “جاؤوا لاغتيال العقل وإنهاء الاقتدار، والعدوان الذي بدأوه فجر الجمعة 13 الشهر، انتهى باستجدائهم وقف إطلاق النار”.
وأضاف: “إيران صمدت وردّت بكل شجاعة… ومن كل قطرة دم سيولد ألف قائد”.
وبحسب المتحدث باسم وزارة الصحة الإيرانية، حسين كرمانبور، أسفر العدوان عن استشهاد 627 شخصاً وإصابة 4870 آخرين. وأوضح أن من بين الضحايا 49 امرأة، بينهنّ امرأتان حاملتان، و13 طفلاً، بينهم رضيع لم يتجاوز عمره الشهرين.
وقدرت وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان “هرانا”، عدد الضحايا بما يصل إلى 974 شخصاً، بينهم 387 مدنياً.
وأكد كرمانبور أن المستشفيات لا تزال تعمل فوق طاقتها الاستيعابية، مشيراً إلى أن عدد كبير من المصابين ما زالوا في وحدات العناية المركزة، في وقت تواصل فيه فرق الإنقاذ عمليات انتشال الضحايا من تحت الأنقاض في مناطق متفرقة من البلاد.
ورداً على العدوان، شنّت إيران سلسلة من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة على مقار عسكرية واستخباراتية إسرائيلية، في تصعيد غير مسبوق وصل إلى عمق الأراضي المحتلة.
وفي فجر الأحد الماضي، وسّعت الولايات المتحدة نطاق مشاركتها في الهجوم عبر ضرب منشآت نووية إيرانية في نطنز وأصفهان وفوردو، مستخدمة صواريخ خارقة للتحصينات.
وكانت طهران قد أعلنت أنها كانت بصدد الدخول في جولة سادسة من المفاوضات النووية غير المباشرة مع واشنطن في العاصمة العمانية مسقط، إلا أن الهجوم الإسرائيلي المفاجئ نسف فرص استئناف الحوار.
وتعهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجمعة بأن تعاود الولايات المتحدة توجيه ضربات إلى إيران في حال قامت الأخيرة بتخصيب اليورانيوم للاستخدام العسكري، مهاجماً المرشد الإيراني.
وقال على “تروث سوشيال”: “كنت أعرف بالضبط أين كان يختبئ، ولم أسمح لإسرائيل، أو القوات المسلحة الأميركية التي تعد الأعظم والأقوى في العالم، بإنهاء حياته”.