الأخبار المحلية
أخر الأخبار

يوم الأغنية اليمنية.. تاريخ متجدد يواجه ثقافة الموت بصوت الحياة

صدرت عن وزارتي الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، قرارٌ قضى بتحديد الأول من يوليو في كل عام كيوم للاحتفاء بالأغنية اليمنية، وهو مؤشر يدل على الاهتمام البارز والرسمي بالفن وينصفه من عدة نواحٍ.

وهنا للربط، قد يكون السبب الباعث لتخصيص يوم للاحتفاء بالأغنية اليمنية نتيجة التفاعل الذي حصل مع المبادرة التي أطلقها عدد من الفنانين والمثقفين والنشطاء، كواقع وجد من يلبي طموحاته. إنما وهذا الأهم، أو ما نعتبره الأهم، فإن يوم الأغنية مسؤولية ثقافية تكرّس في الوعي اليمني أهمية ودور الأغنية ومرجعيتها التاريخية والوطنية طوال مراحل تشكّلها القديمة والمتجددة.

تتسم الأغنية اليمنية بالطابع المحلي الفريد والمختلف في جميع ألوانها الغنائية المتنوعة، كالدان الحضرمي والبالة الصنعانية والملالة التعزية، حيث يجري التقسيم بحسب الجغرافيا اليمنية إلى وجود خمس مدارس فنية أصيلة تختلف في سماتها وأسلوبها صوتًا وعزفًا وأداءً. وتمثل كل مدرسة مرآة عاكسة لطبيعتها المحلية المرتبطة بإطار جغرافي محدد بمجتمعها وبيئتها، إذ إن كل لون غنائي يمني هو وليد بيئته التي صدح منها وتعايش معها، سواء كان تعزيًا، أو عدنيًا، أو تهاميًا، أو صنعانيًا، أو حضرميًا.

ومن خلاف تقسيم الأغنية اليمنية بحسب الأطر الجغرافية، فقد صدحت الأغنية اليمنية والتقت بكل الشعب وكل فئات وأطياف المجتمع اليمني، وكانت لسان حالهم شمالًا وجنوبًا ووسطًا، إلى درجة أنني سمعت كثيرًا وبنبرة حزينة من يقول هذه المقولة: “لا يوجد الوطن إلا في الأغاني”.

لقد لعبت الأغنية اليمنية دورًا بارزًا في تشكيل الوجدان اليمني الوطني وتهذيب وتغذية الروح، سارت مع الثورة، وكانت رفيقة درب كل عاشق. ولا تزال ترنمات البعض بها في عالم اليوم وحناجر فناني هذا الجيل لها، كنوع من إعادة الموروث، دليلًا على التأثر والتأثير وخلود الأغنية بماضيها في حاضرها.

شهدت اليوم مواقع التواصل الاجتماعي احتفالًا جماهيريًا في تفاعل غير مسبوق بيوم الأغنية اليمنية الموافق 1 يوليو، تزامنًا مع قرارات جماعة الحوثي منع الغناء والفن وكل ما يدعو للحياة، والقبض ومضايقة الكثير من الفنانين.

ويؤكد احتفال اليمنيين بيوم الأغنية في 1 يوليو على أهمية الذوق والثقافة الثورية، وبشكل يعيد للفن مجده وتاريخه العريق بعد أن كاد يتلاشى لصالح الزوامل الداعية للموت في كل الخطابات والاحتفالات.

الفن يمني.

الفن هو أول البدايات التي تحمل على عاتقها تغيير المجتمع، من ثقافةٍ إلى ثقافة أخرى، وهو جسر التقاء الساسة والمثقفين والثوار والعشاق وكل الناس والعالم. حيث لا يمكن لأي سلطة في هذا الكون أن تحرمه أو تمنعه بأي شكل من الأشكال، مهما كانت تملك من أدوات القمع، حتى وإن وجدت ضالتها المنشودة وتداخلت مع غياب الوعي بالجانب الفني والجهل وتحقير الجماليات.

يكاد الوضع اليوم، في مواجهة أعداء الحياة ومزوّري الحقائق، يلتهب على عدة أصعدة، من بينها الصعيد الفني. فاليمني الآن أمام بثوثات مختلفة ومتضادة، وهو على الصعيد الفني أمام إما الزامل أو الأغاني، عيسى الليث أو أيوب طارش وأبو بكر سالم وغيرهم كثير. وهنا مجهر فحص الذوات التي تنشد الجمال، والأخرى التي تسعى وتختار الموت بديلاً للحياة. لا أجد يمنيًا محبًا يقول أهلاً وسهلاً للموت والأموات، وإنما للحياة والأحياء، وهي جزء من نظرة جمالية وفنية أدعو الجميع إليها.

ولا أجد ما أقوله أخيرًا أكثر من إصراري على أن أشيع وأذيع هذا اليوم طربًا على مسامعي ومسامع الجميع: غنّوا تصحوا. ليس في 1 يوليو كاعتزاز رسمي أشكر عليه الدولة، وإنما كباعث نابع من الوجدان والعمق الإنساني الذي يدل على أن الإنسان مهما واجه من القمع وخطابات الكراهية، انتصارًا لإنسانيته، سيجد أدوات ذلك. جزء مهم من هذه الأسلحة المهمة هو الفن. وفي البدء كان الصوت، فكانت الكلمة وكانت الحياة، حتى صار لنا يوم 1 يوليو.

زر الذهاب إلى الأعلى