Blogالبيئة
أخر الأخبار

صندوق الخسائر والأضرار في مؤتمر المناخ COP28.. إلى أي مدى سيفيد المتضرّرين؟

تمت الموافقة رسمياً على مسودة قرار “صندوق الخسائر والأضرار”، في افتتاح مؤتمر المناخ، كوب28، في الثلاثين من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وخرج المندوبون، من مدينة إكسبو 2020 في دبي، بجوٍّ من الانتصار، وعاد الحاضرون إلى منازلهم وهم يشعرون بموجة من التفاؤل.

وفي نهاية الأسبوع الأول من المؤتمر، لم يكن لدى الصندوق من تبرعات سوى ما يزيد قليلاً عن 700 مليون دولار تم التعهّد بها، وانتهى الأسبوع بمظاهرة تطالب الدول بـ “دفع ثمن الخسائر والأضرار”.

وظهر الصندوق، الذي أُنشئ لمساعدة الدول الفقيرة التي تضرّرت من الكوارث المناخية، بعد مرور 31 عاماً على تقديم فانواتو، وهي دولة صغيرة في المحيط الهادئ، اقتراحاً بتعويض الخسائر والأضرار الناجمة عن ارتفاع مستوى سطح البحر، الذي يسبّبه التغير المناخي. تاريخياً، ساهمت الدول الفقيرة، التي لها أثر بسيط في انبعاثات الكربون، بالقليل جداً بما يخصّ الأزمة المناخية، ولكنها اليوم تتحمّل آثارها بشكل كبير.

“من ناحية، نحن نرحب بحقيقة تمرير (الصندوق) في اليوم الأول. لقد ناضلنا بشكل طويل وشاق من أجل هذه العملية. لكن التوصيات لم تكن كما كنا نعتقد”، تقول ليدي ناكبيل، منسّقة حركة الشعوب الآسيوية للديون والتنمية، لرصيف22، خلال الاحتجاج.

“البنك الدولي” لن يفي بهذا الغرض

وبعد عقود من مفاوضات المناخ المرهقة حول التمويل المناخي، تمّ الترحيب بصفقة إنشاء “صندوق الخسائر والأضرار”، باعتبارها إنجازاً كبيراً للمفاوضين من الدول النامية في محادثات قمة كوب27 في مصر العام الفائت. وكُلّفت لجنة انتقالية، تمثل مجموعة متنوعة جغرافياً من الدول، بتصميم الصندوق.

كانت الاجتماعات على مدار العام غير ناجحة، حتى الاجتماع الخامس في أبو ظبي، قبل ثلاثة أسابيع من كوب28، في أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر، عندما توصل المفاوضون الحكوميون أخيراً إلى مسودة اتفاق.

وعلى الرغم من الاعتراضات القوية من البلدان النامية، سيعمل البنك الدولي كوصي مؤقت ومضيف للصندوق، لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد.

وتقول ناكبيل: “إن البنك الدولي لا يصلح لهذا الغرض، فهو للإقراض، والإقراض هو ما ساهم في ديون الدول”، مشيرة إلى أن الجهة المضيفة لصندوق الخسائر والأضرار يجب أن تكون كياناً مستقلاً.

وقد زعمت البلدان النامية أن استضافة البنك الدولي للصندوق – الذي يتخذ من العاصمة واشنطن مقرّاً له ويُعيّن رؤساؤه من قبل الولايات المتحدة – من شأنه أن يمنح البلدان المانحة نفوذاً ضخماً عليه، وأن يؤدي إلى فرض رسوم مرتفعة على البلدان المتلقية.

وخلال المفاوضات، كانت الولايات المتحدة تضغط على البنك لاستضافة الصندوق، وفقاً لما تفيد به ناكبيل.

وكانت الولايات المتحدة أيضاً من بين البلدان ذات الدخل الأعلى، والتي مارست ضغوطاً من أجل ألا تكون مساهمات الصندوق ملزمة قانوناً. على الرغم من أنها تاريخياً أسوأ وأكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وأكبر منتجة للنفط والغاز هذا العام، وأكبر اقتصاد في العالم، فقد التزمت الولايات المتحدة بمبلغ 17.5 مليون دولار فقط، رهناً بموافقة الكونغرس، ما أثار انتقادات فورية.

كما أعربت البلدان النامية عن استيائها من بطء البنك الدولي، عدم كفاءته وعدم خضوعه للمساءلة، ووضعه ظروفاً لا تصلح لبلدان الجنوب العالمي، وافتقاره إلى الثقافة التنظيمية اللازمة لمعالجة تغير المناخ.

وتضيف ناكبيل: “لدينا مشكلات مع سياسات البنك الدولي وأنواع المشاريع التي يموّلها في الجنوب العالمي”، مضيفة، أن البنك الدولي لديه تاريخ طويل في تمويل مشاريع الوقود الأحفوري.

أسباب تمويل آثار الكوارث المناخية

إلى جانب ذلك، ما زال شكل تمويل البلدان المتضرّرة من المناخ، سواء كان ديوناً أو قروضاً، مطروحاً للنقاش، مع توقعات بأن تكون النتيجة مزيجاً من الاثنين.

“مسألة تمويل المناخ هي في الحقيقة مسألة ديون مناخية، لأن الشمال العالمي تجاوز ميزانيته الكربونية إلى حد بعيد، وبالتالي لديه دين مناخي”، يقول الأستاذ المشارك في الاقتصاد في جامعة دينيسون، ورئيس المعهد العالمي للازدهار المستدام، فاضل كبوب، ويضيف: “عندما يكون لديك ديون عليك سدادها، لا أن تقدم قروضاً وتتوقع الفائدة، ولا أن تفرض شروطاً على كيفية استخدام الأموال”.

وينتقد كبوب الدول المتقدمة لكونها “غير جادة بشأن تمويل المناخ”، مشيراً إلى أن تمويل الانتقال العادل لا ينبغي أن يعتمد على الحلول القائمة على السوق، “لأن الأسواق تفعل ما تفعله الأسواق، وهو سحب الأرباح”.

وإحدى النقاط التي ما فتئت البلدان النامية والمجتمع المدني تناضل من أجلها، و”كسبت”، هي اللغة المتعلقة بالوصول إلى الصندوق، وهنا تشير ناكبيل إلى “تأمين” الوصول المباشر في النص للبلدان النامية في الاتفاق المنفذ لبعض التمويل.

ومع ذلك، فإن تحديد البلدان التي يمكن أن تستفيد من التمويل لا يزال نقطة خلاف، وتريد البلدان ذات الدخل المرتفع تخصيص الأموال “على أساس الضعف”، في حين لا يوجد تعريف واضح للضعف في النص. كما أنها تفضل أن تكون البلدان الأقل دخلاً فقط مؤهلة للحصول على التمويل، الأمر الذي يستبعد البلدان متوسطة الدخل، مثل ليبيا وباكستان، التي لا تزال بحاجة إلى المعونة الدولية للتعامل مع آثار الفيضانات المدمرة الأخيرة المرتبطة بالمناخ.

نقطة توتر أخرى على الطاولة، هي الدول المتأثرة بالصراعات التي تواجه تحديات كبيرة في الوصول إلى مساعدة تمويل المناخ، بسبب المخاوف المتعلقة بعدم الاستقرار والحوكمة غير الفعّالة وانخفاض القدرة على تنفيذ المشاريع التي يمكن أن تولّد عوائد للمستثمرين، وهذا من شأنه أن يستبعد دولاً مثل اليمن وسوريا وفلسطين.

“هناك كثير من الضغط من أجل فرض قيود، فهم يريدون عدداً أقل من البلدان لتكون مؤهلة، وقاعدة أضيق ينطلق منها ما ستغطيه الخسائر والأضرار”، لاحظت ناكبيل.

وكُلّف مجلس إدارة الصندوق الجديد بعقد أول اجتماع له بحلول 31 كانون الثاني/ يناير 2024، ومن المقرّر أن يشارك مجلس الإدارة في المزيد من الاجتماعات، لتحديد من سيكون مؤهلاً، وكيف يمكنهم التقديم، وكيف ومتى ستوزع الأموال فعلياً.

وفي الوقت الراهن، تتداول تفاصيل هذه الترتيبات والآليات في إطار مناقشات التقييم العالمي، وأُصدرت مسودة النص الأولية المتعلقة بضريبة السلع والخدمات يوم الثلاثاء الماضي. وتضمّنت المسودة صياغة هامة تناولت حجم الخسائر والأضرار، فضلاً عن ربط المتطلبات المستقبلية بجهود مكافحة والتخفيف من آثار تغير المناخ وتمويل التكيف.

“تعويض الخسائر والأضرار”

لم يكن الاتفاق محدّداً بشكل واضح بشأن من يجب أن يساهم في الصندوق، ولم يحدّد مقياساً للتمويل.

ويشير كبوب إلى أن البلدان النامية ستحتاج إلى ما يقدّر بنحو 2.4 تريليون دولار من التمويل السنوي للمناخ بحلول عام 2030، لتمويل انتقال عادل، “إذا أخذنا العلم والاقتصاد على محمل الجد”.

ويقدر تقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة، بأن هناك حاجة إلى ما يصل إلى 387 مليار دولار سنوياً لتنفيذ الأولويات المحلية للتكيف مع التغيرات الناجمة عن المناخ، وتشير تقديرات أخرى إلى أن الرقم يصل إلى 600 مليار دولار سنوياً.

وتردّدتْ هتافات من احتجاج الأربعاء من أجل “تعويض الخسائر والأضرار” في مقر انعقاد المؤتمر، وفي حين أن الاحتجاجات غير قانونية في دولة الإمارات العربية المتحدة، تجري جميع التجمّعات والمظاهرات في المنطقة الزرقاء في كوب28، التي تديرها الأمم المتحدة.

“التمويل (حتى الآن) هو أمر مشين. يجب أن يكون بالتريليونات، لا بالملايين،” تقول ناكبيل، ويتمثّل جزء من مطالب الدول الغنية برغبتها في أن تكون الدول النامية ذات النمو السريع، التي تساهم بشكل كبير في ارتفاع انبعاثات الكربون، مثل الصين وقطر والمملكة العربية السعودية، مساهمة في الصندوق.

وقدّمت دولة الإمارات العربية المتحدة مبلغ 100 مليون دولار في الصندوق، وكذلك فعلت ألمانيا، وتعهّد الاتحاد الأوروبي بتقديم 246 مليون دولار، ووعدت كل من إيطاليا وفرنسا بتقديم 108 ملايين دولار، كما تعهدت المملكة المتحدة بتقديم 60 مليون دولار أمريكي، بينما التزمت اليابان بتقديم 10 ملايين دولار، وتعهدت كندا، التي هي واحدة من أكبر خمسة منتجين للنفط في العالم، بتقديم 16 مليون دولار للصندوق.

ولوضع الرقم في منظوره الصحيح، يقول الخبراء إن هذه الأموال ستغطي فقط حوالي ساعة واحدة من أزمات المناخ في الدول النامية.

“نحن بحاجة إلى أن نزيد الضغط… ويتعيّن على الدول النامية أن تقف بحزم، حتى تضطر البلدان الغنية إلى الوفاء بالتزاماتها”، تؤكد ناكبيل.

*رصيف 22

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى