Blogمقالات
أخر الأخبار

اليمن.. وتداعيات الضربات الأمريكية

بضربها أهدافا للمتمردين «الحوثيين» فى اليمن مع بريطانيا يوم الخميس قبل الماضى، بعثت واشنطن برسالة قوية إلى كل من «الحوثيين» وداعميهم الإيرانيين مؤداها أن الولايات المتحدة أنهت موقفها السابق القائم على الاكتفاء بالدفاع فقط فى البحر الأحمر وأنها عاقدة العزم على وقف هجمات الجماعة ضد السفن التجارية فى المياه الإقليمية.
ومن غير الواضح ما إن كانت هذه الاستراتيجية ستكلل بالنجاح، بالنظر إلى تعنت «الحوثيين» واستفادتهم من القتال مع الولايات المتحدة، وذلك على اعتبار أن هذا الصدام يعزز صورتهم لدى خصوم الولايات المتحدة فى المنطقة، ويصرف الانتباه عن حكمهم المروع فى شمال غرب اليمن وعاصمة البلاد.
غير أنه بسبب التهديد المتزايد الذى تطرحه الجماعة بالنسبة لحرية التجارة والملاحة فى البحر الأحمر – الذى يُعد طريقا رئيسيا للملاحة العالمية ومصلحة أمريكية خالصة فى المنطقة ــ اضطرت الولايات المتحدة للتحرك.
والواقع أن المخاطر وحالات عدم اليقين المرتبطة بالهجمات التى نفذتها الولايات المتحدة وبريطانيا واضحة. فقد أعلن «الحوثيون»، الذين سحبت وزارة الخارجية الأمريكية اسمهم من قائمتها للمنظمات الإرهابية الأجنبية فى فبراير 2021 من أجل تسهيل نقل المساعدات الإنسانية إلى أجزاء من اليمن تخضع لسيطرة «الحوثيين»، أنهم سيردّون على تلك الضربات. وهناك احتمال كبير لأن يؤدى ذلك إلى تصعيدٍ لا ترغب فيه واشنطن، مثلما تدل على ذلك الزيارات المتعددة التى قام بها وزير الخارجية «أنتونى بلينكن» إلى المنطقة خلال الأسابيع الأخيرة.
ثم إن سجل هزم ميليشيات متجذرة وقوية ومرنة فى الشرق الأوسط سياسيا أو تدميرها عسكريا أو حتى ردعها بشكل حقيقى من خلال استخدام القوة وحدها سجلٌ ضعيفٌ. فعلى مدى عقود، حاولت إسرائيل تحييد «حزب الله» و«حماس»، ولكنها منيت فى ذلك بفشل ذريع. كما أن تعهد إسرائيل فى الحرب الحالية بالقضاء على «حماس» فى غزة أمر غير قابل للتحقق.
ولعل أكبر حالة من عدم اليقين فى هذه المواجهة الجديدة هى طبيعة الشراكة التى تربط «الحوثيين» بإيران. فمنذ 2014 على الأقل، زادت إيران من دعمها للحوثيين، جزئيا، لأن الجماعة تمنح طهران إمكانية الوصول إلى مضيق باب المندب الاستراتيجى ومن أجل فرصة استعراض القوة. ويُعتقد أن الأموال والتدريبات والمعلومات الاستخباراتية ساعدت على تمكين الجماعة من ضرب أهدافها التجارية الأخيرة فى البحر الأحمر. وبدون تلك المساعدة السخية، قد يفقد «الحوثيون» قدرتهم على إيذاء الملاحة هناك بشكل مهم.
لكن حجم السيطرة المباشرة التى تمارسها إيران على قيادة «الحوثيين» يظل موضوعا محل نقاش، بما فى ذلك ما إن كانت طهران تستطيع أن تأمر الجماعة بوقف هجماتها. وفى ما يتعلق باستخدام العنف الاستراتيجى ضد أعدائهم، ربما يمتلك المتمردون استقلالية أكبر من عدد من الأعضاء الآخرين فى شبكة وكلاء إيران. وبالتالى، فحتى لو تعرضت إيران لضغوط دبلوماسية شديدة أو تهديد حقيقى باستخدام القوة ضدها وأوقفت دعمها للحوثيين، فإن ذلك قد لا يمنع الجماعة من استخدام الأسلحة التى فى حوزتها، وهى أسلحة لا يستهان بها. كما أن «الحوثيين» يستطيعون نظريا الصمود ماليا بمفردهم واعتمادا على إمكانياتهم الخاصة، بالنظر إلى سيطرتهم على إيرادات الدولة ومواردها فى اليمن.
غير أنه على الرغم من كل هذه المخاطر، إلا أنه ليس أمام الولايات المتحدة خيار آخر سوى الرد على عدوان «الحوثيين»، ولا سيما أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولى لديهما مصلحة كبيرة فى البحر الأحمر، الذى يُعد نقطة دخول للسفن التى تستخدم قناة السويس، وتمر منه 12 فى المائة من التجارة العالمية.
والحقيقة أن هناك أسبابا تدعو للتفاؤل بأن هذه الأزمة لن تتدهور إلى صراع أكبر. ولئن كان هناك قلق يمكن تفهمه من إمكانية أن تقوم إيران بالرد نيابة عن الحوثيين، فإن طهران ليست متهورة.
غير أنه يجدر بالولايات المتحدة ألا تعتمد على المقاربة العسكرية فقط، بل يجب عليها أيضا أن تستمر فى انتهاج دبلوماسية أكثر فعالية بخصوص غزة والمنطقة عموما. فالحوثيون يزعمون بأن حملتهم تهدف إلى دعم «حماس» ووقف الحرب الإسرائيلية، ولكن الجيش الأمريكى قال إن عددا من هجمات «الحوثيين» الأخيرة فى البحر الأحمر لم تستهدف سفنا مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إليها أو منها. ولكن بوسع واشنطن أن تتحداهم وتكشف زيف ادعاءاتهم عبر تحقيق اختراق دبلوماسى فى غزة ــ أو حتى وقف لإطلاق النار، رغم أن الولايات المتحدة لم تطالب به بعد. وقد لا يوقف ذلك عدوان «الحوثيين»، ولكن من شأنه أن يعزز جهود واشنطن الدبلوماسية لتشكيل تحالف دولى أكبر هدفه التصدى للتهديد «الحوثى». وكلما بدا «الحوثيون» أكثر تعنتا وتهورا، ازداد الإجماع الدولى على مواجهتهم وزادت الضغوط الدبلوماسية التى يمكن أن تمارس ضدهم، بما فى ذلك فرض عقوبات اقتصادية قاسية وإعادة تصنيفهم كمنظمة إرهابية.
وختاما، إن «الحوثيين» يمثّلون مشكلة تجاهلها العالم طويلا، مما سمح بترديها وتفاقمها. ولكنها مشكلة يمكن السيطرة عليها. والأكيد أن إيجاد حل سيتطلب إرادة سياسية، وتعاونا دوليا، وربما فى المقام الأول، التحلى بالتواضع فى فهم حدود قوة الولايات المتحدة فى منطقة دائمة التغير.

-بلال صعب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى