زهير حمداني
لم يكن بنيامين نتنياهو سوى عنوان بارز للأزمة المركبة التي تعيشها إسرائيل، فقد كشفت ورطة الحرب الإسرائيلية على غزة التي يقودها وحكومته من المتطرفين التصدعات العميقة والأخطر من نوعها التي يعيشها المجتمع والمؤسسة الإسرائيلية. تلك التصدعات تضرب أركان المشروع الهش الذي قام على إغراء “الدولة القومية” بطابعها الاستعماري الاستيطاني والديني والعنصري.
وباتت كل السهام في الداخل الإسرائيلي وخارجيا توجه نحو رئيس الحكومة الإسرائيلية كعامل كسر للوحدة خلال الحرب، وفشل في تحقيق أي مكاسب سياسية أو عسكرية، في حين يعد نتنياهو مجرد عنصر يعبّر عن انكشاف التخبط السياسي والهوة المجتمعية والتصدعات الكثيرة التي تسببت بهزيمة لم تلحق به شخصيا بل بمشروع إسرائيل نفسها.
لطالما اعتمدت إسرائيل في الترويج لنفسها على سردية الدولة الديمقراطية الوحيدة في محيط من الاستبداد (المعادي لها) والمتفوقة اقتصاديا وتكنولوجيا، والتي استطاعت صهر مكونات مختلفة في مشروع ديمقراطي ليبرالي تعددي مستقر، وبالمحصلة متفوقة عسكريا. لكن أركان تلك السردية باتت محل شكوك عديدة.
بخلاف عوامل التآكل الداخلي، لم يتعرض هذا المشروع لاختبار وجودي، كانت الحروب الخاطفة والحاسمة التي تشنها إسرائيل كجزء أساسي من نظرية الأمن قد عززت كل هذه المقولات داخليا وخارجيا، لكن صدمة “طوفان الأقصى” وانهيار نظرية الحرب الخاطفة التي أخفت عوامل الوهن طويلا، واستمرار الحرب على غزة لأكثر من 3 أشهر دون تحقيق أية أهداف كشفت وهن كل تلك السرديات.
“طوفان الأقصى”.. الحرب الكاشفة
جاءت عملية “طوفان الأقصى” في وقت كان فيه الكيان الإسرائيلي في حالة من الهشاشة البالغة، لتعمق الأزمة وتزايد الهوة بين مكوناته، وتشير تصريحات قادة المقاومة في غزة إلى أنهم كانوا على إدراك عميق ومعرفة دقيقة بالمشهد الداخلي الإسرائيلي وما يبدو عليه من التفكك والارتباك.
ومثّل العدوان الإسرائيلي على غزة لحظة فارقة في مستقبل مشروع إسرائيل نفسه، فقد أثبت أن المؤسسة العسكرية والسياسية والبنية المجتمعية الإسرائيلية لم تعد مستعدة للحروب الخاطفة التي كانت تثبت بها أركان المشروع، وخلخلت الخسائر منذ يوم 7 أكتوبر أركان هذا المشروع بعنف على المستوى الإستراتيجي. وضغط موضوع الأسرى والمحتجزين بشدة على بنية المجتمع الإسرائيلي.
كانت الحرب على غزة، التي تستمر للشهر الرابع، معمقة للشروخ في المشروع الإسرائيلي بالارتباك والضعف الذي بدا عليه الجيش الإسرائيلي، وبما أظهره من انحراف أخلاقي في عملياته، وما بدت عليه المقاومة من قوة وتصميم، وما تبين من تفكك في المؤسسة الإسرائيلية برمتها، وما أثاره من تشاؤم وشكوك في مقولة الاستقرارعلى الأرض المبني على القوة العسكرية الغاشمة، وما قوبلت به إسرائيل من رفض عالمي لجرائمها ازداد بمرور الوقت.
وفي هذا السياق يشير المؤرخ الإسرائيلي، إيلان بابيه إلى أن ما يحصل في إسرائيل يؤكد “بداية نهاية المشروع الصهيوني”، والتي يعتبرها “مرحلة طويلة وخطيرة، ولن نتحدث عن المستقبل القريب للأسف، بل عن المستقبل البعيد، لكن يجب أن نكون جاهزين لذلك”.
كانت مؤشرات نهاية هذا المشروع حسب بابيه ماثلة في “الحرب اليهودية الأهلية التي شهدناها قبل 7 أكتوبر الماضي، بين المعسكر العلماني والمعسكر المتدين في المجتمع اليهودي في إسرائيل”، مشيرا إلى أن هذه الحرب ستتكرر، باعتبار أن “الإسمنت الذي يجمع المعسكرين وهو التهديد الأمني، لا يبدو أنه سيعمل بعد الآن”.
ويبني إيلان بابيه نظريته في نهاية المشروع الصهيوني بالأساس على عوامل التفكك الداخلي بين المعسكرين العلماني والمتدين التي ستزداد وتتعمق باختبار القوة التي لم تكن في صالح إسرائيل هذه المرة، والضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وفقدان اليقين في استمرارية المشروع نفسه. وهنالك مؤشرات واضحة على تخلخل هذا المشروع من بينها:
انهيار قدرة الجيش الإسرائيلي على حماية المجتمع اليهودي في الجنوب (غزة) والشمال (جنوب لبنان)، وانهيار نظرية “جيش الشعب”، وسقوط خيار الحرب الخاطفة والاستباقية، وأصبحت الحرب بالضرورة داخل العمق الإسرائيلي، بما يمثله ذلك من خسائر.
ضغطت الحرب بشدة على المجتمع الإسرائيلي، ويلحظ انتشار حالة من التشاؤم والخوف من المستقبل والقلق الوجودي، ولم يعد المشروع الإسرائيلي جاذبا لمهاجرين جدد، وازدادت معدلات الهجرة العكسية.
لم تعد الأجيال الجديدة من اليهود الشباب في إسرائيل والولايات المتحدة (الداعم الأكبر لإسرائيل) مقتنعة بالمشروع الصهيوني مثل آبائهم. وقد تزايد النقد لمشروعية الصهيونية، ومبررات استمرارها باعتبار أن الصهيونية قد حققت هدفها الرئيس، وهو إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
انكشاف الطابع العنصري الوحشي للكيان الإسرائيلي وتجاوزه للأعراف والقوانين الدولية والدعم غير المسبوق للقضية الفلسطينية في العالم، شعبيا والمرور إلى “مرحلة جديدة بتحول الضغط من المجتمعات إلى الحكومات”.
على المستوى الاقتصادي، باتت الفجوة كبيرة في إسرائيل بين الذين يملكون والذين لا يملكون ويوجد تفاوت بين الأغنياء والفقراء ولولا الدعم الأميركي المستمر لم يكن الاقتصاد الإسرائيلي سيصمد، وفقا لإيلان بابيه.
زيادة الشكوك الأميركية في النظر إلى إسرائيل كمشروع في المنطقة لخدمة مصالحها والخلاف المتزايد مع بنيامين نتنياهو في رؤيته للحرب والحل.
ويلخص الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي في صحيفة هآرتس أهم مؤشرات الفشل الإسرائيلي أمام الفلسطينيين بقوله: “إنّنا نواجه أصعب شعب في التّاريخ، وعمليّة التدمير الذاتي والمرض السرطاني الإسرائيلي بلغا مراحلهما النهائية، ولا سبيل للعِلاج بالقبب الحديدية ولا بالأسوار، ولا بالقنابل النوويّة”.
تحولات مجتمع هجين:
لم تتشكل إسرائيل بشكل طبيعي مثل كل الدول، بناء على تطور اجتماعي يقوم على تفاعل السكان مع الأرض، بل تأسست من مجتمع هجين متعدد الأعراق والجنسيات والثقافات، خلافا على كونها جاءت في إطار مشروع إمبريالي للقيام بدور وظيفي في المنطقة، وهي بذلك تفتقر إلى البعد الحضاري والإنساني، وبقي المجتمع الإسرائيلي غير متجانس ومنقسما أفقيا وعموديا. وظلت الدولة تحرس بقاءها بالقوة الغاشمة في مواجهة الشعب الذي سلب أرضه.
كما أن عملية تشكيل الكيان الإسرائيلي بنيت على فكرة استيطانية استعمارية إحلالية كان هدفها إلغاء حضارة وثقافة الشعب الفلسطيني وتصفية وجودهم بشتى الأساليب، لكن المقاومة الفلسطينية بقيت إسفينا مغروسا في قلب المشروع الإسرائيلي.
لم يكن ديفيد ﺑﻦ ﻏﻮرﻳﻮن أول رﺋﻴﺲ ﺣﻜﻮﻣﺔ إﺳﺮاﺋﻴﻠﻲ غافلا عن خطورة مزج هذه التركيبة الهجينة في دولة وحدة، لذلك تحدث عن ما سماه “فرن الانصهار” بقوله: “ﻣﻊ اﻧﺘﻬﺎء اﻟﻤﻌﺎرك.. هذا اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻜﺒﻴﺮ ذو اﻷﻟﻮان اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺼﻬﺮﻩ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﺑﻮﺗﻘﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻨﻄﺒﻊ ﻣﻨﻪ أﻣﺔ ﺟﺪﻳﺪة..”
انعكس إغراء المشروع في بداياته على تعبئة اليهود من مختلف أنحاء العالم، ونجحت الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية في استقدام المهاجرين اليهود إلى أرض فلسطين، لكنها فشلت في صهرهم في بوتقة واحدة، كما أراد بن غوريون. كانت العناصر والمكونات متنافرة بشكل جعل عملية الصهر غير مناسبة لتفرز مكونا صلبا، وظهرت التشققات تدريجيا.
وفي خطاب اعتبر تحذيريا، تحدث الرئيس الإسرائيلي السابق رؤوفين ريفلين منذ عام 2015 عن خطورة الانقسام في المجتمع الإسرائيلي- عن ما سماه “أربع عشائر” علمانية، وقومية دينية، ومتشددة، بالإضافة الى العرب، مشيرا إلى أنها “لا تعيش جنبا إلى جنب، وأولادها لا يرتادون المدارس نفسها، وأفرادها حتى لا يقرؤون الصحف ذاتها”.
ورأى ريفلين أن لهذه الجماعات المتباينة رؤى مختلفة لما يجب أن تكون عليه دولة إسرائيل، بينما “الجهل المتبادل وغياب لغة مشتركة يزيدان من التوتر والخوف والعداء والتنافس بينها”.
ولم تكن مشاريع “الإصلاحات القضائية” والإضرابات والمظاهرات ومظاهر العنصرية والتطرف سوى تعبير عن حالة الخلاف البنيوي الذي يزداد اتساعا بين تلك “العشائر الأربع”، وقد جذبت إليها المؤسسة العسكرية والأمنية برفض قطاعات واسعة من جنود الاحتياط الالتحاق بالخدمة، وامتناع ضباط في سلاح الجو عن القيام بمهامهم.
ويعبر رئيس الموساد السابق “تامير باردو” عن خطورة ذلك بقوله إن التهديد الأكبر لإسرائيل يتمثل في الإسرائيليين أنفسهم نتيجة التدمير الذاتي التي يجرى العمل به في السنوات الأخيرة، وشدد على أهمية “وقف هذا المسار الكارثي قبل نقطة اللاعودة، لأن إسرائيل تنهار ذاتيا”. وباتت هناك شكوك في إمكانية إدارة هذه الخلافات وحلها ديمقراطيا.
وتعد إسرائيل الدولة الوحيدة التي لم تضع دستورا، ونتج ذلك بشكل أساسي عن عدم حل التناقضات القائمة وعدم قدرة المجموعات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي على الاتفاق على طبيعة الدولة وهويتها وحدودها ونظامها السياسي، وبالتالي فهي دولة ما زالت لا تستطيع تعريف نفسها داخليا وخارجيا إلا بكونها “دولة لليهود”.
ويشير مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب (INSS) من جهته إلى أن الصراع السياسي يشكل خطرا إستراتيجيا على الأمن القومي الإسرائيلي، وأن هناك تراجعا جديا في المناعة الاجتماعية والقومية وصلت إلى حد التهديد بالتفكك الاجتماعي مع تصاعد التهديدات الأمنية والضرر في العلاقات مع الولايات المتحدة والأزمة الاقتصادية.
وتبرز بوضوح المشكلة الإثنية وحالة الصراع الاجتماعي بين اليهود الأوروبيين (الأشكيناز) واليهود الشرقيين (السفرديم) والتي اتخذت طابعا طبقيا وثقافيا، حيث يستمر الأشكيناز في تبوؤ موقع المركز في المجتمع والدولة.
ويبقى يهود الشرق، وكذلك يهود الفلاشا والعرب في أسفل السلم الاجتماعي والاقتصادي على مستوى الدخل والتوظيف والفرص، وزيادة منسوب العنصرية بين اليهود، وما سماه رئيس الموساد السابق ..”الكراهية المجانية” التي تشكل التهديد الوجودي الحقيقي على مستقبل إسرائيل.
ويخشى اليساريون والعلمانيون والأجيال الشابة من تغول اليمين الديني، وتحول إسرائيل إلى دولة تعيش على الهوية الدينية والأساطير التاريخية. ويتخذ المتدينون (أو الحريديم) موقفا راديكاليا من الصهيونية ومن الدولة ويقاطعون مدارسها ومعظم مؤسساتها وجيشها وإعلامها، ويعتمدون حتى توقيتا خاصا بهم.
هواجس النبوءات القديمة
تحت وطأة الهزيمة في الأيام الأولى من حرب أكتوبر 1973، تحدثت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير عن “خراب الهيكل الثالث”، وهو ما ردده إسرائيليون كثيرون قبيل وبعد اجتياح 7 أكتوبر استنادا على نبوءة قديمة، تعرف بعقدة الثمانين، تنتهي فيها دولة اليهود.
وفي كتابه “البيت الثالث” يشير الكاتب آريه شافيت إلى أن هذا “الخراب” سيكون بأيدي الإسرائيليين لأنهم أصبحوا أكبر عدو لأنفسهم، مشيرا إلى “أن التحديات الأمنية يمكن التصدي لها، ولكن لا يمكن التغلب على تفكك الهوية”.
من جهته أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك نفسه إلى ذلك بقوله في مقال بصحيفة يديعوت أحرونوت “على مر التاريخ اليهودي لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين: فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككها في العقد الثامن، ويتوجب استخلاص العبر من التشرذم والانقسام اللذين عصفا بممالك اليهود السابقة، والتي بدأت بالاندثار على أعتاب العقد الثامن”.
وارتبط ظهور هذه النبوءات بالزوال باحتدام الخلافات الداخلية المغلّفة بالأبعاد العرقية والدينية والطبقية، وأيضا بضغوط الحرب وصدمة الاجتياح يوم 7 أكتوبر ولجوء عشرات آلاف الإسرائيليين من مستوطنات الجنوب والشمال نحو الداخل، وضغوط قضية الأسرى والمحتجزين وفشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أية أهداف.
تحضر هذه النبوءات أيضا كردّ فعل نفسي، كون فكرة الاستقرار على الأرض (كأحد أهم أركان الدولة) تعد محل شك لدى الإسرائيليين بحكم أنهم يعيشون على أرض غيرهم، ويدركون أنهم في وسط محيط معاد، ويعرفون أن صاحب الأرض ما زال يقاوم.
تيار الهجرة المعاكسة:
وفي المحصلة، لم يعد الجيش يحمي الشعب، ولم يعد هناك إحساس بالأمان، ولم يعد هناك رخاء اقتصادي مع تراجع الدخل وارتفاع معدلات البطالة، ولم يعد هناك استقرار سياسي، ولم يعد هناك تأييد دولي كما في السابق، ولم يعد هناك غطاء أميركي كامل. ويدفع كل ذلك الإسرائيليين إلى التخلي عن “مشروع إسرائيل”، ليصبح خيار الهجرة المعاكسة حاضرا بقوة، كما تثبت الإحصاءات الإسرائيلية نفسها، وهو أخطر ما كان يحذر منه قادة المشروع الصهيوني.
كان العامل الديمغرافي المرتبط بهجرة اليهود إلى إسرائيل هاجسا كبيرا لدى ديفيد بن غوريون الذي يقول: “إن انتصار إسرائيل النهائي سيتحقق عن طريق الهجرة اليهودية الكثيفة، وإن بقاءها يتوقف فقط على توفر عامل واحد، هو الهجرة الواسعة إلى إسرائيل”.
وتشير التقديرات إلى تراجع كبير في الهجرة إلى إسرائيل، السنتين الأخيرتين، وقد توقفت بعد “طوفان الأقصى”. ونقلت صحيفة “زمان إسرائيل” عن سلطة السكان والهجرة الإسرائيلية أن حوالي 370 ألف إسرائيلي غادروا البلاد منذ يوم 7 أكتوبر وحتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني يضاف إليهم 600 ألف سافروا إلى الخارج خلال العطلات وبقوا هناك.
وحسب استطلاع للرأي أجرته الإذاعة الإسرائيلية الرسمية “كان” في مارس/آذار الماضي، فإن أكثر من 25% من اليهود البالغين (فوق 18 عاما)، يفكرون بالهجرة من إسرائيل تفكيرا جدّيا. كما ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” في أبريل/نيسان الماضي أن 47% ممن هاجروا أو غادروا لا يزمعون العودة مرة أخرى.
وفي ظل الهزيمة الإستراتيجية الماثلة، وتصدع صورة إسرائيل عسكريا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، لاذ كثير من الإسرائيليين بجنسياتهم وجوازاتهم الأصلية، وينتظر أن تتزايد نسبة الراغبين في ترك “المشروع الإسرائيلي”، وأن تتصاعد الهجرة العكسية، وهو ما يؤدي إلى أزمة ديمغرافية وتآكل المجتمع الإسرائيلي وتفوق عدد السكان العرب تدريجيا بفعل الزيادة السكانية المرتفعة لديهم.
يشبه باحثون إسرائيل بكونها مجرد مشروع متعدد الجنسيات بحاملي أسهم من مشارب مختلفة، بينهم مستثمرون في الخارج. غطت بدايات التأسيس والنجاحات الأولى على مواطن الضعف ومواضع الخلاف، وأجّل الدعم الخارجي إفلاس المشروع، الذي انكشف فشله تدريجيا أمام الضغوط الكثيرة والتحديات وسوء الإدارة، التي مثلها نتنياهو لما يناهز 16 عاما.
ولا يختلف نتنياهو -الذي يدير هذا المشروع راهنا- كثيرا عن غيره من السياسيين الإسرائيليين في تطرفه وتنكره للحقوق الفلسطينية، وهم لا يخالفونه في وحشية ما يرتكبه في غزة. مشكلته أنه عاد مجددا إلى الحكم بجرعات تطرف أعلى، وفي لحظة ارتباك قصوى للمشروع الإسرائيلي كان هو طرفا فاعلا فيها.
وكان عليه أن يتلقى أكبر صدمة عسكرية تتعرض له إسرائيل في تاريخها وأن يتلقى ضربات المقاومة الفلسطينية التي تدير المعركة بذكاء واقتدار، وأن يراكم الأخطاء على وقع الخسائر التي تقوض مستقبله الشخصي، وتحدث مزيدا من الشروخ في بنية المجتمع الإسرائيلي والدولة.
المصدر : الجزيرة