شهدت تكنولوجيا تخزين البيانات قفزة نوعية مع الإعلان عن إطلاق أول خدمة عالمية تجارية لحفظ البيانات باستخدام الحمض النووي (DNA) من قبل شركة أمريكية متخصصة في التكنولوجيا الحيوية. هذا التطور يمثل بداية تحول جذري ومستقبلي في كيفية تعامل العالم مع الكميات الهائلة والمتزايدة من البيانات الرقمية، ويثير تساؤلات جدية حول مستقبل وسائل التخزين التقليدية مثل الأقراص الصلبة (HDDs و SSDs).
تعتمد هذه الخدمة الرائدة على فكرة تحويل البيانات الرقمية الثنائية (1 و 0) إلى تسلسلات كيميائية يتم ترميزها داخل جزيئات الحمض النووي الاصطناعي. يُعرف الحمض النووي بكثافته التخزينية المذهلة؛ فمن الناحية النظرية، يمكن لغرام واحد فقط من الحمض النووي تخزين ما يصل إلى إكسا بايت (Exabyte) من البيانات أو أكثر، أي ما يعادل ملايين تيرابايت. هذه الكثافة الفائقة تتجاوز بكثير أي تقنية تخزين إلكترونية أو مغناطيسية متاحة حاليًا، مما يجعلها حلًا مثاليًا لمشكلة تضخم البيانات العالمية.
إلى جانب الكثافة، تتميز طريقة تخزين البيانات عبر الحمض النووي بالعمر الافتراضي الطويل جدًا. بينما تتدهور الأقراص الصلبة التقليدية وتفشل في غضون عقود قليلة، يمكن للبيانات المخزنة في الحمض النووي أن تظل سليمة وقابلة للقراءة لآلاف السنين، إذا ما تم حفظها في ظروف مثالية (جافة وباردة ومظلمة). هذا يجعلها مناسبة بشكل خاص لـ التخزين الأرشيفي طويل الأمد للبيانات التي نادرًا ما يتم الوصول إليها، مثل السجلات الحكومية، والمكتبات الرقمية الضخمة، والأفلام الكلاسيكية.
ومع ذلك، لا تزال الخدمة تواجه تحديات كبيرة. أبرزها هو التكلفة والسرعة. عملية كتابة البيانات في الحمض النووي (التركيب الكيميائي) وعملية قراءتها (التسلسل الجيني) لا تزالان بطيئتين ومكلفة للغاية مقارنة بالمعالجة السريعة للبيانات في الذاكرة الإلكترونية. في الوقت الحالي، لا تُستخدم هذه التقنية في تخزين البيانات التي تحتاج إلى الوصول السريع أو المتكرر. بدلاً من ذلك، يتم تسويق الخدمة حاليًا للشركات والمؤسسات التي تحتاج إلى حلول أرشيفية لا تحتاج إلا للقراءة على فترات متباعدة.
بينما لن تشهد الأقراص الصلبة نهاية وشيكة للاستخدام اليومي، فإن التطور التجاري لهذه الخدمة يشير إلى أن تخزين البيانات عبر الحمض النووي قد يصبح المعيار الجديد للتخزين البارد والأرشفة العميقة خلال العقد القادم. النجاح التجاري لهذه المبادرة يعتمد على قدرة الشركة على خفض تكاليف التركيب (الكتابة) والتسلسل (القراءة) بشكل كبير، وهي مسألة تخضع للبحث والتطوير المستمر في مجال التكنولوجيا الحيوية. هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام اقتصاد جديد يعتمد على البيولوجيا كـ “مركز بيانات” مستقبلي.

«غروك» في قفص الإتهام: كيف ضلّل الذكاء الاصطناعي العالم بعد هجوم سيدني؟
أول “سوبر-تريليونير” في التاريخ.. “سبيس إكس” ترفع ثروة ماسك إلى 600 مليار دولار
كيف تنقذ وظيفتك في عصر الذكاء الاصطناعي؟
شركتا أبل وجوجل تحذران من تهديدات إلكترونية عالمية محتملة