في ظهيرة صاخبة من يوم الأربعاء الماضي، اختار فتى المناديل الورقية أن يضع ثقل العالم من على كاهله ويأخذ قيلولة قصيرة، أمام حديقة السلام في مدينة إب، وسط اليمن، دون أن يدري أنها القيلولة الأخيرة في حياته، وأنها ستأخذه في استراحة طويلة لا تعب بعدها ولا عناء.
كان الطفل، الذي لم تُعرف هويته بعد، يعمل بجد في بيع المناديل الورقية ليعيل أسرته، فاقتضت الضرورة أن يتحمل قسوة الشوارع بدلًا من أن يعيش طفولته البريئة، وبعد ساعات من الكفاح تحت أشعة الشمس الحارقة، جلس على الرصيف القاسي ليريح جسده النحيل المنهك.
ربما كان يحلم إذ وضع خده على الأرض بعالم أكثر رحمة، أو بلحظة يجد فيها الظل الدفء والطعام بعيدًا عن شمس الشوارع وبردها، لم يكن يعلم أن هذا الرصيف سيكون وسادته الأخيرة، وأنه لن ينهض منه مجددًا.
لساعات، ظل جسد الطفل مسجى على الرصيف، دون أن يقترب منه أحد، كان مشهدًا مؤلمًا، فالحياة التي أخذت من الطفل كل شيء حتى أنفاسه الأخيرة، بخلت عليه بحضن دافئ أو نظرة عطف ورحمة، أو يد حانية، لحظة الوداع.
وعندما تجمهر الناس حوله، لم يكن هناك ما يمكن فعله، تم نقله إلى المستشفى، لكن الأطباء لم يجدوا نبضًا، لقد رحل الطفل الفقيد بصمت، كما عاش بصمت.
في بلد تمزقه الحرب ووطن ينهشه الفقر والدمار، فقد الفتى الصغير حياته، حاول أن يقاوم ببيع المناديل الورقية لكسب رزقه والحفاظ على بصيص حياة، غير أن جسده النحيل لم يحتمل قسوة الظروف، غلبه التعب قبل أن يرحل، وترحل أحلامه البسيطة معه.
وكعادة مآسينا في السنوات الأخيرة، سيحظى الفتى باهتمام على منصات التواصل الاجتماعي، سيتفاعل الناس ويعبروا عن حزنهم العميق، سيلعنون الحرب ومن خلّف هذه المأساة، ثم سنمر، سنعود لنعيش واقعنا الأقسى، في انتظار حلول شكل جديد لمأساتنا المستمرة.
يشكو مراسل المصدر أونلاين، أنه لم يتمكن حتى الآن من الوصول إلى اسم الفتى، لقد عاش مجهولاً، ولكم كانت الحياة قاسية عليه، لقد كتبت عليه أن يحرم حتى من أبسط الحقوق، معرفه اسمه، ليظل مجهولًا إلى حين!، لكنه يترك وراءه ذكرى مؤلمة لشعب أمسى مهدداً بذات المصير بأشكال مختلفة، ذكرى موجعة في قلوب كل من عرف قصته.