ثقافة وفكر
أخر الأخبار

الأمكنة في الرواية ليست مجرد مسرح أحداث.. والروائي كالمجرم يحوم حول مكان روايته

لا تقتصر وظيفة المقوم المكاني في النص الروائي على بناء الخلفية والمساحة التي تتحرك في إطارها الشخصيات، وتنفتح على بنية الحدث بل تقوم الهوية الإبداعية للعمل الروائي على تفوق الكاتب في صياغة البعد المكاني، لأن المكان يكمل الفكرة التي ينتظم على خطها جسد النص. الأمر الذي يقودنا إلى السؤال عن علاقة الكاتبِ بالأمكنة الملهمة.

يعتقد بورخيس بأن ثمة مدنا وكيانات مكانية لها مواصفات شخصيات ملحمية، ضاربا المثل بقرطاج وطروادة وبرلين. لا شك أن عدسة الروائي لا تقف عند السطح في التعاطي مع المكان، إنما تستبطن روح الحواضر والمدن. هنا من المناسب أن نستطلع آراء الروائيين حول إحساسهم بالأمكنة ما المشترك بين الروائي والمجرم؟ هل الرغبة قائمة بالعودة إلى الأماكن التي كانت مصدر الإلهام بالنسبة إلى الأول ومسرح الحدث لدى الثاني؟

المكان المتخيل

بداية يقول الكاتب الليبي محمد الأصفر إن “المكان يشكل العنصر الأهم في كتاباتي، وكي أبدأ نصا ما، لا بد وأن أكون في المكان المناسب له، أكون في القاهرة وأكتب عن بنغازي، أكون في بون وأكتب عن السليمانية، أزور المكان أو أعيش فيه وأتعايش معه، ثم أبتعد عنه كي أكتب”. موضحا بأنه عندما يكون المكان نفسه لا يستطيع الكتابة عنه، فبرأيه أن رؤية العين وحدها لا تكفي للكتابة، لا بد أن يخرج من المكان كي يكتب عنه الخيال، فالخيال يتضمن الحواس كلها مجتمعة.

يتطرق الأصفر إلى تجاربه مع السفر وترحاله بين المدن قائلا “لم أكن مهتما بعالم الكتابة، وكنت أعمل في تجارة الشنطة، أسافر كثيرا إلى القاهرة وإسطنبول وطنجة ومراكش وتونس ومالطا وبكين وتايلند وعمان ومالطا بالإضافة إلى كل مدن بلدي ليبيا، الوقت كله يمضي داخل وسيلة مواصلات برية أو جوية أو بحرية، ألتقي بشعوب مختلفة، وآكل أطعمة مختلفة، وأتحدث بلهجات مختلفة، حتى أنني فقدت لهجتي الأصلية وصارت غير نقية بسبب دخول عدة تعابير وكلمات من لهجات ولغات أخرى عليها”.

حينما ترك عالم التجارة متجها إلى الكتابة لم تبهتْ صورة الأمكنة في ذهنه. وبدأ بالكتابة عن المدن التي مر عليها كأنه بذلك أراد استمرار رحلاته من خلال الكلمات. وما إن يعود إلى السفر بالتدرج حتى يعاود زيارة الأمكنة التي كتب عنها، إذ وجد تغيير سحنة بعضها. والطريف هو ما يرويه عن المكتبة التي يرتادها في طرابلس، وحين يزورها بعد سنوات من الانقطاع يجدها تحولت إلى مقهى وسمع صاحبها يقول لقد مضى عصر الكتب.

يضيف مؤكدا أن المقهى يزورها أشخاص يبتسمون ويمكنك أن تتجاذب معهم أطراف الحديث بينما المكتبة زبائنها يجلبون الحزن والكآبة، كلهم يفكرون ويضعون النظارات السميكة، ويأخذون الحياة بجدية فتراهم مهمومين وكأنهم يحملون هموم الدنيا فوق ظهورهم.

أما بالنسبة إلى الروائية السورية ريما بالي فإن علاقة الروائي بالمكان تضاهي علاقته بالفكرة التي يختارها للمناقشة، فمن وجهة نظرها يلعب مسرح الأحداث دورا كبيرا ويرخي بظلاله على إيقاع النص المكون من سير الأحداث وتطور الشخصيات وحبكة العمل، لذلك تختار ريما أمكنة مألوفة مسرحا لرواياتها طبعا درجة الألفة تختلف حسب أهمية الحدث الذي يجري في ذلك المكان، وأهمية الشخصية التي تتحرك فيه وتتأثر بمناخاته في خارطة العمل ككل.

وتردف مؤلفة “خاتم سليمى” معبرة عن اعتقادها بأن المكان (مدينة، قرية، شارع، مقهى… الخ) يتعدى مجرد الرغبة للكاتب، ويرتقي إلى مقام الواجب الذي عليه تأديته بشكل متقن (إن استطاع إليه سبيلا) لإنجاز رواية تتسم بالشفافية والمصداقية وتحترم عقل القارئ وذكاءه. وهي تقول ذلك تذكِّر بأن ثمة روايات في الأدب تلقب بروايات المكان، وفيها ينتقل المكان من كونه مجرد مسرح للأحداث إلى تبوّؤ دور شخصية مهمة فيها.

تجد ريما بالي متعة في العودة إلى مسارح رواياتها، هناك تشعر بأن الحياة دبت في سطورها وأن شخصياتها التي ابتكرت، هربت من الكتب وها هي تحيط بها وتكرسها كواحدة منها في عالم شيدته بنفسها ونفخ خيالها فيه الروح.

من جانبه يرى الكاتب السوري هيثم حسين بأن علاقة الروائي بأمكنته علاقة تتجاوز حدود الواقع الظاهرة، فهي أشبه بعلاقة حميمة وسرية تربطه بها وتمنحه بعدا جديدا يتجاوز المادي والمحسوس، هي علاقة نفس وروح وليس وجودا فيزيائيا بالمعنى الحرفي. هذه الأماكن لا تظل مجرد مواقع مادية، بل تسكن داخله وتغذي خياله وتشكل جزءا من كيانه وكينونته. حين يبدأ الروائي في كتابة عمله، فهو لا ينقل المكان كما هو في الواقع، بل يعيد تأثيثه وهندسته وفقا لتصوراته وذكرياته. في مخيلته، تصبح هذه الأمكنة فضاءات حية نابضة بتفاصيل دقيقة، تخدم السرد وتعزز الأبعاد النفسية للشخصيات.

المكان، في رأي حسين، هنا يتجاوز كونه خلفية للأحداث ليصبح شريكا في تشكيل العمل الأدبي، يصبح جزءا من الروائي كما يصبح الروائي جزءا من المكان، يكتسبان معا بعدا روحيا يتداخل فيه الحنين والانتماء مع الإبداع.

أما فيما يتعلق بمسألة معاينة الروائي للأمكنة التي كانت مسرحا لأعماله الإبداعية، فإن الأمر يختلف من عمل إلى آخر، ومن كاتب إلى آخر. فهناك جغرافيات متخيلة تنبني على أمكنة حقيقية يواظب الكاتب على زيارتها في خياله. في هذه الحالة، يصبح الخيال هو المدينة الحقيقية للروائي، وعالمه الأثير الذي يجد فيه إلهامه.

ويضيف “الروائي يأخذ من تلك الأمكنة ما يناسبه، لكنه يحرر نفسه من حدودها الواقعية ليبلور أمكنته الروائية، التي تجمع بين المتخيل والواقعي في تناغم فريد. ولهذا، فإن معاينته لهذه الأمكنة تظل دائما محكومة بهذا التوازن الدقيق بين الواقع والخيال”. ويشير بهذا الصدد إلى أن الروائي يشبه “المجرم” الذي يطوف حول أمكنته ويحوم حولها، ويعود إليها وكأنه يزور مسرح جريمته الإبداعية. هذه العودة ليست فقط من أجل استكمال الرواية، ولكن أيضا لاكتشاف ما إذا كان هناك ما هو جديد يمكن التعثر به أو مصادفته، أو حتى لإعادة تخيل ما كتبه في ضوء الواقع الذي يراه أمامه.

 بهذا الشكل، تظل العلاقة بين الروائي وأمكنته علاقة متشابكة ومعقدة، يتداخل فيها ما هو حقيقي بما هو متخيل، ليخلق الروائي من خلال هذه العلاقة عوالمه الأدبية التي ينشدها خاصة وفريدة ومدهشة.

أما أروى طعم الله من تونس فهي تتناول الموضوع من موقعها كقارئة مشيرة إلى أن من خلال متابعتها للعديد من الكتب والمقالات المنشورة حول المطبخ الإبداعي فهمت، بأن الكاتب يقيم علاقة وطيدة مع المكان أو المدينة التي يستلهمها في عمله الإبداعي. فغالبا ما يضع عمله ضمن إطار أو أطر زمنية ومكانية يسوّر بها الأحداث. عندما يختار الكاتب أن تكون الرواية واقعية فهو بالتأكيد يتقيد أكثر بالمكان الذي يضع فيه روايته أما إن كانت الرواية خيالية أو مزيجا بين الخيال والواقع فذلك يعطي للكاتب مساحة أكبر للعب بالأمكنة أكثر وبناء أمكنة جديدة.

وتضيف “لو كانت الرواية من لون الواقعية السحرية مثلا يخترع الكتاب الأمكنة، ففي مئة عام من العزلة نسج ماركيز قرية ماكوندو من وحي خياله وسرد قصة حياة أجيال متعاقبة من عائلة بوينديا على امتداد 10 عقود من الزمن. وفي الرواية الدستوبية أو أدب المدينة الفاسدة يصنع الكاتب مكانا متخيلا يحكمه الشر ففي ‘نحن’ لزامياتين التي تحدث في عالم من المستقبل بنيت معظم المدينة بشكل شبه كامل من الزجاج بحيث يمكن للحكومة الواحدة أن تتجسس على الجميع بسهولة”.

تذكر طعم الله في سياق مداخلتها تجربة الكاتبة إيزابيل الليندي فيبدو بأن صاحبة “ما رواء الشتاء” مغرمة بالأماكن وما برحت تعاينها متتبعة لخيط الأحداث والتواريخ للنهوض بنصها الروائي ومن المعلوم أن انتقلت إيزابيل الليندي إلى بيت جدها، المكان الذي ألهمها لكتابة روايتها الأولى “بيت الأرواح”. استلهمت من جدتها شخصية كلارا، الشخصية الرئيسية في الرواية التي تحرك الأشياء دون لمسها وتكلم الأرواح، وتعلمت من جدها قص القصص.

مصدر الإلهام

 وكتبت قصصا للناشئة والبالغين نذكر منها ثلاثية “ذكريات النسر والجاغوار” وسردت فيها الأحداث السياسية التي حدثت في تشيلي في القرن 19 بعد الانقلاب العسكري الوحشي الذي تم فيه اغتيال عمها الرئيس سلفادور الليندي في “بيت الأرواح” و”الحب والظلال“. كانت كتابات الليندي متأثرة بالمكان الذي كبرت فيه، وببلدها تشيلي وبالأحداث السياسية التي عايشتها، وبالأدب السائد في أميركا اللاتينية.

ويقدم الكاتب الجزائري محمد جعفر رأيه في طبيعة العلاقة بين المكان والرواية متحدثا عن الخبرة التي قد اكتسبها في نظرته للمكان عن طريق القراءة والحياة العملية. برأيه أن دور المكان من المسلمات في العمل الروائي ولا يمكن لأحد أن ينكر الأهمية القصوى للمكان سواء كان حقيقيا أو متخيلا، إذ يعد أحد ركائزها الأساسيين، وأما التعامل معه على مستوى التجارب الشخصية بالطبع فكان يجب أن يمر ومنذ البدايات عبر النبش في النظريات حتى تلك التي أبدى فيها النقاد والمفكرون الكثير من الحسم، كذلك مع الوقت والتجارب تشكل لديه ما يمكن افتراضه لاحقا أنه رؤيتيه الشخصية في الكتابة، وهي رؤية كان لا بد لها أن تستلهم الكثير مما هو موجود عن طريق الاحتكاك، والتي لعبت فيه القراءة الدور الرئيس، ثم لاحقا بما تأسس عن طريق الممارسة ومحاولة حل معضلاتها التي صادفها ككاتب.

وفي النهاية أصبح ممن يمنحون حيزا معقولا للمكان في أعمالهم، أيضا وبما أنه أكثر ميلا إلى الرواية الواقعية يلوذ بما له علاقة بالوجدان والطفولة والأحلام الأولى، وقد يكون بسبب هذا اتخذ من مدينته الصغيرة مستغانم (بما لها وما عليها) مسرحا لغالبية أعماله في محاولة منه لمنحها ذلك الاتساع الذي يمكن أن تصنعه الأعمال الخالدة.

من ناحية أخرى يذكر كيف أن أحد الكتاب قد سأله مرة إذا ما كنت زرت باريس، لأنه قرأ في روايته “لابوانت” عن لقاء جرى في مقهى هناك ووصفه بدقة شديدة، وهو يظن أنه خيبّ ظنه حين أكد له أن المكان متخيل بالكامل، لكن ما يسره في هذا الموقف أنه استطاع إيقاعه في الإيهام وهو الغرض النهائي من العملية الإبداعية.

تعترف الكاتبة التونسية إيناس العباسي بأن المدن قد ألهمت فكرة تأليف رواياتها الثلاث، مصدر الإلهام لروايتها الأولى هو مكان تقع فيه بحيرة، لكن النص يتحدث كثيرا عن منزل بورقيبة وبنزرت كمدينتين تونسيتين تؤطران الأحداث وعاشت في أجوائهما. إذن هذه البنية المكانية مثل حبل المشيمة الذي ظنت أنها نجحت في قطعه في كل مرة تبتعد فيها وهي بصدد الكتابة، تكتشف أن الحبل لم يقطع. إنها مرتبطة بالمكان أكثر مما توقعت لوهلة أولى أن ذاكرتها وخيالها يشكلانه وفق ما حملته من أفكارها ومن تصورها للعالم الذي تراه.

عندما تكتب عن مدينة ما لا ترغب مؤلفة “منزل بورقيبة” بالضرورة في معاينتها في نفس فترة الكتابة لكن من ممكن أن تتغير الرواية تماما بسبب زيارة إلى مكان غير متوقع ويصبح عاملا أساسيا في قلب كل بنية الرواية التي تعمل عليها. فروايتها الثالثة، وهي قيد النشر، قد قسمت الأحداث ووزعت الشخصيات على أمكنة محددة بين تولوز في فرنسا ودبي في الإمارات.

وخلال خمس سنوات من العمل المتقطع، كانت تزور في عطلات سريعة مدينة صغيرة شمال تونس، في سبتمبر عادة تقل أفواج المصطافين اليها، طريقها متعرج ووعر، حين وقع نظرها على انطلاقة الشخصية الرئيسة في ذلك الطريق هاربة من زوجها، تحمل أمها العجوز على ظهرها وصغارها نصف نائمون يلحقون بها متعثرين. كان كل شيء أمامها، الطريق، الرعاة الصباحيون، المدرسة القديمة، والمقبرة المطلة على البحر، على سفح جبل وغابات الصنوبر. كانت البداية هناك، هروب الأم لكسر حلقة العنف والاستسلام.

لا حدث دون مكان

يتحدث الكاتب السعودي عبدالله الوصالي عن الدور المحوري للمكان في الرواية ولاسيما في الرواية الواقعية فهو ليس مجرد حاضن للحدث بل مؤثر على طاقته الإقناعية. إذن فالمكان يحدد خط الحدث الروائي واتجاهاته. يضيف “ولا حدث دون مكان، النص الروائي الإبداعي هو بالضرورة نضح من الذاكرة ونتيجة التجربة الإنسانية والخبرة الشخصية للكاتب. فتلك التجربة لا بد أنها وقعت في مكان ما، ذو سمات محددة فيمتزج الحدث بهوية المكان امتزاجا لا يمكن فصله”.

ويشير الوصالي في هذا السياق إلى تجربة إبراهيم الكوني الذي يسكن منذ أمد طويل في إحدى دول شمال أوروبا، لكنه يكتب عن الصحراء الكبرى في أفريقيا، وعندما سئِل عن سبب ذلك أجاب بأنه صحيح أنه يسكن شمال أوروبا لكن الصحراء تسكنه. هنا نرى برهانا على دور الذاكرة المكانية في صياغة أحداث الرواية فروايات الكوني عن شخصيات وتراث الطوارق والمكان الذي هجره منذ زمن. كل ذلك شكل الذاكرة السردية في تجربته الإبداعية واكتملت في مكان ذي هوية محددة لم يزل يسكنه كما ذكر.

ويتابع “لكن الكاتب أيضا يمكن أن يستمد روح المكان وتفاصيله من خلال ما يقوم بتسجيله كتابيا في مذكراته أو تدويناته. وقد يستجد أثناء تشكل النص الروائي وجود أماكن معينة حينها يتطلب البحث والتقصي وربما زيارة المكان جسديا لاستلهام زخم الكتابة. فالتفاصيل الصغيرة في المكان قد تعيد تشكيله لدى الكاتب. هذا لا يعني الالتزام بتفاصيل المكان حرفيا بل يمكن أن يكون ذلك التفصيل الصغير هو الذي يلعب الدور الأكبر في النص. ولا يمكن التنبؤ بوظيفة محددة للمكان في كل نص بل هو يمتزج عضويا وروحيا مع عناصر النص الأخرى التي يقوم بعض النقاد بتفكيك تلك الوشائج من أجل تحديد دور المكان في المتن الحكائي”.

 تختم الكاتبة اللبنانية عزة طويل حلقة النقاش بشأنِ المؤثر المكاني في الرواية متحدثة عن طيف مدينتين. بيروت وحمص في عملها الروائي الأول “لا شيء أسود بالكامل” فبنظر طويل أن للمكان أهمية لا يمكن إنكارها في الأعمال الأدبية، فالمكان يتحول أحيانا إلى إحدى الشخصيات الروائية. كما أنه إذا غيّب لسبب أدبي ما، كما في رواية “التحول” مثلا لكافكا، حيث لا يتعدى المكان غرفة في شقة عائلة، فإنه لا يفقد أهميته بل بالعكس، إذ يصبح عندها أيضا جزءا من تركيبة الرواية، ويكون له معنى خاص ومكانة خاصة.

وتقول “أنا من الذين تلفتهم جدا أمكنة هاروكي موراكامي، حين يتداخل العالم الخارجي مع عالم الشخصيات الداخلي، وحيث الغابات (كافكا على الشاطئ) تتنفس وتراقب وتبدو عدوانية، فتمثل إسقاطاتٍ لحالة الشخصيات النفسية. أعتقد أن المكان يرتبط بالقصة كما يرتبط بالكاتب. يحتاج الكاتب إلى رسم صورة للمكان في ذهنه كي يتمكن من الكتابة، وذلك حتى إن قرر عدم وصف المكان في كتابته. فعندما تتخيل القصة، تتخيل أيضا المكان الذي تحدث فيه.

 أما عن ارتباط المكان بالكاتب، فمن الشائع جدا أن يكتب الروائي عن أمكنةٍ زارها، أو عاش فيها وتشكل جزءا من وعيه للدنيا (غابرييل غارسيا ماركيز مثالا). الكاتب يمزج الواقع بالخيال، لذا فمن الطبيعي، إذا اختار مكانا لنصه لم يزره ولا عاش فيه، أن يحتاج إلى البحث عنه، ومشاهدة فيديوهات، وسؤال أشخاصٍ يعيشون في المكان المختار، وأيّ وسيلة أخرى تسهّل على الكاتب رسم صورة المكان في ذهنه أولا، ليتمكن بعدها من رسم قصته داخل هذا المكان.

وتضيف “في روايتي ‘لا شيء أسود بالكامل‘، لبيروت ثقلٌ يوازي ثقل حمص، وذاكرة المدينتين حاضرة بقوة. المكانان قاسيان، رغم اختلافهما، وهما سبب رئيس لما تعانيه شخصياتي (الحروب، التقاليد، وغيرها). بيروت تطبق على موتاها، وتثقل ذاكرة أبنائها بدمغاتٍ قد تكون أبدية. أما حمص، مدينة الشمس، فستفهم آمال أن البرد فيها أشد واقعية من الشمس. ليس هناك وصفٌ جغرافي للأمكنة في ‘لا شيء أسود بالكامل‘، لكن رغم ذلك للمكان أهمية أعتبرها خاصة جدا”.

العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى