Blogثقافة وفكر
أخر الأخبار

الإبداع وعلاقته بالمعاناة والاضطراب النفسي

سلمى سلطان

عند الحديث عن الأدب وارتباطه بالمعاناة أو الفن عمومًا نتذكر قول كافكا لغوستاف يانوش المُراهق، أثناء نُزهاتهم الكثيرة التي يبدو أن تحدث فيها الأول عن الكثير من الموضوعات، من الفن والكُتب والكُتّاب والأفلام إلى الانتحار والصلاة والأرق.

“الفن بالنسبة للفنان هو المعاناة التي من خلالها يُعرض نفسه لمزيد من المعاناة”.

كافكا وحديث عن الأدب وارتباطه بالمعاناة
كافكا المعروف بـ “رائد الكتابة الكابوسية”، وهي الكتابات المليئة بالتشاؤم والمعاناة، يوضح من خلال محادثته مع يانوش ومن خلال هذا الاقتباس أنه يجد بعض المعاناة حتى في فنه. الشيء الوحيد الذي يجد فيه الكثير من الفنانين الخلاص.

ولا يُهم أن نقوم بتفسير أو تحليل هذا الاقتباس القصير بالشكل الصحيح أو المناسب، فكل شيء يستهلكه القارئ أو المُتابع من كُتّابه وفنانيه يكون مفتوحًا للمناقشة والدراسة والتفسير بأشكالٍ عدة. ولكن الطبيعة المعروفة لكافكا تجعل قُراءه يروا النفق المُظلم دون شعاع الضوء القابع في نهايته.

فمن الصعب تفسير أي من إنتاجه الأدبي بطريقة أخرى. ومُن هُنا تبدأ التساؤلات والتكهنات تحوم حول طبيعة حياة الكاتب الألماني وطبيعة علاقاته الأسرية والعاطفية والفنية والعملية. ما الذي جعل الجميع يلقبون بـ رائد الكتابة الكابوسية أو التشاؤمية؟

في الحقيقة، السوداوية أو التشاؤمية هي ركن لا يمكن الاستهانة به في تاريخ الفن بكل أنواعه. بل وفي الكثير من الأحيان، كانت هي أساس بعض أفضل الأعمال الأدبية والفنية في التاريخ.

المعاناة الإنسانية والإبداع
وربما يأتي اسم كافكا في صدارة المُناقشة لعدة أسباب ذكرنا بعضًا منها فقط، وإذا أردنا الإجابة عن السؤال الذي طرحناه بخصوص فرانز كافكا، يجب علينا طرح والإجابة على الكثير من الأسئلة المتعلقة بأسماء أخرى في عالم الفن والأدب، لكي نُفكر بشكل أوسع ونحصل على إجابات أقرب إلى الدقة أو نوسع دائرة الربط بين المعاناة الإنسانية والإبداع.

تقول فرجينيا وولف في إحدى خطاباتها إلى فيتا ساكفيل ويست:
“وما زالت المحادثات الغريبة المُفتقرة للمعنى مستمرة، وأتساءل أكثر فأكثر عن النسيج الذي يربط العالم معًا، بحيث أن أي شيء يخرج من داخلي في هيئة كلمات، سيكون بالتأكيد عن العزلة. العزلة والرغبة فيها -إذا أردت تحقيق أي شيء، مثل الاستمرارية في الحياة- هي الفكرة الوحيدة التي أجدها في الفراغ المدوي الذي هو رأسي”.

الأدب وارتباطه بالمعاناة

فرجينيا وولف وحديث عن الأدب وارتباطه بالمعاناة
كذلك من غير العادل أن نُحاول تلخيص حالة وولف استنادًا إلى واحدة من رسائلها لساكفيل، ولكن ذلك الاستناد ربما يحمل شيئًا من الحقيقة. وربما ذلك لأن وولف كانت على علاقة عاطفية بساكفيل، بل كانت أشبه بالهوس وفقًا لمضمون الرسائل.

ولكنها لم تقتصر فقط على العاطفة، فكانت تحمل معظم الرسائل المُتبادلة بينهما الكثير من التعري المعنوي والنفسي الخاص بجوانب أخرى من حياتهما، لذلك يُمكننا الاعتماد بعض الشيء على ما ذُكر في تلك الرسائل ولا يُمكننا إهمالها ولا إهمال تلك العلاقة تمامًا في بحثنا عن الجانب السوداوي والتشاؤمي في حياة وولف.

لم يحظ كل من كافكا أو وولف بأي شهرة أو تقدير في حياتهما، ولكن هذا ليس العامل الوحيد المُشترك بينهما. وليس العامل الوحيد المشترك بين الاثنين والرسام فنسنت فان غوخ مثلًا. لقد أعطى كل منهم الكثير للفن والأدب، ولكن من أين أتى ما أعطوه؟ وما هو مصدر هذا الإبداع؟ وهل الافتقار إلى التقدير ليس هو محور مأساة الأديب والفنان، وإن كان أهم العوامل التي تُعززها؟

الاضطراب النفسي في عالم الفن والأدب
يمكن التحدث عن الاضطراب النفسي في عالم الفن والأدب من نواحيٍ مختلفة ومُتعددة، وعن السر وراء تأثيرها على أفضل الأعمال الأدبية والفنية على مر العصور، ويُمكن أيضًا أن يبدو جميعها صائبًا، ولكن هل هُنالك حقًا مصداقية حول ارتباط الاضطراب النفسي بالإبداع؟ وهل حقًا أفضل الأعمال الفنية بكل أشكالها يختبئ في ثناياها ألم سرمدي؟

لوحة الصرخة

لوحة الصرخة: هل دائمًا ما تتخفى الاضطرابات النفسية في ثياب الإبداع؟
علميًا لا توجد أي دراسة يمكن الاعتماد عليها في هذا الصدد. فجميعها دراسات ضعيفة وتفتقر إلى المصداقية. بل أن الدراسات الحديثة تُثبت أنه لا توجد علاقة بين الاضطرابات النفسية والإبداع على رغم الإيمان الشائع بهذه الفكرة.

وربما يعود ذلك لمحاولة الكثيرين لإضفاء طابع رومانسي على الواقع المؤلم والبشع أحيانًا لبعض الفنانين والأدباء. فيسهل ذلك من هضم حقيقة ما عاشه هؤلاء وما عانوه نفسيًا في فترة ما في حياتهم، وفي بعض الأحيان حتى آخر لحظة منها.

لذلك ربط الأعمال الفنية التي ربما تصبح مرآة الجمهور ليروا حالهم فيها تُخفف من وطأة الواقع المؤلم وتحوله من مأساة إلى مادة فنية وإبداعية تحمل في طياتها الكثير من الرومانسية بدلًا من الكثير من الألم.

ولكن هل تُفيد تلك المحاولات؟

ربما نعم وربما لا. يوجد الكثير من المُبدعين العالميين الذين عاشوا حياة طبيعية جدًا أو لم يتعرضوا لمأساة هائلة في حياتهم أدت إلى ذلك الإبداع.

ولكن على الجانب الآخر تبدو تلك المحاولات منطقية. فإذا لم تكن الاضطرابات النفسية أساس جميع الأعمال الفنية الجيدة أو المؤثرة، لكنها إذا حضرت في عمل معين، أضفت عليه واقعية قاسية ومُجردة تصل إلى المُتلقي بشكل دقيق جدًا، وسهل ومختصر جدًا يصعب تحقيقه في الكثير من الأحيان بتلك الدقة والمصداقية إذا لم يمر بها أو يعشها صانع العمل من قبل.

هل يمكن أن يخرج من السعادة بعض الألم؟
في الحقيقة إنتاج عمل أدبي أو فني ناجح وثري عن السعادة يُعتبر أكثر صعوبة من إنتاج عمل يعبر عن ألم ومأساة صاحبه. وذلك لأن الألم يوجد به عمق طبيعي وتوازيه الكثير من المعاني التي يمكن إدراجها إلى جانبه. أما السعادة فتبدو معنى سطحيًا في بعض الأحيان. ولا يوجد بها عُمق صريح يمكن لمسه أو فهمه بشكل سلس.

إن الألم شعور عالمي بطبيعته، فكل منا يمر به بشكل أو بآخر، أما السعادة الحقيقية ليست بالضرورة شعور يمر به الجميع، وهي أيضًا تشبه النسمة في طبيعتها، سريعة وخفيفة، يُمكن أن تأتي وتذهب ربما دون أن نشعر بها بشكل عميق وواقعي

لذلك فإن الفنان الذي لم يمر بمأساة حقيقية، مر بدرجة من درجات الألم سابقًا. وإن كانت بسيطة بالنسبة لغيره، ولكن بالطبع يمكن الإمساك بها وتحديدها بشكل أسرع من لحظات الاطمئنان والسعادة. بالتالي يمكنه، إذا وجدت الموهبة، استنباط درجة أكثر عمقًا من الألم بحسه كفنان -الذي مر به بدرجة مختلفة- لإنتاج عمل فني وفي نفس الوقت يكون على درجة كبيرة من التأثير على المُتلقي.

في أغنيتها “نبوءة” تقول كاتبة الأغاني تايلور سويفت:

“حافظ على خوذتك، حافظ على حياتك يا بنُي،

إنه مجرد جرح سطحي، خذ بندقيتك

إنهم يزحفون الآن نحو الشاطئ

أعتقد يا سيدي أنه سينزف حتى يموت

وهُناك بعض الأشياء التي لا يمكنك الحديث عنها”.

كاتبة الأغاني تايلور سويفت وحديث عن الأدب وارتباطه بالمعاناة
تتحدث الأغنية عن إحدى المعارك التي خاضها جدها خلال الحرب العالمية الثانية. وفي جزء ثاني من الأغنية تتحدث عما يمر به الطاقم الطبي في أثناء جائحة كوفيد-19، وكيف أن بعض المواقف لا يمكن وصفها أو التعبير عنها لمدى بشاعتها. بالطبع لم تُقاتل سويفت في الحرب العالمية، وهي أيضًا ليست طبيبة، ولكنها استطاعت التعبير عن تلك المشاعر بشكل دقيق وصل للكثير من مستمعيها ونال إعجاب النُقاد.

سويفت نفسها على الرغم من طفولتها الطبيعية وعائلتها المُحبة، برعت في كتابة الأغاني الحزينة وأغاني الفُراق وذلك لأنها مرت بتجارب عاطفية فاشلة وتعرضت للتنمر على مواقع التواصل الاجتماعي حيث تريب البعض في قدرتها على كتابة أي نوع آخر من الأغاني، لأنها في نظرهم تستمد إبداعها من اضطراباتها العاطفية، ومن ثمَّ لن تستطيع في رأيهم كتابة أغاني جيدة إذا أصبحت في علاقة عاطفية جيدة وصحية.

إن هذا المثال وهذه النظرية يُثبتان بشكلٍ ما تعلق الجمهور بفكرة وجود مأساة خفية ومعاناة غير ملموسة بالنسبة لهم خلف كل عمل حزين وكئيب. وأيضًا عدم قدرة البعض على تقبل انسلاخ الإبداع عن الاضطراب النفسي أو عدم وجود الاثنين جنبًا إلى جنب في بعض الأحيان.

ولكنها كتبت بالفعل أغنيات مختلفة عن واقع لم تعشه، فمثلًا في إحدى أغنياتها الأخرى ألهمتها رواية “ريبيكا” للكاتبة دافني دو مورييه حيث قالت:

“عندما تشاهد فيلمًا أو تقرأ كتابًا وتوجد شخصية تُشبهك، فإنك في معظم الأحيان تتعرف عليها لأنها تستهدف شيئًا بداخلك، لتشعر وكأنك كنت في نفس الموقف. لهذا السبب نحن نتواصل مع الشخصيات.”

وهذا يدحض بشكلٍ أو بآخر فكرة ارتباط الاضطراب النفسي بكل الأعمال الحزينة والكئيبة.

يُعتبر هذا المثال معقدًا قليلًا لأنه يجمع بين النظريتين معًا. نظرية الفنان الذي لم يعاني من مأساة مُعينة ولكن برع في استنباط الكثير من الألم من تجربة تشبه في باطنها تجربته الخاصة ولكن ليست بالضرورة مماثلة لها. وأيضًا الفنان الذي استطاع التعبير بشكل دقيق عن مأساة لا تمت له بصلة، ورغم كون حياته بعيدة كل البعد عن حياة الأشخاص الذين ألهموا ذلك العمل.

الأدب والمعاناة
عودةً لوولف -والتي تختلف بالطبع عن سويفت- التي بالفعل عانت من اضطراب نفسي رأى عُلماء النفس أنه أقرب في طبيعته إلى الاضطراب ثنائي القطب، والذي جزم الكثيرون أنه السبب المُرجح لانتحارها. ولكنها مجرد نظريات.

تعرضت وولف للتعنيف وللتحرش الجنسي مُنذ سن السادسة وحتى المراهقة من قبل أخويها غير الأشقاء، ولهذا حملت الكثير من شخصيات رواياتها اضطرابات مشابهة لما عانت منه وولف شخصيًا، من خوف وانفصال عن الواقع وتردد. حتى أنها وُصفت بالجنون من قبل البعض في حياتها الشخصية.

وفي هذه الحالة لا يمُكننا الجزم أو الإنكار بحقيقة معاناتها من اضطراب ثنائي القطب أم لا، ولكن من المعيب اختزال مأساة وولف فقط في اضطرابها النفسي الخارج عن إرادتها، وذلك لأن مأساتها تمتد وتبنُع من طفولتها حتى شبابها وما بعد ذلك.

مأساة وولف ورواية أورلاندو
أصدرت وولف في عام 1928 رواية بعنوان “أورلاندو” والتي لم يفهمها الكثيرون بسبب مضمونها وحبكتها الغريبة والجديدة من نوعها. وهي أن بطل روايتها سيستيقظ في يومٍ ما ليجد نفسه تحول إلى امرأة وبذلك تنقسم الرواية إلى جزئين. يُمارس أورلاندو أيضًا هواية كتابة الشعر، وتوضح لنا وولف الفرق بين ممارسة أورلاندو للهواية وهو رجل ثم بعد ذلك وهو امرأة.

أصدرت وولف في عام 1928 رواية بعنوان “أورلاندو”
يقول المحللون والقُراء إنها رواية نسوية، حيث تبين الفرق بين حياة البطل النبيل قبل وبعد تحوله إلى امرأة، والقيود التي فُرضت عليه فقط لكون جنسه تغير، فبالتالي صلاحياته تغيرت. وإنها أيضًا رواية تدعم الترانس جندر أو المتحولين جنسيًا. بالإضافة إلى حيرة أورلاندو عندما يجد الرجال يتقربون منه بعد تحوله الجنسي، ويجد نفسه غير قادر على التقرب من حبيبته السابقة لكونه امرأة مثلها.

تُعتبر هذه النظريات ليست خاطئة على الإطلاق ولكن بعدما تم اكتشاف رسائل الحب بين وولف وساكفيل، تأخذ الرواية منحى آخر. فيمكن من خلالها استنباط معاناة وولف مع جنسها وعلاقتها المثلية مع إحدى صديقاتها وهي امرأة متزوجة، من خلال معاناة أورلاندو مع حبه وعاطفته بعد تغير جنسه. وتتضح مأساتها أكثر فأكثر من خلال الرسائل المبطنة داخل تلك الرواية.

في العموم، تملأ أعمال وولف أجواء تميل إلى الكآبة والغرابة، والتي تعكس الإعصار الذي كان يدور في رأسها. ويجعلنا ذلك نتساءل، هل كانت لأعمال فرجينيا وولف أن تتغير وتأخذ منحنًا أخرى إذا لم تمر بما مرت به في حياتها الشخصية؟ أعتقد أنه من المستحيل اكتشاف ذلك.

وكما هو الحال مع فرجينيا وولف، ظهرت معاناة فرانز كافكا في كل أعماله تقريبًا. لقد عانى كافكا هو الآخر من طفولة مضطربة وعلاقة غير سوية بوالده مما أثر عليه تأثيرًا كبيرًا وبالتالي أثر على أغلب أعماله. وتتضح معاناة كافكا بشكل أكبر من خلال مذكراته ورسائله التي تبادلها مع ميلينا حبيبته.

مأساة كافكا ورواية المسخ
ولكن بعيدًا عن ذلك، تظهر مأساة كافكا بشكل جلي في إنتاجه الأدبي، كرواية المسخ مثلًا. والتي يستيقظ فيها البطل يومًا ليجد نفسه أصبح حشرة بحجم إنسان ومن هُنا تبدأ معاناة أسرته في التعامل معه ونُلاحظ تغيرها التدريجي، خاصةً لأنه كان عائلًا للأسرة.

الأدب وارتباطه بالمعاناة وكيف تظهر مأساة كافكا بشكل جلي في إنتاجه الأدبي
فسر الكثير من النُقاد والقُراء بالطبع مضمون الرواية على أنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بطفولة وحياة كافكا وعلاقته بوالده، وبالفعل يمكن الاعتماد على هذا التفسير لمنطقيته.

ولكن لم يتأثر فقط إنتاج فرانز كافكا المنشور بمعاناته، ولكن تأثرت أيضًا كتاباته الأخرى، فلم يكن فقط يعاني من عدم التقدير ولكنه هو بذاته كان يحرق ويدمر معظم أعماله المكتوبة بالفعل، لذلك لم ير بعض منها نور الشمس.

ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، فعلى عكس وولف التي -رغم وصفها بالجنون أحيانًا- كان البعض يقول إن لديها طبيعة مرحة قليلًا، كان كافكا يحمل طابعًا في غاية الكآبة والسوداوية يمكن لمسه في كل شيء كان يكتبه حتى كتاباته الخاصة كما قُلنا مثل مذكراته ورسائله.

يقول كافكا في إحدى رسائله لميلينا:

“لقد عِشتُ طوال حياتي وأنا اُقاوم رغبتي في انهائها”.

ويقول في رسالة أخرى:

“أحاول دائمًا أن أعبر عن شيئًا لا يمكنني التعبير عنه، أن أشرح شيئًا لا يمكن شرحه، أن أتحدث عن شيءٍ في داخلي، شيء لا يمكن التعبير عنه إلا وهو مازال في الداخل”.

ومن خلال الاقتباس الأخير يمكننا استنباط مشاعر يشترك فيها الكثير ممن يعانون من الاضطرابات النفسية والاكتئاب وهو الشعور بالانفصال عن الواقع أو الاغتراب والمحاولات المستمرة لشرح مأساة ما والتي تبوء دائمًا بالفشل لشعور المُضطرب بأنها شيء خاص جدًا أو معاناة خاصة جدًا لا يمكن لغيره فهمها أو لأن بعض المآسي يصعب شرحها لتكوينها وتأثيرها الطاغي الذي يصيب كل الحواس الأخرى بالصمم والشلل.

الفن مرآة المآسي
وربما لهذا السبب يصبح الفن هو مرآة تلك المآسي. عندما يشعر الفنان بانسلاخه عن ذاته الأصلية وتقمصه لشخصيات أخرى تُعبر عنه ولكن بشكلٍ غير مباشر، لأن الإنسان بطبعه غالبًا ما يبرع في التعبير عن مأساة من حوله ويفشل فشلًا ذريعًا في احتضان مأساته والاعتراف بها إلا ربما في أكثر اللحظات الحميمية والنادرة.

وهنا يأتي دور الفن في فلترة تلك الأحاسيس وجعل الفنان وهو يكتب عنها عن أو يمثلها أو يرسمها وما إلى ذلك يشعر بالخفة وكأنه استطاع التخلص من حمل تلك المأساة ولكن في ذات الوقت لم يعترف بشكلٍ صريح أنها تمت له بصلة.

مما يعود بنا إلى نقطة ناقشناها سابقًا وهي أنه عندما يقوم فنان بالفعل بإنتاج عمل فني عن نوع ما من الألم لم يمر به من قبل، يميل الجمهور إلى ربط العمل بألم خفي يتوارى عن أنظارهم حتى وإن لم يكن ذلك صحيحًا، الجميع يميل إلى إضفاء تلك الرومانسية على كل الأعمال الفنية التي تحمل بها شيئًا من الحزن، من أقل درجاته إلى أكبر درجاته.

وأيضًا يثبت في ذهن المُتلقي نظرية أن للاضطرابات النفسية علاقة وثيقة بكل الأعمال الحزينة والكئيبة على اختلاف أنواعها.

المصدر: أراجيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى