هيلين كوفي
هناك حادثة تطاردني منذ أعوام، سبعة أعوام تحديداً، لأن السجل الائتماني، مثل الحظ السيئ الذي ينتج من كسر المرآة، يستغرق مدة طويلة كي يتعافى من الدفعات المتأخرة.
هذه القصة ليست مرتبطة بإسرافي أو بسوء إدارتي للمال، بل متعلقة بهزيمتي من قبل عدوي الحقيقي الوحيد: إدارة المهمات.
عندما كنت في أواخر العشرينيات من عمري، انتقلت من سكن مشترك، حيث كانت جميع الفواتير المنزلية تدفع من حساب مصرفي باسمي. وعندما غادرت، طلبت من زملائي القدامى في السكن “تسوية الموضوع”. في داخلي، كان جزء مني متيقناً أن عليّ تولي زمام الأمر بنفسي بدلاً من الوثوق بثلاث نساء التقيت بهن من خلال [موقع البحث عن زملاء للسكن] “سباير رووم” Spareroom. أي إلغاء جميع عمليات السحب المباشر وإغلاق الحساب الذي لم يعد يعمل الآن. ولكن كلما فكرت في الأمر، شعرت بضغط في رأسي، كنت أحتاج إلى العثور على رسائل بريد وأرقام ملفات، كما كان يجب عليّ الاتصال والانتظار على الهاتف والاستماع إلى موسيقى سيئة أو ملء استمارات عبر الإنترنت. عند الكتابة عن هذه الأشياء الآن تبدو أقل إزعاجاً، لكن حينها كانت تبدو وكأنها عقبات كبيرة.
ولذلك لم أفعل شيئاً تجاهلت الموضوع، ولم أتحقق من الحساب مرة أخرى وتابعت حياتي، لكن بعد عدة أعوام عندما حان الوقت للتقدم بطلب للحصول على قرض سكني، أدركت أن درجة سجلي الائتماني قد أصبحت في الحضيض. لقد كنت مدينة لبنك سانتاندير بآلاف الجنيهات دون علمي، إذ استمر دفع الفواتير من الحساب، على رغم عدم إيداع أي أموال فيه، وتخطى السحب حده الأقصى وبدأت الفوائد الكبيرة بالتراكم. لقد قمت بسداد مدخراتي بالكامل بعدما كان زملائي السابقون قد غادروا المنزل منذ فترة طويلة وتاهوا في مكان ما في المدينة الشاسعة ولكن على رغم ذلك بقيت هناك علامة سوداء على اسمي.
حتى الآن لا أستطيع التخلص من الشعور العميق بالخزي الذي تثيره هذه القصة في داخلي كلما فكرت فيها، لقد أوقعني تجنبي غير المبرر وغير العقلاني لإدارة المهمات وملء الاستمارات ومهمات “البالغين” في مأزق كان من الممكن تجنبه بالكامل.
خلال ذلك الوقت أخفيت ما حدث عن الجميع، وجلست أتخبط في حرج وكراهية الذات، لم أستطع شرح سبب المماطلة المدمرة مالياً حتى لنفسي.
ولكن تبين لي أنني لست الوحيدة التي تعاني الأمر، فقد اكتشفت منذ ذلك الوقت أن عدداً من الأشخاص أصحاب الكفاءة لديهم قصص مشابهة، سواء كان الأمر يتعلق بشراء ملابس لا تناسبهم بمئات الجنيهات وتفويت الموعد النهائي لإعادتها، أو تأجيل تقديم الإقرار الضريبي وتكبد غرامات عالية (وإغضاب مصلحة الضرائب)، أو نسيان دفع ضريبة السيارة أو غرامات مواقف السيارات، أو تجاهل قضية الراتب التقاعدي عمداً والأمل في حدوث الأفضل عند التقاعد…
وتقول مدربة الإنتاجية جولييت لاندو-بوب “تظهر الأبحاث أن المماطلة ظاهرة عالمية فهي تؤثر في ناس من جميع الخلفيات في جميع أنحاء العالم”، لكنها تؤكد أن الأشخاص المصابين باضطراب “نقص الانتباه وفرط النشاط” وأشكال أخرى من التنوع العصبي يمكن أن يكونوا أكثر عرضة للمماطلة، وتضيف “يمكن أن تؤدي الأمور المتعلقة بالوظائف التنفيذية، المسؤولة عنها مناطق في الدماغ وتؤثر في اتخاذ القرار والتركيز، إلى فوضى عارمة”.
وفقاً لبحث أجري عام 2023، يؤجل البريطانيون نحو 100 مهمة إدارية [تنظيمية] في حياتهم سنوياً. أي شخص يمكن أن يصاب بـ “اضطراب قلق إدارة المهمات”، حتى أولئك الذين ليسوا عرضة لذلك، قد يصابون به بناءً على ما يحدث في حياتهم. تقول المعالجة النفسية في “مركز ذا داون [الفجر] للعافية وإعادة التأهيل”، هيلين ويلز، “يمكن أن يؤثر ذلك في أي شخص في أوقات معينة، حتى لو لم نكن بطبيعتنا مصابين بحال من اضطراب القلق، إذا كان لدينا الكثير من الأحداث في جوانب أخرى من حياتنا، فقد نصاب بالقلق الإداري، ولكن إذا كنا بطبيعتنا قلقين أو من الساعين نحو الكمال، ولم تكن لدينا أدوات للتكيف، فمن المؤكد أننا نسير نحو مسار يمكن أن يكون منهكاً. تفوّت موعداً نهائياً، فيتسلل الخوف والقلق، وتصبح فكرة التعامل معه طاغية، وحينها تبدأ في تجنب الموضوع”.
وبحسب لاندو-بوب، يوجد عدد من الأسباب التي قد تجعلنا نشعر بالإرهاق عند التفكير في مهمات معينة على رغم أنها تبدو بسيطة، تقول “أحياناً نفتقر إلى الثقة لأننا لا نملك المهارات أو الخبرة الفنية (على سبيل المثال، استخدام جداول البيانات أو ملء الاستمارات عبر الإنترنت)، والتعامل مع المهمات بمفردك يمكن أن يزيد من مشاعر الوحدة والعزلة”.
وبصراحة، فإن هذه المهمات مملة أيضاً. تضيف لاندو-بوب “غالباً ما نبالغ في تقدير المدة التي سيستغرقها القيام ببعض المهمات ونشعر بالاستياء لأن هناك عدداً من الأشياء الأخرى التي نفضل القيام بها. المفارقة هي أنه إذا لم نماطل، فسننجز المهمات في وقت أسرع بكثير!”.
على رغم أن المهمات الفردية قد تكون سريعة أو غير مهمة، فإن كثرتها هي ما يرهقنا، فالقوائم الطويلة للمهمات التي يجب إنجازها تجعل كل شيء يبدو صعباً، لذلك يكون العبء النفسي حقيقياً. وبحسب ويلز “نعيش حياة مزدحمة للغاية، حيث نوفق بين مهمات عدة، إضافة إلى كثير من المهمات الإدارية [التنظيمية]، والفواتير والمواعيد والأوراق والاستمارات. ومع كل شيء آخر، يصبح من الصعب التركيز والتنظيم. صعوبة واختلاف كل هذه المهام يمكنه أن يدفعنا إلى حافة الهاوية”، والنتيجة النهائية لذلك هي ما تشير إليه ويلز بـ”الحمل الذهني الزائد”.
كذلك يمكن للتكنولوجيا أن تساعدنا وتعوقنا في الوقت نفسه. فمن جهة، يمكننا استخدامها لدفع فواتير معينة بصورة آلية وتبسيط بعض المهام اليومية. ولكن من جهة أخرى، فإن التكنولوجيا أكبر وسيلة تشتيت تم اختراعها على الإطلاق. وتقول ويلز عن الموضوع: “تفتح الإنترنت لدفع فاتورة، وتقول سأتصفح ’إنستغرام‘ لمدة خمس دقائق فقط، لكن بعد ساعتين تجد نفسك لا تزال تتصفح ’إنستغرام‘ وتؤجل دفع الفاتورة إلى الغد. يمكن أن تعمل التكنولوجيا ضدنا، بخاصة بالنسبة إلى المهام التي لا نريد حقاً القيام بها. يمكننا بمنتهى السهولة أن ننغمس في التصفح”.
غالباً ما نخلق حلقة مفرغة عندما نشعر بالشلل وعدم القدرة على إكمال المهام المملة ولكن الضرورية: نؤجل ونماطل ونتجنب المهام فتصبح مقلقة أكثر، وندخل بعدها في حال من الإرباك، ونؤجل إتمام المهمة مجدداً، وهكذا إلى ما لا نهاية. في بعض الحالات، عندما يكون لدينا القليل من إستراتيجيات التأقلم للتعامل مع الأمر، هذا الضغط “يمكن أن يؤثر بشكل جدي في قدرتنا على العمل”، بحسب ويلز.
ويمكن لطبيعة المهمة أن تلعب دوراً أيضاً، فبعض المهام المرتبطة بالتغييرات الكبيرة في حياتنا، مثل إكمال أوراق الطلاق أو الوفاة، تكون أكثر إرهاقاً من المهام الفردية نفسها بسبب ما تمثله. وتقول لاندو-بوب إن المماطلة تتفاقم أيضاً عندما نشعر بالتوتر أو الإرهاق، وقد يحدث ذلك “عندما تكون هناك مطالب تستنزف وقتك وطاقتك واهتمامك”.
في المقابل، يمكن لفهم الأسباب وراء ترددنا أن يكون مفتاحاً لتغيير أنماط السلوك المتجذرة. إذا لاحظت ظهور المشكلات نفسها بصورة متكررة – مثلاً القلق الناتج عن التأخر في دفع الفواتير أو تفويت الموعد النهائي للتقديم على فرصة العمل التي تحلم بها – فقد يكون من المفيد طلب مساعدة المختصين. وتطرح ويلز بعض الأسئلة في هذا السياق: “ما السمات الخفية التي تحدث فعلاً؟ إذا وصل الأمر إلى المرحلة التي يكون فيها عبء الإجهاد واضطراب القلق كبيراً، ففكر في رؤية معالج قد يكون قادراً على إرشادك وتطوير بعض إستراتيجيات التأقلم”.
وهناك أيضاً خطوات عملية يمكننا اتخاذها لكسر حلقة الجمود. توصي لاندو-بوب بإيجاد الوقت المناسب لك لإنجاز المهام، عندما تكون طاقتك عالية أو أن تكون في أعلى حالاتك إنتاجية. أيضاً، بإمكانك تقسيم المهمة إلى خطوات صغيرة يمكن تحقيقها. وتنصح: “حدد الخطوة الأولى واجعلها هدفاً صغيراً. ذلك قد يكون العثور على رقم هاتف أو فتح ملف على جهاز الكمبيوتر. قد يكون التحدي الأصعب هو البدء [باتخاذ خطوات] ولكن بمجرد إنجاز الخطوة الأولى، ستكون مستعداً لاتخاذ الخطوة التالية”.
كذلك يمكن للاعتياد على روتين محدد والالتزام به أن يساعد أيضاً. تقترح ويلز وضع وقت محدد خلال اليوم لتقوم خلاله بأجزاء من المهمة، مثل فرز أموالك – كما قد يكون ضبط المنبه لمدة 15 دقيقة لإنجاز مهمة ما حافزاً جيداً. من جهتها تنصح لاندو-بوب بتغيير موقعك وأخذ الكمبيوتر إلى مقهى أو مكتبة لإنجاز المهام حيث يمكن لذلك أن يعزز الإنتاجية.
وعلى رغم أن التكنولوجيا يمكن أن تستنزف وقتنا واهتمامنا، فإنه يمكن الاستفادة منها لمصلحتنا أيضاً. وتقترح ويلز أن تقوم بالأتمتة قدر المستطاع، من خلال استخدام التطبيقات والمنبهات، واستخدم الملفات الإلكترونية حتى يسهل عليك العثور على المستندات التي تحتاج إليها.
ولكن ربما تكون النصيحة الأكثر جاذبية هي عدم القيام بذلك بمفردك. تقول لاندو-بوب: “حاول أن تخضع نفسك للمسؤولية عن طريق إخبار شخص آخر بما تنوي القيام به. والأفضل حتى أن تتعاون مع صديق أو قريب أو زميل تثق به وتخصص بعض الوقت لمعالجة مهام محددة معاً. يمكن أن يكون القيام بالمهام أسهل كثيراً مع وجود صحبة. لا تعاني بمفردك – طلب المساعدة هو علامة على القوة وليس الضعف”.
كذلك تتفق ويلز على أنه يجب علينا الاستفادة من أي دعم يمكننا الحصول عليه، سواء كان ذلك يعني اللجوء إلى صديق بارع في التكنولوجيا أو تفويض المهام والاستعانة بمصادر خارجية قدر الإمكان: “ليس من الضروري دائماً أن يتعين علينا القيام [بالمهمة]”. فمثلاً إن كان بوسعك دفع المال لمحاسب لإعداد إقرارك الضريبي، أو إذا كنت تعيش مع أشخاص بالغين آخرين، فحاول تقاسم عبء المهام معهم حتى لا تكون مسؤولاً عن كل شيء.
وإذا فشلت كل المحاولات الأخرى، فعليك مكافأة نفسك. تقول ويلز: “إنها مسألة بسيطة للغاية، ولكن عندما ننجز قائمة المهام التي يتعين علينا إنجازها، ونسدد فواتيرنا، وننهي كل شيء، نحصل على مكافأة صغيرة. اذهب وتناول فنجاناً من القهوة في المتجر المجاور لتقول لنفسك أحسنت، لتدرك أن [الإنجاز] يمنح شعوراً جيداً. قل لنفسك ‘أحببت هذا [الشعور]. سأجربه مرة أخرى في هذا الوقت من الشهر المقبل'”.
شخصياً قد أقتنع بالأمر إذا ما استبدلنا بالقهوة حلى خبز القرفة، على أمل تجنب سبع سنوات أخرى من التصنيف الائتماني السيئ.