مقالات
أخر الأخبار

الجمهورية والديمقراطية

أنور بن قاسم الخضري

لا زالت هناك عقول تحاول محاربة النظام الجمهوري والديمقراطية (باعتبارها آليَّة لإدارة الخلافات السياسية وحسم النزاعات على السلطة والتشارك فيها)؛ علمًا بأنَّ هذه الأوصاف لا تناقض الدين لا في قليل ولا كثير، ولا تبطل حقًّا ولا تحقُّ باطلًا، بل هي وسائل تؤدِّي للحقِّ والباطل بحسب استخدام الناس لها.

وقد رأينا كيف أنَّه بويع لخلفاء ما كانوا أهلا للخلافة، وبويع ملوك خونة لأمَّتهم ودينهم، فهل يُقال إنَّ البيعة باطلة في أصلها؟! وهل يقول ذلك إلَّا أخرق.

ولقد كان ابن تيمية -رحمه الله، وغيره مِن العلماء، يستشهدون على صحَّة الأقوال في الأمور العلمية، الدينية والدنيوية، بأنَّه قول: جمهور الصحابة، أو جمهور التابعين، أو جمهور العلماء، أو جمهور الفقهاء، أو جمهور المفسِّرين، أو جمهور أهل اللغة، أو جمهور الأمَّة، أو جمهور العقلاء، أو جمهور الناس.

وينصُّ ابن تيمية على أنَّ بيعة أبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- إنَّما تمَّت وانعقدت ببيعة جمهور الصحابة -رضي الله عنهم، عن اختيار وإرادة حرَّة، وإن تخلَّف أفراد عنها.

ومعلوم أنَّهم لم يحملوا الناس عليها قهرًا، ولا نالوها بالتوريث، ولم تكن بيعتهم بيعة شكلية يحضرها طائفة مِن الناس فيما تكتَّم أفواه الناس المعارضين ويطاردون لإسكات أصواتهم ومنع ظهورهم.
وإنَّ أبلغ الوسائل قربًا للتعبير عن إرادة حرَّة في اختيار الحاكم النظام الانتخابي الذي لا يمنع أحدًا مِن الترشُّح وفق الشروط الدستورية، ويترك الأمر للمنافسة، ثمَّ يطرح الاختيار لتصويت عام يشارك فيه عموم الشعب وفق قواعد دستورية وقانونية.

فالجمهورية هي النظام المعبِّر عن حقيقة اختيار الأمَّة لحكَّامها كما هو في الإسلام، وإن لم ترد عبارة البيعة فإنَّ التصويت والانتخاب وما يحكمها مِن مواد دستورية وقانونية بمثابة البيعة الملزمة للطاعة؛ إذ البيعة ليست عبادة في ذاتها، حتَّى تجعل معيارًا لصحَّة وصول الإنسان للحكم، بل هي آلية ينوب عنها اليوم العملية الانتخابية وتصديق اللجنة العليا للانتخابات للنتائج وإعلان مجلس النوَّاب لها، وذهاب الحاكم للحلف أمام ممثِّلي الأمَّة المنتخبين لأداء مهامِّه.

فإن قال قائل: إنَّ الأمَّة اليوم فسدت، فكيف يتاح لها الاختيار والاختيار في الإسلام إنَّما يكون لأهل الصلاح؟!

وهذا الكلام وإن كان وراء ظاهره مقصد حسن، ويصدق في بادئ أمر الإسلام، إلَّا أنَّه لا يمنع مِن بقاء الأصل، وهو أنَّ الأمَّة هي المعنية بالاختيار، برَّها وفاجرها، وقد تمَّت بيعة علي بن أبي طالب، والحسن بن علي، مِن خليط مِن الناس، فيهم الصالح والفاسد، وكذلك خلفاء بني أميَّة وبني العبَّاس وبني عثمان، فما كانت جميع البيعات تتمُّ عن فئة مؤمنة صالحة فقط، بل كان الأمر في كثير مِن الأحوال يتمُّ بقوَّة فجَّار وعسكر وأهل نفاق.

ولم يلغ أحد مِن العلماء خلافة أحد مِن الخلفاء الذين خضعت الأمَّة لهم بعذر عدم انتخاب الصالحين له، بل كان معظم الصالحين في الأمَّة بعد القرن الأوَّل خارج دائرة التأثير.

وإنَّ هجوم بعض اليمنيين على الجمهورية والديمقراطية بدعم وتوظيف أو استخدام، أو بجهل وغفلة وعدم وعي، إنَّما هو هجوم على ما فيه مصلحة متحقِّقة وعود على منطق الغلبة والقهر، والذي يُقصى فيه أهل الصلاح والتقى كما أقصوا منذ ظهور الملك العضوض في الأمَّة. لهذا وجب التنبيه.

زر الذهاب إلى الأعلى