السنيدار يلتقط صورة لصنعاء القديمة والفنان عدنان جمن يحولها إلى لوحة فنية عملاقة بأنامله
الفنان عدنان جمن:
للمرة الأولى أغامر برسم مدينة كاملة بمقاس عملاق لم أتجرأ على رسمه من قبل!
لكن إغراء المدينة القديمة و تفاصيل الأزقة و البيوت الطينية التي يوشك معظمها على الاندثار حرّكت في قلبي الكثير من المشاعر الجارفة و الشجون..!
رحت أتأمل مطولاً في الصورة الفوتوغرافية المبهرة للفنان الشاب المبدع (علي السنيدار) ابن المدينة القديمة التي خلّد فيها اللحظة بعدسة واسعة (Wide Angle)، بمزيد من الدهشة و الحب لكل تلك التفاصيل الآسرة للروح المترامية في أرجاء اللوحة، سرعان ما تتنبه أنها ليست مجرد مدينة غارقة في القدم و الجمال فحسب، ليست مجرد أبنية فقط .. بل بشراً يسكنونها و يمارسون معها طقوس العشق و الانتماء و البقاء!
و أنت ترسم .. ترى آثار الساكنين و سيرتهم مرسومة على سطوحها، بقايا ذكريات و بقايا أشياء من أثر السنين، تستريح بدِعة و سكينة على السطوح، حتى تلك الألواح الشمسية الحديثة و صحون التقاط المحطات التلفزيونية المتناثرة ، و خزانات المياه الحديدية الصدئة جنباً إلى جنب مع الخزانات البلاستيكية ناصعة البياض الحديثة و البطانيات المنشورة على حواف تلك السطوح تناغمت بشكل غامض ومهيب مع المشهد لتدل على حياة ساكني البيوت، بعض تلك المتعلقات أكلها الصدأ كما أكل الزمن جسد بيوت الطين الواهنة و الواغلة في التاريخ!
بيد أن الوقت داهمني بشكل غير متوقع و أنا أرسم كل بيت على حدة باعتباره لوحة مستقلة، مع القليل من التدخلات الطفيفة و المهمة التي وجدتها ضرورية لاعتبارات عديدة – فنية و آثارية!
ثلاثة أشهر من عمري الستيني و أنا أعيش حالةً غير مسبوقة من التصوف لم أعهدها، عشتها مع روح كل بيت في أدق تفاصيله و كان جلّ خوفي و قلقي أن يسقط بيتاً آخر من هذه البيوت الحبيبة التي رسمتها في هذه اللوحة بعد أن تُركت دون ترميم و عناية تذكران، لاسيما أن الأمطار الأخيرة أدت إلى انهيار بعضها!!
كان التحدي الأهم بالنسب لي هو الملاحقة الصعبة لآلية انتشار ضوء الشمس الذهبي الساطع الذي صبغ تلك البيوت الطينية فزادها جمالاً فوق جمالها، أينما لاحقت ضوء الشمس و الظلال تجد لوحةً جميلة لكل بيت، تكاد تقسم أنه يطالبك كفنان أن تقف متريثاً صبوراً كي تعطيه حقه من الحب و الاهتمام اللائقين مع الكثير من السخاء من لون اشعة الشمس الذهبية قبل أن تنتقل إلى البيت الذي يليه أو يلاصقه لتقرأ “باليتة” الألوان الخاصة به، لا عجلة و استعجال و لا ضجر، حتى لو تطلب رسم أحد تلك البيوت عدة أيام متواصلة!
.. و ماذا عن تلك السماء التي لا تقل ألوانها إبهاراً و جمالاً في الصورة الأصلية عن تلك البيوت الخالدة و التي تحتل ثلث اللوحة، واهبةً المدينة جلّ لونها الذهبي الساحر لتكتمل سيمفونية الأرض و السماء؟!
اللوحة رسمتها على قماش أصلي سميك قمت بمعالجته و تأسيسه بنفسي، كما استخدمت أفضل أنواع الألوان الزيتية لرسمها على مقاس ضخم (مترين في متر و نصف)، مقاس متحفي عابق بالتفاصيل وحكايا الزمان و المكان!
المصدر عدن الغد