مقالات
أخر الأخبار

الضربة الإسرائيلية على إيران: إعادة ضبط قواعد الاشتباك أم استعادة الردع؟

بقلم: أدهم أبو سلمية

الضربة الجوية الإسرائيلية المحدودة على إيران، في صباح يوم 26 أكتوبر 2024، أثارت الكثير من النقاشات حول توقيتها وحجمها وتداعياتها المتوقعة؛ حيث ظهر جلياً محدودية الضربة وتراجع حدة التهديدات الإسرائيلية التي سبقتها، والتي كانت توحي بأن الضربة ستغير معالم المنطقة، وهو ما لم يحدث حتى الآن على الأقل.

التوقيت والسياق:
تأتي هذه الضربة في توقيت حساس، سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي.. الضربة جاءت كرد على الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في أوائل أكتوبر، والذي كان بدوره رداً على اغتيال إسرائيل لشخصيات بارزة، مثل إسماعيل هنية من حركة حماس، وحسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله. قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتنفيذ الضربة، قبل عشرة أيام فقط من الانتخابات الأمريكية، يعكس استغلالًا سياسيًّا للوضع؛ حيث يسعى للاستفادة من انشغال الإدارة الأمريكية بالقضايا الداخلية، وفي الوقت ذاته تعزيز الدعم من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.

يُعتقد أن نتنياهو يحاول التأثير على توقيت الرد الإيراني، خاصة في ظل الغموض حول نتائج الانتخابات الأمريكية، حيث تختلف مواقف ترامب وكامالا هاريس بشأن قضايا المنطقة، ما يضيف طبقة إضافية من التعقيد الاستراتيجي.

حجم الهجوم:
استهدفت الضربة مواقع عسكرية داخل إيران، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي، ومنشآت تصنيع الصواريخ والطائرات المسيرة. ومع أن الهجوم كان كبيرًا نسبيًّا من حيث عدد المواقع المستهدفة، فإنه تجنب استهداف البنية التحتية النووية أو النفطية الإيرانية، وذلك على الأرجح بضغط من الولايات المتحدة لتفادي تصعيد أوسع، ما يؤكد انخراطًا أوسع للإدارة الأمريكية في ضبط إيقاع المواجهة مع إيران، وبصورة أقل مع لبنان، مع إطلاق يد الاحتلال في داخل فلسطين.

الحسابات السياسية لنتنياهو:
داخليًّا، يُنظر إلى الضربة على أنها محاولة من نتنياهو لإدارة التوترات السياسية داخل إسرائيل، خاصة مع اقتراب محاكمته في ديسمبر 2024م.. تصعيد الصراع مع إيران يمكن أن يساعد نتنياهو في تعزيز مكانته السياسية، لا سيما بين اليمين المتطرف الذي يدعم نهجًا أكثر تشددًا ضد إيران وحلفائها في المنطقة. ومع ذلك، قد يواجه نتنياهو انتقادات من اليمين الذي قد يرى أن الضربة لم تكن حاسمة بما يكفي، وهو في تقديري ما دفع نتنياهو لاتخاذ قرار توجيه الضربة فجر السبت، للاستفادة من دخول اليمينيين في حرمة السبت.

إعادة ضبط قواعد الاشتباك أم استعادة الردع:
عكست الضربة رغبة اسرائيل في إعادة ضبط مؤقت لقواعد الاشتباك مع ايران، في مسعى لتحييدها بعد الديناميات الإقليمية المكثفة عقب “طوفان الأقصى” وتبادل الصواريخ الذي تلاه، ويمكن أن تمثل هذه الغارة استمرارًا لتبادل الضربات المحدودة. ومع ذلك، من المهم دراسة إمكانية أن تكون إسرائيل تحاول تعديل قواعد الاشتباك، من خلال استهداف البنية التحتية العسكرية الإيرانية مع تجنب تجاوز عتبة قد تستفز حربًا شاملة.

صحيح أن إسرائيل في ظل قيادة بنيامين نتنياهو تنظر إلى العمل العسكري ضد إيران كجزء من استراتيجيتها للردع؛ وقد تكون هذه الغارة طريقة نتنياهو لإرسال رسالة، مفادها أنه على الرغم من تورط إسرائيل في حرب متعددة الجبهات مع المقاومة الفلسطينية وحزب الله، فإنها لا تزال تحتفظ بالقدرة العسكرية والاستعداد لمواجهة إيران.. هذا مهم بشكل خاص للعقيدة العسكرية الإسرائيلية، التي تأثرت نفسيًّا جراء حربها المستمرة مع الفصائل الفلسطينية. استعادة الردع في الإدراك الإقليمي الأوسع قد تكون هدفًا حاسمًا لهذه الضربة، لكن السؤال الحقيقي هو ما إن كان هذا سيكون كافيًا على المدى الطويل.

التداعيات الجيوسياسية:
على الصعيد الإقليمي، يبدو أن هذه الضربة جزء من استراتيجية أوسع لنتنياهو، تهدف إلى إضعاف حزب الله وحماس، وهما الحليفان الرئيسيان لإيران في المنطقة. حيث تخشى إسرائيل من تزايد قدرات حزب الله، وهي من خلال هذه الضربة قد تحاول إرسال رسالة، مفادها أنها لن تتسامح مع أي تعزيز لقوة الحزب في لبنان.

في المقابل، سيكون رد إيران حاسمًا في تحديد ما إن كانت هذه الضربة تمثل تعديلًا مؤقتًا أو تحولًا استراتيجيًّا أعمق. من المرجح أن توازن طهران بين:

– الاستقرار الداخلي وإظهار القوة: إيران قللت من حجم الأضرار، ما يشير إلى رغبتها في الحفاظ على الاستقرار الداخلي، وتجنب الظهور بمظهر الضعيف. ومع ذلك، لا يمكنها تجاهل التحركات الإسرائيلية بالكامل، خاصةً بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لقدراتها العسكرية.

– استراتيجية الحرب بالوكالة: بدلاً من المواجهة المباشرة، قد تستمر إيران في نمطها المعروف من الحرب بالوكالة، باستخدام حزب الله والفصائل العراقية أو حتى الحوثيين لتصعيد الصراع بشكل غير مباشر.. هذا النهج يحافظ على صورة طهران على الساحة الدولية، بينما يبقي الضغط على المصالح الإسرائيلية في المنطقة.

ختاماً؛ تشكل الضربة الإسرائيلية على إيران تصعيدًا محسوبًا في الصراع بين البلدين، حيث يستغل نتنياهو الوضع السياسي والعسكري لتحقيق مكاسب داخلية وإقليمية. وعلى الرغم من أن العملية كانت محدودة، فإن توقيتها وتنفيذها لهما تداعيات كبيرة على الساحة الإقليمية والدولية.. ستتضح تداعيات هذا التصعيد في الأسابيع المقبلة، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية، واحتمالات تصاعد الصراع أو احتوائه بناءً على نتائجها.

زر الذهاب إلى الأعلى