
ترصد الباحثة اليمنية د.صفاء لطف عروة وتحلل علاقة اليمن بجامعة الدول العربية في كتابيها “اليمن وجامعة الدول العربية”، في أولهما هو أطروحتها لنيل درجة الماجستير وتتناول الفترة من عام 1945 الذي تأسست فيه جامعة الدول العربية، وحتى عام 1962 الذي انتهى فيه الحكم الإمامي، وذلك من خلال تحليل الدور التأسيسي لليمن في المنظمة العربية الإقليمية، ومعرفة موقف الجامعة من أهم أحداثها من حركات وانقلابات وثورات، وموقفها أيضًا من النزاع اليمني – البريطاني وقضية الجنوب اليمني المحتل، والتعرف على موقف اليمن من أهم القضايا العربية المطروحة أمام جامعة الدول العربية.
وفي الكتاب الثاني وهو أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وانطلقت تحليلاتها من ثورتي 26 سبتمبر/أيلول 1962 و14 أكتوبر/تشرين الأول 1963، مرورًا بالحروب الأهلية في الشمال ثم الجنوب قبل الاستقلال، وحرب الوحدة بين الشطرين بعد الاستقلال، تليها تداعيات اغتيال الرئيسين إبراهيم الحمدي في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1977، وأحمد الغشمي في 24 يونيو/حزيران 1978 باليمن الشمالي، وكذلك الرئيس سالم ربيع علي في 26 يونيو/حزيران 1978 باليمن الجنوبي، كما تتبعت مواقف اليمن بشطريه من أهم القضايا في الجامعة، التي حطت الشعوب العربية الآمال الكبيرة فيها لتحقيق مطالبها، وتتعدى الفترة التاريخية للموضوع 17 عامًا، وهي فترة تاريخية مهمة مليئة بالعديد من الوقائع والأحداث والتغيرات السياسية.
الكتابان اللذان صدرا من مؤسسة أروقة أكدت خلالهما الباحثة أن إسهام مجلس جامعة الدول العربية كان محدودًا في تحقيق استقرار اليمن، ويتفاوت من اجتماع لآخر، نتيجة توكله على بعض دول الجامعة، ومنها الكويت وليبيا والجزائر والعراق، لإيجاد حل للمشاكل اليمنية، وفي المقابل كان هناك تدخل لبعض دول الجامعة في قراراته بغية مصالحها وأهدافها السياسية، فقد كانت السعودية ومصر تضغطان على مجلس الجامعة، وترفضان عدة مرات مناقشة مشكلة اليمن في اجتماعه، مما أضعف موقفه، وشل من حركة الأمانة العامة للجامعة العربية.
وقالت “تفاعلت جامعة الدول العربية مع أحداث شمال اليمن بعد ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962، ووقف مجلس الجامعة مع النظام الجمهوري واعترف به، لأن أغلبية أعضائه من التيار التقدمي الجمهوري، وكان لمصر تأثير على الجامعة، رغم اعتراض السعودية والأردن في البداية، الذي لم يدُم طويلًا، فقد اعترفت الأردن به عام 1964، وأصبحت في مؤتمر القمة العربي الثاني تسعى لإيجاد حل للخلاف بين اليمن والسعودية، وتدعو السعودية بالاعتراف بالنظام الجمهوري، فكانت مصر والسعودية تظهران تفاهمهما من أجل حل مشكلة اليمن في جلسات مجلس الجامعة ومؤتمرات القمة، لكن على أرض الواقع وفي الأراضي اليمنية، كان استمرار الخلاف واضحًا بينهما، وأثر على قضية اليمن في الجامعة التي واجهت صعوبة في التعامل مع مشكلة اليمن، بسبب الخلافات اليمنية، رغم تشكيلها لجنة ثلاثية تابعة لها لحل الخلاف، حتى حرب 1967.
تعاملت مصر الداعمة للثورة والسعودية المعارضة لها في جامعة الدول العربية، بخصوص المشكلة في شمال اليمن بما يتوافق مع مصالحهما وأهدافهما السياسية، وكانت المشكلة اليمنية تناقش بينهما، ويتم الاتفاق على قرارات تخص الشعب اليمني، بدون أخذ رأي القيادة والحكومة اليمنية، مما قاد إلى فشل تلك الاتفاقات وتأخير حل المشكلة، رغم محاولات الجامعة العديدة لإيقاف الحرب الأهلية التي اندلعت بعد ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962، لكن تدخل مصر والسعودية في لجانها وقراراتها، أعاق الدور الذي كان يجب أن تقوم به، لإيقاف الحرب في وقت مبكر، وتجاهلها أحيانًا لأهمية القضية اليمنية في مجلسها، رغم اهتمامه واقتناعه بأن استمرار الحرب في اليمن ليس في صالح الدول العربية، مما جعل اليمنيين ييأسون من موقفها السلبي، ويقتنعون بأن حل المشكلة لن يتم إلا بعد المصالحة بين اليمنيين ذاتهم.
ورأت الباحثة أن جامعة الدول العربية ناصرت كفاح شعب جنوب اليمن المحتل، وبرز دورها في محاولة توحيد الفصائل الوطنية، حيث دعت الأمانة العامة ممثلي الهيئات الوطنية في الجنوب إلى عقد مؤتمر شعبي، بمقر الجامعة لتوحيد صفوفها قبل وصول اللجنة الدولية، التي أرسلتها لجنة تصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة إلى القاهرة في يوليو/تموز 1964، وألفت لجنة برئاسة الأمين العام للجامعة بُغية توحيد المناضلين، وأيدت الجامعة حركة التحرر ودعمتها ماديًا ومعنويًا، وأثمرت جهودها في تشكيل جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل، واعتبرتها الممثل الوحيد لشعب الجنوب اليمني، وحاولت حل الخلاف بين جبهة التحرير والجبهة القومية، الذي تحول سريعًا إلى قتال بينهما وناشدتهما بوقفه، وكلفت الأمين العام للجامعة، بدعوة الفصائل الوطنية لاجتماع عاجل في مقر الجامعة، لكنها لم تنجح سريعًا في حل الخلاف، فاتفقت الجبهة القومية مع بريطانيا، ووقعت بمفردها اتفاقية الجلاء، رغم محاولاتها المستمرة في جمع الجبهة القومية مع بقية الفصائل الوطنية.
ولفتت إلى أن الخلاف بين السعودية ومصر أثر على موقف جامعة الدول العربية من أحداث شمال اليمن وجنوبه وقضية الوحدة بينهما، فنتيجة لدعم مصر لجبهة التحرير، وخلاف بريطانيا والسعودية مع مصر وجبهة التحرير المدعومة منها، اتفقت بريطانيا مع الجبهة القومية، وقررت تسليم السلطة في الجنوب لها منفردة في جنيف، بعيدًا عن تدخل جبهة التحرير ومصر في المفاوضات، خوفًا من تحقيق الوحدة بين الشمال والجنوب، والسيطرة من قِبل مصر على جنوب اليمن، وتهديد مصالح بريطانيا في السعودية والخليج العربي، لذلك استمرت السعودية بمساندة القوى الملكية في شمال اليمن، بعد حركة 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1967، وحزب الرابطة وحكام اتحاد الجنوب العربي الذين يرتبطون بمصالح مع بريطانيا والسعودية في الجنوب، وبالرغم من مطالبة الجامعة إشراك الجميع في استلام السلطة في الجنوب، وإقامة حكم وطني يتكون من كافة القوى الوطنية في الجنوب بعد خروج بريطانيا، إلا أنها فشلت في التوفيق بين الأطراف المختلفة، وبعد حصول الجنوب على الاستقلال وافقت الجامعة على انضمام اليمن الجنوبي لها، واعتبرت موضوع الوحدة شأنًا داخليًا يترك للشعب اليمني اتخاذ القرار فيه.
وقد اتسمت مواقف جامعة الدول العربية معظم الأوقات، بالإدانات الشكلية والمشاركة الوجدانية والتأييد المعنوي والمادي، مثل موقفها من الاعتداءات البريطانية على جنوب اليمن وشماله، وأحيانا تطلب الأمر منها إرسال لجنة مصالحة تابعة لها، لإيقاف الحرب الأهلية في شمال اليمن بين الجمهوريين والملكيين عام 1967، وإيقاف الحرب بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي عام 1972، وإرسال بعثة مشكّلة من الجامعة لحل النزاع العُماني مع اليمن الجنوبي، كما اضطرت أيضًا لتشكيل لجنة خاصة تعمل داخل مقر الجامعة لجمع الأطراف المختلفة، مثل اللجنة التي شُكِلت لإيقاف الحرب الأهلية بين جبهة التحرير والجبهة القومية، ومنها ما هو مهم تجاه قضية الوحدة اليمنية، وهي اتفاقية القاهرة عام 1972 التي وضعت الأسس الأولى لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية، أما الدعم المادي فكان لجبهة التحرير لمواجهة الاستعمار البريطاني.
وكشفت النفوذ السعودي كان له تأثير كبير على قرارات جامعة الدول العربية، بعد هزيمة مصر عام 1967، وتحديد واختيار القضايا التي تُناقش، بخصوص الوضع في اليمن الشمالي واليمن الجنوبي، والاهتمام الكبير بحادثة اغتيال رئيسي الشطرين الشمالي والجنوبي، واتهام حكومة عدن بقتلهما، واتخاذ مجلس الجامعة قررًا بتجميد العلاقات السياسية والدبلوماسية، ووقف العلاقات الثقافية والاقتصادية والمعونات الفنية التي تقدمها الدول العربية لليمن الجنوبي، ولم يكن هناك حتى تحفظ في القرار وإنما كان بالإجماع، على أن يعيد مجلس الجامعة النظر في تلك الإجراءات عندما تقوم حكومة اليمن الجنوبي، باحترام ميثاقها، ويعد ذلك القرار من أقوى القرارات، التي أصدرها مجلس الجامعة ضد دولة عضو فيها، منذ إنشائها عام 1945، حتى تلك اللحظة.
لقد كانت العلاقة بين الدول العربية داخل جامعة الدول العربية، محكومة بالتعاطف والاهتمام والتعاون لمصلحة أي دولة عربية أخرى، ولكن عندما يحدث خلاف بين دولتين، أو تظهر مصلحة تخص أي دولة من الدول الأخرى، يتغير الاهتمام داخل مجلس الجامعة، وتغلب المصلحة الضيقة على المصلحة العربية العامة، وهذا ما حدث لأحداث اليمن في الجامعة، فقد كانت معظم الدول العربية تؤيد قضاياه، ماعدا مصر والسعودية التي كانت تنظر لقضية اليمن ومشاكله في تلك الفترة من خلال توجهاتها وأهدافها السياسية، نظرًا لاختلاف الأفكار السياسية والأيديولوجية بين مصر التي تسعى لتحقيق مشروعها القومي العروبي، والسعودية التي تخاف من انتشار الفكر الاشتراكي، وتتبنى التضامن الإسلامي المحافظ.
وأوضحت الباحثة أن جامعة الدول العربية أسرعت بالتوسط بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي، بعد نشوب توتر وخلاف بين الطرفين على الحدود، وتقريب وجهات النظر بينهما من أجل تحقيق الوحدة، وحين دخل الطرفان في حرب مباشرة عام 1972، اهتمت الجامعة باحتواء الموقف وإيقاف الحرب، وتفاعلت معها بعض دولها، وشكّلت لجنة خاصة للتوفيق بين الشطرين، وأدت اللجنة دورًا إيجابيًا في الجمع بين الطرفين للتفاوض وتوقيع أول اتفاقية وحدوية، وبدأت المفاوضات الوحدوية بعد حرب 1972، فكانت أول اتفاقية وحدوية بين الشطرين تحت إشراف الجامعة، التي شكلت منعطفًا تاريخًا في مسيرة الوحدة اليمنية، ثم جاءت بعدها اتفاقية طرابلس من نفس العام، لكن الجامعة لم تنجح في تحقيق سريع للوحدة في تلك الفترة. أيضا حاولت جامعة الدول العربية إيقاف الخلاف الذي حصل بين اليمن الجنوبي بعد استقلاله وسلطنة عمان، نتيجة دعمه لجبهة تحرير عمان، واجتمع مجلس الجامعة لبحث الموضوع، وتقدم الأستاذ محمد أحمد نعمان، بمقترح باسم اليمن الشمالي لمجلس الجامعة لحل الخلاف بين البلدين، وشُكلِت لجنة مكونة من الأمين العام للجامعة وتونس والجزائر وسوريا والكويت وليبيا ومصر، وقد رحبت سلطنة عمان بها، في حين رفض اليمن الجنوبي، الاعتراف بأنه يوجد نزاع بينهما وحاول إقناع الجامعة أنه ليس طرفًا فيه، ورغم استمرار الجامعة ببحث الموضوع على أنه خلاف بين اليمن الجنوبي وسلطنة عمان، إلا أنها لم تنجح في حله، واستمر الخلاف إلى أن قامت الكويت بالتوسط بين الطرفين لإجراء محادثات بينهما عام 1982، ونجحت وساطتها وتوقف اليمن الجنوبي عن دعم جبهة تحرير عمان، مع توقف نشاط الجبهة في العام ذاته.
وقالت “انقسم العرب بعد سياسة مصر السلمية في الشرق الأوسط، فقادت سوريا جبهة الصمود والتصدي، المناهضة لمبادرة الرئيس أنور السادات للسلام وزيارته للقدس في نوفمبر/تشرين الثاني 1977، ورفضت حضور أي مؤتمر قمة عربي، وهنا اختلف موقف اليمن الشمالي واليمن الجنوبي من القضية الفلسطينية، بعد مبادرة السادات للسلام، فقد ظل اليمن الشمالي يحضر اجتماعات لجنة التضامن العربي، رفضًا منه لسياسة المحاور والتكتلات، وسعيًا لجمع الكلمة ووحدة الصف العربي، مع استرداد كل الأراضي المغتصبة والمحتلة من إسرائيل عام 1967، واستمر في حضور اجتماعات جامعة الدول العربية، على العكس من اليمن الجنوبي الذي رفض المبادرة وانضم إلى جبهة الصمود والتصدي، وظل يحضر اجتماعاتها التي أصرت على مواصلة النضال من أجل حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في تقرير مصيره، فضاعفت مبادرة الرئيس السادات، أسباب اختلاف وفرقة العرب وانقسامهم بين لجنة التضامن وجبهة الصمود.
ولم تهتم جامعة الدول العربية بحل النزاعات الداخلية بين الدول العربية، وتقوية التضامن العربي ووضعه في أولوياتها، بحجة الاهتمام بالقضية الفلسطينية الكبرى واسترجاع الأراضي العربية المحتلة بعد حرب 1967، لذلك لم تنجح في حل القضايا اليمنية والعربية، كما فشلت أيضًا في حل القضية الفلسطينية، واستمر الخلاف بين الدول العربية وضياع القضية الفلسطينية، وسخرت اجتماعاتها لتعميق الهوة بين شطري اليمن عام 1978، بقرار تجميد عضوية اليمن الجنوبي، بعد طلب اليمن الشمالي والدول الحاضرة، فصل اليمن الجنوبي من جامعة الدول العربية.
ومن بين ما خلصت إليه الباحثة من موضوع موقف الجامعة من اليمن قبل التقسيم وبعد التقسيم إلى يمنين عام 1967، وكذا دور اليمن شمالًا وجنوبًا في الجامعة إلى التأكيد على “أهمية بقاء اليمن موحدًا، بتعاون وشراكة كل الأطراف والقوى الوطنية، اعتبارًا من تجارب الصراعات الماضية في الشطرين، التي عطلت مسيرة التطور المرجو في حياة وتاريخ الشعب اليمني، لأن انقسام اليمن وتشطيره كان مدعاة صراع داخلي وسببًا لاستقطاب صراعات القوى الإقليمية والدولية، والتي وقفت أمامها المنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية الموقف السلبي، علاوةً على تباين موقف الشطرين في قضايا عربية حساسة، أكد تباين وجهتي نظر الشطرين واختلاف منهجيهما السياسي والأيديولوجي، الأمر الذي عمق الخلاف الشطري أكثر، وأيضا أهمية تطوير أداء جامعة الدول العربية تجاه القضايا الوطنية العربية، وعدم التأثر بسياسات خارجة عن نظام وميثاق الجامعة، والحرص على قرارات الإجماع، ومحاولة لم الصف العربي، وعدم إتاحة الفرصة لتمزيقه”.