مقالات
أخر الأخبار

حينَ تَسْتَبْدِلُ سُنَنُ التَّدافُعِ البشري ما عَجَزَتْ عَنْهُ الفَتاوى

أ.عبده سالم

إن السنن الكونية، ومن بينها سنّة التدافع الإنساني، يصعب التنبؤ بها بدقة قبل وقوعها، كما يصعب رصد مشاهدها وتحليلها بدقة أثناء حدوثها، وغالبًا ما تُقرأ هذه السنن بعد أن تنقضي أحداثها وتمر عواصفها، سواء تم ذلك من خلال قراءة سياسية أو تحليل سُنني. ويرجع ذلك إلى كونها أحداثًا متسارعة ومركّبة، تستهدف في العادة إما معادلة سياسية، أو نمطًا اجتماعيًا، أو كيانًا حضاريًا، فكل مشهد يُقرأ سرعان ما يعقبه مشهد آخر أشد منه وأشمل، يغيّر كل ما قرأه القارئون؛ وفهمه المحللون والمراقبون، وافتى به المفتون، بل قد يكون هؤلاء وغيرهم من بعض المجتهدين في تحليل هذه السنن، من ضمن من تستهدفهم تلك السنن نفسها، وهم لا يعلمون.
 
وقد تستهدف هذه السنن أيضا حقبةً تاريخيةً كاملةً بكل قوامها الإستراتيجي، وإن تم ذلك على مراحل، في سياق دورة تاريخية كبرى من الحروب والصراعات والتحولات الكبرى، وحتى موجات الموت الفردي والجماعي المتتكاثر على مستوى البشرية.
 
أعتقد أننا اليوم نقف على أعتاب غروب حقبة تاريخية بكل ما تحمله من رجال وأفكار، ونظم وصيغ، وثقافات ومزاج عام، وطابع زمني خاص – ما نراه اليوم من أحداث قد يتطور، ويُدخلنا في دورة تدافع أشمل وأعمق – إنه مسار تحوّل كلي يشمل الوعي والواقع معًا.
 
الراحلون سيمضون إلى مصائرهم، أما من كُتب له البقاء، فعليه أن يتهيأ لاستحقاقات عهد جديد، بعقل مختلف، ومزاج مغاير، ومنظومة فكرية متجددة لا تشبه ما سبق، كل ذلك، ضمن السنّة الكبرى في “الاستبدال” التي تعقب سنّة التدافع، ومن يعجز عن استيعاب هذا التحوّل، سيموت في كل يوم ألف مرة، حتى وإن بقي على قيد الحياة.
 
ومع أن قراءة سنن التدافع بوعي دقيق لحظة وقوعها أمر بالغ الصعوبة، بل إن الوعي بها غالبًا ما يأتي بعد فوات الأوان، إلا أن المؤمن يستطيع أن يقرأها بروحه وضميره، ولو كان من عامة الناس، وبإمكانه ان يشعر بها قبل وقوعها، لا عن طريق التوقع أو التحليل، ولكن بصفاء القلب ويقظة الوجدان، حين يتحرر من أسباب الغفلة.
 
وقد يقرأها كذلك أصحاب العقول والذهنيات المتقدة من غير المؤمنين، لكن من خلال إسقاطات مادية وتحليلات ذهنية، ويصيبون في كثير من الأحيان.
 
 في كل الأحوال، فإن حالة الارتباك التي نراها اليوم في محاولات تفسير ما يجري، تحت عناوين الموازنات الفقهية، أو المحددات السياسية، وما يصاحبها من أخذ ورد، وتضاد في الرؤى، وتناقض في المواقف، وتسطيح للحرف والمعنى، وتنمر في التعامل، وتحول الفقيه الى محلل سياسي، والمحلل السياسي الى فقيه متعمق، لا أظنها حالة صحية، ولا أراها مرشّحة لصناعة التحوّل أو رسم ملامحه أو استثمار مخرجاته، بل لعلها من الحالات التي ستطالها سنن التغيير، لتكون هي ذاتها من بين ضحاياها، لا من بين صانعيها.


*صفحة الكاتب على فيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى