
في تطور لافت يعكس حجم التعقيدات الأمنية والعسكرية في محافظة حضرموت، تشهد مناطقها تصاعدًا ملحوظًا في التوترات السياسية والعسكرية، لا سيما على امتداد الخط الدولي الرابط بين منفذي العبر والوديعة، الذي يُعد شريانًا حيويًا لحركة النقل والتجارة بين اليمن والسعودية، وأحد أهم الممرات الاستراتيجية في البلاد.
ومؤخرًا برزت تحشيدات عسكرية متزايدة تنفذها مليشيا المجلس الانتقالي داخل المحافظة، رغم المطالب السعودية والمحلية المتكررة بخروج هذه التشكيلات المسلحة من حضرموت، لما تمثله من تهديد مباشر للاستقرار الأمني داخل المحافظة.
في هذا السياق أعلنت قوات “درع الوطن ” يوم الجمعة 19 ديسمبر، إحباط محاولة لزرع عبوات ناسفة في منطقة الوديعة بمحافظة حضرموت، موضحةً- في بيان – ، أن العبوات كانت مزروعة في أحد المقاطع الحيوية على الخط الدولي الرابط بين العبر والوديعة.
وأكدت قوات” درع الوطن” أن العملية تأتي ضمن خطة استباقية شاملة تهدف إلى تأمين الطرق الدولية والخطوط الحيوية، ومنع أي محاولات لزعزعة الأمن أو استهداف المصالح الإقليمية المرتبطة بهذا الممر الاستراتيجي.
من جانبه قال المتحدث باسم المجلس الانتقالي إن قواته تعرضت لهجوم مجهول بطائرة مسيرة أسفرت عن إصابات في صفوف المليشيات في منطقة خشم العين بالعبر.
هذه التطورات تكشف عن تصاعد مقلق في حدة الصراع المحلي بين المكونات الجنوبية نفسها، كما يحذر مراقبون من أن يؤدي هذا المسار إلى تفجير مواجهات داخلية لا تخدم سوى توسيع دائرة الفوضى، وتقويض النسيج الاجتماعي، وتحويل المحافظة إلى ساحة صراع نفوذ بين أطراف جنوبية متنازعة، بدلًا من توحيد الجهود لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية.
مشروع سيطرة بالقوة
بهذا الشأن يقول الصحفي عبد الحفيظ الحطامي، إن:” التصعيد العسكري والأمني الجاري في منطقة العبر لا يمكن فصله عن مشروع متكامل يسعى من خلاله المجلس الانتقالي الجنوبي، بدعم إماراتي، إلى بسط السيطرة على محافظة حضرموت بقوة السلاح”.
وأكد أن اختيار منطقة العبر تحديدًا يحمل دلالات بالغة الخطورة، باعتبارها تمثل الميناء البري الحامي لمنفذ الوديعة، وقريبة بشكل مباشر من الحدود اليمنية السعودية.
وأضاف الحطامي لـ” المهرية نت” أن” هذا التصعيد لا يهدد حضرموت وحدها، بل يطرق أبواب المملكة العربية السعودية، من خلال دفع مليشيا مسلحة مدعومة إقليميًا، ومرتبطة بأجندات دولية، إلى مناطق تماس مع حدودها، في وقت تواجه فيه المملكة بالفعل تهديدات مستمرة من الحوثيين”.
تبريرٌ من أجل التوسيع العسكري
وأردف” الترويج الإعلامي الذي يقوده الانتقالي، والذي يدّعي محاربة التنظيمات الإرهابية، لم يعد مقنعًا، وهو بمثابة الأسطوانة المشروخة التي تُستخدم لتبرير التوسع العسكري وفرض الأمر الواقع”.
وأشار الحطامي أن ما جرى في حضرموت سابقًا كان احتلالًا مسلحًا تم تمريره تحت غطاء هذه الادعاءات، لافتًا إلى اتهامات علنية وموثقة للمجلس الانتقالي بدعم تنظيمات إرهابية، وبيعها أسلحة منهوبة بشكل مكشوف، وهو ما تؤكده – بحسب الخطامي – مقاطع مصورة تداولها الرأي العام، تظهر عمليات تسليح وتنسيق مباشر”.
وتابع” هناك تخابر وتنسيق بين الانتقالي وبعض هذه التنظيمات، إضافة إلى تهريب أسلحة من موانئ عدن، سواء إلى تلك الجماعات أو حتى إلى مليشيا صنعاء”.
ويرى الحطامي أن التصعيد الأخير يأتي في إطار محاولة متعمدة لافتعال اشتباكات مع قوات “درع الوطن” المدعومة سعوديًا، في تحدٍّ صريح يستهدف الضغط عليها لإجبارها على الانسحاب أو التقدم باتجاه الحدود السعودية”.
ويعتبر الحطامي أن هذا المسار يهدف إلى تحويل الانتقالي إلى أداة ابتزاز أمني وسياسي ضد المملكة، وهو ما يشكل تطورًا بالغ الخطورة في مسار الأحداث داخل حضرموت.
وحذر من أن ما يحدث لم يعد شأنًا حضرميًا محليًا، لا من حيث الجغرافيا ولا من حيث الهوية، بل بات تهديدًا أوسع من شأنه إعادة خلط الأوراق ووقف اندفاعة الانتقالي وعبثه بالمحافظات الجنوبية والشرقية.
واختتم تصريحه منبهًا من أن” هذه السياسات قد تقود إلى حروب داخلية، لا بين الشمال والجنوب، بل بين الجنوبيين أنفسهم، مع إحياء صراعات قديمة في سياق جديد، مؤكدًا أن” مؤشرات التصعيد الأمني الراهنة قد تقود إلى اشتعال مواجهات خطيرة على مقربة من الحدود السعودية”.
فراغ أمني محتمل
في السياق ذاته قال الناشط الإعلامي شوقي القدسي” ما تشهده منطقة العبر بمحافظة حضرموت خلال الفترة الأخيرة من تصاعد ملحوظ في مستوى التوترات الأمنية والسياسية، يعكس تعقيدات المشهد العام في المحافظة، ويكشف عن هشاشة التوازنات القائمة في واحدة من أكثر المناطق الاستراتيجية شرق اليمن”.
وأوضح أنه لا يمكن قراءة ما يجري في العبر بمعزل عن السياق الأوسع للصراع في حضرموت، حيث تتداخل الحسابات المحلية مع الأجندات الإقليمية، ويتحوّل الأمن إلى أداة في صراع النفوذ أكثر من كونه مدخلًا للاستقرار.
ولفت القدسي إلى أن منطقة العبر لها أهمية استثنائية كونها تشكل حلقة وصل جغرافية بين محافظات حضرموت ومأرب والمهرة، إضافة إلى ارتباطها المباشر بالخط الدولي المؤدي إلى منفذ الوديعة الحدودي مع المملكة العربية السعودية، وهذه الأهمية الاستراتيجية جعلت منها ساحة تنافس مفتوحة بين قوى تسعى كل منها إلى تثبيت حضورها وتأمين نفوذها على واحد من أهم الشرايين الاقتصادية واللوجستية في شرق اليمن.
وأضاف القدسي أن هذا التوتر سيسهم في إضعاف حالة الاستقرار النسبي التي كانت تشهدها المنطقة، فالتنافس بين القوى المسلحة، وتعدد مراكز القرار الأمني، سيؤدي إلى حالة من الإرباك الميداني، خاصة مع تزايد التهديدات الأمنية، سواء عبر الهجمات المباسرة بالطيران المسير والذي قام به الحوثيون أو محاولات التخريب واستهداف الطرق الحيوية عن طريق محاولات زرع العبوات الناسفة”.
وأكد أنه إذا استمر هذا هذا التوت فإنه قد يحول العبر إلى ساحة استنزاف أمني طويل الأمد، ما يفتح المجال أمام الجماعات المتطرفة لاستغلال الفراغات الأمنية وتوسيع نشاطها، في ظل انشغال القوى المتنافسة بصراعات النفوذ بدلًا من توحيد الجهود لمواجهة التهديدات المشتركة”.
إنعكاس إقليمي
بدوره قال الأكاديمي والناشط السياسي، د. عبده مدهش الشجري: إن ” محافظة حضرموت يتميز أبناؤها في المعرفة والسلام ورفض القوة والوصاية.. يعرفون معنى الانتماء للدولة ومعنى الانتماء للأقزام، وهذه الثقافة التي يتميز بها أبناء حضرموت، ترفض تغيير الوضع لصالح فئة أو جماعة تهدف إلى التسلط والتحكم بالمجتمع الحضرمي”.
وأضاف الشجري لـ” المهرية نت” ما يحدث في حضرموت عامة والعبر خاصة من توتر وخصوصا من قبل الانتقالي سيؤدي إلى تفاقم الصراع، وقد يدخل حضرموت في حرب ليس لها نهاية، ليس على مستوى صراع الجنوب والشمال ولكن على مستوى صراع الجنوبيين فيما بينهم”.
وتابع” ما يقوم به الانتقالي له انعكاسات على وضع اليمن ووحدته واستقراره.. كما أنه سيكون له انعكاس على أمن الإقليم بما فيه السعودية المحادية لحضرموت ومنطقة العبر التي تربط بمنفذ الوديعة المؤدي إلى السعودية”.
وأشار الشجري إلى أن” هذا التغيير في المعادلة من قبل الانتقالي سيتلقى مقاومة على مستوى البلد وعلى مستوى المملكة العربية السعودية التي ترفض تهديد أمنها.. فالأمن بين اليمن والسعودية متكامل ويشكل وحدة أمنية واحدة، وهذا ما قد يدفع السعودية إلى اتخاذ إجراءات رادعة ضد الانتقالي”.
المهرية نت






