
غزة- الوعل اليمني
تعيش المنظومة الصحية في قطاع غزة واحدة من أخطر مراحلها، مع تسجيل عجز غير مسبوق في الأدوية والمستلزمات الطبية والفحوصات المخبرية، في ظل استمرار الحصار وتداعيات الحرب التي استمرت عامين. وتحذر وزارة الصحة من أن استمرار هذا الوضع يهدد حياة مئات آلاف المرضى، وينذر بانهيار شبه كامل لما تبقى من خدمات الرعاية الصحية.
أكدت وزارة الصحة في غزة أن المنظومة الصحية تشهد حالة استنزاف خطيرة وغير مسبوقة، انعكست في تراجع حاد لقدرتها على تقديم الخدمات التشخيصية والعلاجية. وأوضحت في بيان لها
أن أرصدة الأدوية والمستهلكات الطبية والمواد المخبرية وصلت إلى مستويات حرجة، نتيجة الحرب والحصار وتقليص إدخال الإمدادات الطبية.
وبحسب بيانات الوزارة، بلغ عدد الأصناف الدوائية الأساسية التي نفذ رصيدها بالكامل 321 صنفًا، ما يمثل نسبة عجز وصلت إلى 52% من قائمة الأدوية الأساسية. كما سجلت قائمة المستهلكات الطبية نفاد 710 أصناف، بنسبة عجز بلغت 71%، في مؤشر خطير على تعطّل الخدمات الطبية الأساسية.
الطوارئ تحت الخطر
وأشارت الوزارة إلى أن أعلى نسب العجز تتركّز في خدمات الطوارئ والعناية المركزة، خاصة في المحاليل الوريدية المنقذة للحياة، والمضادات الحيوية الوريدية، والمسكنات الأساسية. وبلغت نسبة العجز في خدمات الطوارئ والعناية المركزة 38%.
وحذرت من أن هذا النقص قد يؤدي إلى حرمان نحو 200 ألف مريض من خدمات الطوارئ، وأكثر من 100 ألف مريض من إجراء العمليات الجراحية، إضافة إلى حرمان 700 مريض من خدمات العناية المركزة، ما يضع حياة هؤلاء المرضى في دائرة الخطر المباشر.
مرضى الكلى والأورام
فيما يتعلق بمرضى الكلى، أوضحت وزارة الصحة أن العجز في قائمة أدوية ومستهلكات غسيل الكُلى أدى إلى حرمان 650 مريضًا من تلقي العلاج المنتظم، في وقت يحتاجون فيه إلى 7,823 جلسة غسيل كُلى شهريًا، وهو ما ينذر بتداعيات صحية خطيرة قد تصل إلى الوفاة.
أما مرضى الأورام، فقد كشفت الوزارة أن نسبة العجز في أدوية علاج السرطان بلغت 70%، ما حرم نحو ألف مريض من استكمال بروتوكولات العلاج. وأكدت تسجيل وفياتٍ بين المرضى نتيجة عدم توفر الأدوية، مشيرة إلى أن حتى المسكنات التلطيفية الخاصة بمرضى السرطان غير متوفرة.
الرعاية الأولية
وأفادت الوزارة بأن 62% من أدوية الرعاية الصحية الأولية غير متوفرة، وأن المتوفر منها لا يلبي الاحتياج الحقيقي لنحو 288,208 مريضًا. وحذرت من أن هذا النقص يعرض المرضى لانتكاسات صحية خطيرة، مثل الجلطات القلبية والدماغية.
وأكدت أن هذه الحالات لا تتوفر لها أي تدخلات علاجية أو تشخيصية في ظل النقص الحالي، ما يعني أن آلاف المرضى معرضون لخطر الموت المحقق في حال استمرار الأزمة.
توقف الخدمات التخصصية
وأعلنت وزارة الصحة عن توقف كامل لخدمات القسطرة القلبية وجراحات القلب المفتوح، نتيجة غياب 100% من الأدوية والمستهلكات الطبية الخاصة بها. وأوضحت أن ما يمكن توفيره من خدمات القسطرة القلبية يتم تخصيصه فقط لحالات إنقاذ الحياة.
كما أكدت توقف 99% من عمليات العظام المجدولة بسبب عدم توفر مثبتات العظام والاحتياجات الضرورية لإجراء العمليات المعقدة. وفي مجال طب العيون، حذرت الوزارة من توقف العمليات التخصصية، حيث يُجرى الحد الأدنى فقط من التدخلات نتيجة نقص الأدوية والمستهلكات، بما في ذلك الأدوية الأساسية للفحص الطبي الأولي مثل قطرات توسيع العين.
وبيّنت الوزارة أن 59% من الفحوصات المخبرية الأساسية غير متوفرة، بما يشمل فحوصات حيوية ومنقذة للحياة، مثل صورة الدم وأملاح الدم وتحديد وحدات الدم، والمزارع البكتيرية، إضافة إلى فحوصات مرضى الفشل الكلوي.
وأكدت أن هذا النقص يحد بشكل كبير من قدرة الطواقم الطبية على التشخيص السليم واتخاذ قرارات علاجية دقيقة، ما يضاعف المخاطر على حياة المرضى.
قيود مستمرة
وأشارت وزارة الصحة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل تقليص إدخال الشاحنات الطبية إلى أقل من 30% من الاحتياج الشهري، مؤكدة أن الأصناف التي يُسمح بدخولها لا تلبي الاحتياجات الفعلية من حيث النوع أو الكمية.
وأضافت أن الاستهداف المباشر الذي تعرضت له المستشفيات والمرافق الصحية ومخازن الأدوية خلال الحرب، إلى جانب الاعتداء على الطواقم الطبية واعتقال عدد منها، فاقم من حدة الأزمة الصحية في القطاع.
ورغم انتهاء الحرب، تواصل إسرائيل تنصلها من الإيفاء بالتزاماتها التي نص عليها اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي، بعدم إدخال الكميات المتفق عليها من شاحنات الأدوية.
نداء عاجل
ودعت وزارة الصحة جميع الجهات المعنية والمؤسسات الدولية والإنسانية إلى التدخل الفوري والعاجل، والعمل على ضمان إدخال الإمدادات الطبية بشكل منتظم إلى مستشفيات ومراكز الرعاية الصحية في غزة.
كما طالبت بالضغط للسماح بإدخال قوائم الأدوية والمستهلكات الطبية دون قيود، وتمكين المرضى من السفر لتلقي العلاج خارج القطاع. وحذرت من أن أي تأخير أو مماطلة في تعزيز القوائم الدوائية سيقود إلى انهيار تام للمنظومة الصحية، وشلل ما تبقى من مستويات الرعاية الطبية في قطاع غزة.
وكان مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، قد دعا أمس إلى الموافقة العاجلة على دخول الإمدادات والمعدات الطبية الأساسية لمستشفيات غزة، مؤكدًا أن المرافق الصحية في القطاع تواجه نقصًا حادًا في الإمدادات والمعدات بسبب إجراءات دخول معقدة وقيود مشددة.
وخلال عامي الإبادة، تعمّد الجيش الإسرائيلي استهداف المنظومة الصحية في القطاع، عبر قصف المستشفيات والمرافق الطبية ومخازن الأدوية، واستهداف الطواقم العاملة في هذا المجال واعتقال عدد منها، ومنع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية.






