Blogمقالات
أخر الأخبار

قيود جامعية تقلص حراك الطلاب الأردنيين لمناصرة غزة

أنور الزيادات

يرصد كثيرون محدودية الحراك المتضامن مع فلسطين، والرافض العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بين الطلاب الأردنيين ويقارنون بينه وبين النشاط الطلابي المتزايد في الجامعات الأميركية والأوروبية.

رغم الحراك الشعبي الملحوظ الذي شهده الشارع الأردني في بداية العدوان على قطاع غزة، والتضامن الكبير مع أهالي القطاع المتضررين من العدوان المستمر، تراجعت أنشطة وفعاليات الحراك الطلابي في الجامعات، بعد قرارات عدة بفصل طلبة وإنذار آخرين، بسبب مشاركتهم في الفعاليات المؤيدة للمقاومة الفلسطينية، وتقلص النشاط الطلابي بعد اختفاء الضوء الأخضر الممنوح من الإدارات الجامعية في بداية الأحداث.
يرصد خبراء ومهتمون قيوداً كبيرة على الحراك الطلابي داخل الجامعات الأردنية، والذي جعل الطلبة يشاركون في الفعاليات التي يجري تنظيمها خارج الأسوار الجامعية، بعيداً عن التعليمات والقيود التي تفرضها الجامعات. يقول الأكاديمي الأردني ذوقان عبيدات، لـ”العربي الجديد”، إن “هناك أسباباً عامة تشير إلى تراجع الاهتمام عند المواطن الأردني بكل شيء، وهناك تراجع واضح في التعليم الذي أصبح يركز على الحفظ وطرق اجتياز الامتحانات، ما أدى إلى تراجع الحوارات العامة العميقة، وجعل التفكير النقدي غائباً”.
ويدلّ عبيدات على هذا التراجع بسرد حادثة مر بها أخيراً، حين كُلف من قبل إحدى محطات التلفزة بالعمل على الأثر التربوي لحرب غزة، فتواصل مع خمسة أساتذة جامعيين لإغناء الموضوع، لكن لم يرغب أي منهم بالحديث، مضيفاً أن هذا يلخص الكثير من أسباب تراجع الاهتمام بمثل هذه القضايا، ويعني أن هناك تخوفاً لدى أغلبية المواطنين من التعبير عن الرأي خشية العواقب.
يضيف الأكاديمي الأردني أن “الشعوب العربية بات لديها رعب من التعبير عن الرأي، وفي الأردن هناك حديث عن التنمية السياسية والأحزاب، والأحزاب جميعها تندد في بياناتها بالحرب على غزة، لكن أين جماهير هذه الأحزاب؟ وما نشاطاتهم؟ الحراك في الجامعات خلال القرن الماضي كان سببه وجود أحزاب حقيقية، وروح وطنية حية، وكان هناك من هو مستعد للسجن بسبب توزيع منشور، وكانت هناك شخصية وطنية وقومية للطالب، وكانت القضايا العربية على رأس اهتماماته. من المخجل أن طلاب العالم يقفون مع غزة فيما الطلاب العرب لا صوت لهم، ولا يتاح لهم القيام بنشاطات في بلادهم. المواطن العربي جرى تدجينه، ولم يعد لديه استعداد للتضحية. ربما هناك ضغوط، لكن البعض خائفون أيضاً”.
في المقابل، يقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية، محمد أبو رمان لـ”العربي الجديد”: “هناك حراك طلابي كبير في الأردن، والطلاب من أكثر الفئات حضوراً وتأثيراً في الفعاليات، وفي المشهد السياسي وحراك الشارع الأردني عموماً، وجزء كبير من حراك الطلاب انتقل إلى خارج أسوار الجامعات لسهولة التجمع والتواصل، وعدم الاصطدام بالتعليمات الجامعية. لاحظنا في بداية الحرب على غزة أن هناك تقييداً من بعض الجامعات، وصل أحياناً إلى فصل طلاب، بسبب مشاركتهم في فعاليات، ولذلك يتحاشى الطلاب القيود والتعليمات الجامعية بالبحث عن فضاء يسمح لهم بالتجمع وإقامة النشاطات، وهم يشكلون أكثرية المشاركين في الاحتجاجات قرب السفارة الإسرائيلية، والفعاليات المنتظمة بوسط العاصمة عمّان”.
ويوضح أبو رمان: “مرّ الحراك الطلابي خلال العقود الماضية بمراحل هبوط وصعود غير منتظمة، ففي الثمانينات كان حراك الطلاب ذا طابع أيديولوجي، وكان له حضور كبير، فيما أصبح التيار الإسلامي في تسعينيات القرن الماضي مسيطراً في الشارع الطلابي، ثم بدأت الإجراءات الحكومية للحد من نفوذ هذا التيار داخل الجامعات، وساهمت الحكومة في إيجاد تيارات طلابية مناكفة للإسلاميين. البيئة في الثمانينيات والسبعينيات كانت بيئة عرفية، ورغم ذلك كان هناك حضور طلابي، وفي التسعينيات، ورغم المواجهة بين الدولة والمعارضة على خلفية اتفاقية وادي عربة والتطبيع، كان هناك حراك طلابي قوي”.
ويضيف أن “اتخاذ مجموعة من الإجراءات داخل الجامعات أدى إلى تحولات كبيرة تحتاج إلى دراسات معمقة للخروج بنتائج دقيقة، ومن هذه الإجراءات قبول أعداد كبيرة من الطلاب لعمل توازن مع الحركة الإسلامية، وبعض هؤلاء جرى ربطهم بالسياسات الحكومية، ما أضعف الحضور المعارض في الجامعات. القيود الجامعية والعقوبات تحد أحياناً من أنشطة الطلاب، ورغم تحديث المنظومة السياسية في الأردن عام 2021، والذي شمل إقرار نظام الأنشطة الحزبية وإعادة الانتخابات الطلابية في الجامعات، فإن ذلك لم ينعكس على المناخ الطلابي، وحتى الآن هناك خوف طلابي من الانتماء للأحزاب، ففي الاختبار الأول للتحديث السياسي تعرض عدد من الطلاب لعقوبات ومشاكل، وهم بالتالي يشعرون أن هذه التوجهات لم تنعكس بشكل حقيقي على النشاط الطلابي”.
ويرى أبو رمان أنه “حتى الآن، هناك تخوف من الدولة من استغلال حركات سياسية هذا الانفتاح لصالحها، وهذه الحسابات المعقدة والحساسيات بين الحكومة والمعارضة فرضت جواً من التوتر داخل الجامعات، وكل ذلك انعكس سلباً على الحراك الطلابي، وجعل الطالب يفضل القيام بنشاطاته خارج أسوار الجامعة”.
من جهته، يؤكد الكاتب ماجد توبة، لـ”العربي الجديد”، أن هناك تراجعاً ملحوظاً للنشاط الطلابي المتضامن مع قطاع غزة في الجامعات الأردنية، خاصة إذا ما قارنا ذلك بالاحتجاجات الواسعة في الجامعات الأميركية والأوروبية، مضيفاً: “صحيح أن هناك مسيرات ووقفات نظمت في الجامعات الأردنية، لكنها لا ترتقي إلى الحجم المتوقع أو المأمول، ويرتبط ذلك بالموقف الرسمي المتشدد أمنياً في ضبط التحركات الشعبية، والواضح من خلال عدد الأشخاص الذين جرى توقيفهم على خلفية نشاطات ومسيرات، خاصة عند ساحة مسجد الكالوتي قرب السفارة الإسرائيلية في العاصمة عمان”.
يضيف توبة أن “الانقسامات بين القوى الطلابية والحزبية من بين الأسباب التي يمكن أن تفسر الخمول الذي تعانيه الجامعات، رغم وجود دعوات من قوى شعبية وحزبية ونقابية أن تأخذ الجامعات دورها الطليعي في الاحتجاجات، على غرار ما يحدث في الولايات المتحدة وأوروبا، وأن يكون لها دور في قيادة الشارع الأردني في التضامن مع قطاع غزة، وتعرية ما يتعرض له من إبادة. قبل عقود، عندما كنا طلاباً في الجامعات الأردنية، كان هناك حراك طلابي قوي، سواء في القضايا الوطنية أو القومية، خاصة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وكان طلبة الجامعات يتصدرون المشهد الأردني”. ويؤكد أن “حجم الضغط الداخلي من الجامعات على الطلاب، والضغوط الأمنية أيضاً، يحد من النشاط داخل الجامعات، ولذلك يحاول الطلبة تعويض هذا بالالتحاق بالفعاليات التي تجري خارج الجامعة، مثل الوقفات حول السفارة الإسرائيلية، والمسيرات الأسبوعية في وسط عمّان. أعتقد أن هناك محاولات لتدجين ومحاصرة أي تحرك طلابي في أغلب الدول العربية، ومنها الأردن، ما يحد من التحرك المتوقع للطلاب لدعم الشعب الفلسطيني”.
في السياق، يقول منسق الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة “ذبحتونا”، فاخر دعاس، لـ”العربي الجديد”، إن الحركة كانت موجودة ومتفاعلة، لكن قوة الحراك في الجامعات متفاوتة، بينما غالبية المشاركين في الاعتصامات والمسيرات هم من القطاع الطلابي. ويوضح أنه “في بداية العدوان، وعندما كانت إدارات الجامعات تسمح بالفعاليات التضامنية، كانت هناك فعاليات في أغلب الجامعات، لكن بعد فترة عادت عمادات شؤون الطلبة في الجامعات إلى تقييد حرية الحركة الطلابية، وهذا أدى إلى تراجع الأنشطة في الجامعات الأردنية”.
ويرى دعاس أن “الإشكالية تكمن في التضييق على حرية الطلاب في إقامة الفعاليات داخل الجامعات، وكانت هناك حالات عقابية كثيرة بحق الطلبة على خلفية محاولة إقامة فعاليات تضامنية. النظام الأكاديمي كله يقيد حرية التعبير، وأنظمة التأديب في الجامعات تساهم في غياب الحراك الطلابي، وتقيّد حرية العمل الطلابي بشكل كبير، عبر فرض عقوبات صارمة على الطلاب المشاركين في الفعاليات، إضافة إلى تراجع دور الأحزاب. القضية الفلسطينية تهم جميع الأردنيين، ومعظم المشاركين في الحراكات الشعبية اليومية هم من طلاب الجامعات، ويعتبرون ذلك وسيلتهم لدعم الفلسطينيين”.

المصدر: العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى